كثيرٌ من النِعم الربانية التي نتمتَّع بها يومياً وعلى مدار الساعة وكأنها حقٌ (طبيعي ومُكتسب) ومفروغ من توَّفُرها والحصول عليها ، لا نأبه ولا نلتفت لأهميتها الإستراتيجية في حياتنا إلا إذا فقدناها أو أصابها شُح ، من ضمنها حق أن تستيقظ من نومك لتجد نفسك ما زلت تتنفَّس وتستنشق الأكسجين وتزفرهُ كسائر خلق الله ، بعد أن إستشرت جائحة كورونا في معظم دول العالم وأصبحت سبباً في حرمان مئات الآلاف من حق التنفُّس في مرحلةٍ من مراحل هذا المرض اللعين ، عجزت الإمكانيات المادية والعلمية في أعتى دول العالم عن توفير هذا (الحق) البديهي والطبيعي الذي يوفِّره رب العالمين ضمن نعمٍ كثيرة لا تُحصى ولا تعُد لكنا وعلى مغبة الجحود من النادر أن نلتفت إليها جاهرين بحمدهِ سبحانه وتعالى عليها ، لك أن تتخيَّل أخي القاريء حماك الله وإيانا وسائر أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن يصبح مُجمل حُلمك في الدنيا أن تكون قادراً وبدون مساندات طبية أو تكنولوجية على أن تأخذ نفساً عميقاً بيُسرٍ ودون عائق ولا رهق ، اللهم أحمِ السودان وأهله وسائر البلاد من هذا المرض الفتَّاك وهيئ لأهل العلم أمر إكتشاف علاجه وأرضَ عنا وجنَّبنا سخطك وغضبك يا أكرم الأكرمين.
من بابٍ آخر فإن حق التنفُس على المستوى المعنوي وليس الحِسي ظل مُرتبطاً في ثقافتنا السودانية اللفظية ، بتجريد الشخص من حق الكلام والتعبير عن نفسه وذلك من قِبل الطُغاة أو الحائزين على القوةِ والنفوذ والجبروت ، ففي عامة ما يرِد من ألفاظ التهديد مقفولة (أكتُم ولا نفس واحد) ، أو (أكتُم نفسَّك ما عاوِز أسمع صوتك ) ، (فكتم) النفس فيه عندنا نحن أهل السودان أقصى معاني الإضطهاد والسيطرة والمنع عن التعبير والكلام إن كان ذلك بالحق أو بالباطل ، لذا يراودني إحساسٌ دائم أن حق التنفُّس مرتبط إرتباطاً أساسياً بحق التعبير وحرية القول والإفصاح عن ما يجيشُ بداخل الصدور ، ومن الملاحظات في ذات المنوال أيضاً ذاك التعبيرُ المتداول الذي يربط الصدر كواحد من أعضاء الجسد البشري بمبدأ المصارحة والإفصاح عن ما يجولُ في الخاطر كقولهم (إفصحوا عن ما يجيش في الصدور) ، فالصدرُ يحتوي الرئتين والقلب وهما آلتين ربانيتين تعتمد إنزيماتهما على التزوُّد بالأكسجين الذي لا يمكن للإنسان التعامُل معه إلا عبر عملية التنفُّس ، لذا ليس من المُستغرب أن يكون التنفُّس حقٌ وهِبةٌ ربانية يمكن أن نطالب بها من يحاول حرماننا منها بالطُغيان والجبروت ، أو بتلويث بيئتنا الطبيعية وتحويلها بالممارسات الإنسانية السالبة إلى بيئة غير صالحة للـ (التنفُّس) الطبيعي والسليم ، أو بالتهاون والإستهتار بالأوبئة وعدم التقيُّد بالتوجيهات الصحية والطبيعية التي تحمينا من إنتشارها أو الإصابة بها وتحمي كذلك من يشاركوننا الحياة من نقلنا العدوى إليهم والتضرُّر من تداعياتها التي قد تصل لا قدر الله إلى حد الموت بعد المعاناة والرهق العنيف .. (اللهم لك الحمد على فيض نعمك التي لا تُحصى ولا تُعد).
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة