اليسار .. وحقوق الإنسان-وسام فؤاد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-09-2024, 03:28 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-25-2019, 01:13 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
اليسار .. وحقوق الإنسان-وسام فؤاد

    01:13 PM July, 25 2019

    سودانيز اون لاين
    سيف اليزل برعي البدوي-
    مكتبتى
    رابط مختصر




    اليسار .. وحقوق الإنسان
    ماذا لو حل اليسار محل الإسلاميين في إنجاز المشروع الأخلاقي؟
    لماذا تراخى الإسلاميون في إنجاز المشروع الأخلاقي المناط بهم تحقيقه في المجتمع، تاركين حمل مشعل حقوق الإنسان لبقايا فلول الاشتراكية وطلائع الليبرالية، وكلاهما ينكر قدسية حقوق الناس؟ أرجو ألا يتعجب القارئ من السؤال, بل أرجو ألا يتعجب حين أؤكد أن هذا ما حدث فعلاً, ولكن مع تفاصيل تختلف عن التفاصيل التي قد ترد إلى أذهان الكثيرين.
    أتانا الإسلام بأعظم مشروع أخلاقي شامل لما هو سياسي واجتماعي وثقافي واقتصادي. وحفلت أصول الشريعة بمبادئ وتشريعات نقلت العرب من حالة كانوا فيها مجموعة كيانات متشرذمة متناثرة، إلى حالة من حالات المجتمع المتماسك الأركان، العفي البنيان، فسادت أمة الإسلام على أمم الأرض، وحققت أطيب نموذج تطبيقي لقوله تعالى: (كنتم خير أمة أُخرجت للناس).
    وإذا حاولنا استكشاف كنه هذه الخيرية، فلن ندركه إلا إذا استكملنا الآية السابقة : (كنتم خير أمة أُخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله). تلك أسس المنظومة الأخلاقية التي حوتها أصول الإسلام، والتي مثلت مصدر قوة للأمة على الصعيدين النفسي والاجتماعي؛ تلك القوة التي سلبت وجدان الفرس حين تحركت بها شفتا الصحابي الجليل ربعي بن عامر: "لقد ابتعثنا الله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد"، وقوله: "أخبرونا أنكم أمة رفيعة الشان وكان حريًا أن يخبرونا أن بعضكم عبيد لبعض"، وقوله: "نحن قوم لا نسجد إلا لله". ولم يُعمِِ الترفُ عيني القائد الفارسي رستم عما عميت عنه أعين حجّابه وقواده المقربين، فأشار في حواره مع قواده إلى أن هذا البدوي قال كلمات لا تزال تداعب وجدان من سمعوها، وتدغدغ أفئدتهم.
    ونحن في هذا المقام لسنا معنيين باستعراض القيم الحقوقية ومنظومات الأخلاق التي حملها الإسلام نورًا للبشرية؛ فتلك المسألة تكفلت بها كتابات علماء أجلاء، ودعاة أبرار، نحسبهم كذلك ولا نزكيهم على الله تعالى. لكننا معنيون هنا بكيف أصبحت فلول الاشتراكية البائدة من حملة مشاعل القيم النبيلة المنافحة عن حقوق الإنسان والأخلاقيات الضامنة للعيش الكريم، في الوقت الذي اكتفى فيه المسلمون بالدعوة على مستوى الكيانات الصغيرة، في وقت تتولى فيه وسائل الإعلام تشريب الناس مبادئ الأخلاق وفق الطرح الغربي، بصورة تفوق تشرب بني إسرائيل العجل بعد غياب نبي الله موسى عليه السلام.
    إن معالجة قضية كهذه تقتضي منا التحرك والبحث على مستويين مهمين، هما:
    الأول: مستوى تجريد المشكلة (تراخي الإسلاميين وحمل الآخرين لمشعل حقوق الإنسان).
    الثاني: مستوى ما ينبغي حدثه وفق مقدمات المشروع الإسلامي.
    على أن التحرك على هذين المستويين رهن بالتسليم بأولوية ما هو قيمي وأخلاقي على ما هو سياسي في المشروع الحضاري الإسلامي, ذلك المشروع الذي من المفترض أن تحمله الحركة الإسلامية على اختلاف الأطياف الاجتهادية التي تتحرك على ضوئها, ولننتقل من الإجمال إلى التفصيل.

    تجريد المشكلة ..
    خلال العقد الأخير من القرن العشرين شهدت فعاليات المجتمعات العربية بصفة عامة, والمجتمع المصري بصفة خاصة، تحرك القيادات اليسارية, هذا التحرك مثّل تحولاً عن المشروع الاشتراكي الذي بدا وكأنه قد انهار, إثر إيثار الاتحاد السوفيتي عدم التحرك لنصرة الأحزاب الاشتراكية التي تفقد قدرتها على اكتساب شرعية مجتمعية ذاتية, ناهيك عن سائر الأحزاب الاشتراكية التي لم تصل إلى الحكم في الدول القائمة بها. والذي يتبادر للذهن إذ ذاك أن الضحية الأولى كانت المعسكر الاشتراكي نفسه, ولكن الحقيقة كانت خلاف ذلك!! كيف؟
    إن متتالية الانكسارات الاشتراكية حقيقة بدأت بإدراك كبار القادة السوفيت أن المشروع الماركسي أخفق في الواقع المجتمعي أولاً, بالرغم من أنه قد بنى على الصعيد الدولي قطبًا دوليًا كبيرًا قاد لعبة التوازن الدولي طيلة نصف قرن من الزمان. لكن الإخفاق المجتمعي قاد إلى إخفاق المشروع الدولي بسبب عدم توفر الحافز على المستوى النفسي للأفراد، وعلى المستوى الاجتماعي عبر القوى الاجتماعية التي حملت هذا النظام على أكتافها؛ الأمر الذي أدى لتراجع معدل التراكم الاقتصادي, مما حدا بالاتحاد السوفيتي إلى إعلان عدم قدرته على مواصلة تحدي التسلح؛ وذلك إثر إعلان الولايات المتحدة مشروع حرب النجوم. هذا التراجع السوفيتي أدى إلى اتجاه القيادة السوفيتية للضن بمواردها عن نصرة النخب اليسارية, سواء في أوروبا الشرقية, أم في العالم الثالث.
    هذا الاتجاه الانكماشي السوفيتي كان أحد أهم المداخل التي أدت إلى انحسار مأسوي للمجتمع السياسي اليساري على صعيد العالم العربي؛ باعتبار هذا الانحسار أبرز وأسرع تأثيرات هذا التطور الانكماشي. وقد ساعد في ذلك عدم تمتع هذه الأحزاب بشرعية ذاتية, أي انعدام حضورها في الشارع العربي, وهو الأمر الذي استهلكت شرحه وتفسيره دراسات عديدة. ثم تلى ذلك متتالية التقهقر الاشتراكي في الشارع الأوروبي, بدءًا من رومانيا وحتى ألمانيا الشرقية, ثم ما لبثت حركة الانكسار والذوبان أن طالت الاتحاد السوفيتي نفسه.
    في أعقاب ذلك الانكسار وذاك الانكماش، حدث هذا التحرك النخبوي اليساري في مجتمعات دول الجنوب باتجاه فكر جزئي مرتبط بالمرجعية السياسية الغربية, وهو فكر حقوق الإنسان. ولو أسقطنا تلك المقولة على الحالة المصرية بصورة أكثر انطباقًا، لوجدنا أن الغالبية الكاسحة لمؤسسات حقوق الإنسان قد قادتها نخب انتمت في الفترة السابقة من حياتها إلى التنظيمات السياسية ذات اللون الأحمر, سواء منها ما هو سري ـ وهذا هو الغالب ـ أم ما هو علني. وتراوحت بين مختلف أطياف المعسكر اليساري.. من الاتجاهات الناصرية، وحتى الاتجاهات الماركسية الراديكالية.

    حقوق الإنسان .. محور التحول الفكري
    ما المشكلة في ذلك؟ سؤال مشروع للقارئ.. فما المشكلة أن يحدث هذا التحول الفكري لأولئك النفر, أو تلك النخبة من هذا الفكر إلى ذاك؟ فالتوبة مشروعة, والتطور الفكري أمر يؤيد التاريخ استمرار حدوثه, بل وحتى الجدل (الديالكتيك) المادي الذي طوره أئمة اليسار يثبته في حالة التلاعب ببعض جوانب معادلاته الخالدة عبر المزاوجة بين أية أطروحة وما يناقضها من أطروحات. ولطالما حدث ترحال فكري من مفكرين يساريين إلى الإسلام, أو إلى الليبرالية.. إلخ. لكن القضية أعمق من ذلك.
    القضية من وجهة نظر كاتب هذه السطور أن محورها الأساسي هو الإنسان وحقوقه, في الوقت الذي تحركت فيه هاتان النخبتان من منظومة تجاهلت حقوق الإنسان (المنظومة الاشتراكية), إلى منظومة تعتبر حقوق الإنسان قضية نسبية (المنظومة الليبرالية).. كيف؟
    الإجابة ببساطة شديدة تتوزع على محورين:
    المحور الأول: أن الفكر الذي ارتحلت عنه هذه النخبة مثّل أشد البيئات تطرفًا في معاداة حقوق الإنسان الفرد, بل ومعاداة حقوق الجماعة الكبرى أيضًا.. تشهد بذلك معسكرات الاعتقال التي فضحها الأدباء اليساريون المنتمون إلى المجتمعات الاشتراكية كتولستوي وسولجنستين وكاموس ودستويفسكي, والتي أعلن القادة فيما بعد المرحلة السوفيتية استنكارهم لها كأسلوب إدارة للحياة السياسية في المجتمعات الاشتراكية السابقة, وقد وصل الحد ببعض هذه الدول إلى أن مثَّلت مدارس في التعذيب الجسدي والنفسي, اقتاتت على أدبياتها في هذا المضمار أجهزة القهر الرسمية في دول العالم الثالث.
    المحور الثاني: تمثل في أن الفكر المُرتَحَل إليه, وهو الفكر الليبرالي، ينظر لقضية حق الإنسان في إطار حالة النسبية الحضارية التي يتفوق فيها الإطار الغربي الحضاري. بعبارة أخرى هذا الفكر الليبرالي يقوم على إدراك عنصري لا قيمي للاختلاف الحضاري, ومن ثم فإن حقوق الإنسان هذه تتوقف على الانتماء الحضاري لهذا الإنسان, لا على حقوقه كإنسان.
    وفي هذا الإطار وجدنا الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان المنتمي لحضارة غير الحضارة الغربية. فالولايات المتحدة - في الحروب التي دخلتها إبان تأسيسها - تسببت في مقتل أكثر من تسعة ملايين هندي أحمر, حيث انحدر عدد الهنود الحمر في الولايات المتحدة من عشرة ملايين إنسان إلى ما يزيد قليلاً على مائتي ألف إنسان. وفي الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة في الثلث الأوسط من القرن العشرين, أدت إلى مقتل أكثر من ثمانية ملايين آسيوي, ما بين ياباني, وصيني, وكوري شمالي.. إلخ. أما في العقد الأخير من القرن العشرين فحدث ولا حرج عما أصاب الشرق الأوسط من فاقة وتقتيل, بدءًا من لبنان, وحتى العراق, مرورًا بليبيا والصومال والسودان, ناهيك عن سائر الأقاليم بخلاف الشرق الأوسط.
    يتم هذا في الوقت الذي تعتبر فيه الرؤية الإسلامية, وإطارها المرجعي أنسب البيئات لتنامي فقه مستقر ومطلق لحقوق الإنسان. هذه التركيبة قد تخفى على كثيرين, مما قد يحجب عنهم إدراك المفارقة الساطعة سطوع الشمس, وهذا ما ينقلنا بدوره للتساؤل عما ينبغي أن يكون عليه الحال, على صعيد التأسيس الفلسفي لمفهوم الحق, وعليه ننتقل إلى المستوى الآخر من مستويات التناول: مستوى ما ينبغي أن يكون.

    ما ينبغي.. علاقة الإسلام بالحق
    القضية التي نحن بصددها في هذا المستوى, مستوى علاقة الإسلام بالحقوق فرديةً كانت أو جماعية, يمكن تناولها بأسلوبين:
    الأول: التأصيل لمفهوم الحق في الشريعة, وما انبثق عنها من ثقافة ذات طابع إنساني، استولت على القلوب والعقول قبل أن تفتح البلدان والأمصار.
    والثاني: التعامل معها في إطار مقارن بالمرجعية الغربية الليبرالية, وهي المرجعية التي انتمى إليها مفكرو اليسار المرتحلون بعد هجرانهم المنظومة الاشتراكية. وقد اخترنا الأسلوب الثاني للمعالجة؛ لأنه أجدر الأسلوبين لياقة منهجية في التعامل مع موضوع هذه الورقة.
    وبداية وكلمحة منهجية أشير إلى أن استدلالي لن يقف عند حدود الشريعة في التدليل على رؤية الإسلام لمفهوم الحق, بل سيمتد إلى التاريخ الإسلامي عمومًا, في إطار الرغبة في إثبات ضعف صدقية المقولة التي تشير إلى البون الشاسع بين الإسلام كنسق قيمي, وبين حضور هذه القيم في التاريخ الإسلامي؛ وهي الحجة الأساسية للطرف العلماني في عموم الاشتباكات الإسلامية - العلمانية طيلة العقدين المنصرمين.
    ولا ننسى في هذا المجال ذكر ركائز الإسلام في دعم الحقوق. ولكن حسبنا أن نحدد أحد منظورات تناول القضية التي بين أيدينا في سياق المقارنة التي حددناها كملمح منهجي. فكل قضية يمكن تناولها من أكثر من زاوية أو منظور، وكل معالجة تتوقف على المنظور الذي اختاره الكاتب لتبصر الظاهرة.
    ومنظورنا الذي سنتعامل به هنا هو منظور طبيعة نسق الحقوق في الإطارين المرجعيين الإسلامي والليبرالي؛ من حيث تراوح نسق الحقوق على المتصل الذي تشكل النسبية المطلقة أحد طرفيه, بينما تشكل الإطلاقية التامة طرفه الثاني, بصرف النظر عن المفارقة المضحكة التي يثيرها استخدامي لعبارة "النسبية المطلقة".

    الأساس القرآني للحق ..
    وبداية القول في تحليلنا لما ينبغي أن يكون عليه الوضع في المسرح السياسي الذي تدور أحداثه في الدول العربية والإسلامية أن أساس حق الإنسان, أيِّ حق للإنسان, قوله تعالى: (ولقد كرمنا بين آدم). وأولى تجليات هذه المقولة مباشرة استخدام مفهوم "بني آدم" كدالّ على موضوع التكريم, وهي إشارة مباشرة لعموم التكريم جميع بني آدم، وليس المسلمين وحدهم. ومقتضى الدلالة في الآية له عدة أوجه، على النحو التالي:
    ـ فالآية تشير لعموم بني آدم بصرف النظر عن الانتماء العرقي.
    ـ وتشير لعموم بني آدم بصرف النظر عن الانتماء الطبقي.
    ـ وتشير لعموم بني آدم بصرف النظر عن انتمائهم الديني.
    ـ وتشير لعموم بني آدم أخيرًا بصرف النظر عن درجة قوتهم المادية.

    الحق في السنة والممارسات التاريخية
    وإن اكتفينا بدلالة هذه الآية, بالرغم من وجود آيات كثيرة تؤكد على درجة إطلاق هذا الحق, نجد أن السنة النبوية المطهرة, والممارسات التاريخية التي تفوق وقائعها القدرة على الحصر لتلك المبادئ.
    أولاً: ففي خطبة الوداع أكد النبي صلى الله عليه وسلم انعدام التمييز في رسالة الإسلام على أساس الجنس, حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى". هذه المقولة حددت معيار التمايز والترقي بين البشر على أساس التقوى, لا على أساس الجنس واللون والانتماء العرقي. فلا تمايز بين مسلم أصفر أو مسلم أبيض أو مسلم أسود إلا بمعيار رباني, ولا تمايز بين أبيض أو أسود أو أصفر ليسوا مؤمنين, فكلهم في بنوة آدم سواء، بما ترتبه لهم بنوة آدم عليه السلام من حقوق.
    وتاريخ الإسلام يشهد أن أكابر علماء المسلمين كانوا من غير العرب, وكان منهم من لم يكن على دين الإسلام من أطباء وفلاسفة، وحتى الوزراء المسيحيين ذوي الأصول الرومية.
    كما أن التاريخ يشهد أن دولاً غير عربية سادت حكم المسلمين كالمماليك, وآل عثمان, والأيوبيين, وغيرهم. بل إن المماليك لم يكونوا دومًا مسلمين, وكانوا يتحاكمون فيما بينهم لدستور غير مسلم اسمه الياسق، على نحو ما ذهب إليه الدكتور محمد عمارة في بحثه القيم الذي ناقش فيه قضية كتاب الفريضة الغائبة لمحمد عبد السلاح فرج.
    ثانيًا: رفض الإسلام كذلك التمييز بين الناس وفق انتمائهم الطبقي. والذي يؤكد ذلك من سنة نبينا صلى الله عليه وسلم حديث المرأة المخزومية التي تم تطبيق حد السرقة عليها, وهي من أشراف قومها, وفي ذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إنما أهلك من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه, وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد..".
    وقد عدّ كبار أئمة وعلماء المسلمين هذا الحديث من أهم أسس رسالة الإسلام للاجتماع الإنساني، وللبشرية المعذبة من طيلة التمييز الاجتماعي المبني على أساس الثروة، وكان من ضمنهم الإمام النووي الذي ذَكَره في الأحاديث الأربعين التي تمثل أهم أسس الإسلام (الأربعون النووية).
    أما على صعيد التاريخ الإسلامي فقد حرص المجتمع المسلم على عدم جعل الفقر حجة لحجب النابغين, وتفشي المعوزين في المجتمع المسلم. فكان بيت المال يتوجه للفقراء بالرواتب والعطايا. وكانت الأوقاف الإسلامية تُوقف للإنفاق على اليتامى والفقراء، سواء في ذلك الإنفاقِ أغراضُ الكسوة أو الإطعام أو التعليم.. إلخ.
    كما كان نظام القضاء رهنًا بعلماء ثقات، أثبتوا في غير موقف أن المعيار الطبقي لم يكن بأي حال مجالاً لحضور التمييز في تطبيق حكم الله, بل كان الأساس التكافلي للمجتمع أحد العوامل التي أقامت الدول الإسلامية, وأعانت على استمرارها.
    ثالثًا: الآية تنفي بمقتضاها قبول الإسلام التمييز بين البشر على أساس ديني. والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "من آذى ذميًا فقد آذاني", وقال: "من آذى ذميًا فأنا خصيمه يوم القيامة, ومن كنت خصيمه خصمته" , أي: من كنت خصمه أمام الله أنصفني الله منه. والذميُّ: المنتمي لأهل الكتاب ممن لهم عهد.
    والغريب أن السجال الإسلامي ـ العلماني شهد تهكمًا من جانب العلمانيين على توصيف الإسلام لأصحاب الديانات السماوية بأنهم "ذميون لا مواطنون"، وتبعهم في ذلك بعض الإسلاميين "المستنيرين". ونسوا كيف ينظر المسلمون بقداسة للذمي, مسيحيًا كان أو يهوديًا, استنادًا إلى ذلك الحديث الذي جعل ذمتهم من ذمة النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل عِرضهم من عرضه، وأذيتهم من أذيته.
    وعلى صعيد التاريخ والحضارة فلننظر إلى وضع المسيحيين لنجد أنهم شغلوا مناصب للوزراء, والأطباء الخصوصيين للأمراء والولاة, وكانوا مديرين لبيت مال المسلمين. وكان معيار الكفاءة هو المعيار الحاكم لتوظيفهم واستعمالهم دون المسلمين؛ لأن أولئك الآخرين أقل كفاءة.
    والواقع أن الدوائر التي تجمع المسلم بغيره كلما ازدادت رتبت له حقوقًا إضافية في الوقت الذي لم تنزع عنه حقًا من سائر حقوقه. فالاشتراك في بنوة آدم يرتب حقوقًا للإنسان على المسلم, والانتماء لدائرة أهل الكتاب يرتب حقوقًا إضافية دون انتزاع حقوق اشتراك المسلمين مع غيرهم في دائرة الإنسانية. والاشتراك في دائرة القرابة يرتب حقوقًا إضافية دون انتزاع حقوق الاشتراك بين الجميع في دائرة الإنسانية. والاشتراك في دائرة الجيرة يرتب حقوقًا إضافية للإنسان دون انتزاع حقوق الاشتراك بين الجميع في دائرة الإنسانية أو الدين أو القرابة.. إلخ.
    إن القائل بأن الإسلام يميز بين المسلم وغير المسلم في الحقوق كالقائل بأن الإسلام يميز بين حقوق الجار وحقوق غير الجار. وهذا قول غير منطقي، وينفي الأساس الفلسفي لاكتساب الحقوق.

    الغرب يقيم تمييزًا حقيقيًا في الحقوق
    أما عن الغرب فإنه يقيم تمييزًا حقيقيًا في الحقوق على كافة هذه الأصعدة. هذا التمييز يصل إلى حد نزع كل حقوق الإنسانية, (بما في ذلك حق الحياة نفسها). فالغرب نزع عن الهنود الحمر حق الحياة لمجرد انتمائهم لعرق مختلف, وجعل القوة معيار البقاء الذي يتم الاحتكام إليه. ونفى نفس الحق عن اليابانيين, وعن غيرهم في إطار سعيه لتحقيق مصالحه.
    الغرب أيضًا نفى حق الإنسان في أمور كثيرة استنادًا للتوزيع الطبقي, فمن يصدق أن 28 % من الأمريكيين أنفسهم تحت خط الفقر في الوقت الذي تعد فيه الولايات المتحدة أغنى دول العالم. وخط الفقر هذا يحرم الواقع تحته من حقوق أساسية كثيرة كالتعليم والمأوى والملبس والرعاية الصحية.. إلخ.
    وناهيك عن تحكيم المعيار الطبقي في إدارة العلاقات الدولية أيضًا. فوحدها الدول الغنية تملي شروطها على الدول الفقيرة, ولا يتم تطبيق الاتفاقيات الاقتصادية عليها, وتتحكم في القروض الموجهة للدول التي لا تكاد تجد قوت شعوبها استنادًا للحصص التصويتية للدول الغنية في مؤسسات التمويل الدولية, ولعل التمييز الكائن في اتفاقية الجات أكبر دليل على هذا الأمر.
    الغرب أيضًا ينفي النظرية الحقوقية ويهمشها استنادًا لمعيار الدين. فمنذ أحداث سبتمبر والتمييز ضد المسلمين قائم ويتزايد بالتجسس عليهم: الهواتف والبريد, ويتم تفتيش بيوتهم دون إذن قضائي, ويجري منعهم من السفر لمجرد الاشتباه, دون غيرهم من المسيحيين واليهود.
    الغرب أيضًا ينفي الحق عن الإنسان لمجرد أن هذا الإنسان خصم ضعيف. إن ضعف القوة العسكرية لدول الجنوب جعلت هذه الدول مسرحًا لتغوُّل القوات الأمريكية وتجردها من إنسانيتها. فالسودان تم ضربه بدعوى اشتباه في وجود مصنع للأسلحة الكيماوية, فيتم استنادًا لذلك الادعاء ضرب مصنع للأدوية لصالح خدمة احتكارات الدواء الأمريكية. والعراق يُضرب بدعوى امتلاكه لأسلحة الدمار الشامل, بينما لا يمكن ضرب روسيا أو إسرائيل على الرغم من امتلاكهم نفس السلاح، وعلى الرغم من أن روسيا هي الوريث التاريخي لأشد أعداء الولايات المتحدة لدادة في الخصومة، في حين لا يمكن القطع بامتلاك العراق مثل هذا السلاح.
    ولا يقتصر الأمر على ضرب الدول فقط, بل يتعداه إلى تجويع الشعوب, وحرمانهم من الدواء الذي يعالج الأمراض الفتاكة التي ترتبت على استخدام أسلحة محرمة دوليًا ضد هذه الشعوب.
    والذي ينبغي ذكره هنا أن هذا التمييز ليس رهنا بالولايات المتحدة كدولة، بل هو رهن بالفكر الغربي النفعي المصلحي النسبي الذي جعل المصلحة إلهًا، والمنفعة مبدأ، واستهان في سبيلهما بكل ما هو نبيل وإنساني. إن القضية ليست صراعًا مع مبادئ دولة، بل مع نتاج حضارة وَأَدَت الإنسان تحت تراب المصلحة الاقتصادية لحفنة من الرأسماليين والساسة.
    وهناك الكثير من الاعتبارات التي يمكن مناقشتها في هذا الإطار, ولعل أبرزها استخدام حقوق الإنسان كغطاء لتتدخل الولايات المتحدة لحماية مصالحها في أي بقعة من بقاع العالم, وكانتقاء الأنظمة المستبدة التي تحاربها, بحيث تترك الأنظمة التي تراعي مصالحها, وتحارب الأنظمة التي تعارض مصالحها, لكن لن نبسط القول في مثل هذه القضايا استنادًا إلى تحديدنا لمنظور البحث, على نحو ما أسلفنا.

    الإسلام .. مرجعية معرفية لحقوق الإنسان
    من هنا نصل إلى أن المرجعية الإسلامية تمثل بيئة أكثر خصوبة لترعرع وتنامي أية منظومة حقوقية فردية أو جماعية, مقارنة بالمرجعية الليبرالية ذات الممارسات الدائمة الانحراف عن المنظومة الحقوقية.
    والحقيقة أن هذه الميزة التي تتمتع بها المرجعية الإسلامية ميزة مطلقة لها, بمعنى أننا لا يمكننا القول بأن هذه الميزة تتسم بها بعض التيارات الفكرية الغربية, والسبب في ذلك أن هذه الميزة معرفية بالمعنى الإبيستمولوجي لكلمة معرفية. فكلمة معرفية يعرفها البعض تعريفًا مساويًا للوعي والإدراك. أما المعنى الإبيستمولوجي لها فيقرنها بالأسئلة المعرفية الأساسية المرتبطة بالوجود ومصدره وتكييف وضعية الإنسان فيه.
    فالرؤية الإسلامية تربط الحق بخالق الإنسان؛ واهب الحق, ومن ثم فهي بعيدة عن تأثيرات المصالح والانتماءات العرقية والطبقية والدينية التي قد تتحكم بالإنسان. فالله أزلي أبدي, وأمره مطلق إلا ما قيده هو جل شأنه.
    أما المرجعية الليبرالية فالمركز فيها هو الإنسان, والمعيار فيها هو النفعية, ودوائر استغلال الحقوق وتحكيم النفعية فيها تبدأ بالفرد, وتنتهي بالدولة القومية, وربما تتعداه إلى الدول المنتمية للإطار الحضاري الغربي نادرًا, والحكم لديها هو القوة؛ اقتصادية كانت أو عسكرية. فالبقاء للأقوى.
    وقيمة التفوق قيمة مستعلية في النهج الغربي, لها نفس علو قيمة العدل في المنظومة الإسلامية, ولهذا كان من الطبيعي أن يحتكم لها الغرب لضبط سيولته القيمية التي لا ضابط لها ولا معيار سوى القوة والثروة, وكان من الطبيعي أيضًا أن يدوس الغرب عند احتكامه لها على منظومة الحقوق لأنها تقيد قيمة التفوق وتحول دون تحقيق أقصى منفعة من ورائها.

    كلمة أخيرة:
    يمكن القول بأن هذا المظهر من مظاهر الخلل مبرر ومفهوم من وجهة نظر اليساريين الذين أكسبتهم عملية اختراق السياسة قدرًا عاليًا من البراجماتية ـ النفعية في التفكير والممارسة.. لكنه غير مبرر من جهة الإسلاميين، الذين دعاهم الله تعالى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتوعدهم بالاستبدال حال تقاعسهم.
    ومن الضروري هنا التمييز بين مستويين لممارسة الأخلاق والحقوق:
    المستوى الأول: مستوى الفرد بما ينبغي له أن يحمله من قيم أخلاقية عليا، وفضائل راجحة؛ مقارنة بأنساق الأخلاق المهترئة ذات التأسيس الفلسفي العلماني البراجماتي.
    والمستوى الثاني: مستوى ممارسة الأخلاق الجمعية ومباشرة الحقوق الجماعية للأمة. فهذا المستوى يكاد يذوي من فرط إهماله، في الوقت الذي تشهد فيه القيم الأخلاقية الجماعية المستوردة من الغرب، وعلى رأسها منظومات حقوق الإنسان، شيوعًا وحضورًا.
    غير أن هذا التحرك يقتضي إعدادًا جيدًا، ولتستنفر جماعة علماء المسلمين من تراه من بينها أولى بهذا العمل، والأجدر للتحرك لإعلائه، والأهل للنبوغ في التحرك الإعلامي به، فيضع له خطة ومنطلقًا. وسيظل التحرك على هذا المستوى فرض عين على كل الأمة؛ تأثم لعدم تحققه، حتى ترفع عنها الحرج جماعة لديها القدرة على أن تكفي الأمة مؤونة هذا الفرض.
    لكن نجاح وتنامي الحركة الحقوقية الإسلامية يمثل مستقبلاً ضبابيًا في ظل تدفقات التمويل الغربية على المؤسسات غير الإسلامية, ويبقى الباب مفتوحًا أمام فعاليات تطبيق منظومة القيم الإسلامية في الدفع بهذا الدور قدمًا.
    ـــــــــ
    * باحث وكاتب من مصر...
    وسام فؤاد








                  

07-25-2019, 01:27 PM

طلعت الطيب
<aطلعت الطيب
تاريخ التسجيل: 12-22-2005
مجموع المشاركات: 5826

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: اليسار .. وحقوق الإنسان-وسام فؤاد (Re: سيف اليزل برعي البدوي)

    صباح الخير سيف
    موضوع جيد يستحق القراءه
    فكره حقوق الانسان تتعارض مع الجهاد.
    ظل الانسان عبر تاريخه يسعي من اجل
    الانتصار لعقيده دينيه او سياسبه او لقبيله
    او تحقيق مصلحه ماديه مباشره ويقتل من اجل
    ذلك .. فكره حقوق الانسان اذن فكره جاءت من خارج
    هذا التاريخ الانساني المليء بالماسي
    وقد توصل الانسان بتجربته بعد الحرب العالميه
    وما ارتبط بها من ماسي وقتل وخراب
    الي ضروره ترسيخ حقوق الانسان الاساسيه
    مثل حق الحياه والمعتقد والتعبير الخ
    الحقيقه الاساسيه هي ان الانسان يحب
    ان يكون الغايه في البرامج السباسيه والعقيده الدينيه
    وليس وسيله و لذلك يجب ان تتجه الاصلاحات
    في المفاهيم الدينيه والسياسيه هذا الاتجاه
    وان تاخذ هذا المنحي
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de