بعد أن أقرت الدولة والمجتمع أن للفن والإبداع قيمة ، وذلك عبر أزمانٍ من التجريب والمُراجعات التي طالما ما إشتبكت مع موروثاتنا و تقاليدنا وإرثنا الثقافي وإلتزاماتنا العقائدية ، ثم توافقت وتواثقت بعد شدٍ وجذب ، ما زال أهل الفن والإبداع بلا راعِ و لا وجيع ، معظمهم أو بالإجمال يُنهي حياته ويدخل طور التقاعد دون معاش رسمي أو إنتماء إلى مؤسسة إجتماعية تُعينهُ على تحمل صعوبات الحياة التي ما فتئت تتعقَّد يوماً بعد يوم ، وكثيرٌ منهم بل جميعهم يواجهون عند المرض إشكالية عدم توفُّر إمكانيات الحصول على الشفاء والعافية إن كان ذلك داخل السودان أو خارجة ، والقصص والمرارات في هذا المنحى كثيرة ولا داعي لتكرارها ومنعاً للإحراج أيضاً لن نذكر أسماء بعينها ، وللحقيقة فإن ( تقزيم) مبدأ إحترام الفن والإبداع وتقدير دوره من قِبل الدولة والمجتمع إلى مجرد شعار لا وجود له في الواقع ولا أساس له من الدلائل هو جريمةٌ كبرى في حق التنمية الثقافية وحق هذه الأمه في أن يكون لها ما يميِّزها من إشعاعات فنية وإبداعية تنافس وتفاخر بها الأُمم ، كما أن هذا التهاون والتهميش لدور الفن والفنان في شتى الإتجاهات والإختصاصات ، هو أحد الأسباب الرئيسة المؤثِّرة في الإنتاج الفني والإبداعي كماً وكيفاً ، فقد ماتت ببطء أحلام السودان وشعبه في أن يكون من الدول التي تزدان بإنتاج سينمائي يصدح بإسمها في المحافل الإقليمية والدولية ، رغم وجود كافة المؤشرات الفطرية الإيجابية المتمثِّلة في تعدُّد أشكال الصور الجمالية والمناخية والثقافية والبشرية في السودان بالقدر الذي يجعلهُ مرتعاً خصباً لإزدهار هذا النوع من الفنون ، ولم تمُت صناعة السينما في السودان بموت الحماس في مبدعيها الذين عانوا الإهمال وعدم المسانده من الدولة وعدم الإلتفات من المجتمع ، فالقصة ليست قصة إمكانيات فقط ، أما الفنون التشكيلية والمسرحية فهي تعاني ما تعاني وقد أسهب النُقَّاد والمختصين والمهتمين في مجال قضاياها بما فيه الكفاية ، إلا أنني أعتقد إن إحباطات مرتادي مثل هذه الفنون هي المِعوِّل الأهم والأساسي الذي هدم إمكانيات التطور والنماء لفنون التشكيل والمسرح والسينما ، وذلك عبر قتل الطموح وهدم أدوات الإجتهاد والمثابرة في روح الفنان والمبدع ، إن قناعة الدولة والمجتمع يجب أن تُبرهِن على جديتها في الإيمان بمبدأ أهمية الفنون ودورها في دعم البناء الإقتصادي والسياسي والإجتماعي والثقافي للوطن ، عبر تحديد دقيق لآليات الدفع بمسيرتها والضمانات التي يحتاجها الفاعلين من الفنانين والمبدعين المتمثله في إيجاد قوانين ومؤسسات تقوم على رعايتهم أثناء أداء النشاط الفني والإبداعي وعند التوقف أو التقاعد لأي سبب من الأسباب القاهرة ، وكذلك عند المرض وحدوث الملمات التي طالما حدثت لمبدعين كبار من فنانينا طالما أثروا ساحات هذا الوطن بالجميل العذب من الفنون المُبهره .. لمثل هؤلاء حق للدولة عبر وزارة الثقافة وللمجتمع عبر مؤسساته المُختصة أن ( توطِّن )الطمأنينة في قلوبهم فيما يواجهون من مصائب ومصاعب ، حتى يتسنى لهم التفرُّغ لفنهم وفكرهم و إبداعهم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة