وحيداً جلست أُراقب هدير الثورة، ألكزُ شفاه الصمت، أبتلعُ ريق اللهفة، عيناي ملؤها دموع الفرح، شريط من الذكريات الأليمة يتموّج على ضفاف عمري الكالح. سمعتُ هتافاً يناديني، كما الصدى، مسحتُ عيني لأبعد عنّي شُبهة البكاء، إشتدّ الصوت أكثر مع إقترابه، رأيته، يجوب أرض الثورة، فيلقاً من جيوش الفرح، يهبط من سماء الحب، ومضة من قمر الروح، يرفل في (عرّاقي) معطوناً بغبار الجروف، هائماً بين أجنحة (قانقرد)، خفافاً، يرفرف على ضفاف النيل، يصدحُ بين جدولٍ و دميرة، فوق نخلةٍ جاسرة، جبّد تمرها دفِّيقاً و هَرود، عيناه تتلألأ خلف عدساته السميكة، كان يهرول نحوي، مُتعباً و سعيداً، رغماً عن سحابات الرهق، يبدو وجهه مُشِعاً، غارقاً في وحل الأمنيات. إقترب مِنّي أكثر، رأيته، لا يزال كما هو، أشعثاً بديع الغُبار، إبتسامته وردة سخّية الأريج، طاقيته البيضاء تحاول إحتواء تمرّد شعره الغزير، عيناه تتربّص بقطار عطبرة، حين لاح القطار بدأ هتافه مع الثوّار: "أنا شوقي لا متناهي للوطن البراح. أنا دمي دم، ما شاهي وين شاي الصباح. اديّنا خاطرك يا وطن. ناس في سبيلك كالغيوم جاتك بشاراتك إذن. علّمنا نستشهد فداك نحن البننماوت سُدًى" بكيت، حين رأيته يهرع لعناق قطار عطبرة، لا يزال (حُميد) يهتف: "اتبرة الطيبة، يا منجم الثورات، وينك بعد غيبة، غربة و وطي جمرات، رجّالتك الهيبة، نسوانك الحارات" هاهو يبتعد عني، و يهتف، صوته أكثر قوة و كبرياء، يلتحم مع هتاف الثورة، يقفز فوق قطار عطبرة، يدخل نوافذ قمراته، قمرةً قمرة، يحتضن الثوّار، ثم يحتوي سماء الخرطوم، و يمضي في بهاء الغياب. تركني بعد سبع سنواتٍ عِجاف، أردّد: "متينك ﻳﺎ ﻏﺮﺑﺔ ﺍﻟﺠِﻦ ﻧﺴﻜّﺖ ﺻﻨِّﻚ ﺍﻟﻨﻘﻨﺎﻕ وطن ﺟﻴﺔ ﺍﻟﻤﻄﻮﺭ ﻟﻠﻄﻴﻦ نجيه و ﺗﺼﺪﻕ ...ﺍﻷﺷﻮﺍﻕ ﻧﻄﻠﻖ ﻫﻤﺒﺮﻳﺐ .....ﺍﻟﺤِﻦ ﻋﻠﻰ ﻟﻔﺢ ﺍﻟﻨﻮﻯ ﺍﻟﺤﺮّﺍﻕ ﻭ ﻓﻲ ﻭﺵ ﺍﻟﻄﺮﺍﻭﺓ ﺩﺣﻴﻦ ﻣﻨﻮ ﺍﻟﻴﻄﺒﻞ ﺳﻤﺎﻙ ﺑﺄﻃﻮﺍﻕ."
المعز عبد المتعال سر الختم نيوبريتن، الولايات المتحدة الأمريكية. 23 أبريل، 2019 الذكرى السابعة لرحيل (حُميد)، مع وصول قطار عطبرة..
09-04-2019, 07:14 AM
Hamid Elsawi Hamid Elsawi
تاريخ التسجيل: 09-22-2005
مجموع المشاركات: 3450
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة