قال الجاحظ :(الغدر هو نقض العهد مطلقًا في لحظة لم تكن متوقعة ولا منتظرة ) أن يصطلي المواطن بجحيم نظام مستبد ، فيقوده العشم إلي الاعتصام أمام مقر القيادة العامة لقواته المسلحة _كونه الملاذ الآمن عند الشدائد_ثم يأتيه الغدر من حيث المأمن ، لدرجة أن تسد الأبواب في وجهه في تلك اللحظة الحرجة جداً من تاريخ القوات المسلحة والنضال السوداني ، فهذا يسمي الغدر . وأن يقف أفراد القوات المسلحة متفرجين من خلف الأسوار وهم يشاهدون أرواحا تنتزع وأعراضا تنتهك ، بل ولهبا تتصاعد حارقة بشرا أحياء في الخيام وهم في سابع نومهم غارقون ، فهذا هو أم الغدر وأبيه وجدته . * لا يختلف الموت والتقتيل الذي جري في صبيحة يوم الإثنين 3 يونيو 2019 في سوح القيادة العامة في العاصمة السودانية عن ما اعتادت عليه مواطنو المناطق الملتهبة في أجزاء السودان طوال سنوات نظام البشير ، إلا في كونه حظي بالبث المباشر علي وسائل التواصل الاجتماعي التي استطاعت عبرها بعض الفضائيات الاخبارية أن تقوم بنقل مجريات الأحداث علي الهواء وتوثيقها كأول عمليات قتل وحرق جماعي تنقل بهذه الكيفية . ما يعني بداهة أن ما جري في القيادة العامة لا يعدو كونه عملا روتينيا ظل يقوم بإرتكابه الجيش مسنودا بمليشياته في تنقلي ودلامي و لبدو ومرلا وطويلة وابوزريقة وصليعة وهبيلة وهيبان ومورني وشقي كارو و امبرو وكرمجي وشنقل طوباي وطور و جبال مون وأبقي راجل و بلاتوما وماريار ويابوس وقفه والفوج والمناطق المحيطة بجبل مرة وآلاف أخريات من القري والمناطق التي لا يزال من بقي من سكانها قابعون في معسكرات الذل والجوع في تلكم الأقاليم علي أيدي ذات القوات المسلحة . * لكن ما يحير اللب ويوقف عجلة التفكير ، هو أن يخرج أحد أبرز قادة القوات المسلحة والمتحدث الرسمي بإسم المجلس العسكري على أجهزة الإعلام في مؤتمر صحفي متباهيا ومقرا بمشاركة كامل عضوية المجلس العسكري بالإضافة إلى رئيس القضاء والنائب العام للتخطيط فيما حدث ، ومع ذلك ، يسلم الشارع راضيا بما يشكله ذات المجلس من لجان لتقصي الحقائق حول ما جري ، و بكل طيب خاطر ينتظر منه محاكمة نفسه بنفسه ! لا أعتقد أن أحداً عاقلاً يتصور أن تقود تلك التحقيقات الجارية مذ عام إلي نتائج ترضي ذوي الشهداء والمفقودين والجرحى في أحداث فض الاعتصام ، إلا إذا توصلت التحقيقات إلي الفاعل الحقيقي لعمليات القتل والتحريق في المناطق المذكورة آنفاً .. لأن الجهة الفاعلة واحدة وهي معلومة للجميع.. والعدالة لا تتجزأ . وإلا فسيصبح الجميع مشارك في الغدر بشهداءنا الذين ما كان لهم أن يموتوا بتلك الصورة البشعة لو لا غدر الغادرين وخذلان المتخاذلين .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة