لاحتْ على دكّةِ الخمّـارِ أســـرارُ وأشرقتْ في وجـوهِ القـــومِ أنوَارُ وطافَ بالبيتِ ســاقٍ لا شـبيه لـهُ هـذا العقيـــقُ وهـذا الربـعُ والدارُ فاستيقظُوا يا سُـكارى بعد رقدتِكُم واسـتغنمُوا الوقتَ إن الدهرُ غدّارُ مـن باحَ بالسرِّ كان القتلُ شــيمتهُ بين الرجـــالِ ولا يُؤخـــذ لـهُ ثـأرُ
الحلَّاج (1) كان الرجل حمّال أوجه، إذ كانت لهُ ثلاثة أوجه: اثنان لعملة واحدة... هي العُملة الوطنيّة... أمّا الوجه الثالثُ فقد فكانَ: مخصصاً للعُملات العالميّة! وقد ميّزت البراءة والخفر، مجتمعيْن، تلك الأوجه الثلاثة، وغارت في تقاطيعها...فقد صُنعت تلك الأوجه، جميعها، من طفولة شقيّة... وتطلّع نحوالمعرفة: بمعاش و أحوالالشعوب،ومنذلك عُملاتها! ومنذ الطفولة الباكرة ونعومة الأظفار، استهوت الرجل:هوايات جمع العملات،والطوابع البريديّة... لذا لم يندهش، قدامى العارفين، حينما يطلُّ أحد هذه الأوجه الثلاثة برأسه في المجالس، حتى عندما يكون المقام: ليس مقام مالٍ، أوتقاسيمِهِ! وكانت الأوراق النقديّة تترى، وتترامى عليه كأوراق الخريف، بالنهار، حسب التوقيت المحلي... وكان ينفقها، بالليل، بغض النظر عن التوقيت، وهومُوقن من الغد، فإن لم تكن (الوطنيّة) فالأمل معقود على (العالميّة!)... وكان ينفقإنفاق من لا يخشى الفقر: بحيث لا تعلم يمينه بما تفعل يساره،وبالعكس!... ولكن، حُبَّهُ لأوراق النقد، لم يكن ينطبق على العملات المعدنيّة، ولم يجمعها-(المعادِن)- ضمن ما جمع من مقتنيات ثمينة، عندما كان هاويًا، أوبعد الاحتراف. اللَّهم إلا تلك المعادن الذهبيّة أوالتي تلمع كالذهب... فقد كانت تخطَفُ بصره وبصيرته، وكان يحترمها ويجمعها في مكانٍ آمن، ثم يقرأ عليها الحصن الحصين كل ليلة... ما عدا تلك القطع المعدودات التي كان يهديها لزوجته في الليالي الصافية... وكانت أجملها تلك القطعة البرّاقة التي أهداها لها، ليلة أن دعتهُ لحضـــور فيلم: (ليلة القبض على فاطمة!)، بالفندق الكبير... وصادف هناك بعض معارفه الحميمين وطاف بمائدتهم، بأوجهه الثلاثة، حتّى ثمل، ثم أهداها لها... وعندما أفاق في الصباح، عزّ عليه التراجع عن الهديّة التي بذلها في الليل... ولكنه شعر بالحسرة لفقدانه تلك القطعة الأنيقة... والتي استقرّت، بالهناء، في خزانة زوجته: المُترفة! وضاع عليه تحصينها الليلي: بالحصن الحصين! وكانت الأوراق النقديّة تترى عليه، ليس بموجب الحظ وحده، وإنّما لحصافته،وعينه الثاقبة، التي: ترى الإبرة في كومة من القش!، وأذنه، التي: أصغت بانتظام للموسيقى في أزمان غابرة،والتي تلتقط، الآن، رنّة قرشٍ في سطحِ المرّيخ*... ومن الصفقات التي درّت عليه قدراً وفيراً من اليوروهات، أنّه كان، يتبرع بنفقات الحج للفيفٍ من أهله، وأصدقائه، وعارفي فضله: ليفوز، هُوَ، بفرق سعر العُملات الأجنبيّة، التي ترصدها (الدولة!)...للحاج الواحد، دون علمهم، أودون إعتراضهم، إذا هم: علموا!... وكانت خزانة حرمه المصُون، تزداد سواراً أوقرطاً، مع كلِّ: حجّة!... ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ *من قصيدة قطار الغرب- محمد المكِّي إبراهيم.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة