أثار إعلان تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) عن إجازة تشكيل جسمين سياسيين منفصلين جدلاً واسعاً داخل المشهد السوداني، حيث جاء القرار وسط حالة من التباينات العميقة بين القوى المدنية حول سبل مواجهة الأزمة الراهنة. رغم أن هذا التطور يعكس ديناميكية الحراك السياسي، إلا أنه يطرح أسئلة حول مستقبل العمل المدني والتحديات التي ستواجهها القوى الديمقراطية في ظل الانقسامات المتزايدة.
التحركات داخل "تقدم" لم تكن مفاجئة بالنظر إلى الانقسامات السابقة داخل التيارات المدنية، إلا أن اعتراض تسعة عشر كياناً سياسياً ومدنياً من بينها حزب الأمة القومي، التحالف الوطني السوداني، التجمع الاتحادي، حزب البعث القومي، المؤتمر السوداني، الحزب القومي السوداني، الوطني الاتحادي الموحد، وعدد من المجموعات المهنية والنقابية، يعكس حجم الخلاف حول جدوى تشكيل حكومة موازية في ظل استمرار النزاع المسلح. القوى الرافضة ترى أن تشكيل حكومة من طرف واحد دون توافق وطني سيؤدي إلى مزيد من الانقسام، ويقلل من فرص نجاح أي مشروع سياسي مدني مستقبلي.
على الجانب الآخر، فإن المكونات الحليفة للجيش السوداني تراقب هذه التطورات بحذر. في العادة، تحاول هذه القوى تصوير القوى المدنية على أنها غير قادرة على إدارة الشأن السياسي، وهو ما قد تستغله لتعزيز حججها بأن الحل يكمن في بقاء الجيش كطرف رئيسي في إدارة الدولة. الدول الداعمة للجيش السوداني مثل مصر وبعض دول الخليج لم تعلن موقفاً واضحاً من هذا التطور، ولكنها غالباً ما تفضل وجود قوى سياسية مدنية موحدة يمكن التفاوض معها بدلاً من كيانات متفرقة قد تضعف أي اتفاق مستقبلي حول شكل الحكم في السودان.
أما القوى التي تحاول التفاوض مع الدعم السريع، فتسعى إلى فرض واقع جديد عبر خلق حكومة مدنية مقبولة دولياً، وهو ما قد يجعل خطوة "تقدم" تتلاقى مع بعض أطراف هذا التيار. بعض المكونات المدنية ترى أن التعامل مع الدعم السريع أصبح أمراً واقعاً لا يمكن تجاوزه، خاصة في ظل استمرار الحرب وامتلاكه للسيطرة على أجزاء واسعة من البلاد. لكن هذا الطرح يواجه معارضة قوية من القوى المتحالفة مع الجيش، والتي تعتبر أي تفاهم مع الدعم السريع بمثابة شرعنة لقوة عسكرية متمردة.
في ظل هذه التعقيدات، يظل العمل السياسي المدني مهدداً بمزيد من التشظي. القوى الدولية، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، قد تجد نفسها مضطرة إلى التعامل مع واقع جديد حيث لا يوجد جسم مدني موحد يمكن التفاوض معه، وهو ما قد يعزز فكرة أن أي حل سياسي يجب أن يكون بمشاركة المكونين العسكريين الرئيسيين في السودان، وهو ما قد يؤثر سلباً على أي طموحات ديمقراطية حقيقية.
الخلاصة أن خطوة "تقدم" تعكس عمق الأزمة داخل التيارات المدنية، وتطرح تساؤلات حول مدى قدرة هذه القوى على تجاوز خلافاتها والعمل معاً لتحقيق انتقال ديمقراطي حقيقي. بينما تستفيد القوى غير المدنية من هذه الانقسامات، فإن المخرج الوحيد قد يكون عبر إعادة النظر في أسلوب إدارة الخلافات الداخلية داخل القوى الديمقراطية، وإيجاد أرضية مشتركة تحول دون إضعاف الموقف المدني في المشهد السياسي السوداني.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة