صدمة كبرى كانت هذه الحرب صدمة كبرى للشماليين.. ودعونا نكون عادلين، فكافة الحروب التي خاضوها ضد المجتمعات الأخرى لم تمس الشمال بسوء، -حتى هذه الحرب- قصرها حميدتي على المناطق المتاخمة للخرطوم دون أن يبتعد كثيراً نحو الشمال، رغم أنه لو أراد قطع رأس الحية لترك كل المناطق الأخرى في دارفور وكردفان والجزيرة..الخ ووجه جيشه بأكمله نحو الشمالية ونهر النيل وضربها ضربة واحدة.. حينها كانت الحرب لتنتهي قبل أن تبدأ.. لكن حميدتي -ولسبب يعلمه هو وحده- لا يريد الضغط على الشماليين كثيراً، وأقصد الضغط عليهم نفسياً. فبالرغم من أن ما نالهم من هذه الحرب لا يساوي سالب واحد مما نال الجنوبيين وأهل الشرق وجبال النوبة ودارفور وكردفان والنيل الأزرق من جيش الشمال، لكن أنظروا إلى الشماليين كيف أصبحوا يصرخون ويبكون ويتوحوحون وحوحة المومس في السرير. فكيف لو أنه هاجم بكل جيشه الشمالية ونهر النيل. هناك العديد من الشماليين الذين فقدوا عقولهم بسبب الحرب -أقسم بالله على ذلك- لقد أصيب العديد منهم بالجنون. فماذا لو امتدت الحرب إلى الشمال امتداداً أعمق من ذلك، وكيف لو أصابهم ما كان يصيل الدينكا والنوبة والفور ..الخ من جيشهم الفاشل..؟ حميدتي لا يريد تذكيرهم بحملة الدفتردار التي خضع بعدها الشماليون خضوعاً على بياض لأجدادنا الأتراك. فعمل الشوايقة سناجك يقاتلون باسم محمد علي، وعمل الجعليون نخاسين لمصلحة سوق الجلابة بالقاهرة. كانت حملة الدفتردار قاسية جداً، فقد تم فيها قتل الشوايقة تقتيلاً عنيفاً واغتصب فيها العديد من نسائهم، لذلك ظهر فيهم بعد ذلك أطفالٌ صفر البشرة، وأما الأصليون من الزنوج فأسماهم الشوايقة الصفر (بعبيد الشايقية) رغم أن الشوايقة أصلهم زنجي بل شديد الزنوجة. أما (الجاهلين) -وهو اسمهم الحقيقي في كتب التاريخ ومنهم كتاب رحلات أعالي النيل لسليم قبودان أو القبطان سليم؛ الذين غيروا اسمهم للجعليين؛ فقد فروا عائدين إلى أهلهم في الحبشة وكانوا قبائل مضطهدة في الحبشة لأنهم كانوا يمارسون السطو على المنازل والمزارع، فطردهم الأحباش. وبعد حملة الدفتردار هربوا عائدين إلى أهلهم في الحبشة فاستقبلوهم خير استقبال، قبل أن يعود بعضهم منحدراً إلى مشارف النيل. أقول؛ مثلت هذه الحرب صدمة كبرى، أصابت الكثير من الشماليين بالهذيان، فباتوا يفكرون كالأطفال، وينطقون نطقهم، وهم يرفضون استيعاب الحقائق لأنها لا تصب في مصلحتهم. فظلوا ينكرونها وسيظلوا ينكرونها حتى تأتيهم الطامة الكبرى بغتة وهم لا يشعرون. ورغم كل ما حدث، يقوم البرهان بتخديرهم بالأوهام، وآخر الأوهام تعيين كامل إدريس رئيساً للوزراء.. أي وزارة ليكون لها رئيساً يا قوم.. بل أين هي البلد أساساً.. بالله عليكم هل هذا كلام عاقلين.. لا بل يريد البرهان تخديرهم بأسلوب السبعين عاماً المنقرضة منذ الاستقلال حتى اليوم وهو إعادة تدوير قمامة الجلابة في الأرض الخرابة. حتى يشعروا بأن كل شيء على مايرام، رغم أنهم يعلمون -في قرارة أنفسهم- أن لا شيء على ما يرام. يعلمون علم اليقين، أن تاريخ فسادهم وعنصريتهم لن يعود، وأن ذلك الماضي ما عاد مقبولاً لكل القبائل الأخرى في الشرق-الذي هربوا إليه- قبل باقي مناطق السوءدان الأخرى. لا يمكن أن نعود لعصر الخنازير مرة أخرى. فالدعم السريع لم يخض حرباً.. بل طرح "فكرة" والفكرة لا تموت. ليست المسألة اليوم هي الحرب، بل ما بعد الحرب. وما بعد الحرب (في كل الأحوال) ليس في مصلحة الشماليين. لقد انكسر جيشهم انكساراً مخجلاً أبان عوراته التي كانوا يخفونها بالتبجيل الوهمي والتقديس المزيف. نعم.. كان جيشهم منهزماً في الجنوب وجبال النوبة وكردفان والنيل الأزرق ودارفور منذ أن بدأ هذه الحروب بنفسه، لكن لا أحد كان يقول ذلك، أما اليوم فالوضع مختلف تماماً، فقد صرخ كبضاب قائلاً لأهله: أنهم لا يريدون أن يكونوا جنوداً مقاتلين بل يصبحوا ضباطاً فقط ويحصلوا على الدبابير والنجوم والمقصات الذهبية، وتركوا القتال للنوبة وغيرهم. وناداهم صاحبهم: تعالوا وقاتلوا: لكنهم هربوا أجمعين، لقد فر الشماليون بأزواجهم وأموالهم وأنفسهم وأبنائهم إلى بلاد العالم الدانية والقاصية، وتركوا قلة تقاتل قتال الاستعراض على شاشات الهواتف في الفيس والانستجرام والتيك توك، حتى أن حميدتي رأى أنه لا حاجة للابقاء على الخرطوم وهذه المناطق في يده بكل تكاليفها الخدمية من ماء وكهرباء وحماية وأمن فانسحب منها وهو يعلم أنه يستطيع أن يدخلها في أي وقت يريد. فجيش الشمال تعرى وأصبح مفضوحاً عند كل شعوب العالم. الجيش الذي يفر قادته من العاصمة لقرابة سنتين، وينزوون كالرهبان في إقليم صغير، فهو ليس بجيش بل هو أدنى حتى من أن يكون مليشيا. وهذا ما دفع البرهان لتعيين كامل إدريس ليغطي بعضاً من الخزي من ناحية وليصنع بديلاً لقحط وحمدوك من ناحية أخرى. لكن كل هذا جاء بعد فوات الأوان. دعونا نقول الحقيقة المرة كالحنظل: الحرب لم تبدأ بعد.. لقد قاس فيها حميدتي قوة جيش الشمال وعلم أنه جيش (تعبان ساي).. وهنا .. ومن هذه اللحظة ستبدأ الحرب الحقيقية.. الحرب التي ستبدوا وكأنها من جانب واحد.. فهي أشبه بالأمس.. أشبه بحملة الدفتردار... وكان الله من وراء ااقصد والله عزيز حكيم..
05-24-2025, 09:14 PM
اسماعيل عبد الله محمد اسماعيل عبد الله محمد
تاريخ التسجيل: 08-26-2007
مجموع المشاركات: 3111
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة