مما لفت إنتباهي وأثار شكي ودفعني للبحث لإكتشاف حقيقة ما يوصف بثورة عرابي عام 1879 – 1882 التأييد الذي لازال قوي وظاهر من حركة المهدي الدجال وعصاباته من غرب إفريقيا. عدوان وإحتلال المهدية عام 1881 وحتي 1899 في جنوب وادي النيل. قامت تلك العصابات بتدمير الأقاليم وقتل القوميات ولازالت حتي اليوم في جنوب وادي النيل وتبطن وتظهر عداءا قويا لمصر ولدول الجوار والشعب
الأوضاع في مصر في زمن ظهور أحمد عرابي كان تجاذب فيهم عدة جهات لهم مصالح متضاربة. فالأسرة العلوية المالكة والجيش المصري كان به مصريين وسودانيين وشركس. والإنجليز كان يدفعهم اليهود للسيطرة علي الخديوي وعلي موارد مصر. كما أن العثمانيين يحاولوا وضع الأسرة العلوية تحت وصايتهم والتحكم فيها. هوجة عرابي لا يمكن أبدا وصفها بالثورة لإنعدام التأييد الشعبي لها بل كانت محاولة عثمانية.
وبالإضافة إلي تلك القوي المتصارعة لم يلاحظ ظهور قوة صغيرة في الساحة. وتلك الفئة التي يمثلهم ويقودهم عرابي لم تكن للمصريين بل كانت للمرتزقة والرقيق الذين جلبهم محمد علي من غرب إفريقيا لغزو ورق وإحتلال ونهب جنوب وادي النيل عام 1820. ومنهم حاول محمد علي صناعة جيش له بديل للمماليك. تلك المحاولة لم تنجح وإقتصرت علي تكوين حرس حدود هجانة وتوفير خدم وعمال للزراعة للأثرياء. وإضطر العلويين في تكوين جيش غالبيته من المصريين مع بعض الظباط الشركس وكم صغير من جنود غرب إفريقيين سودانيين.
أحمد عرابي أصل جدوده من أول من قدم إلى مصر من العراق في حوالي 1250. ولد عرابي في 31 مارس 1841م في قرية هرية رزنة بمحافظة الشرقية وتلقي معرفة بالقراءة والكتابة وبعض الحساب. وقضي في الأزهر أربع سنوات يقال انه حفظ القرآن الكريم وبعض فقه وتفسير وكان مصدر عيش أسرته ريع 74 فدانًا تركها والده. حين أمر محمد سعيد باشا بإلحاق أبناء المشايخ والأعيان بالجيش التحق عرابي بالعسكرية في 6 ديسمبر 1854م وبدأ كجندي بسيط. ولحسن حظه وليس لتدريب عسكري أو دراسة عين ضابط صف بدرجة أمين بلوك "مساعد" ووصل إلى رتبة ملازم ثاني بعد أربع سنوات فقط ثم ارتقى سلم بسرعة حصل خلال عام 1859م على ترقيتين هما يوزباشي "نقيب" وصاغ "رائد". وخلال عام 1860م رقي إلى بكباشي "مقدم" ثم إلى قائمقام "عقيد" وهو لم يكمل العشرين عاماً. وعرابي ليس عسكري ولا سياسي
إنتبه عرابي لتعدد الجهات في حيازة أبناء محمد علي لمصر وحاول توظيف التضارات والصراعات القائمة لخدمة العثمانيين وبإستخدام الغرب إفريقييين علي أنه ثورة وطنية ضد إستعمار أجنبي إنجليزي وضد تكبر ظباط شركس. ودعم عرابي في خلق تلك الفتنة والهوجة الأزهر وشركسي هو محمود سامي البارودي وكذلك السلطان العثماني عبدالحميد الثاني الذي شجع عرابي للصراع ضد العلويين وضد الإنجليز.
تطورت فتن احمد عرابي من المطالبة بعزل ناظر الجهادية في يناير 1881 لتصل بعد أن جمع عرابي وحدات السودانيين العسكرية في القاهرة في سبتمبر 1881 إلى ميدان عابدين الي المطالبة بعزل كل وزراء رياض باشا وانشاء مجلس نواب على النسق الأوروبي وزيادة عدد الجيش إلى 18 ألف جندي "طبقاً للفرمان السلطاني". وخرج الخديوي توفيق ومعه القنصل البريطاني والمراقب المالي البريطاني وسط حرسه الخاص وأعلن عرابي مطالبه. رفض الخديوي هذه المطالب وقرر القبض على عرابي وزملائه ومحاكمتهم عسكرياَ.
وبالفعل استدعي عرابي وزملاؤه إلى ديوان الجهادية حيث تم اعتقالهم لبرهة قبل أن يقوم الضباط السودانيين ثم انضمت إليهم بعض الأفراد بتحريرهم بالقوة. وبعد ذلك قبلت هذه المطالب وعزل رياض باشا رئيس الوزراء وعين البارودي وزير للجهادية. والبارودي هو شركسي وابن لظابط كان مدير بربر ودنقلا معقل عصابات غرب افريقيا مما زاد في فتن عرابي. ثم وضع دستور في فبراير 1882.
وعين عرابي وزيرا للجهادية في حكومة البارودي الشركسي مما زاد في فتن عرابي. وسرعان ما تصاعدت حدة الخلافات بين حكومة البارودي بتحريض من عرابي ضد الخديوي بسبب اصرار البارودي وعرابي علي تجريد ضباط شراكسة من رتبهم ونفيهم إلى أقاصي السودان بتهمة محاولة التخلص من البارودي وعرابي الأمر الذي رفضه الخديوي وأشعره بالتهديد منهما وجعل بريطانيا وفرنسا يشعروا بتهديد البارودي وعرابي لسلامة الأجانب والخديوي. وطلب الخديوي منهما استدعاء أسطولهما إلي الإسكندرية لضمان سلامة وأمن الأجانب والخديوي ومصر. وبالفعل أرسلت بريطانيا وفرنسا أسطولهما لسواحل الإسكندرية منذرتين البارودي وعرابي وقدم قنصلاهما مذكرة في 25 مايو 1882م تطلب بضرورة استقالة وزارة البارودي ونفي عرابي وتحديد إقامة بعض زملائه. وفي كل تلك الإضطرابات لم تكن دوافع وطنية
وورفض البارودي هذه المطالب وقبلها الخديوي توفيق. وأضطر البارودي للإستقالة. وبالرغم من إعفاء كل الوزراء إلا أن عرابي تمسك ورفض ترك وزارة الجهادية مدعيا أن أهل الإسكندرية يصروا علي بقائه. أعلن عرابي رفضه الإقالة واستصدر من شيوخ الأزهر فتوى بتكفير الخديوي توفيق وخيانتة للدولة ومساعدة العدو لاحتلال مصر وصرّح بوجوب التعبئة العامة والجهاد لمحاربة بريطانيا ولم يتحرك الشعب
وجائت مذبحة الإسكندرية يونيو 1882 الإرهابية التي قتل فيها 300 أجنبي ومواطن والمتهم الاساسي فيها عرابي والبارودي واتباعهم والتي نتج عنها تدخل عسكري للإنجليز وفر عرابى وعصابته عدة مرات وطاردهم الإنجليز حتى قناة السويس. و في 13 سبتمبر 1882 وفي نصف ساعة قبض الإنجليز عرابى في التل الكبير وإستسلم لهم مع البارودي والنديم وحكم عليهم بالنفي لسيلان
<احمد عرابي ومرتزقة غرب إفريقيا السودانيين في خدمة العثمانيين.docx>
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
Tarig Anter
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست