مراكش مضت سبعة وعشرون عامًا على الفترة التي كنت أعيش فيها بقرية تسمى أمسوزارت، وادي تيفنوت، على الضفة الجنوبية من جبال الأطلس الكبير، بالقرب من موقع دفن القديس المغربي اليهودي ديفيد أو موش. لطالما انتابت سكان تيفنوت والنواحي الرغبة في بناء مشتل الأشجار المثمرة في المنطقة، حتى يتسنى لهم الاستغناء عن زراعة الكفاف. ولقد كافح معظمهم بالرغم من ضرورة التضحية بأجزاء من أراضيهم الزراعية من أجل تنزيل المشروع على أرض الواقع.
تحيط بقبر القديس، قديس الطائفة اليهودية المغربية، سفوح جبلية غير مستغلة يرتادها أهل المنطقة ويعون جيدًا أنه إذا تمت تهيئتها على شكل مدرجات، فستكون المهد المناسب لموقع مشتل الأشجار المنشود. ومع منح المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التابعة للحكومة المغربية، 60 في المائة من التمويل، وتوفير الباقي من مانحين من القطاع الخاص، أضف إلى كل ذلك وهب الطائفة اليهودية المحلية قطع الأرض الضرورية، فقد تبلورت فكرة المشتل وتحولت إلى حقيقة. وفضلًا عن ذلك، ساهم برنامج من فلاح إلى فلاح، الذي أطلقته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بدوره مساهمة كبيرة عبر توفير الدعم التقني وبناء القدرات الفنية التي يحتاجها أعضاء التعاونيات المجاورة قصد إشراكهم في إنجاح مبادرة المشتل والحفاظ عليه.
يضم المشتل حاليًا 90,000 من بذور أشجار الكرز والتين، من بين أنواع أخرى - أهم الأصناف المحلية التي تزدهر في هذه المنطقة الجبلية الباردة - وقد تم غرسها على ضفة واحدة بحجم هكتار بالقرب من قمة جبل يطل على ضريح القديس. وأفادت دراسة طوبوغرافية حديثة أنه من الممكن بناء أربعة ضفاف أخرى، الشيء الذي سيجعل المنطقة أشبه بمدرج زراعي كبير نزولاً في اتجاه الوادي. تبلغ التكلفة الإجمالية لاستكمال هذا العمل الإضافي، من تركيب أنظمة الري إلى زراعة ربع مليون بذرة إضافية، 240,000 ألف دولار. وبمجرد اكتماله، سيتم توسيع المشتل لينتج بمعدل سنوي أكثر من 300,000 شتلة من الأشجار المثمرة والغابوية، مما يستفيد منه حوالي 2000 أسرة فلاحية سنويًا وعشرات ساحات المدارس لتقريب الطلاب من تراثهم الوطني المتنوع.
يوم قام الدكتور يوسف بن مير وزملاؤه في مؤسسة الأطلس الكبير بوضع اللافتة في قرية إميرديل، قرب ضريح القديس دافيد أو موتشي، وقرب موقع مشتل الأشجار المثمرة القروي الجديد، إقليم ورزازات - المغرب (7 يوليوز 2021). صنعت اللافتات التي ركبت الشهر الماضي من أشجار الجوز المتساقطة بالجوار لإحياء الأشواط الطويلة التي قطعها هذا المشتل. وهي أيضا رمز يقر بجود وسخاء الطائفة اليهودية المغربية والدعم المحوري لجلالة الملك محمد السادس، الذي أصدر تعليماته السامية للحكومة للمساعدة في تمويل هذه المشاريع عبر قناة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وذلك لما لها من دور في توطيد العلاقات بين الأديان. وخلال الفترة التي خدم فيها هذا البرنامج، فقد سيرج بيردوغو، الأمين العام للطائفة اليهودية المغربية، وزوجته العزيزة السيدة أرليت، ابنهما الحبيب رافائيل جوليان، وتقف هذه اللافتات لتخليد ذاكرته الجميلة.
في ظل منح السفير بيردوغو هذه القطعة الأرضية وغيرها من المواقع في المغرب لإنجاز مشاتل الأشجار بالمناطق القروية لفائدة الأسر الفلاحية البسيطة، فإن مؤسسة الأطلس الكبير - المشرف على إنجاز المشاريع - لا تزال بحاجة إلى تمويلات إضافية لإتمام البناء. عقب المذابح التي تعرضت لها الكنيسة في ساوث كارولينا، المعبد اليهودي في ولاية بنسلفانيا، وفي مسجد كرايستشيرش بنيوزيلندا، كتبت رسالة موجهة إلى ملك البلاد عن مشتل ورزازات باعتبارها نموذجاً للحياة المغربية، ولأنه سيعود بالخير عينا جميعًا في جو من التضامن. عاشت الرحلة التي استغرقت 27 عامًا لتحقيق حلم هذا الشعب لحظت تاريخية وضع فيها حجر الأساس لتأسيس المشروع، بعد أشهر قليلة فقط من تسليم رسالتي المقتضبة إلى قصر جلالة الملك في الرباط.
وفي كثير من الأحيان، عند شراء أو استقبال الأشجار، قد لا نرى جميع مراحل الرحلة التي قطعتها البذور لتصبح شتلات جاهزة للزراعة في الحقول أو الجبال. ومع ذلك، فإن قصة مشتل ورزازات ومديريها والمستفيدين منها رواية مغربية أصيلة جديرة بالقراءة المعمقة. حكاية هي ثمرة الشراكة المدنية الحكومية، والتضامن المغربي المسلم واليهودي، وتآزر الإدارات من أسفلها إلى أعلاها، وسنوات المثابرة المتفانية من الشركاء القدامى والجدد، برنامج من فلاح إلى فلاح الذي أطلقته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، تتحد جنبا إلى جنب لتحقيق رؤية تنموية مستدامة بالمجتمعات الفلاحية المغربية.
اللافتة - صنع حرفيين محليين، أبطال قصص جميلة بدورهم - تقف الآن شاهدًا شامخا يصمد أمام تحديات الأجيال، وتروي تفاصيل الرحلة الرائعة التي أنجبت مشتل الشعب وولدت الشعور بأن العمل الصعب والمتواصل بدأ للتو.
مشتل الأشجار في إميرديل، إقليم ورزازات، المغرب (7 يوليوز 2021، مؤسسة الأطلس الكبير). الدكتور يوسف بن مير، رئيس مؤسسة الأطلس الكبير، رئيس فرع برنامج نشاط الأقليات الدينية والعرقية التابع للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في المغرب.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة