البلد لا يزال يحاول تضميد جراح ليلة فض الاعتصام من عامين في اواخر شهر الفضيلة ، ولا تزال لجنة التحقيق تتعثر في تحديد المجرمين ، ودموع امهات الشهداء لم تجف فإذا بنا نفاجأ بجريمة أخرى وشهيدان ينضمان لقافلة الشهداء . نفس المكان ، ونفس الزمان ، ونفس المجرم . جاءوا يبحثون عن العدالة لإخوانهم ، وظنوا أنهم في مأمن في حمى جيشهم تماما كما ظن إخوانهم من قبل ، فبدلا من أن يجدوا المواساة ، والعزاء ، وجدوا الرصاص يخترق أجسادهم الطاهرة . أمام و على مرأى ومسمع من العالم كله ، وعلى بعد خطوات من قيادة الجيش ، والسياسيين من كل لون وصنف ، سقط الشهداء وجرح من كتبت له النجاة . في ليلة العيد والناس يتأهبون لوداع شهر الفضيلة . لن نطالب أحدا بكشف الجناة ، لأنه معروف ، ليس هو ذلك الذي أطلق النار ، فهو ضحية مغرر به ، وعقابه وإن كان مطلوبا وبشدة لكنه لن يردع الجناة الحقيقيين الذين غسلوا دماغه ، وزجوا به لفعل جريمته النكراء . فمن قتلهم هو نفس من قتل إخوانهم قبل عامين ، واغتصب الحرائر ورمى بجثثهم في النيل . وهو نفسه الذي ما أراد من فعلته الثانية إلا الفتنة التي بحث عنها من قبل ، وهونفسه من يريد أن يفجر الأوضاع ويشعلها حربا ليعود من جديد ليحكم ولو على أشلاء الضحايا . فيا ثورة كم مهرك غال ، وثمن شعاراتك دم ودموع وبكاء وعويل وقلوب امهات تحترق ، وأكباد آباء تتفتت ، ولوعة أخوات تملأ النفوس أسى وحرقة . لن يشفي غليل كل هؤلاء إلا القصاص من المجرم الحقيقي ، لا يكفي أن يصدر الجيش بيانا يدين أو يشجب الحادث ، ولا أن يتبرأ من الجريمة التي وقعت في داره ، ليس هذا ولا بيان وقرارات مجلس الوزراء ، فكل ذلك لا يعد شيئا إن لم يصل الأمر لكشف من يقف وراء هذه الجريمة النكراء . استقالة وزير الداخلية ، مطلوبة فهو المناط به حفظ أرواح الناس ، وكان عليه أن يحتاط لهذا الذي حدث فليست هذه أول مرة ، والفاعل في الأولى حر طليق ، آمن من العقاب . وكان الحس الأمني يفرض التحوط والاحتراز ، وهوكوزير لم يقم بواجبه . واستقالة وزير الدفاع مطلوبة وبإلحاح أكبر لأن الجريمة قام بها نفر من عسكره بأوامر لابد أن يكشف من خلفها ، مهما علا مقامه وارتفعت رتبته . وهو أيضا لم يقم بواجبه ، فكيف يوجد من بين جنوده مجرمين وقتلة ، ويأتمرون بأوامر مجهولة المصدر ، وهوجالس على كرسيه . واستقالة النائب العام مطلوبة إن فشل في الوصول للقتلة الحقيقيين ، وكذلك رئيسة القضاء . ومدير جهاز الأمن ، والاستخبارات العسكرية . كل هؤلاء يجب أن يتحملوا نصيبهم مما حدث . لا أعرف بلدا فيه مسؤول يبقى في منصبه وتقع فيه مثل هذه الجريمة ، ولا يذهب غير مأسوف عليه . حتى على المستوى الشخصي لا أعرف كيف ينام هؤلاء ، وكيف يقابلون الناس وبأي وجه ؟ إن لم تستقيلوا فعلينا أن نترحم ليس على العدالة وحدها بل على الضمائر التي ماتت ، والوطنية التي شبعت موتا . وعلى شرف العسكرية الذي علاه الوقر ألم يسمع هؤلاء المسؤولون بقول عمر عليه رضوان الله " بأنه لو عثرت بغلة بالعراق لخفت أن يألني الله عنها ، لم لم أسوي لها الطريق " ، بغلة يا هؤلاء وليس إنسانا ، وتتعثر فقط وليس تقتل ؟؟؟ هل تظنون أنكم لن تسألوا عن قتل هؤلاء الشباب الأطهار ؟ كيف تواجهون ربكم يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون ولا منصب ، ولا أحد غير عملك ، وما عملكم إن لم يكن المحافظة على أرواح الناس ؟ إيها الوزير الكبير ويا أيها الضابط العظيم ، أنت مسؤول أمام الله قبل أن تكون مسؤولا أمام الناس ، فإما أن تؤدي عملك بما يرضي الله ، أو تذهب وتترك المنصب لمن هو أهل له . الدم السوداني يجب ألا يكون رخيصا ، وأمن الناس وحياتهم يجب أن تصان ، فإن عجز مسؤولو الأمن عن ذلك فالأشرف لهم أن يذهبوا غير مأسوف عليهم .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة