لأني من هذه المنطقة ، واعتبرها مثالا لبقية أحياء العاصمة و كثيرا من مدن السودان ، أثار اهتمامي بث مباشر لممثلين للجان المقاومة في محلية الخرطوم بغالبية أحيائها ، وليس هو بثا مباشرا من نوع " شير يا جماعة " ولكنه بث من موقع مهم وهو وزارة التجارة . موضوع البث هو توزيع دقيق الخبز ، الذي هو قوت الناس اليومي ، وما فيه من أزمة تتجدد كل يوم ، حتى أصبح الحصول على الخبز مغنما لرب الأسرة ، بعد صفوف ومعاناة صعبة . الذي فهمته من هؤلاء الشباب أنهم يعترضون على آلية توزيع الدقيق على المخابز في الأحياء . ووجه اعتراضهم أن الوزارة أسندت توزيع الدقيق لشركة مجربة في توزيع السكر في رمضان ففشلت في ذلك بامتياز . وشركة الأمن العذائي التي يعترضون عليها هي واحدة من شركات القطاع العام ، ولكن على حسب رأى الشباب أن المسيطرين عليها ، هم من يتسببون في أزمة الدقيق ، وفي اليوم الذي بثوا فيه هذا الكلام قالوا لن يكون هناك دقيق في المخابز . كان كلامهم واضحا لا لبس فيه ، وعندهم الدليل بالأرقام وكذلك والحلول ، وكل ما فعلته وزارة التجارة أنها تجاوزتهم بكل بساطة وأعطت حق توزيع الدقيق لهذه الشركة . الشباب هؤلاء تعاملوا بمنتهى المسؤولية ، لم يغلقوا شارعا ، ولم يتمترسوا في تقاطع ولم يتظاهروا ، وكان في إمكانهم فعل كل هذا ، وتستيقظ الحكومة ووزارة التجارة بموقعها وسط الخرطوم ، ليعجز موظفوها عن الوصول لمكاتبهم . هؤلاء الشباب من خلفهم كل سكان هذه المحلية لأنهم فعلا يعانون من مشكلة الخبز ، ويكفي أن يرجعوا لأحيائهم ويتمترسوا . وربما نسى المسؤولون تمترس البراري والديم والصحافة وجبرة أبان التظاهرات ، إذا نسوا أذكرهم ، حتى لا يظن ظان أن الثورة ماتت فخلا لهم الجو ليمارسوا سفههم القديم . لكن بقدر صبر هؤلاء الشباب وحلمهم ، وجنوحههم للحوار ، تجد الغصة في حلوقهم وهم يسمعون لغة الاغراء والترغيب ، ولكنهم كما قالوا هم ليسوا من النوع الذي يبيع أهله ومن وثقوا بهم . أيا كان اختلافك معهم أو اتفاقك ، فلا تملك إلا أن تحييهم تحية من القلب لأولاد حارتنا الأشاوس ، أهل الحارة ، الذين هم قلب الثورة ، ووقودها ، وما دام هناك مثلكم فلا بد للقيد أن ينكسر ولابد لليل أن ينجلي . فاوضوهم وحاوروهم وأن في موقف قوة ومن خلفكم اخوانكم وأخواتكم وآبائكم وأمهاتكم ، لا تتراجعوا حتى تنالوا مطالبكم وتأخذوا حقوقكم ، وإن احتاج الأمر فالشوارع لا تخون .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة