انتشر في الايام الماضية فيديو لأحد اهراماتنا العلمية و نخبتنا الفكرية و رمز سوداني غني عن التعريف و هو بروف محمد حسين ابو صالح متحدثا في احداث تاريخية منطلقا و مؤسسا لها من جلسة جمعته قبل أربعة عقود في انجلترا بعالم يهودي حدثه فيها عن رؤية اليهود للسودان و شعبه و ذكر مقارنات تاريخية مهمة بين احداث و جغرافيا المنطقة و احداث و شخصيات دينية و هنا لست في مجال الرد على البروف فليس مثله من يرد عليه لكن اراها فرصة عظيمة يمكن استغلالها لبدء نقاشات جدية حول تاريخ السودان و حضارته فهذه المقارنات و الربط بالميثلوجيا موجود بكثرة بل أضحت اشبه بالعقيدة الراسخة لدى البعض و كثيرا ما تمت مناقشات حول تاريخ السودان من زاوية الدين و الايمان لا المنهج العلمي لكن عندما تأتي السانحة من اعلى الهرم فهنا مساحة يجب الاستفادة منها للارتقاء بالوعي العام و استغلالها للتعريف بمن نحن و لنا كباحثين لمزيد من البحث و التنقيب بداية اسم السودان شابه الكثير من التغبيش و تم ترسيخ الكثير من المعلومات الخاطئة حوله لكن بالعودة الى الخرائط القديمة للرحالة العرب و المؤرخين مثل البلخي و الاصطرخي نجد العرب يحددون منطقة جنوب المغرب باسم السودان في حين يطلقون علينا اسم البجا و يقسم بعضهم العالم لاربعة مكونات روم و بربر و قبط و سودان مثل ما ذكر ياقوت الحموي و سودان ليس فقط وصفا للافارقة بل وصفوا بها الشعوب الممتدة الى جنوب الهند بما في ذلك الجزيرة العربية و هو في اصله وصف بدوي قبيح إضافة الى ان تاريخنا به حقب و اسماء معروفة بداية من تاسيتي و بعدها كوش ثم النوبة تليها السلطنة وصولا للسودان لكن الجديد تأكيد البروف انه يعني بأربع لغات مختلفة أرض اليهود و هو معنى جديد لم يذكره مرجع علمي من قبل ثانيا ما ذكره البروف عن الشخصية السودانية و ( رفع نخرتها ) و عدم رضاهم بالذل او الهوان أعتقد انه ينطلق من تاريخ عظيم قبل وجود اليهود انفسهم كشعب بكثير فأجدادنا وصفوا انفسهم بالرمتو أي ( خير البشر ) و أكدوا دوما انهم المباركين من الاله و دوما ميزوا انفسهم عن بقية البشر و وثقوا لذلك رسما و نحتا و موروثا حيث تجد تحيتهم و العابهم و الجرتق و حتى الشلوخ مما حير علماء المركزية الاوربية في تصنيفهم فهم ليسوا بيض البشرة و ليسوا زنوجا فسموهم العرق البني فربما ان كان هناك تشابه بين هذه العادات و اليهودية فقد اخذها شعبهم من كوش فقد كانت بلادهم احدى مستعمراتنا و دفاع تهارقا عنهم دفاعا عن امبراطوريته و ليس لاسباب عقدية او دينية و قناعتهم انهم شعب الله المختار نتيجة لتأثرهم بموروث كوش شعب الرمتو فغالب تاريخهم و بطولاتهم اما قصص لم تحدث أو أخذ مباشر لتاريخ شعب آخر مع اضافة بعض اللمسات بداية من عزرا الكاتب الذي أتى بعد ٥٠٠ عام من وفاة موسى و زعم أن الروح القدس ( جبريل ) قد أتاه في المنام و أمره بكتابة البشارة ( التوراة ) فكتب اسفار موسى الخمسة و ما اضيف بعده على مدى أكثر من ٢٠٠٠ عام من اسفار يؤكد انه جهد بشري ما كان له أن يرى النور او نسمع به لولا أن اتى حاكم الاسكندرية بطليميوس الثاني و سمح لهم بترجمة التوراة الى الاغريقية لغة ذلك الزمان في ما سمي بالترجمة السبعونية فهناك توراة سومر و هي تختلف نصا و مضمونا عن العهد القديم و كذلك اوراق البحر الميت التي اكتشفت مؤخرا لذا فمشروعهم يجب التعامل معه بحذر بالغ فعلم التاريخ لا يعرف موسى و لا أثر له و لم يوثق ليوسف او يعقوب فلا وجود لهم في التاريخ بل إن قبر الخليل عند فحصه اثريا وجد فارغا و هو ما أكده علمائهم عندما احتلوا سيناء انهم كانوا يبحثون بجهد كبير و أمل أكبر عن أصغر أثر يمكن أن يؤكد وجودهم تاريخيا في هذه الارض و فشلوا رغم كل الجهود لذا فكثير مما تم ذكره علميا لا وجود له مثل كسلا التي وصفت باورشليم القديمة و علم التاريخ يؤكد وجودها في منطقة الشام و العراق و ربما الحجاز فهي مجهولة الجغرافيا لكن المؤكد هو تدميرها بشكل كامل من قبل الرومان عام ٧٠ م و قبلهم المكدونيين و قبلهم نبوخذ نصر ملك بابل و كل هؤلاء مؤرخ لسيرتهم علميا و اثريا خارج افريقيا تماما بل ان القدس الحالية بنيت بشكل مستقل من قبل الرومان بعيدا عن اورشليم و هو ما فتح الباب واسعا للتفكر و البحث عن جغرافيا اورشليم لعدد من المفكرين و الباحثين مثل كمال الصليبي و كتابه ( التوراة جاءت من جزيرة العرب ) الذي قدر وجودها في الحجاز و العراقي فاضل الربيعي و مؤلفه ( فلسطين المتخيلة ) الذي اكد وجودها باليمن لذا ايا كانت جغرافيا اورشليم ( ان وجدت ) فمؤكد لا علاقة للسودان بها و الاهم هو اننا بدعمنا لهذا الاتجاه نصبح رد لفعل حاخاماتهم و مجرد ادوات تساعدهم في تحقيق احلامهم ، اليس الاجدى ان ننتبه لتمحيص تاريخنا و رد دعاوى الاخرين بالانتماء اليه بل و احقيتهم فيه اليس الاجدى ان نردد مع الشاعر الفلسطيني محمود درويش ما كتبه : و مصادفة صارت الأرض أرضاً مقدسة لا لأن بحيراتها و رباها و أشجارها نسخة عن فراديس علوية بل لأن نبياً تمشى هناك و صلى على صخرة فبكت و هوى التل من خشية الله مغمى عليه
ثالثا تذكرت الضجيج الذي احدثه وزير الاعلام سابقا احمد بلال حين ذكر في مؤتمر صحفي أن لقاء موسى بالخضر كان في توتي ، حينها اصبحنا سخرية للعالمين و وجد كل متحفز ثغرة واضحة للهجوم على تاريخنا و بالتالي أعتقد أن أولى خطوات التصحيح من مفكرينا و مثقفينا يجب أن تكون في إتجاه التاريخ و مع التأكيد على اهمية كل فروع المعرفة و دورها في اعادة بناء الوطن لكن التاريخ تحديدا يبقى ذو خصوصية في حل اساس المشكلات و جذورها فلم نسمع يوما عن حرب بسبب نظرية فيثاغورث أو نزاع بسبب قانون الجاذبية لكن دوما ظلت دمائنا تهدر و نحارب و نحب و نكره لأسباب تاريخية
و التاريخ يقول أنه لا يمكن أن تكون هاجر كوشية فلم يصل النبي ابراهيم الى افريقيا من الاساس ، لا مصر الحالية او السودان الحالي فحوليات اجدادنا و نقوشهم وثقت لاجور العمال و رسائل الحب و وصايا الحكماء و احداث الممالك و الشعوب لكنها لم توثق كما أسلفت لأي حدث ديني للرسل الكرام بل إن المقارنة مع براهما الهند ستكون أكثر منطقية و فائدة حسب علم مقارنة الاديان و هو ما ينطبق على هرمس الذي يحق لنا أن نبحث في كتاباته و اسراره باعتبار خصوصية تاريخه و ارتباطه التام بوادي النيل و اسرار الديانة القديمة او الصوفية و تعني الحكمة أو كما عرفها افلوطين بأنها : ( تجربة تحرر العقل من وعيه المتناهي عندما يغدو متوحدا مع اللا متناهي ) و بالتالي فإحالته الى إدريس أمر غير منطقي و يخالف حقائق التاريخ و هو أشبه بمحاولة تعريب حورس أو ايزيس
أخيرا أتفق و كثير من المهتمين و الباحثين مع تعريف البروف لنا بأننا كوشيون ننتمي الى حضارة كوش العظيمة و اذا كانت الحضارة هي ثمرة حوار بين الانسان ، المجتمع و بين الواقع و البيئة حاضرا و تاريخا فإن مثل هذا الحوار يجب أن يقف على ساقي الحقيقة و المعرفة بلا مجاملة و تقديري أن أحد الاسباب الرئيسة لجهلنا بمن نحن هو مصادر معرفتنا التي ساهمت في أن نكون تبعا للآخر منبهرين به مما أدى إختفاء احساسنا بواقع مشترك فكانت النتيجة البحث عن الخلاص الفردي و التراجع من الانتماء الى الأمة و المجتمع الى القبيلة و الاسرة و هو ما سيقف دوما عقبة امام محاولات الانتاج الجماعي و الحلول الممكنة و كما يقول المثل : كل تجربة لا تورث حكمة تعيد نفسها لذا و حتى لا نعيد تجاربنا القريبة على الاقل ربما علينا أن ( نرفع نخرتنا ) بشكل عملي و ذلك بأن نكون منتجين للفعل بتجاهل الآخر و ارائه و قيمه و رؤاه و أن نعيد بناء ذاتنا و هويتنا كما نريد نحن و بما يحقق لنا مصالحنا و اهدافنا نحن قديما قال الشاعر اليوناني سيمونيدس بعد انتصارهم على اسبارطة : ( هزمناهم ليس حين غزوناهم بل حين أنسيناهم تاريخهم وحضارتهم )
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
مهند عثمان
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست