لعل من الأشياء التي أضرت كثيراً بتماسك الدولة السودانية طوال زمان حُكم الإسلام السياسي في السودان هو إنتشار الخطاب الديني المتطرف والمهووس ، والذي يُجرم ويُكفر الآخر المختلف دينياً وسياسياً وعقائدياً وتفكيراً .. هذا الخطاب كان للأسف مفروضاً علي كل السودانيين بالقوة والإرهاب السياسي .. إنتشرت فيه الفتاوي التي تُقصي الآخر وتجعل منه زنديقاً لمجرد أنه يعتقد إعتقاد آخر مختلف عن أصحاب السُلطة وحلفائهم من المهاويس .. بدأ هذا الخطاب وتم الترسيخ له من بوابة ( الشريعة الإسلامية ) وأحكامها ، وبالطبع فُصلت القوانين وبُنيت المؤسسات التي تُكرس له وتبسُطهُ في كل الدولة، في المناهج الدراسية والتعليمية وفي أجهزة الإعلام وفي المساجد والأسواق ، بل وحتي مكاتب ودواوين الدولة الرسمية ، وإكراه الناس علي أداء الصلوات ، وكتابة التقارير ومعاقبة من يتخلفون عن أداء الصلوات في مساجد مؤسسات ووزارات الخدمة المدنية في كل البلاد .. هذا الخطاب الذي كان يُكفر حتي علي سبيل المثال من ينضمون للجبهة الديمُقراطية بل وحتي الذين يُصوتون لها في الجامعات ، ويعتبر وصول هذا الفصيل المختلف عن حزب وتفكير السُلطة الحاكمة سياسياً عبر الديمقراطية والإنتخابات عملاً كُفرياً صريحاً كما جاء في الفتوي الشهيرة لعبد الحي يوسف وجماعة علماء السلطان في بداية الألفينات .. كذلك تحريمهم وتكفيرهم لمن ينتمي للحركة الشعبية والحزب الشيوعي والجمهوري ، وكل هذه أحزاب وقوي سياسية .. وكانت تمنع تلك الجماعات قيام معارض الكتاب المُقدس للمسيحين ، وتُسلط عليهم المهاويس وصبية النظام ومناسيب عبد الحي والكيزان والسلفيين لمهاجمتها ومنعها بالقوة .. هذا الخطاب الديني المتطرف تجده موجوداً أيضاً عند الجماعات السلفية المُتحالفة مع النظام السابق ، بإعتبار أنهم دعاة للفضيلة وناشري الإسلام والذين سيُمكن بهم الدين .. وكانت النتيجة خراب كبير علي مستوي كل قيم المجتمع ، وإنتشار للفساد والجريمة والرشوي والمحسوبية والإنحلال الأخلاقي الذي لم تشهده البلاد طوال تاريخها .. علماً بأن أغلبية هذا الإنحدار للقيم والأخلاق كان قادته أنفسهم هُم رموز وعضوية حزب وجماعة جماعات الإسلام السياسي وكيزان السودان .. الآن بعد الثورة والتغيير ، لا بدّ من إصلاح هذا الخطاب الديني الذي يؤسس للهوس والتطرف وتفتت المجتمع وتشرزمه ، بل وتفتيت كل الدولة السودانية .. ظاهرة التكفير والتحدث بإسم الإله وتنصيب فئية قليلة ( شاذة ) و ( منحرفة ) لنفسها قيِّماً وحارساً للفضيلة والدين وفي ذات الوقت شاهرة سيف الإرهاب بالكلمة والعنف اللفظي والذي قد يتطور للعنف الجسدي ، و ناشرة لخطاب الكراهية والتمييز بين بنات و أبناء الوطن ومهددة للنسيج الإجتماعي بهذا التمييز بسبب المعتقد والدين لهو شئ يجب التعامل معه بكل حسم وتشذيب قانوني ومجتمعي ، وهذا واجب حكومة الثورة وكل الشعب الواعي والذي صنع ثورة عظيمة من أجل التغيير والمدنية والحرية .. أول مظاهر هذه الحُرية تتجلي في الإسلام نفسه وكل الديانات .. ( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .. ) .. ومتي إستعبدتم الناس وقد ولدتهم أُمهاتهم أحراراً .. نريد خطاب ديني غير متشنج يُرسخ لهذه القيم .. لا تطرف .. ولا هوس .. ولا إرهاب فكري .. آن للسودان أن يعود إلي ما قبل مجئ جماعات الإسلام السياسي ناشري القُبح في بلادنا بإسم الدين والفضيلة فهدموا الأديان وقبروا الفضيلة .. فالدين لله والوطن للجميع ، ومسؤولية الدولة بسط العدالة و معاش الناس وأمنهم وصحتهم وتعليمهم وتطوير الدولة وعمرانها وتنميتها .. وليس مسؤوليتها محاكمة الناس علي معتقداتهم والتفتيش في ضمائرهم وسوقهم إلي جنة أو نار فتلك مسؤلية الخالق وحده ..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة