فوارق صادمة : يمثل الذكاء الاصطناعي تحديًا أمنيًا وإستراتيجيا جديدًا للسودان ، خاصة في ظل هشاشة الدولة وتعدد الجهات المسلحة وضعف وتخلف البنية التحتية الرقمية ، فمن أخطر التهديدات المحتملة استخدام الجماعات المسلحة للطائرات المسيّرة أو أنظمة قتالية ذكية دون رقابة ، مما قد يؤدي إلى عمليات اغتيال دقيقة أو هجمات يصعب التنبؤ بها . إلى جانب ذلك ، تشكل الهجمات السيبرانية المدعومة بالذكاء الاصطناعي خطرًا على شبكات الكهرباء والاتصالات والمعلومات الحساسة ، وقد يتم استهداف مؤسسات الدولة أو البنوك أو قواعد بيانات المواطنين .
كما يُمكن استغلال أدوات الذكاء الاصطناعي في التضليل الإعلامي ونشر الشائعات ، سواء عبر فيديوهات مزيفة ( deep fake ) أو حسابات وهمية ، مما يغذي الانقسام والتحريض السياسي والعرقي في بلد يكثر فيها سلاح الإشاعة والتعصب القبلي والجهوي ، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي . أيضًا هناك خطر من استخدام تقنيات المراقبة مثل التعرف على الوجه والتجسس على النشطاء أو المواطنين دون قانون يحمي الخصوصية . والأخطر من ذلك ، هو أن تدخل جهات أجنبية بتقنيات ذكاء اصطناعي متقدمة قد يجعل القرار السوداني عرضة للاختراق الخارجي .
وتبرز خطورة هذه التهديدات أكثر عندما نُقارن الفجوة الرقمية بين السودان والدول المتقدمة . فبينما تستثمر الدول الكبرى مليارات الدولارات في تطوير البنية التحتية الرقمية ، وحماية الفضاء السيبراني ، وتحديث التشريعات الخاصة بالذكاء الاصطناعي ، يواجه السودان نقصًا كبيرًا في الكوادر التقنية ، وغيابًا للتشريعات المنظمة ، وضعفًا في تغطية الإنترنت ونظم الحماية الرقمية . هذه الفجوة تجعل السودان أكثر عرضة للاختراق ، وأقل قدرة على مواجهة التهديدات الذكية المتزايدة .
ولتوضيح الفوارق والفجوة الرقمية الهائلة والصادمة ، يكفي أن نعلم أن بعض المدن في أوروبا وأمريكا تستخدم الذكاء الاصطناعي لإدارة حركة المرور في الوقت الفعلي ، بينما لا تزال معظم مدن السودان ( هذا قبل الحرب ) تفتقر حتى إلى إشارات مرورية إلكترونية عاملة . وفي حين تُدار المستشفيات في الدول المتقدمة بأنظمة ذكية تحلل بيانات المرضى لحظيًا ، لا تزال الملفات الورقية هي السائدة في غالبية مستشفيات السودان . أما في ميدان الأمن السيبراني ، فبينما تُخصص موازنات بمليارات الدولارات في الدول الكبرى لحماية البنى الرقمية، تعتمد المؤسسات السودانية – بما في ذلك الحساسة منها – على برامج قديمة أو نسخ مجانية غير محمية . هذه الأمثلة لا تعكس مجرد تأخر تقني، وإنما تعني عمليًا أن السودان مكشوف رقميًا ومعرّض لأي هجوم أو اختراق ذكي دون حتى أن يشعر به .
لمواجهة هذه التهديدات ، ينبغي أن يهتم صناع القرار بتأسيس هيئة وطنية للإشراف على الذكاء الاصطناعي ، وتعزيز الدفاع السيبراني ، وسَنّ قوانين لحماية الخصوصية ومنع الاستخدام غير المنضبط للتقنيات الذكية ، مع تعزيز الوعي المجتمعي بخطر التضليل الإلكتروني عبر إهتمام الإعلام ودعم منظمات المجتمع المدني المختصة بهذا الشأن .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة