• خرج الشعب السوداني في ثورة سلمية عظيمة في ١٨ ديسمبر 2018م لإسقاط نظام حكم الرئيس السابق عمر البشير الذي حكم البلاد بقبضة حديدية لمدة ثلاثين عاما، ونجح في ثورته السلمية واسقط حكم البشير بحلول الحادي عشر من ابريل ٢٠١٩م. • بالرجوع الى سؤال مكاسب ثورة ديسمبر، سنجد اجابات عديدة عن المكاسب التي حققتها الثورة الديسمبرية، على رأسها اسقاط النظام البائد والقاء القبض على كبار مسئوليه وتقديمهم الى محاكمات علنية على العديد من قضايا الفساد والقتل والتعذيب..الخ. • ايضاً حققت الثورة مكاسب جيدة في ايقاف الحروب الداخلية في دارفور وجبال النوبة والنيل الازرق، كما نجحت في رفع اسم السودان من القائمة الامريكية للدول الراعية للإرهاب. • ولكن في تصوري فإن اعظم مكاسب الثورة الديسمبرية هي الحرية. نعم، حرية الأفراد، وحرية الأحزاب وحرية الصحافة. فقد قضت الثورة المجيدة على العهد الذي كان يعتقل فيه الافراد ورؤساء تحرير الصحف والقيادات الحزبية والنقابية والطلاب ويوضعون في السجون لمدد غير محدودة بلا جرم غير ابداء وجهة نظر مخالفة او لعقد اجتماع سلمي بدون الحصول على إذن رسمي أو لأجل مقال او تحقيق صحفي عن الفساد. • فالحرية قيمة إنسانية عظيمة، وعلى مرّ التاريخ نجد أن الحرية كانت دائماً مطلباً للشعوب وحقاً شرعياً سعت باستمرار الى ترسيخه في علاقاتها البينية وفي علاقاتها مع الانظمة الحاكمة التي تعمل دائماً على النقيض من ذلك. • في الثقافة الغربية يُنظر إلى الحرية، وخصوصاً من المنظور العلماني، بأنها حق الفرد في أن يفعل ما لا يضر بالآخرين. • أما في الثقافة الإسلامية فنجـد أن فقهاء المسلمين عرّفوا الحرية بأنها مَكَنَة التصرف التي وهبها الله للإنسان لاستيفاء حقه وأداء واجبه دون تعسف أو اعتداء. • فالحرية هي نقيض الخوف، والحرية تجعل المرء أكثر ثقة بنفسه وبقدراته، وأكثر جرأة في أن يقول "لا" لِما يراه خطأً وأن يقول "نعم" للحق والصواب وهو مطمئن البال بأن لا اعتقال ولاتحقيق ولا تهديد عليه أو على أسرته بسبب رأيه المخالف لرأي المدير، أو لرأي الوزير أو لرأي الرئيس. • وبهذه الصفة تصبح الحرية هي أهم مكاسب الثورة الديسمبرية في تقديري. في المناخ الحر تَقِل، بل تتلاشى بؤر الفوضى والتجاوزات في المجتمع، وفي نفس الوقت يزداد التزام الناس بالقانـون والأنظمة، إلتـزامٌ يوصل في خاتمة المطاف إلى الرفاهيـة والسلام والرضا في أوساط المجتمـع. • صحيح، أن حكومة الفترة الانتقالية فشلت حتى حينه في تحقيق وعودها بحل الضائقة المعيشية للمواطنين ووقف التضخم وتوفير السلع الضرورية كالخبز والوقود والغاز والادوية، ومع ذلك واصل الناس صمودهم، مانحين الحكومة الانتقالية المزيد من الوقت لإصلاح الأوضاع، ومردّ كل ذلك في تقديري هو حالة التفاؤل الجمَعي لدى المواطنين بأن التغيير الذي أحدثوه بهذه الثورة العظيمة سيأخذهم الى بر الأمان إن عاجلاً أو آجلاً، وأن التضحيات التي قدموها في مواجهة النظام البائد ممثلة في الشهـداء والجرحى والمعتقلين والمفقودين لن تذهب هدراً، وأن ثمار ثورة ديسمبر سيتذوقها الجميع. • كذلك، فإن الشعب على قناعة تامة بأن لا بديل للديمقراطية، وأن مصلحة الشعب الحقيقية هي في بناء نظام حكم حر وديمقراطي يؤمن بالتبـادل السلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع لا عن طريق المدافع والدبابات وسفك الدمـاء، فقـد ولّى زمن الانقلابات العسكرية إلى غير رجعة. • الشعب الذي استنشق نسايم الحرية لن يقبل بأي محاولات أو مغامرات من الجيش للعودة الى عهد الدكتاورية والحزب الواحد والصوت الواحـد. نحن نعيش الآن تجربة الحكم المدنـي الذي يهـدف إلى وضـع النقاط على الحـروف، وإعـادة ترتيب هياكل الحكـم يحيث ينصرف كل قطـاع من قطاعات الدولـة إلى أداء عملـه وواجبـه في مجال اختصاصه فقط. • وفي نفس الوقت يجب علينا جميعا أن ندرك بأن الحرية والديمقراطية الناتجة عن هذه الثورة العظيمة تحتاج الى حماية والى تطوير. وهذه الحماية وهذا التطوير عمل مشترك ما بين الحكومة الانتقالية والقوى السياسية الداعمـة لها من احزاب ونقابات ومنظمات طلابية ولجان احياء وأجهزة إعلام. • على الحكومة الانتقالية السعي بكل جد واجتهاد لتنفيذ بنود الوثيقة الدستورية، والقيام بالإصلاحات الأساسية في أجهزة الدولة وازالة التشوهات والتجاوزات التي طالت الخدمة المدنية. • ايضا ينتظر من الحكومة المضي قدماً في مسار السلام، وان تعمل مع شركاء السلام من الداخل والخارج بما يساهم في اعادة اللاجئين والنازحين الى قراهم بعد تاهيلها. كما يجب على الحكومة ايجاد حلول للأزمة المعيشية الخانقة التي يعاني منها المواطن • الأحزاب السياسية في تحالف الحرية والتغيير والاتحادات ولجان المقاومة لها ايضا نصيبها من المسئولية في حماية مكتسبات ثورة ديسمبر وذلك عن طريق بث الوعي في أوساط الجماهير وتذكيرهم بسلبيات الأنظمة الشمولية حيث القهر والاعتقال والتحقيق. • يجب التأكيد للجميع، بأن تقوية التجربة الديمقراطية وحمايـة الحريـة لا تقتصر على الأجهزة الحكوميـة فقط، بل ينبغـي مساندة تلك الجهـود بجهـود شعبية ممثلة في تحالف قوى الحرية والتغيير ولجـان المقاومة التي هي الأكثر التصاقاً بالجماهير من خلال تواجـدها الكبير وسط الأحياء والقرى مما يؤهلها لأن تكـون الأكثر قدرة على التعبير عن رغبـات الناس وأمنياتهم وتطلعاتهـم نحو مستقبل زاهر. • في الختام، أعتقد أن من الضروري توجيه رسالة شديدة الوضوح لكل الحالمين والراغبين من ضباط المؤسسة العسكرية في الاستيلاء على السلطة تحت ذريعة فشل الحكومة الانتقالية، بأن أحلامهم ورغباتهم سوف لن تجد لها موطء قدم على أرض السودان، أرض الثورات والبطولات. فهذا الشعب الذي صمد أمام آلة بطش النظام السابق لن يسمح بعودة الدكتاتورية بوجه جديد لتصادر حقه في الحرية والسلام والعدالة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
طه داوود
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست