ومثل ما خلق سبحانه وتعالى الناس أشكال و مضامين مختلفة ، كذلك تجبرهم الحياة على تبني مفاهيم متعددة لمواضيع واحدة و(مصطلحاتها) مُحدَّدة ، أنظروا إلى مفهوم العصامية الذي كان عند جيل مضى أو يكاد يمضي يعني الإقتدار والفوز والنجاح والتفوُّق بآلة النزاهة والتأهيل والإعتماد على النفس ، أما مفهوم الإقتدار اليوم أصبح لا يرتبط بالنزاهة و لا القدرة على تطوير الذات بالمؤهلات و الكد و الكفاح ، فيكفي أن ترزح في بؤرة الترف والمال والجاه وأحياناً السلطة ، ليقلدك بعض المتوهمين وسام الإنجاز والعزم ، دون الرجوع إلى الأساسيات التي تبرر ما حصدته من نفائس الدنيا الزائلة ، لا يهم أن تكون حُصدت بالحلال أو الحرام ، و لا يهم أن تكون مغتصبة من حقوق الضِعاف والمرضى والمحتاجين ، على فئةٍ بعينها من الناس أن تعلم أن سلوكيات الشعوب وتفسيرها لكثير من القيِّم قابلة للتغيير والتبدُّل ، بحكم الواقع الذي لا بد أن يكون مريراً بقدر حجم إنحسار الحقائق عن تلك المباديء ، لم يعُد في زماننا هذا قيمة مادية أو معنوية لأخلاقيات فاضلة متفق عليها منذ الأزل مثل النزاهة والأمانة والعدل في بسط السطة والمال والنفوذ على من يستحق ، وباتت السمة الغالبة لما يحرك إهتمام الناس كثرة المال وإنبساط النفوذ ، أما الذين تشبثوا بمبادئهم و رفضوا الإنحياز وآثروا عدم خلط التوجه الفكري و السياسي بمعاملاتهم المهنية والإجتماعية والثقافية ، فقد إستبعدوا بالظلم وأحياناً التنكيل والإستفزاز والضغوط التي غالباً ما قادت بعضهم إلى رفع إستقالاتهم عن مواقع إدارية وفنية كانوا هم أفضل من يديرها بالكفاءة والنزاهة والتأهيل ، قضى قانون الصالح العام بإسم مبدأ التمكين السياسي على المحور المركزي لفعالية المؤسسات الحكومية و الهيكل العام للدوله بشقيه الإداري والفني ، فتحولت مركزية القرار الإداري والفني من دهاليز المكاتب الرسمية إلى طاولات الإجتماعات السياسية ، فسقطت مؤسسات ومشاريع أقل ما يمكن أن يُطلق عليها أنها (وطنية) و(قومية) ، كمشروع الجزيرة الذي ما زال جرحه ينزف وسودانير مهيضة الجناح والخطوط البحرية السودانية التي إبتلعها بحر الفساد الإداري والتغوُّل السياسي ، والقائمة تطول ، في إعتقادي ما من مشكلة ستواجه البلاد بحجم أزمة النزاهة (الكُلية) في الهيكل الإداري والفني للمؤسسات الحكومية و الخدمة المدنية بأكملها ، فهي أكثر تعقيداً من الناحية القانونية والإستراتيجية من إشكالية الإحلال السياسي وإقتسام مراكزها والتي هي في نهاية الأمر مرئية وواضحة للعيان ، لكن الخدمة المدنية هي في الواقع شبكة معقدة من القوانين واللوائح والقرارات والهياكل التي تحتاج إلى سنوات ليست بالقليلة تتيح إعادة هيكلتها الشكلية والضمنية وفقاً لمبدأ المقدرة والتأهيل والكفاءة ، لك الله يا وطني .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة