الابتسامة الصفراء قصَّة قَصيرة كتبه عاطِف عبدالله قسم السيد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 06-27-2025, 10:55 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
اراء حرة و مقالات
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
06-25-2025, 00:42 AM

عاطِف عبدالله قسم السيد
<aعاطِف عبدالله قسم السيد
تاريخ التسجيل: 09-13-2022
مجموع المشاركات: 25

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الابتسامة الصفراء قصَّة قَصيرة كتبه عاطِف عبدالله قسم السيد

    00:42 AM June, 24 2025

    سودانيز اون لاين
    عاطِف عبدالله قسم السيد-UAE
    مكتبتى
    رابط مختصر




    قبل أن تندلع النار الكبرى، كان عباس لا شيء يُذكر.
    مجرّد ظلٍّ يتجوّل بين الأزقة، يحمل نصف شهادة ونصف ابتسامة... والباقي ولاءٌ للسلطة، أيّ سلطة.
    أمضى نصف عمره بلا عمل، يتنقّل بين مهن هامشية: تارة بائع في السوق، وتارة جزار، وأحياناً سائق ركشة. لكن الثابت الوحيد في حياته أنه كان مخبراً في جهاز الأمن، عاشقاً للسلطة والتسلط، يوزّع ابتسامته الصفراء كما يوزّع الوشاية والأوامر. يعرف المدينة كأنها امتداد لجسده، ويعرف ناسها كما يعرف أصابع يديه.
    كان من أولئك الذين لا يحملون شهادةً ولا مبدأ، لكنه كان يعرف شيئاً واحداً: أن السلطة لا تحتاج إلى علم، بل إلى ولاء وعينٍ تراقب وفمٍ يشي.
    منذ صغره، لُقّب بـ"عباس النتن"، وكان يردّ على الشتيمة بابتسامة واثقة، كأنها وسامٌ على صدره، أو اعتراف ضمني بأن النتانة جزء لا يتجزأ من السلطة.
    بعد ثورة ديسمبر، اختفى عباس. لا ظلّ له، ولا صوت. كأن الأرض التي لفظته قد ابتلعته من جديد. لكنه لم يكن غائباً، بل كامناً. وحين اطمأنّ إلى أن حكومة الثوار لم تنصب المشانق لسدنة العهد البائد، وأن رجال الأمن الذين سفكوا دماء المعارضين في بيوت الأشباح يمشون بين الناس هانئين مطمئنين، خرج من جحره بوجهٍ جديد وعمامةٍ قديمة، يزعم أنه ثائرٌ بين الثوار. فقد كان بارعاً في الوقوف على حبلين… دون أن يسقط.
    ثم اندلعت الحرب.
    لم يغادر عباس المدينة كغيره من النازحين. وجدها فرصةً للثراء السريع؛ فهو يجيد تجارة الحرب. بقي في الجانب الذي اجتاحه الجنجويد، ووقع في الأسر، لكنه ما لبث أن أُطلِق سراحه؛ كان في صفوف الدعم السريع بعض من رفاقه القدامى في جهاز الأمن. جمعت بينهما المصالح… والذاكرة النتنة.
    وبخفة بهلوان سياسي، صار يتنقّل بين ضفّتي الجحيم. يدخل مناطق الجنجويد كواحدٍ منهم، ويعبر إلى مناطق الجيش كمتعاونٍ مألوف. كان يقتحم البيوت الخالية، ينهب ما تيسّر من متاع وأجهزة، واستولى على عربة فنطاس ماء مهجورة، فصار يبيع الماء كما يبيع تصاريح المرور للراغبين في الخروج.
    كان يتاجر في الظمأ… وفي الخوف.
    صار عباس عرّاباً للفتنة. في مناطق الجنجويد، يوشي بالنشطاء بأنهم جواسيس للجيش. وفي مناطق الجيش، يشي بالثوار على أنهم خلايا نائمة للدعم السريع.
    في حساباته، لا فرق بين دمٍ ودم… ما دام رأسه فوق الماء.
    وجمع عباس ثروة من بيع وتوزيع مواد الإغاثة، يعمل بالوكالة لصالح ضباط كبار من الجانبين. ففي زمن الحرب، لم تكن الإغاثة طعاماً أو ماءً، بل سلاحاً ناعماً مشروطاً بالطاعة والولاء. وكان عباس يتقن فنّ بيع الخنوع… قبل أن يبيع الماء وتصاريح العبور.
    وذات مساء، وبينما كان يعبر نقطة تفتيش غامضة، اشتبه فيه الجنود من كلا الطرفين. كانوا مرهقين، متحفزين، متعطشين لعدوٍّ يتنفّس. لم تنفع الوساطات، ولا تاريخه المزدوج، ولا تلك الابتسامة التي واصلت التسرّب من فمه رغم كل شيء.
    سأله أحدهم: "مع من أنت؟"
    صمت.
    سأل آخر من الجهة المقابلة: "قُل الحقيقة… ولو مرة واحدة!"
    لزم الصمت، متجمّداً من الخوف، لا يحرّك ساكناً. لأوّل مرة، لم يجد ولاءً جاهزاً، ولا كذبة مناسبة. فقط… ابتسم.
    لكن ابتسامته كانت خاوية، كأنها تبحث عن خيانةٍ جديدة… ولم تجد.
    انطلق الرصاص، وسقط جسده على التراب. انسكب الماء، واختلط بدمائه، فشكّل وحلاً بلون الخيانة.
    لكن، كما هي عادته... نجا كالعفن، لا يختفي بل يتسرّب إلى أماكن جديدة.
    يُقال إنه في القاهرة، يبيع أحلام اللجوء في شارع فيصل. أو ربما تماهى مع ظلّه في مدينة كوستي متخفياً في عباءة إحدى الطرق الصوفية. وزعم آخرون أنهم رأوه في بورتسودان يرتدي زيّاً عسكريّاً برتبة رفيعة، قائداً لإحدى المليشيات المسلحة.
    لا أحد يعرف أين عباس اليوم. ربما مات، وربما ترقّى.
    لكن الأكيد أن ابتسامته الصفراء لا تزال تتسكع في الصباحات... على هيئة خبير استراتيجي، أو خطيب ملهَم، أو سياسي يُجيد تبديل المعسكرات، يبحث عن وظيفة وزير في الحكومة القادمة.

    انتهت
    _______________________________________________
    عاطِف عبدالله قسم السيد Atif Abdalla Gassime El-Siyd
    أبو ظبي ص ب 129661 P.O.Box : 129661 Abu Dhabi























                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de