كنا جالسين كعادتنا في كل سبت من أيام الأسبوع، تضج زوايا البيت بأصواتنا، إذ قطع أبي المناوشات المعتادة بيننا ملفتاً أنظارنا إليه بصوته الحاد الجدي قائلاً: أود أن أبلغكم بخبر هام جدا بالنسبة إلينا جميعاً كما أنني أسعد بالاستماع إلى اقتراحاتكم حول هذا الموضوع ثم استرسل قائلاً: كما تعلمون إننا على مشارف نهاية السنة الدراسية وسنستقبل الإجازة الصيفية بكل شغف وحماس، لكن هذه السنة لن نستطيع السفر إلى أي بلاد كما اعتدنا في السابق نظرا لارتباطي بمسؤوليات عدة تتعلق بالعمل. ملأت ملامح الدهشة والذهول وجوهنا بعد تلك الكلمات التي سمعناها من أبي، لقد انهارت وتلاشت كل الأفكار المعدة مسبقا لسفرنا هذا، كل آمالنا خابت، وعلامات استفهام كثيرة تُقرأ بأعيننا، خيم الصمت لدقائق بيننا.. ثم قطع صوت أخي ذلك الصمت قائلاً: وماذا سنفعل اذاً في تلك الاجازة الطويلة؟ أجابه والدي: هذا ما أردت مناقشتكم به لنتبادل الأفكار ونستقر على رأي رشيد، تفوهت أختي الصغيرة بكلمات تكاد لا تسمع تعبر فيها عن استيائها الشديد بما أخبرنا به أبي، في تلك الأثناء اجتاز صوت أخي الحيرة المرسومة على وجوهنا قائلاً: أنا أقترح أن نذهب جميعنا إلى المنتجع الجديد الذي افتتح مؤخراً ونقضي به أيام الإجازة، رد عليه أخي الأصغر قائلاً: وانا أقترح أن يقضي كل واحد منا إجازته بالشكل الذي يحلو له ويستمتع به دون فرض أي آراء علينا.
استاء أخي محمد من طريقة حديث أخي الصغير وانفعل جداً من كلامه وهنا بدأت المشادات بينهما متناسين تماماً وجود أبي بينهما وضرورة احترام وجوده، علت أصواتنا وبدأ كل واحد منا يتنازع مع الآخر مدافعاً عن فكرته ومتمسكاً برأيه، ولما احتد الكلام بيننا قرر أبي الخروج عن صمته وقال وهو حنق: لقد أردت أن تكون هذه الجلسة مثمرة بالآراء الحكيمة وليس ساحة للعراك، وخرج من بيننا غضبان أسفاً وتركنا وسط سكون وندم. لقد كان هذا نموذجا لحوار أسري معتاد تحول إلى جدال واسع، يجعلنا نتساءل كيف لنا معرفة الحوار من الجدال ؟ وما أهمية الحوار في حديثنا؟ وماهي الأسباب الفعلية لانعدامه ؟ وماهي صفة الحوار الفعال وكيفية نجاحه؟
الفرق بين الحوار والجدال: يمكننا القول إن الحوار والجدال لهما نفس المعنى وهو تبادل الآراء حول موضوع معين ولكن الحوار يكون بطريقة مهذبة ويوجد فيه استماع للطرف الآخر وفيه تبادل للثقافات فكل واحد منهم يضيء للآخر نقطة لا يراها، أما الجدال المذموم فهو أشبه بالمخاصمة لأنه يكون بمعنى الحوار ولكن فيه مشادة كلامية وكل من الطرفين يحاول إقناع الآخر حتى لو قام باستخدام أدلة غير صحيحة ليثبت كلامه، إذا الحوار هو الجدال ولكن كيف نعرف أنه حوار وليس جدالا، نجد أن المحاور يهمه من الأمر أن يكون فيه تبادل وجهات نظر وليس كيف يقنع الطرف الآخر بفكرته، كما يملك المتحاوران ميزتين أساسيتين هما: العلم بالهدف من الحوار والقضايا التي يتحاوران فيها، بالإضافة إلى الخلق الحسن والتهذيب، وبذلك يصبح الحوار ممتعا وراقياً.
الحوار وأهميته: يقول تعالى: (وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) [الشورى: 38]، الشورى هي أسلوب حياة وعلى الكبير سماع الصغير والعكس حتى يصلا إلى رأي مشترك بينهما وهذا هو الصحيح، وعلى الوالدين أن ينسيا أنهما أصحاب سلطة عند الحوار مع أبنائهما، ويجب أن يعرف الآباء أن للحوار أهمية كبيرة للأسرة منها: 1- أن الحوار ينشئ التفاعل بين الأبناء والوالدين مما يسهل على الطفل البوح بمشاعره لوالديه وما يواجهه من مشاكل في المدرسة وبذلك يستطيع الوالدان تدارك الموقف قبل أن يزداد سوءاً على عكس الجدال الذي يخلق حاجزاً بين الأب وابنه لأنه يخاف أن يخبره بما حدث معه فيوبخه. 2- الحوار يهدف إلى بناء شخصية الطفل لأنه يشعره بالأمان والثقة التي تقيه من المشكلات في المستقبل عند استمرار الحوار بينه وبين والديه. 3- يستفيد الآباء من خلال الحوار مع أبنائهم أن يشكلوا صورة عن طموحاتهم ومشكلاتهم لأن الأطفال لا يجيدون التعبير، والفائدة الأخرى فهم الصورة التي رسمت في أذهانهم عنهم وقد تكون هذه الصورة خاطئة وبالحوار المستمر تتضح الصورة فإن كانت صحيحة قاموا بتغيير سلوكهم وإن كانت خاطئة قاموا بتصحيحها. 4- الغزو الثقافي الغربي عبر وسائل الإعلام وما تسببه من تغيير في الأخلاق والطموحات، قد سمعنا الكثير من القصص عن المراهقات اللاتي تورطن بعلاقات عبر الإنترنت مع الشباب، ومن الفتيات والفتيان من اتجه لأصدقاء السوء، لذا يجب أن يكون هناك حوارا مستمرا في المنزل لتفادي تلك المشاكل.
أسباب انعدام الحوار: 1- بعض الآباء والأمهات لديهم معتقدات خاطئة في التربية منها أن الأبوين يصدران الأوامر وعلى الأبناء التنفيذ فينعدم بذلك الحوار. 2- قلة مكوث الأب والأم في المنزل وقضاء ساعات طويلة في العمل يؤدي إلى قلة فرص الحوار مع الأبناء. 3- وأخيرا التكنولوجيا الحديثة التي أصبحت متوفرة في كل بيت فنجد كل طفل ينعزل عن أسرته ويتواصل مع العالم الخارجي مما يضعف الروابط الأسرية ويقلل الحوار الأسري
حتى يكون الحوار ناجحا: لنجاح الحوار في الأسرة ينبغي على الوالدين توفير بيئة جيدة وهادئة للحوار، واختيار مكان هادئ خال من الضوضاء، فمن المهم أن يكون هدف الأسرة من الحوار هو تقوية العلاقات التي تجمعهم وأن يكونوا مستعدين نفسيا للحوار وفي وقت نشاطهم وخال من الواجبات، ولأن الحوار سوف يكون بين كبار وصغار، وعلى الوالدين أن يقوموا بتخفيف التوتر الذي سيحصل خلال الجلسة.
وفي الختام، يوجد الكثير من الآباء من يقوم بتربية أبنائه كتربية آبائنا وأجدادنا ظنا منهم أنها هي الطريقة المثالية وأنها أساليب تربوية كاملة وتصلح لكل العصور، ولكن هذا خطأ، لذا يجب عليهم أن يتثقفوا أكثر في طرق التربية الحديثة خصوصا مع التطور الحاصل ويجب الاستمرار في الحوار مع الأبناء حتى لا يقعوا في أخطاء يمكن تفاديها قبل حدوثها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ المراجع:كتاب التواصل الأسري كيف نحمي أسرنا من التفكك( دكتور عبد الكريم بكار) ------------------------------------ برزت في بداية الثمانينات ومع التطور العلمي والتكنولوجي واستخدامات الحاسوب الألعاب الإلكترونية وصارت محط أنظار واهتمام الجميع، ومع نهاية القرن الماضي انتشرت الألعاب الإلكترونية كنموذج للترفيه مختلف عن كل ما سبق من الألعاب الترفيهية، وتميزت تلك الألعاب بعدة مميزات، منها التنوع ما بين ألعاب الإثارة والتنشيط للذكاء والتعليمي، وغيره، ومنها أنها تستهدف جميع الأعمار والفئات، والأهم من ذلك أنها تجعل اللاعب جزء من اللعبة، وهذه الميزة لها جاذبية قوية بالنسبة للأطفال والمراهقين والشباب لأنها تطلب من اللاعب التركيز والاهتمام المستمر والإصغاء والتفاعل التام مع الأحداث بالعقل والمشاعر والنفس بحيث يشعر اللاعب أنه جزء لا يتجزأ من الأحداث وأنه العنصر الأهم في اللعبة. ومجالات هذه الألعاب عديدة، منها: الهواتف المحمولة والحاسوب وشبكة الإنترنت والأجهزة الأخرى. ومع بداية القرن الحالي تطورت تلك الألعاب الإلكترونية بطريقة متلاحقة وسريعة، وأصبحت جزء من يوميات وأوقات الأطفال والمراهقين، وأصبحوا معها متفاعلين نشطاء، لهم مشاركة فعالة ودور حقيقي في إدارتها، ومن أمثلة الألعاب الشهيرة حاليا .(Fortnite) و (pubg)
إن تأثير الألعاب الإلكترونية على الأطفال والمراهقين وانجذابهم نحوها وانغماسهم في ذلك العالم الافتراضي أثار اهتمام المختصين في مجال السلوك الإنساني والاجتماعي والنفسي، فقامت دراسات عديدة حول الآثار النفسية والجسدية على الأطفال، والاطلاع على الجوانب الإيجابية والسلبية لتلك العلاقة القوية بين الطرفين، الطفل واللعبة.
إيجابيات الألعاب الإلكترونية: لهذه الألعاب فوائد كما لها أضرار، ومن هذه الفوائد ما يلي: 1- تعليم الطفل من خلال زيادة المفاهيم والمعلومات. 2- تطوير المهارات من خلال تنمية الذكاء وسرعة التفكير، فالألعاب الإلكترونية تحتوي على الألغاز التي تحتاج لمهارات عقلية لحلها. 3- تزيد القدرات العقلية على التخطيط والمبادرة 4- تشبع الخيال لدى الأطفال كثيرا 5- تزيد نشاط وحيوية الطفل، والقدرة على التعامل مع التقنية الحديثة 6- تشجع على الابتكار وإيجاد الحلول الإبداعية للتكيف مع ظروف اللعبة 7- تحفيز الذكاء عند الأطفال، وتحسين مستوى الفهم. 8- تطوير المهارات الإدراكية، وسرعة اتخاذ القرار. 9- تنسيق العلاقة بين حواسه.
سلبيات الألعاب الإلكترونية: أولًا: الناحية النفسية: 1- تنمي لدى الأطفال العنف والحس الإجرامي 2- تكوين الشخصية الأنانية وحب الذات ثانيا: الناحية الاجتماعية: 1- تعليم أساليب وطرق ارتكاب الجرائم وحيلها 2- العيش في عزلة عن الآخرين 3- تراجع وضعف في التحصيل الأكاديمي 4- ارتفاع نسبة جرائم السرقة والقتل بشكل ملحوظ 5- نشر جرائم الاعتداء والاغتصاب 6- الابتعاد عن الأسرة 7- ضعف العلاقة بالأبوين ثالثًا: الناحية الصحية: 1- الإصابة بالتهابات المفاصل وقلة المرونة الحركية على المدى البعيد 2- الاضطرابات النفسية 3- الإصابة بالسلوك الإدماني الوسواسي 4- ضعف النظر. كشفت صحيفة " ميرور" البريطانية عن دراسات علمية في الجامعة النرويجية عن تأثير الألعاب الإلكترونية على قدرة الأطفال في التواصل مع الناس والبيئة، والذي يختلف باختلاف جنس الطفل، حيث أوضحت الدراسات التي شملت (870) طفلا تتراوح أعمارهم بين 6-12 سنة، ولاحظ الآباء والمربون والمدرسون المشاركون في البحث مدى اختلاف تأثير الألعاب الإلكترونية على الجنسين، حيث لاحظوا أن الذكور من لاعبي تلك الألعاب لم يتأثروا على المستوى الاجتماعي، ولديهم القدرة على إقامة علاقات اجتماعية والاستمرار فيها، والحفاظ عليها في صورة جيدة. بينما الإناث اللائي في عمر 10 سنوات وقد قضين وقتا طويلا مع الألعاب الإلكترونية أصبن بضعف كبير في التواصل الاجتماعي، وقدرت الدراسة أنهن متأخرات ما يقارب السنتين مقارنة بأقرانهن الإناث اللاتي قضين وقتا أقل مع تلك الألعاب. وأشارت الدراسة إلى أن الإناث يتأثرن بشكل أكبر من الذكور، وهذا الأمر يزيد من تعرضهن للعزلة في فترة لاحقة من الحياة. وأوضح " بيتي وولد هيجن" الباحث في الجامعة النرويجية للعلوم والتكنولوجيا، المشارك في الدراسة التي تسعى إلى فهم تبعات ألعاب الفيديو على تطور شخصية الطفل: أن اللعب ليس مشكلا في حد ذاته، وإنما المشكلة هي قضاء وقت طويل أمام ألعاب الفيديو.
وأخيرا: يجب علينا الوقوف في وجه هذا التيار الهادم لكثير من القيم والمبادئ الإنسانية، والذي يعمل على غرس قيم مخالفة لديننا الحنيف، فكلنا شاهد واطلع على ما يحدث من تلاعب بعقول ونفوس وأخلاقيات أطفالنا وأبنائنا من مناظر قبيحة ومشاهد غير أخلاقية ومقاطع إباحية وسلوكيات منحرفة من خلال تلك الألعاب، رغم الجوانب الإيجابية فيها، عن أبي هريرة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:" الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها"، ولا يخفى على عاقل نتيجة هذا التلاعب من آثار نفسية واجتماعية تهدم شخصية هذه الكائنات الصغيرة، وتجعلها مسخا منطويا على نفسه، مليئا بالكآبة والإجرام والعنف، يألف منظر الدمار والدماء. حماية أبنائنا وبناتنا الذين هم أساس المجتمع وقادة المستقبل مسؤولية مشتركة بين جميع الجهات والمؤسسات، مسؤولية البيت والمدرسة والبيئة والدولة، مسؤولية كل فرد ومؤسسة، حمايتهم من أنفسهم ومن كل من يحاول تحويلهم إلى كائنات غير سوية، غير متوازنة، غير مفيدة، إنما مجرد أحياء صغيرة تحكمها التكنولوجيا الحديثة المادية الجامدة. إن مسؤولية الوالدين مراقبة أبنائهم وتوجيههم وتعليمهم كيفية استثمار الجوانب المشرقة والمستفيدة من تلك الألعاب في تكوين الجوانب العقلية والنشيطة للعقل والذاكرة والشخصية، والابتعاد عن النواحي السلبية وغير الأخلاقية وخاصة العنف والإجرام، وهذه المسؤولية ليست اختيارية، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6). وعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) متفق عليه. ولتجنب أضرار هذه الألعاب يجب اتخاذ خطوات مثل: 1- تحديد وقت معين لممارسة هذه الألعاب، ولا يترك الوقت مفتوحا طوال اليوم، أو في أية ساعة. 2- مشاركة الطفل في اختيار الألعاب التي تناسب عمره وميوله. 3- مراقبته دون أن يشعر بذلك مراعاة لمساحة حريته. 4- وضع برامج مراقبة لمعرفة نوعية مشاهدات الطفل. 5- محاولة إشراكه مع أصدقائه في اللعبة حتى لا يتعود على العزلة. 6- تشجيعه على ممارسة هواية القراءة حتى لا يقتصر وقته على الألعاب. 7- ترغيبه في ممارسة أنشطة تنمي مواهبه كالرسم، لأنه ينمي قدرته على التخيل والإبداع. 8- إلحاقه بالنوادي الرياضية ليخرج طاقاته الحركية في ممارسة الرياضة. 9- تدريبه على الإفصاح والحوار والمحادثة حتى لا يكتم وتكون الألعاب العنيفة متنفسا له. ------------------------------------- قولة ألقاها الإعلام الرجيم في أماني نساء القرن العشرين.. لترجِّعها إحداهن (بالفم المليان) لزوجها - الذي لا يقبل أن تكون (زيها زيه بالظبط) - فتدب الخلافات، وتدوم المناقرات، وينتهي الحال إما إلى (تعايش) تعيس ٍ، لا سكينة فيه، ولا مودة، أو رحمة.. أو إلى (فراق) قاطع باتّ يدفع ثمنه الأبناء، والنظامُ الاجتماعي الذي يصر على تلقين البنات أن إحداهن (زيها زيه بالظبط).
وهي عبارة شجع عليها أن إحداهن تخلت عن دورها الفطري - كأنثى وزوج وأم وملكة متوجة في مملكة اسمها البيت - لتمارس دورًا آخر أضلها به من لا يريدون لها الخير، ولا لبيتها السكينة، ولا لعلاقتها برجلها المودة والرحمة!
بعيدًا عن التهويش والقعقعة اللفظية أطرح بعض الافتراضات، وأناقش مدى إمكان تحققها.. والنتيجة المترتبة عليها إذا هي تحققت.. . هل يمكن للرجل أن يكون امرأة، أو للمرأة أن تكون رجلًا (بالظبط)؟ . هل يمكن أن تكون المرأة امرأة، وهي ..بعضلات، وصوت خشن، وقلب زيّ الحجر... . هل يمكن للرجل أن يحبل ويلد، ويحيض وينفس، ويتوحم على خرطة جبنة، أو فحل بصل؟ . هل يمكن للرجل أن يكون له صدر ناهد.. وجسم أطلس.. وتقاسيم مورفولوجية، تجعله يندرج تحت وصف صاحب المقامات للجميلة زينب: جُندُها: جيدُها، وظَرفٌ، وطَرفٌ .......... ناعسٌ، تاعسٌ، بحدٍّ يَحُدُّ
. هل من المعتاد في الرجل أن يفزع في نصف الليل ليضم ابنه في حضنه، أو يبكي أربعًا وعشرين ساعة؛ لأن ضناه - بسلامته - ارتفعت حرارته شرطتين؟! . هل يمكن للرجل (الطبيعي) أن يحب ظلال الجفون، وأحمر الشفاه، وألوان الخدود، والإكسسوارات المفرطة، والأقمشة النسائية الزاهية، وعالي الكعوب من الأحذية؟ . وهل ترضى المرأة الطبيعية أن (تتمتع) بصوت غليظ مثل صوت حضرتي، وأيد خشنة، وكعوب متشققة، وعدم مبالاة بالجسم كما نملك؟ . وهل يمكن للمرأة الطبيعية أن تعافس الحياة في الشارع... وسط قسوة طلب المعاش، وصعوبة انتزاع اللقمة.. وتبقى - مع ذلك - امرأة ذات رموش ناعمة.. وأنوثة فاغمة.. ورقّة فاتكة؟
إن الله تعالى يقول لنا إن ذلك غير ممكن {وليس الذكر كالأنثى}! وإن الله تعالى يقول للمرأة: اعتزي بما أنت عليه من الرقة، وحب الزينة والتأنق. ويقول للرجل: كن رجلا بحق.. وحافظ على ما أنت عليه.. ويقول لكليهما: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْض}! وإن الله تعالى يقول: إن الرجل إذا حاول أن يكون أنثى الطبع، وإن المرأة إذا حاولت أن تصير ذكرية السمات، حلت عليهما بذلك الفتنة واللعنة والفساد العريض: ففي الحديث الشريف (لعن الله المتشبهين).
لكنّ للغرب رأيًا آخر، لأنه يعتقد أن مفكريه أعلم من الله (تعالى) وأخبر من الله (تعالى)، وأبصر من الله (تعالى)! قال أهل الغرب - ببساطة - إن الرجل يمكن أن يكون أنثى، وألبسوه الأقراط والسلاسل، وأطالوا شعره، ونعموا خدوده. وقالوا ببساطة - أيضًا - إن المرأة يمكن أن تكون تيسًا جبليًّا، تنطح الصخر، وترقى الوعر... فجعلوها تمارس كل ما يمارس الرجل... فماذا كان المآل؟
في عالم الحيوان أطعموا البقر اللحم فجنّنوه، وخبّلوه، وأفقدوه بَقرِيتهُ؛ فلم تعد البقرة بقرة.. ولم تصر كذلك لبؤةً لاحِمة! وفي عالم النبات والحيوان نرى بعض الزهور وبعض الأسماك إذا فقدت الجنس المقابل تحولت إليه... فإذا لم تجد السمكة ذكرًا تحولت هي إلى ذكر لتلقيح نفسها.. وينتهى الأمر... ببساطة.
وهذا ما كان في دنيا الذكورة والأنوثة بمنتهى البساطة. استغنى الغربي عن المرأة - التي شبع منها حتى البشَم - واكتفى بذكر مثله، ويا دار ما دخلك إلا الشر. واستغنت الغربية عن الرجل - الذي شبع منها حتى البشم - بامرأة مثلها، أو حتى بكلب أو قرد.. وكله عند الغرب متعة!
وبعدين: ألم يصابوا بجنون البشر بعد جنون البقر؟ ألم يجنُّوا حين عافوا الزواج الفطري، والنسل، والأرحام، والعصبات، وأشكال القرابة كلها؟! وكيف سيكون الحال لو - لا قدر الله - انتشر هذا الصنف من البشر الشاذين، الخارجين عن الفطرة، والاستقامة، والانسجام مع (البشرية الأصلية)؟! • هل سيسيطرون على الدنيا: الاجتماع، والسياسة، والإعلام، والاقتصاد، والترفيه كله؟ • هل سنرى موجات من الأفلام والمسلسلات والإعلانات وأشكال الترويج كلها في الإعلام العربي والعالمي لنشر هذا الداء الوبيل؟! • هل سيكون المجد للجنس الثالث الذي تذوب فيه الحدود بين الذكورة الأنوثة، وينتج جنس وسيط ثالث يتصف (بالأنورة) فلا هو ذكر ولا هو أنثى.. ولا هو خصب ولا طبيعي.
أتعرفون البغال والكائنات الهجين؟ إنها لا تتناسل ولا تتضاعف لأنها ثمرة جنسين مختلفين؛ فلأن البغل نَسَل من حصان وأتان، يخرج عقيمًا، غير قابل للتكاثر والتناسل والاستمرار..
هل تتخيلون (مثلي) وترتعبون (مثلي) من مصير العالم إذا تحول كله إلى كائنات غير طبيعية؛ ليست بالذكور ولا بالإناث؟
أليست هذه وسيلة للقضاء على البشر أرخص من التعقيم القهري، وقنابل اليورانيوم المنضب، والموت الدولي المنظم، والطعام الملوث بالإشعاع الذي يصدر للعالم الثالث؟
ألن يكون هذا أرخص وأسهل وأشد فاعلية في استجلاب سخط الله ولعنة الله وعذاب الله على البشرية التي استباحت الذكران يومًا في بعض مساحاتها، فقلبها الله تعالى - عاليها سافلها - كما تنقلب الفطرة، وكما ينقلب وضع الرجل والمرأة الشاذين! أليس وعيد الله تعالى بإمطار المستبيحين بـ {حجارة من سجيل منضود * مسومة عند ربك} أليس هذا الوعيد قائمًا حتى يومنا هذا {وما هي من الظالمين ببعيد}؟!
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل المستبيحون منا... يا حليم يا رحيم
-------------------------------------- في الآونة الأخيرة أصبحت تتردد مصطلحات وألفاظ وجدت من يتغنى وينادي بها بصخب دون أدنى علم، ولا يليق ذلك بأمة جعلها الله خير الأمم، فكان لا بد من تسليط الضوء على بعض تلك الألفاظ، ومعرفة سر حكايتها، فلم يأت على هذه الأمة هوان كهذا الهوان الذي تعيشه، وذلك مدعاة لأن نكون متبصرين وحذرين لما يراد بهذه الأمة، وما يراد بتلك الألفاظ، فكان لابد من فهم تلك الألفاظ، والمعنى منها، لذلك سنبدأ الحكاية من أولها، والتي ستكون عبارة عن محطات، نتنقل بينها حتى نصل لجوهر الموضوع..
يحكى أن: مؤتمرا خبيثا أقيم في (بكين) سنة (سبتمبر1995)، زعم أنه يسعى لرفعة شأن المرأة خاصة والأسرة عامة، حيث جهز لهذه المزاعم بعضا من النصوص التي قدمها إثباتا لنواياه، فكان مما ذكر في هذا المؤتمر لفظ تكرر عددا من المرات، وهو: (الجـنـدر)!! فما معنى كلمة جندر؟ ومتى ظهر هذا المصطلح؟ وما هي دلالته الحقيقية؟ وما الهدف من نشر هذا المفهوم؟ وما سبب ظهوره؟ وما أثره على الأسرة والمجتمع؟ وما أثره على الإسلام؟ وما واجبنا نحن تجاه هذا الأمر؟
الجندر: هو مصطلح غربي، لم يعرف حتى الآن تعريفا دقيقا وحاسما، وهو على خلاف الأعراف البحثية والعلمية، التي تواطأ العلماء على وضع التعريفات والبناء عليها، وسبب عدم وضع تعريف واضح لهذا المصطلح لما يحمل في داخله مضامين خطيرة، وفي هذا المقال سألقي الضوء على ما يقصد به هذا المصطلح وبعض من آثاره. بداية: كلمة ( جندر) Gender كلمة إنجليزية مشتقة من أصل لاتيني، وتعني لغوياً Genus أي (الجنس من حيث الذكورة والأنوثة).
متى ظهر هذا المصطلح؟ إن هذا المصطلح أول ما ظهر في حقل الدراسات الاجتماعية على يد الباحثة الانجليزية ( آن أوكلي ) التي ألفت كتابا سنة 1972م اسمه ( الجنس والنوع والمجتمع)، حيث أعطت من خلاله المعنى الحرفي للجندر. وأول ذكر له (مصطلح الجندر) كان في مؤتمر السكان في القاهرة عام (1994م)، حيث تكرر مصطلح الجندر لأول مرة (51) مرة، ثم بعد عام أقيم المؤتمر الرابع العالمي للسكان في بكين عام (1995م)، والذي تكرر فيه هذا اللفظ (254) مرة، حيث خرج هذا المؤتمر بوثيقة ميثاق بكين (معاهدة سيداو)، وهذا المصطلح حين ذكر لأول مرة اعترضت عليه الوفود المشاركة سواء الوفود الإسلامية أو الغير إسلامية، فذكر أنه مصطلح يراد به الجنس، فتمت المطالبة بتغيير هذا المصطلح إلى المصطلح المتفق عليه وهو الجنس (sex)، فتم رفض الطلب من اللجنة المنظمة، ثم تبين بعد ذلك أن لفظ الجندر يراد به أمرا آخر يخالف الفطرة البشرية السوية، قبل أن يكون فيه مخالفة للشريعة الإسلامية، لماذا؟؟ لأن مصطلح الجندر: يقصدون به النوع، أي إلغاء الفوارق بين الذكر والأنثى بحيث يكون رده إلى النوع الإنساني، أي أن الذكورة والأنوثة عبارة عن نوع واحد، بمعنى أن الإنسان يولد كإنسان فقط. وقد عرفته منظمة الصحة العالمية: ( المصطلح الذي يفيد استعماله وصف الخصائص التي يحملها الرجل والمرأة على أنها صفات اجتماعية مركبة، أي لا علاقة لها بالاختلافات العضوية والتركيب البيولوجي).
وهذا بالتالي يقودنا لنتعرف على الدلالة الحقيقية لهذا المصطلح: مصطلح الجندر: هو مصطلح مراوغ وفضفاض، وقد أثار الكثير من الجدل بشأن الأهداف الحقيقية من ورائه...!! ويمكننا أن نقول بأن مصطلح الجندر: يشير لجنس ثالث ليس بالذكر وليس بالأنثى، وإنما هو جنس ثالث تحدده الأعراف الاجتماعية، والاختيارات الإنسانية، وليس هناك اعتبار لأعضائه الجنسية. فالإنسان كونه ذكرا أو أنثى بالمعنى العضوي ليس له علاقة باختياره لأي نشاط جنسي قد يمارسه، فبحسب مصطلح (الجندر) يمكنه اختيار هويته الجنسية، الرجل الذكر قد يختار ليصير أنثى، والمرأة تصبح ذكرا بناء على الرغبة الذاتية والاختيار الشخصي، فالمرأة ليست امرأة إلا لأن المجتمع أعطاها ذلك الدور، والرجل ليس رجلا إلا لأن المجتمع أعطاه ذلك الدور، وهذا خلاف الأنوثة والذكورة كما جاءت في الخلق، والدين، والأعراف السوية، فالإنسان إما أنه ذكر أو أنه أنثى، وهذه إرادة إلاهية، فالله خلق الإنسان إما ذكرا أو أنثى، يقول تعالى: (وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى)، فالذكورة والأنوثة هي إرادة إلاهية، وهي من مستلزمات الفطرة. وبالتالي فإنه من الطبيعي أن ينتج من هذا المصطلح رجل متأنث أو يتوهم أنه امرأة، أو امرأة ذكورية ترى نفسها ذكرا، وعليه فإن مفهوم الجندر هو أوضح صورة للحيوانية التي وصل إليها الغرب، وهو ليس إلاّ أداة لتمرير أهداف شديدة الخطورة على الأسرة. تقول المفكرة الفرنسية (سيمون دي بوفوار) صاحبة كتاب (الجنس الآخر): " الواحدة منا لا تولد أنثى، ولكن تصير أنثى"، بمعنى أن المجتمع والتنشئة الاجتماعية هي من جعلت منك أنثى وامرأة، وإنما تولدين جندر فقط، أي مجرد إنسان، وهي ومن على شاكلتها تدعو لطمس كل الفروق بين الذكر والأنثى، وتبادل الأدوار، ليس من باب التكامل، وإنما من باب التنافس، وإلغاء الزواج والرجل من حياة المرأة!
الهدف من نشر هذا المفهوم: يكمن في أمرين مهمين، وهما: الأمر الأول: بما أن الجميع جندر، وبالتالي فإن العلاقة الجنسية الشاذة المحرمة بين النساء أو بين الرجال مجرد جندر مع جندر، إذا فلماذا الاعتراض على مثل هذا النوع من العلاقات؟!!! الأمر الآخر: نشر المساواة التامة بين الرجال والنساء بحجة أن الجميع هم جندر، فلذلك طالبوا بأن يكون هناك جندرة سياسية، وجندرة اقتصادية، وجندرة اجتماعية، وغيرها من أنواع الجندر في مجالات الحياة. حتى إنهم طالبوا بالمساواة حتى في الألفاظ ما بين الذكر والأنثى، وقاموا بإصدار نسخة منقحة للعهد الجديد من الكتاب المقدس، قاموا بإلغاء ضمائر التذكير والتأنيث فيه، كما أقاموا مؤتمرا في اليمن في عام (1997م) بعنوان: جندرة اللغة. إذا فمصطلح الجندر: يحمل مضمونا تنويريا في نظر دعاته، وهو تحرير المرأة من كل القيود التي فرضها المجتمع عليها، وهذه الدعوة لا تنطق بالمساواة بين الرجل والمرأة فقط، بل تصل لحد التماثل الحقيقي. كما أنه فلسفة ونظرية لإحداث تغيير في بناء الاسرة، وإلغاء الدور الأمومي للمرأة، وفي السماح بحرية الشواذ نساء وجالا، فيريدون أن تصبح كلمة "الجندر" بدلاً من الرجل والمرأة، وكلمة "الشريك" بدلاً من الزوج، وكلمة "الشراكة" و"الاقتران" بدلاً من الزواج والأسرة. وهذا سبب إبقاء هذا الكلمة بدون تعريف.
على مر التاريخ وتعاقب الأمم والحضارات كانت المرأة ممسوحة الهوية، فاقدة للأهلية، منزوعة الحرية، لا قيمة لها أو شأن، بل كانت تعتبر متاعا تباع وتشترى كسلعة خسيسة، وأنها خلقت لخدمة الرجل، تقاسي أنواع الظلم والقهر والذل، حتى جاء الإسلام، وكرم المرأة، فجعل لها مكانة كريمة علية، وجعلها شريكة للرجل، لها ما له، وعليها ما عليه، وقرر لها من الحقوق والميراث، والاهتمام، وأوصى بهن خيرا، وغير ذلك مما لا يتسع المجال لذكره. وما نراه الآن من مطالبة بالمساواة، وإلغاء للفروق ما هو إلا ترجمة للغضب الذي يجتاح نساء الغرب، ولمن ينعق بمثل نعيقهن من بني جلدتنا الخارجين على الدين الإسلامي، والمنتسبين إليه للأسف، فما لنا ولهم، ولكنه الهوان التي آلت إليه الأمة!!
أثر مصطلح الجندر على الأسرة والمجتمع؟ بداية يجب أن نعرف أن مفهوم الأسرة الفطرية السوية: هي التي تتكون من زوجين (رجل وامرأة) برابطة شرعية وقانونية، وتتكون كذلك من الأبناء.
أما بحسب مفهوم الجندر: فبما أنهم يرون أنه من الطبيعي أن يوجد رجل متأنث أو يتوهم أنه امرأة، وبالتالي فأنه يحق له الزواج من رجل، أو امرأة ذكورية ترى نفسها ذكرا، وبالتالي فإنه يحق لها الزواج من امرأة، فبذلك يكون مفهوم الأسرة لدى المفهوم الجندري: أن تتكون من شخصين (رجلين) أو (امرأتين)، وأن تتكون من أبناء بطريق غير شرعي أو غير قانوني، كأبناء الزنى، وأبناء بالتبني، أو غير ذلك، فأي أسرة هذه التي ستنشأ من هذا الأساس الفاسد؟ وأي قيم وأخلاق ستورث؟
ويحسب ما ذكر في كتاب (الأسرة وتحديات المستقبل)، والذي يعتبر من مطبوعات هيئة الأمم المتحدة، حيث ذكر فيه: "بأنه يمكن تصنيف الأسرة إلى 12 شكلا ونمطا"!! وهو البند الخامس عشر الذي ذكر في مؤتمر بكين، وفي ذلك مصادمة واستهانة متعمدة بالفطرة، وطبيعة الخلق، ولناموس الكون، وكذلك مصادمة وهدم للأسرة في حقيقتها واستقرارها بناء على إرادة الله في إقامة الأسرة التي هي نواة المجتمع. قال تعالى: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة، إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون) (الروم:21)، وقوله تعالى: (يا أيها أناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا)(الحجرات:13).
فما نشاهده الآن من ظهور لنماذج شاذة، ومن يقال لهم: (المثليين، أو مجتمع ميم، أو أحرار الجنس) بجميع أطيافهم، في المجتمعات العربية والإسلامية ما هو إلا نتيجة تلك الاتفاقية البائسة، والتي من ضمن بنودها: أن أي دولة تمنع الشذوذ الجنسي فهي دولة ضد الإنسانية!!
ولتسويق المصطلح (الجندر)، وفرضه في المجتمعات كافة، دعا مؤتمر لاهاي عام 1999م إلى إنشاء جهاز خاص في كل مدرسة في دول العالم؛ لتحطيم الصورة التقليدية والسلبية للهوية الجندرية، ولتعليم الناشئة ـ خاصة المراهقين والشباب ـ حقوقهم الجنسية والإنجابية، كما دعا المؤتمر الحكومات إلى سن قوانين جديدة تتناسب مع حقوق المراهقين والشباب للاستمتاع بحقوقهم الجنسية دون التفرقة بين ذكر أو أنثى...!! كما يسعى إلى إلغاء دور الأب، ورفض الأسرة والزواج، وملكية المرأة لجسدها، وهي دعوة صريحة للإباحية، ورفض الإنجاب، وإباحة الإجهاض، والشذوذ الجنسي.
ومما مر بنا يتضح لنا أن أمة الإسلام مستهدفة، وخاصة الأسرة والمرأة، عن طريق بث السموم الغربية لجعلها شعوبا مستعبدة، ضائعة، مفككة، تسير خلف تحقيق الشهوات والنزوات والمتع، مثلها مثل الإنسان الأوروبي، الذي غايته الاستمتاع غير المحدود استجابة للغريزة، وإجابة للذة، وتجنب الألم بالحمل والوضع والولادة.
وهكذا نجد أن مصطلح "الجندر" ارتبط منذ نشأته بحركات تحرير المرأة، ومن ثمَّ فهو مصطلح خاص بالمرأة أكثر من الرجل، وهدفه الإناث أكثر من الذكور، وغايته القصوى تحقيق ما يسمونه بـ"النزعة الأنثوية" في مواجهة "المجتمع الذكوري".. وهذا التنميط الاجتماعي الجديد، مرتبط بالعولمة الاجتماعية التي تريد إرساء قيم ومفاهيم اجتماعية جديدة في سياق عولمة المجتمعات البشرية، ونسف ما تعارفت عليه الإنسانية طوال آلاف السنين من مفاهيم وقيم أكدتها الأديان، ورسختها الطبيعة البشرية، والفطر السوية.
وما نراه في معظم الدول العربية الآن من انجرار نحو العولمة الاجتماعية ينذر بأوخم العواقب على المدى المتوسط والمدى البعيد؛ حيث تبذل جهود حثيثة لتغيير البيئة الاجتماعية الراسخة في المجتمعات العربية والإسلامية ومنظوماتها القيمية المستمدة من الإسلام والمستقرة منذ قرون.
وهذه نتيجة طبيعية للعولمة وللعلمانية التي لا يراد بها فقط فصل الدين عن الدولة، وإنما فصل الدين عن الأخلاق، إلى فصل الدين عن العلاقات بين الجنسين، إلى فصل الدين عن الاقتصاد، إلى فصل الدين عن الأسرة، وبالتالي موت الأسرة، ولكن يأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.
فمما سبق نلاحظ أن مصطلح الجندر يحمل بين طياته مضامين خطرة، تنسف المعتقدات الدينية، والقيم الأخلاقية، وتدمر الأسرة والمجتمع، وتخالف الدستور الإسلامي، وإن كانت تلك الجهود تسير ببطء وتدرج لعدم لفت الانتباه، وإثارة ردود فعل مضادة؛ إلا أن هدفها النهائي هو اجتثاث الهوية العربية الإسلامية، والسعي إلى مسخ هذه الشعوب، وذوبانها في العولمة الاجتماعية والثقافية التي تجري على قدم وساق.
وليس من المستغرب بعد ذلك في ظل كل هذه الحروب المستعرة على الأسرة المسلمة أن تتفاقم المشاكل الاجتماعية والأسرية: كالعنوسة، والطلاق، والإجهاض، وكل مظاهر التفسخ الخلقي والتفكك الأسري، والعنف المجتمعي، والعنف الأسري بكل أشكاله، فهذه الظواهر إفراز طبيعي لثقافة الجندر والعولمة الاجتماعية.
الواجب علينا تجاه هذا الأمر وعليه فإنه يجب علينا: - التوعية بخطر هذا المفهوم. - والتنبه للمؤامرات الخبيثة، والتحذير منها على صعيد الخطب، والمجالس، والمدارس، ومواقع التواصل عن طريق: النصح، والتبيين، وفضح المخططات. - التحصن بالعلم الشرعي؛ فالإنسان إذا كان محصنا تكسرت السهام على الحصون. - التقرب من أبنائنا، وفتح مجال الحوار بأسلوب طيب وهادئ، ومناقشة القضايا التي تطرأ على الساحة كل بحسب عمره وما يناسبه من أسلوب، فالحرب شرسة. - الاستعانة بالله، والاعتصام به بأن يحفظنا ويحفظ أبناءنا وأبناء المسلمين، وأن يردنا إليه ردا جميلا. - الإكثار من الدعاء وقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك"، وقول: "اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه". islamweb
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة