مات الرجل قبل سنوات طويلة ولكن رغم الموت فما غاب عن الذاكرة والأذهان وما شفى غليلي أني بكيته ببرقية عزاء طويلة . كان مواطنا زعيما بحق ....ولم تكن بأرقو مدرسة وسطى ومن كان نابها متميزا من الأبناء أن يسافر لمدرسة القولد الوسطى وهي أقرب المدارس لمدينة أرقو رغم بعد المسافة ... درس فيها خيرة طلاب أرقو آنذاك . حمل المرحوم محمد أبو يوسف طاقيته وبدأ من أرقو لحلفا لنمولي للفاشر لبورتسودان ليضع من يقابله المبلغ الذي يستطيع دفعه حتى ولو تعريفة أو قرشا أو غيره ... واجتهد وجد وكد وبدأ حفر الأساس والبناء لمدرسة أرقو الوسطى وتم اكتمال البناء بصورة لائقة عصرية ...وكان لابد من أن يجد لها طلابا يلتحقون بها ...ذهب لأولياء الأمور والآباء الذين أخذوا أبناءهم بعد المرحلة الابتدائية لمساعدتهم في متاجرهم وأقنعهم بضرورة التحاق أبنائهم بالمدرسة الوسطى ونجح في جمع عدد معقول من الطلاب أذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر حسن عبد المجيد مقلد وقاسم حمدان رحمهما الله وأصبح المجال مفتوحا ليلتحق بها أشهر طبيب أذن وحنجرة البروف المرحوم شاكر عبد المجيد مقلد الذي ذاع صيته بالسودان وتلقفته السعودية ملبية له كل ما يطلب من راتب وسكن وتعليم خاص لأبنائه مستشارا في مجال تخصصه وهو شقيق المرحوم اللواء كمال عبد المجيد مقلد والذي قام بالانقلاب السابق لانقلاب البشير بأسبوع ولما فشل انقلابه أعتقل هو وزملاؤه ...كان الرجل قريبا لي وقريبا مني لاقيته في عزاء فقال إيه رأيك الواحد يقوم بانقلاب ويستلم البلد دي ؟ أجبته والله لا أزيدك إلا صفحة واحدة في كتابي هبلة وأدوها طبلة فقال لي والله أقتلك فقلت له لن تستطيع لعلمي بقرابته لي اللصيقة وطفولتنا وصبانا وزمالة الدراسة معا ... ومن عجب لاقيته ثانية ليلة الانقلاب في عزاء لابنة عم لي وهو يرتدي الزي الرسمي ويجلس ساهما شارد الفكر سارحا , مما أثار حفيظتي أن أسأله : مالك يا كمال ؟ فرد لا شيء ... حلمت في نفس الليلة بأنه مكبل بالقيود فاكتأبت وذهبت لمكتبي في وكالة الإحصاء والتخطيط التربوي ووصلتني جرائد اليوم المخصصة لمديري ومديري العموم من الوزارة وعلى صفحات الجرائد الأولى قرأت خبر إحباط محاولة انقلاب وعلى رأس الانقلابيين المرحوم كمال ولعله كان لو نجح أن يكون أفضل ممن تلاه إذا قطعنا بضرورة الانقلاب على حاكم اتصف بكثرة الكلام وقلة الانجاز ولعل من صلاح المرحوم كمال أنه جهز مبلغا من المال سلمه لابنه قائلا له هذا المبلغ للصرف منه على الفراش الذي يقام علي ولم يكن يومها يشكو من شيء وفي اليوم التالي أثناء الليل داهمته ذبحة ومات يرحمه الله ... كنا بوزارة التربية والتعليم ثلاثة أشخاص الأستاذ محمد عبد الحفيظ والأستاذ عزالدين وهما يعملان معي بقسم الإحصاء نكره جدا فساد الأحزاب ونلاحظه عن قرب ونكره أكثر من ينتمون لحزب الأمة الذين كما قال المرحوم محجوب شريف قدونا قد بكثرة نقلهم لأخبار رئيس حزب الأمة وأنه اجتمع حتى الساعة كم ليلا مع مكتبه السياسي وأنه عمل وعمل ويتفاخرون بما ليس فيه فائدة لا للسودان ولا الأمة .. وقام انقلاب ما يسمى باطلا بالإنقاذ ... ولا أنفي أننا فرح ثلاثتنا بالانقلاب ليومين فقط وكنت أنا فرحا لأنه سينقذ قريبي وزميلي وصديقي كمال من القتل رميا بالرصاص ...وفي اليوم الثالث جاءنا زائر ليخبرنا بأن البشير جبهجي وأخوانه جبهجية وحتى أزواج أخواته منهم ... فبدأت معاداتنا للانقلاب ... وجاءني أخي وصديقي الحبيب يوسف المغربي أطال الله عمره وكان وكيلا لتخطيط وقال لي مازحا في الغالب ستفصل للصالح العام لأنك في البرلمان وفي لجنة التعليم تصديت بعنف لرئيسة اللجنة التي نسبت لك معلومات أنت بريء منها وتلك المعلومات أغضبت الوزير ووزيرة الدولة والأستاذ المربي الفاضل محمد أحمد وكيل الوزارة والنقابات وكنت أنا عضو اللجنة المركزية لنقابة التعليم الثانوي وقتها فأجبته أنت تعلم أن العمانيين ينشدون عودتي ووصلوني حتى مكتبي بعد أن أنهيت إعارتي إليهم بعام وأصروا على عودتي إليهم ثانية فلا يهمني ما يفعلونه ...ضحك وقال لي أعلم ولكني أتمنى إحالتك للتقاعد للصالح العام لأنهم سيعطونك معاش تقاعد المجموعة الأولى ...لم أمهلهم حتى يصلوني فتقدمت بطلب التقاعد الاختياري ودخلت على الأستاذ كبوش وأقنعته بالتوقيع فوقع على مضض ...وللعلم فإن الأستاذ كبوش وقد انقطعت أخباره عني أعظم من عملت معهم عفيف الكف طاهر اليد يرفض استلام الحوافز التي يستلمها كل من يشارك في لجنة البعثات أو الترقيات أو التنقلات أو مجالس التأديب مثله مثل غيره وهو أحوج الناس إليها ....وكان أيضا الأستاذ الدكتور يوسف المغربي طاهرا ونظيفا ... إنهم جيل لا يتكرر ولنعد لموضوعنا الرئيسي ... فقد استمرت مدرسة أرقو لأعوام جلب لها المرحوم محمد أبو يوسف خيرة الأساتذة فمديرها الأستاذ المربي الفاضل عبد الحليم عبد القادر ومعلم الإنجليزي المتميز الأستاذ تميم وكان قديرا مفوها .... وجاء الوالد الشهيد الرئيس اسماعيل الأزهري لأرقو عام 1953 ليروج لفكرة مال الفداء ضريبة الحرية ..فأعطى محمد أبو يوسف مفاتيح المدرسة لناظرها وطلب منه أن يسلمها للأزهري بحجة أن اللجنة وصلت حدا لا يمكنها من دفع مرتبات المعلمين وقررت إغلاق المدرسة ...رد عليه الأزهري أن خلي المفاتيح معك سيتم اللازم ...بمجرد عودة السيد الرئيس للعاصمة أصدر قرارا بضم مدرسة أرقو لوزارة التربية والتعليم لتصبح مدرسة أرقو الوسطى الأميرية والتحقنا بها وهي حكومية خرجت أجيالا وأرتالا من الأعلام رحم الله أبانا محمد أو يوسف ونواصل معاودين إن بقي في العمر بقية
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
حسن الأفندي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست