كيف تم تدجين الاوربيين خلال مائتي عام؟ وكيف استطاعت القوى الصناعية الكبرى دعم ذلك التدجين؟ تم ذلك في البداية عبر استخدام سلاح الفضيلة..ولكن ليس الفضيلة بمعيارها الديني، وإنما بمعيارها الإنساني..فأخطر سلاح لدى اي نظام قمعي هو الفضيلة، والتي كانت قبل العالمانية الأوروبية تحت يد الكنيسة. لكنها بعد ذلك تحولت إلى الافكار التنويرية، التي وجدت دعمها في الانقلاب الاقتصادي في أوروبا عقب الثورة الصناعية. وهنا بدأت ربط حقوق الإنسان بعدة ملامح أولية: - خصوصية الجسد. - الفردانية (خصوصية الكينونة). - العمل (خصوصية الكسب).. - الحرية الفردية (خصوصية الثقافة).. تلك العملية المتكاملة، واكبتها صناعة المؤسسات الرأسمالية الكبرى: - الإعلامية.. - البنوك.. - المصانع.. - التجارة.. وهكذا تشكل تحالف بين تلك المؤسسات، التي بدأت بترويض الأوروبيين على رفض العقوبات البدنية، رفض التكامل الإجتماعي (عبر ضرب مؤسسة الأسرة الإقطاعية)، تحويل المرأة إلى يد عاملة عبر فصلها عن ثقافة ربة المنزل، وبالتالي الإجهاز على أهمية وجود العبيد، بعد أن حلت الآلة الصناعية الواحدة محل عشرات العبيد. وتمت محاربة العبودية التي كانت أشبه بالحرب على الهجرة غير الشرعية اليوم. ولضمان انتصار القوى الصناعية على الأمد الطويل، طبقت بريطانيا الماركينتالية في مرحلة أولى وهي المنافية لمبادئ التحرير الاقتصادي التي تدعمها الليبرالية،ثم بعد ان تمت السيطرة على الأسواق العالمية، كان لا بد لها من إضعاف أي احتمالية لظهور منافسين في القارات الأخرى، ولذلك عادت أوروبا لتفرض التحرير الاقتصادي على الشعوب الضعيفة، وهكذا لن تستطيع تلك الشعوب حماية صناعاتها من المنافسة (راجع التمرد الهندي والصيني)، بل ولا حتى قطاعها الزراعي عندما يتم وقف الدعم عنه. في الواقع لا تستطيع أي دولة افريقية او عربية اليوم أن تتجاهل التحرير الاقتصادي، لأنها ستتعرض للعزل، والتدمير، وأغلب الحكومات، تحاول أن تحمي نفسها بطاعة القوى الرأسمالية العالمية التي ترغب في وضع الشعوب الاخرى كلها داخل حقل الترويض والانضباط الذهني..والذي يبدأ بمناورات متخفية في ثوب حقوق الإنسان والحرية والدموقراطية..أي الأخلقة (اي ربط نظرية ما كالدموقراطية بالفضيلة أو الأخلاق)، وهكذا تتجاوز حقلها النظري لتصبح ديناً قائماً بذاته لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ولا يجوز الطعن فيه. رغم أن كل تلك النظريات معبأة بالأزمات المفهومية، ورغم أن تناولها على مستوى أحادي يمنع عن التفكير في تطويرها أو إيجاد بدائل أكثر نجاعة أو تخفف من سلبياتها. وظهرت وسائل الترويض الرقمية الاحتكارية والمتمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي، والمواقع الدعائية التي تفرض ضوابط ترويضية أخرى على مستوى اعلى، تجعل البشر بمختلف جنسياتهم خاضعين لها، نسبة لاحتكارها الطبيعي (المدعوم سراً) والذي رأينا كيف أن الرئيس ترامب تعرض للعزل المشدد عبرها ليكون عبرة لغيره.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة