لابد ان الجميع قرأ شيئا من نوادر الحمقي والمغفلين في التراث العربي، فمثلا يحكي ان رجلا يملك نصف بيت، ولكنه يطمع في بيت كامل، ففكر وقال: ابيع النصف الذي لي، واشترِي النصف الآخر، حتي يصبح البيت كله ملكي!
وقصة رجلين أخذا يتمنيان: فقال احدهما اتمني ان يكون لي قطيع من الغنم، فقال الآخر اتمني ان يكون لي قطيع من الذئاب حتي تأكل غنمك، فتشاجرا وقالا نحتكم الي رجل كان يقترب منهما، والرجل كان يحمل خرجين من العسل علي حمار، وبعد ان استمع الي قصتهما .. اسرع الي خرجي العسل وافرغهما علي الأرض وقال: صب الله دمي مثل هذا العسل ان لم تكونا احمقين!
وكان بالأمس يا ما كان، في حاضر القرن الواحد والعشرين، كانت لدولة لبنان (حكومة) تدير شؤونها!!! وفي ذات يوم في عام 2013، توقّفت الباخرة "روسوس" في مرفأ بيروت العاصمة، وكانت الباخرة قادمة من جورجيا في طريقها إلى بلاد الموزمبيق. كانت الباخرة محمّلة بشحنة كبيرة جدا من مادة نترات الأمونيوم الكيميائية، وهذه مادة قابلة للانفجار، ونشب خلاف قضائي حول الشحنة، فتم احتجازها ومن ثم تفريغها بمستودع خاص بالكيماويات في المرفأ، ظلت الشحنة موجودة كما هي لسنوات، فقد نسي أمرها تماما، وفي ذات يوم في اغسطس 2020 صحا اهل بيروت علي انفجار ضخم، انها شحنة نترات الأمونيوم!!! الشحنة دمرت الميناء واهلكت الحرث والنسل، وتفاصيل الدمار معلومة للجميع، وتم تكوين لجنة تحقيق! وانتهت الحكاية! نعم هكذا سيحفظ التاريخ الحكاية، التفاصيل ستنسي بالطبع.
بعض الناس يفضلون الميل الي نظرية المؤامرة، مع انهم غير مقتنعين بها، فليس هناك تبرير غيرها، لأن استبعاد المؤامرة لا يقودنا الا الي حقيقة النظم المغفلة، فالحكاية فعلا تمثل نموذجا فريدا في الغباء، الجديد في هذه النادرة ان الغباء ليس غباء شخص، وانما هو غباء (سِسْتِم) غباء المنظومة الادارية، لقد كانت مهمة بعض مسؤلي المستودع هي المحافظة علي ما في المستودع، والقيام بالاستلام والتسليم كيفما طلب منهم، ولم تكن هناك مهمة لشخص معين ان يحدد.. هل تصلح الشحنة للتخزين؟! ولكم من الزمن يتم التخزين؟
عندما نتكلم عن الغباء المنظومي فنحن (اسياده) ولذلك نحن مؤهلون للحديث عن (بيروتشيما) بجرأة اكثر من غيرنا، فمهما قلنا لا يمكن ان يعد حديثنا سخرية او شماتة، لأن (اب سنينة) لا يجوز ان يضحك علي (اب سنينتين)! كثير من ازماتنا ومشكلاتنا العويصة هي نتاج النظم الغبية، خاصة عندما يشيخ النظام ويترهل نسبة لبقائه لأكثر من ربع قرن، ونحن نطلق عليه كلمة (نظام) علي سبيل المجاز، فهو اقرب الي العشوائية منه الي النظام.
رغم الضرر الكبير فهناك شيء من فائدة، فحكاية انفجار بيروت تمثل اضافة حقيقية لتراثنا العربي، فهي اثراء نوعي، عصري لنوادر الحمقي والمغفلين، المجموعة التي ظللنا نقرأها بليت وطال عليها الزمان، ولكن لو تأملنا في حياتنا في هذا العصر، لوجدناها زاخرة جدا بالحماقات والهبنقيّات، خصوصا فيما يتعلق بالادارة والسياسة، فحياتنا السياسية بالنسبة للعالم الأول اقرب الي الطفولة!
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة