ليس من المعهود أن يقول مجلس وزراء بأنه يتضامن مع وزير من وزرائه في أمر هجوم من ركن ما تعرض له الوزير. من مؤهلات المنصب الأساسية أن يكون الوزير مصفحا بالثقة والتصميم والايمان التام بأنه يفعل ما يفعل باسم الشعب، ومن بعد لا يهمه أي شيء آخر. الجلوس على كرسي وزارة في هذه اللحظة لا يمكنك من الاحتفاظ بصداقة الجميع، بل ليحذف أي وزير كلمة صديق من قاموس تعامله الرسمي. الأمر الثاني: من يتضامن مع، فإنه يناصر شخصا أو طرفا ضد طرف آخر، والمناصرة ليست من مهام أي جهاز تنفيذي حكومي. للحكومة ذراع القانون القوية لتقويم الحال المائل وردع الأفراد المتجاوزين إذا ما ثبت تجاوزهم وخرقهم للقانون. في حالة عبدالحي كان يجب على النيابة أن تبادر بفتح بلاغ جنائي بحق عبدالحي، بافتراض أنه نما لعلمها وقوع جرم جنائي منصوص عليه في القانون "بحسب فهمي كمتوسط مواطن عادي"، وعلى التحري من ثم، والمحكمة فيما بعد أن تثبت الجرم من عدمه. ولنفترض أن مثل هذه الملاحقة الجنائية حدثت بالفعل وتمت تبرئة ساحة عبدالحي، أين يذهب الوزراء والحكومة بتضامنها؟؟ من المؤكد أن صراعات طويلة ومريرة ستجري على الساحة فيما يخص الكفر والايمان والشريعة، وهذا صراع مكانه أوعية المجتمع وأجهزته ومنظماته المختلفة غير الحكومية، المدارس والجامعات والأندية الثقافية ودور العبادة. شروط هذا الصراع أيضا هي توفر المناخ السلمي المدني الذي تحرسه يد القانون بقوة حتى لا يتم تهديد أحد من أي جهة بشكل شخصي بسبب آرائه. هذا هو واجب الدولة المدنية التي نريدها، والتي إن تورطت في التضامن مع جهة ضد أخرى، فإنها تفقد حيادها بشكل قد يدعو البعض لعدم احترام قواعد اللعبة الديمقراطية، خاصة وأن الفئات المهزومة من أنصار النظام السابق لا يؤمنون أصلا بالديمقراطية وينتهزون أي سانحة لتشويهها ووأد هذه التجربة في مهدها. هذا التضامن يكشف عن خلل ما، في طريقة اتخاذ القرار ومدى قدرته على دراسة قراراته قبل الخروج بها على الناس. الوجه الآخر السلبي لمثل كتابتي هذه هو مخاطر تكاثر الانتقادات للحكومة الوليدة وتمددها أفقيا بحيث يفقد الناس الثقة في الحكومة وتفقد الحكومة الثقة في نفسها، وهذا ليس المراد بالتأكيد، ولكن من شروط حسن الأداء للحكومات هو تعرضها للانتقاد، خاصة الآن في ظل غياب الرقابة البرلمانية التي تفحص أداء الحكومة وتراجعه وتستجوب المقصرين والمتراخين. حتى ذلك الوقت على طاقم الحكومة أن يتذكر أنه حكومة ثورة تسعى للتغيير ويعرف أفرادها كيف يعمل جهاز الدولة التي ننشدها وما علاقته بالمواطنين، المذنب منهم والبريء، وكيف يتعامل معهم على الملأ.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة