من ردَّ عن عِرْض أخيه، كان له حجاباً من النار....

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 09:55 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-05-2020, 02:11 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
من ردَّ عن عِرْض أخيه، كان له حجاباً من النار....

    01:11 AM February, 04 2020

    سودانيز اون لاين
    سيف اليزل برعي البدوي-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    من ردَّ عن عِرْض أخيه، كان له حجاباً من النار....
    من حق المسلم على أخيه أن يرد غيبته إذا انتقص منه أحَد، ويدافع عن عِرْضِه إذا خيض فيه ولو بكلمة يُنتقص بها منه، وقد أمرنا نبينا صلى الله عليه وسلم برَدِّ غيبة المسلم والدفاع عنه، وبين لنا أن مَنْ فعل ذلك فإن الله تعالى يرد عنه النار يوم القيامة، ويجعل له حجاباً منها، فالجزاء من جنس العمل، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يُسْلِمُه، ومَنْ كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربةً فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمـاً ستره الله يوم القيامة) رواه البخاري. قال ابن حجر: "(ولا يُسْلِمه) أي: لا يتركه مع من يُؤذيه، ولا فيما يُؤذيه، بل يَنْصُره، ويدفع عنه، وهذا أخصُّ مِنْ تَرْك الظُّلم، وقد يكون ذلك واجباً، وقد يكون مندوباً، بحسب اختلاف الأحوال". وقال ابن عثيمين: "ولهذا قال العلماء رحمهم الله: يجب على الإنسان أن يدافع عن أخيه في عِرْضِه وبدنه وماله".

    والسيرة النبوية فيها الكثير من المواقف والأحاديث التي تحثنا على الدفاع عن عرض المسلم، وتبين فضيلة الدفاع عن عرضه، ورعاية حرمته، ومن ذلك :

    ـ عن عتبان بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أين مالك بن الدخشم؟ فقال رجل: ذلك منافق لا يحب الله ولا رسوله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تفعل ذلك، ألا تراه قد قال: لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله، وإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) رواه البخاري.
    ـ في غزوة تبوك سأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن كعب بن مالك رضي الله عنه قائلا: (ما فعل كعب بن مالك؟ فقال رجلٌ من بني سلمة: يا رسول الله حبسه بُرْدَاهُ ونظره في عِطْفَيه (إشارة إلى إعجابه بنفسه)، فقال مُعاذ بن جبل: بئس ما قُلْتَ، والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا، فسكت رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) رواه البخاري. قال ابن عثيمين: "قال النووي في كتابه "رياض الصاحين" في باب تحريم سماع الغيبة فيما نقله عن كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة توبته، وكان كعب من الذين تخلفوا عن غزوة تبوك بلا عذر: "هذا الكلام الذي قاله هذا الرجل لا شك أنه من الغيبة وأنه ذكر كعب بما يكره، إلا أن الله وفق له من دافع عنه، وقال: إنه لا يعلم عنه إلا خيرا، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، فيستفاد من ذلك أن الواجب على الإنسان إذا سمع من يغتاب أحداً أن يكف غيبته وأن يسعى في إسكاته".
    ـ مع محبة النبي صلى الله عليه وسلم لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها إلا أنه أنكر عليها حينما ذكرت صفية رضي الله عنها بشيء، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: (حسبك من صفية كذا وكذا ـ تعني قصيرة ـ فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: لقد قلت كلمة لو مُزِجت (خُلِطت) بماء البحر لمزجته) رواه أبو داود وصححه الألباني. قال ابن عثيمين:"يعني لو خُلِطت بماء البحر على كبره وسعته لمزجته، أي أثرت فيه وهي كلمة يسيرة جداً، لكنها عظيمة"، وفي شرح البخاري للسفيري: "فهذا حديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة، إذا كان هذا شأن كلمة هي في المقول فيها، فإن عائشة رضي الله عنها قالت عنها: إنها قصيرة وكانت قصيرة، فكيف حال من يتكلم في غيره بكلمة مفتراه فيه .. قال العلماء: وسامع الغيبة شريك المغتاب، فكما تحرم الغيبة يحرم استماعها، ويجب إنكارها إن لم يخف ضرراً، وإن خاف ضرراً فارق ذلك المجلس، فإن لم يقدر على المفارقة بذكْرٍ أو غيره لا يضره بعد ذلك السماع من غير استماع، فيجب على كل من سمع غيبة أخيه أن يرى باباً للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن من فعل ذلك فقد فار فوزاً عظيما، فقدر ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من ردَّ عن عرض أخيه، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة) رواه الترمذي وقال حديث حسن".

    ـ وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ردَّ عن عِرْض أخيه، كان له حجابا من النار) رواه الترمذي، قال الصنعاني: "(من ردَّ عن عرض أخيه) غيبة تُقال فيه. (كان) اللسان. (له حجاباً) يمنعه (من النار)، وسواء ردَّ عن عِرْضه وهو غائب أو وهو حاضر، والأول أفضل، وهذا في الردِّ عن عرضه، وبه يُعلم أن المنع عن ماله ودمه أفضل وأعظم عند الله أجرا". وفي رواية أخرى للترمذي: (مَنْ ردَّ عن عِرْض أخيه، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة). قال المباركفوري: "قوله: (من ردَّ عن عرض أخيه) أي: منع غيبة عن أخيه، (ردَّ الله عن وجهه النار) أي: صرف الله عن وجه الراد نار جهنم، قال المناوي: أي: عن ذاته العذاب، وخص الوجه لأن تعذيبه أنكى في الإيلام وأشد في الهوان".
    ـ وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ ذَبَّ (دافع) عَنْ لحْم أَخيه بالمغيبة، كان حَقًّا على الله أَنْ يُعْتِقَه مِنَ النَّار) رواه البيهقي. قال القاري: "(من ذبَّ) أي: دفع (عن لحم أخيه): كناية عن غيبته على طِبْق الآية، والمعنى من دفع أو من منع مغتاباً عن غيبة أخيه (بالمغيبة) أي: في زمان كون أخيه غائبا .. قال الطيبي: كأنه قيل من ذبَّ عن غيبة أخيه في غيبته .. وفي هذه الكناية من المبالغة أنه جعل الغيبة كأكل لحم الإنسان .. (كان حقا على الله) أي: ثابتا عنده أو واجباً عليه، بمقتضى وعده (أن يعتقه من النار)". وقال المناوي في "فيض القدير": "والسبب في ذلك أن عِرض المؤمن كدَمِه، فمَن هتك عرضه فكأنه سفك دمه، ومَن عمل على صون عرضه، فكأنه صان دمه، فيُجازى على ذلك بصونه عن النار يوم القيامة".

    ونبينا صلى الله عليه وسلم حذرنا من خذلان المسلم، وعدم الدفاع عنه، والذبِّ عن عِرْضِه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِن امرئٍ يخذل مسلماً في موطنٍ يُنتَقَصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمته، إلا خذله اللهُ في موطنٍ يحب فيه نُصرتَه، وما مِن امرئٍ ينصر مسلماً في موطنٍ يُنتقَصُ فيه من عِرضِه، ويُنتهَكُ فيه من حُرمته، إلا نصره اللهُ في موطنٍ يحبُّ فيه نُصرته) رواه أبو داود. قال المناوي: "(وينتهك فيه من حُرْمَتِه) بأن يُتكلم فيه بما لا يحل، والحرمة هنا ما لا يحل انتهاكه .. (إلا خذله الله في موطن يحب فيه نصرته) أي في موضع يكون فيه أحوج لنصرته وهو يوم القيامة، فخذلان المؤمن حرام شديد التحريم .. (وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته) وهو يوم القيامة، جزاءً وِفاقا".

    لقد علمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن من حق المسلم على أخيه مسارعته إلى ردِّ غيبته، والدفاع عن عِرْضه إذا خيض فيه، وأن يكون ذلك برفق وحكمة، وأن ينوي منكر الغيبة نصح أخيه الذي يغتاب، والرد والدفاع عن عرض أخيه الذي اغتيب، ومن ثمرات وفضل ذلك أن الله عز وجل يتولاه وينصره في الدنيا والآخرة، ويجعل له حجاباً من النار، والجزاء من جنس العمل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ردَّ عن عرض أخيه، ردَّ الله عن وجهه النار يوم القيامة) رواه الترمذي .
    ------------------------------------------------------------------------------------------------
    الزرافة في حظيرتها تستطيع بسهولة أن ترى ما يحدث في الحظائر الأخرى، حتى وإن كانت تفصلها عشرات الأمتار، لكنها تغفل غالبا عن النظر إلى ما بين قدميها.
    وحالنا اليوم نحن البشر أشبه ما يكون بحال الزرافات، نرى عيوب غيرنا ونغفل عن عيوبنا، نحمل على عاتقنا مسؤولية إصلاح الكون، ونغفل عن إصلاح عيوبنا!
    فالفرد هو نواة الأسرة، والأسرة هي نواة المجتمع، والمجتمع هو نواة العالم، وأكبر خطأ يمكن أن يقع فيه الواحد منا هو السعي لإصلاح العالم بأكمله، دون إصلاح نفسه.
    وحتى نمتلك تلك الشخصية السوية، فإنه لا بد من التعرف على ماهية هذه الشخصية، ومكوناتها، والعوامل المؤثرة عليها.
    مفهوم الشخصيّة:
    تُعرَّف الشخصيّة بأنّها خليط مُعقّد يحتوي على العديد من المكونات والجوانب المختلفة: كالسمات، والعادات، والدوافع البيئية المكتسبة، والصفات النفسيّة والجسديّة سواء المكتسبة والموروثة، وتشمل أيضاً العادات والتقاليد المرتبطة بالإنسان، بالإضافة إلى مجموعة القيم، والميول، والاهتمامات، والعواطف التي تتحكّمُ بتصرفاته؛ وغيرها، حيث تكون جميعها متفاعلة وتظهر للنّاس على هذه الصورة من خلال تعامل الإنسان في المجالات الحياتيّة المختلفة.
    وإذا حصل خلّل في أحد مكوّنات الشخصيّة أو بعضها ظهر على الشخص ما يُعرف باضطراب الشخصيّة.

    العوامل المكوّنة للشخصيّة:
    يمتلك كلّ شخص شخصيّة فريدة تميّزه عن غيره من الأشخاص، ونشأت معه كفطرةٍ فيه أو اكتسبها من محيطه؛ لذلك يُخطئ بعض الأشخاص عندما يحكمون على غيرهم من مظهرهم الخارجيّ أو نمط حياتهم فقط؛ إذ أن هذا الشيء غير كافٍ لتقييم الأشخاص، بل يجب تطبيق دراسات تحليلية تهدف إلى توضيح طبيعة شخصيتهم، وتتكوّن شخصيّة الفرد بالاعتماد على العديد من العوامل، وهي:
    البيئة: هي من المُؤثّرات التي يظهر أثرها الواضح في الفرد، سواء من خلال التصرفات أو الأفكار المختلفة، ويكون مصدرها من منزله أو مدرسته أو مجتمعه.
    الذكاء: هو الجمع بين الفهم السريع، والقدرة على التعلّم، وإمكانية التكيف مع البيئة، والاستفادة من جميع الخبرات السابقة، ويتباين ويختلف الأفراد بمستويات الذّكاء الخاصّة بكلٍّ منهم، ويعتمد قياس مستوى الذكاء على تطبيق مجموعة من الاختبارات الدقيقة.
    المزاج: هو عنصر مهمّ في تكوين الشخصيّة، فيؤثّر في النّفس البشريّة بشكلٍ يظهر واضحاً في التصرفات. وقد يكون مزاج الفرد اندفاعيّاً ومسيطراً كصفاتٍ موروثة، أو قد يكون عاطفياً ويشمل مجموعة عُقد اكتسبها ممّن حوله.

    الخلق: هو أهم عوامل تشكّل الشخصيّة، والذي يعطيها صفات الخير والشّر، والصدق، والتعاون، والكذب، والصداقة، والمثابرة، والخداع.

    الجسم: إنّ صحةَ الجسم وقوّته تكون مصدراً للثقة أو للضّعف والتراجع، كما أنّ سلامة العقل كقوّة التذكّر والتفكير تبني جُزءً من شخصيّة الإنسان، وتُساهم أيضاً إفرازات الغُدد المختلفة في جسمه ببقائه متزناً.

    العوامل المؤثرة على تكوين الشخصية:
    كما ذكرت آنفا العوامل المكونة لتلك الشخصية، فإن العوامل المؤثرة على تكوين البناء الأساسي لشخصية الفرد تكاد أن تشابه تقريبا تلك العوامل، والتي نذكرها كما يلي:

    العوامل الحيوية: وتُمثّل العواملُ الحيوية الوظائفَ الفسيولوجية لأعضاء جسم الانسان، وتؤثّر آلية عمل هذه الوظائف بشكل أو بآخر على نمو شخصية الفرد وتفاعلاته، فالاتزان في الإفرازات الهرمونية للغدد الصُّمّ له الدور الكبير في اتّزان استجابات الفرد وسلوكه بشكل عام، كما يظهر الأثر الواضح الذي يتركه الجهاز العصبي في الإشراف على عمل وظائف الأعضاء؛ أي أنّه المسؤول الأساسي عن مدى تكامل وتلاؤم أداء هذه الأعضاء لوظائفها، فعندما يقوم الجهاز العصبي بمهامه بشكل سليم تكون عملية النمو عند الفرد سليمة ومستقرة.

    الوراثة: يحمل الإنسان في موروثاته الجينيّة الكثير من الخصائص ..؛ حيثُ تعتبر الوراثة عاملاً مهماً في تشكيل المظاهر والأنماط السلوكية، فالفرد يرث الاستعدادات والخصائص السلوكية الأولية له؛ أي أنّ الوراثة تحدّد الأساس الحيوي لتكوين الشخصية.

    البيئة: هي العوامل المادية والاجتماعية والثقافية الحضارية التي تساعد في بناء التكوين الشخصي للفرد، فالبيئة الاجتماعية تُكسِب الفرد الأنماط السلوكية من خلال تفاعله مع محيطه المجتمعي والذي قد يجعل منه فرداً مميزاً بذاته.

    الأسرة: هي البيئة الأولى التي يحتك بها الفرد منذ طفولته، فهي تشرف بشكل مباشر على مستوى نموّه النفسي، وبالتالي لها التأثير الأكبر على عملية تبلور وتكوين شخصية الفرد واتجاهاته السلوكية، فالتنشئة الأسرية السليمة تُنشئ أفراداً أسوياء.

    التعليم: عملية التعليم هي عبارة عن مجموعة الأنشطة العقلية والذهنية التي يمارس فيها الفرد خبراته الجديدة سواء أكانت من العادات أو القيم أو الاتجاهات أو المعايير وغيرها الكثير.

    فإذا قدر لهذا الفرد أن يحظى بعوامل جيدة ومناسبة، كان نتاج ذلك شخصية إيجابية سوية، قادرة على الاستمتاع بالحياة، وخلق التوازن بين أنشطة الحياة ومتطلباتها لتحقيق المرونة النفسية، هادئ وبشوش، ذكيّ ومُتحمّس، يتّخذ قراراته بعقلانيّة، ويُفاوض ببراعة، ويُصغي للآخرين.


    أما إذا لم يقدر له ذلك، وحصل فيما سبق ذكره خلل، فإن ذلك يؤدي إلى ظهور أنواع مختلفة من الشخصيات السلبية كلن بحسب ذلك الخلل الطارئ على حياته، فتظهر لنا تلك الأنماطٍ البشريّة الغير سوية، التي نجد بعضها ممن يصعب فهمه، أو تفسير تصرفاته.

    ولو كان الأمر بأيدينا لكنا اخترنا الأفضل، ولكن هي أقدار الله، جعلها الله في هذه الحياة ليختبر أينا أحسن عملا، فقد لا يكون من المتاح لنا الظهور بأجمل صورة نرغبها، ولكنه لا يعد مبررا كافيا لنقرر العيش والبقاء في الظلام، بل نستطيع أن نسجل أفضل ما عندنا بغض النظر عن كل ما مررنا به.

    وسواء كان هناك القليل من الأشياء التي تحتاج للعمل عليها، أو سواء كانت الحياة عموما تحتاج إلى تغيير جذري، فإن المشكلة الكبرى تكمن غالبا في معرفة النقطة التي يجب أن تبدأ منها.

    تعلم أن تصافح نفسك، اجلس معها، وتحدث إليها، ابحث عن جوانب النقص فيها، وحاول تقويمها، وإن احتجت إلى مساعدة فاعلم أن (المرشد النفسي) لن يتردد أبدا في تقديم العون لك، والأخذ بيدك لتنطلق نحو مستقبلك المشرق، فليس هناك أحد كامل إلا الله سبحانه، ولكننا نأخذ بالأسباب، ابحث عما يرفع من قدرها، ويطورها في شتى النواحي، واسأل الله في كل أحوالك أن يلهمك رشدك، ويقيك شر نفسك، واعلم أنك ما سعيت لذلك فإن عين الله ناظرة لك، ورحمته معينة لك، يقول سبحانه:(إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) (الرعد 11)، ويقول سبحانه، ويقول سبحانه:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)العنكبوت 69

    وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
    -----------------------------------------------------------------------
    ابني الشاب، ابنتي الفتاة، نصيحة مشفق: جرِّب الحياة، واعرف الدنيا، حلوها ومرّها، وحقّها وباطلها، وشرّق فيها وغرّب.. والله لا نجاة لكم في بحر الأهوال إلا بركوب سفينة رسول الهدى محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم؛ فلا يخدعنّكم أحد بزخرف من القول وباطل من الحديث، ولا يغرنّكم متحذلق متشدّق متفيهق باسم حرية المعتقد وحرية الأديان وحرية الرأي وحرية التفكير والكفر والتنوير؛ فتعرضوا عن سرِّ سعادتكم ومفتاح شرفكم وباب نجاتكم ونجاحكم.

    والله ليس لكم إلا الصلاة عاصمًا من الهم والغم والكدر وتأنيب الضمير وضيق الصدر. لقد لقيتُ شبابًا في الشرق والغرب، بعضهم كان منغمسًا في النعيم الدنيوي والترف المادي، لكنه فكَّر في الانتحار؛ لأنه كان يعيش بلا إيمان ولا صلاة ولا تسبيح، وقال أحدهم: فأدركتُ بعدما عدتُ إلى رحاب رحمة الله الواسعة معنى قوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه: 124]؛ فعرفتُ أن القصر والسيارة الفاخرة والذهب واليخت بل الدنيا كلها لن تشرح صدري، ولن تُسعد روحي وأنا بعيدٌ عن الله وعن عبادته.

    إن أخوف ما أخاف على شبابنا وفتياتنا موجة التشكيك الهدّام لمعتقدهم، ورياح الإلحاد التي تحمل السموم والهموم، وتنخر في قلوب الجيل الصاعد. كم رأيتُ من شاب يحدثني بعدما عاد إلى المسجد والدموع تنهمر على خدّه وهو يعلن أنه وجد الرضا والسكينة والأمن الداخلي والمصالحة مع الله، ثم مع النفس والناس.
    أين نجد الأمن إذا لم نجده عند الله في سجدةٍ خاشعة، أو دمعةٍ صادقة، أو تسبيحة موحية أو تلاوة متدبّرة؟ أين نجد السعادة إذا فررنا من الله؟ أين نجد العز إذا هربنا ممن له ملكوت السموات والأرض، صاحب العَظَمة والكبرياء، لا إله إلا هو؟ أين نجد الملاذات الآمنة المطمئنة في عالمٍ كلّه غابة، القوي يعدو على الضعيف، والكبير يلتهم الصغير، والغني يتجاهل الفقير؟
    كلما وجدتُ شابًّا يصلي ويُسبِّح ويتعاهد المسجد علمتُ أنه عرف الحقيقة، وركب سفينة النجاة، ودخل باب القبول.. كلما وجدتُ شابًّا معرضًا لعبت به شياطين الأنس والجن، عرفتُ أنه يعيش الحيرة والاضطراب والعذاب الأليم والنكد والشقاء.

    أبنائي، والله ليس هناك إلا عملية فرار كبرى نقوم بها على منهج القرآن: {فَفِرُّوا إلى اللَّهِ إِنِّي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ مُّبِينٌ} [الذاريات: 50].
    الأمر خطير، جدُّ خطير، ليس هناك إلا الفرار، الخطر الداهم يزحف عليكم، على دينكم، على معتقدكم، على رسالتكم الربّانية، ولا ملجأ لكم إلا كنف الله واللجوء إلى قوّة الله العظمى؛ فالفرار الفرار إلى الواحد القهار، ولا تصدّقوا الأبالسة الذين يهوِّنون المسألة، ويبسّطون الأمر، ويسهّلون القضية، ولا تصغوا للدجاجلة الذين يزهّدون في بضاعة الأنبياء، وينفّرون من ميراث الرسل، ويقلّلون من شأن الإيمان بالله؛ إنهم صرعى الشبهات، وأرقّاء الشهوات، وجنود الباطل، وأحزاب الضلالة، وقوافل الشّر، ومصيرهم مع شيخهم إبليس في قعر جهنم وبئس المصير.

    يا أبناني، ويا بناتي.. الصلاة الصلاة بلا مداهنة أو مساومة أو تنازل، الصلاة في الجامعة، في السوق، في الحضر، في السفر، في الصحة، في المرض، إذا سمعت (الله أكبر) تهزُّ العالم وترجّ الكون وتدكّ صروح الباطل وتنسف خرافات الإثم وتحطّم معاقل الزور، فقم إلى الصلاة.
    يا أبنائي، ويا بناتي.. استعينوا بالصبر والصلاة في معركة الحياة، تعالوا جميعًا نسجد للملك الحق العظيم الجبّار، ونبكي على ما فرّطنا في جنب الله؛ فإن الأمر جدٌّ على رغم أنف كل ساخرٍ مستهزئ حقير فاشل.
    ------------------------------------------------------------------
    يرتبط الإحساس بالفشل بالشعور المتدني لتقدير الذات، نتيجة الجفوة الذاتية وقلة المعرفة والدراية بمكوناتها. فالإنسان مزيج من الرغبات والدوافع والحاجات والقيم والمبادئ والمشاعر والصفات السلبية والإيجابية، والاعتقادات السلبية والإيجابية عن نفسه وعن الآخرين، وبقدر معرفة الإنسان لكل ما سبق بقدر معرفته لذاته وفهمه إياها، الأمر الذي ينعكس على أن يحسن تقديره لنفسه فيعطيها حقها من الرعاية والإكرام والمحبة.

    فالمرء عليه في تعديله وتغييره لمشاعره السلبية واعتقاداته السلبية عن ذاته أن ينطلق أولاً من حبه لذاته بلا شروط، فلا يعني الوقوع في الخطأ رمي اللوم على الذات، وفي المقابل لا يعني عمل الشيء المرغوب مزيداً من استحسان الذات، كما ينبغي الوقوف مع الذات بصدق، فلا نبخس حق الإيجابيات مقابل تحد واضح للسلبيات، فالإيجابيات تعزز وتنمى، والسلبيات نتعامل معها بلطف وجدية لنتخلص منها ولا نعطيها أكبر من حجمها.
    والخوف من الفشل هو ذلك الحاجز الذي يحول بين الإنسان وبين تفجير طاقاته، وبالتالي بينه وبين الوصول إلى أهدافه وطموحاته وأمانيه. وأصل المشكلة أن بعض الناس نفوسهم رهيفة لا تقبل الصدمة، نفوس متعودة على الدلال والراحة، ولذا تهرب من أي احتمال للمصاعب، وتتراجع عن أي طريق تعترضها فيه الصدمات والمشاكل، وإنما يخاف الإنسان الفشل لأن الفشل مضخم في نفسه، وحينما تكون الأمور بسيطة أمامه، فانه لا يتهيب اقتحامها.

    إن أفضل علاج للفشل أن لا يتهيبه الإنسان، فليس مشكلا كبيرا أن يفشل المرء، وأساسا لماذا لا تريد أن تفشل في حياتك؟ لماذا لا تريد أن تصطدم في حياتك؟ إن طبيعة الحياة وسنتها: أن الإنسان لا يصل إلى النجاح إلا بعد أن يجتاز وديان الفشل، والله تعالى قد منح البشر ملكات إنسانية خاصة ليتعاملوا مع أحداث حياتهم بفاعلية، وبقدر ما نستخدم هذه الملكات بقدر ما نقترب من روح المبادرة والإيجابية، وبقدر ما نبتعد بقدر ما نقترب من روح الأعذار ورمي اللوم على (الآخر)،

    وهذه الملكات هي:
    1- الإدارك الذاتي: وهي أن تكون واعيًا بما يدور حولك مدركًا له.
    2- الخيال: وهو القدرة على تجاوز حدود الحاضر والتجارب الشخصية. فقط تخيل العواقب التي سوف تجنيها عندما تتصرف برد فعل تجاه أي استجابة تجبرك على أن تكون سيئًا. أريدك في هذا التخيل أن تتخيل شكل المتعة التي ستحصل عليها الآن، ثم شكل الألم الذي سيصيبك إذا استجبت بطريقة سلبية للمؤثر الذي يؤثر عليك؛

    مثلا: التدخين يسبب للمدخن متعة آنية، وهو استجابة لمؤثرات كثيرة عليه، ولكن ما رأي المدخن في السرطان؟ مرض رهيب، أليس كذلك؟ هل يحب أن يتألم من هذا المرض؟ بالطبع لا -عافاك الله- لذلك فإنه عندما يتخيل مقدار الألم العنيف الذي يسببه مرض مثل هذا بسبب تدخينه، فإنه بالتالي سوف يفكر ألف مرة قبل أن يُقْدم على هذه الفعلة.

    3- الضمير: وهو القيم والمبادئ التي تقوم عليها النفس، فغريزة الجنس مثلا هي غريزة أساسية ويمكن أن تحدث لنا إثارة منها، ولكن ضميرنا الممثل في القيم والمبادئ التي نحملها تمنعنا من اتخاذ سلوك غير سوي إزاء هذه الغريزة. فإذا تصرفت واعتديت على ما ليس لك فيه حق فلا تلومن إلا نفسك .
    4- الإرادة المستقلة: ويعني هذا أن تكون لدينا القدرة على التصرف بحرية بعيدًا عن المؤثرات الخارجية، كيف يحدث هذا؟ تخيل أن أحدهم يقول لك: إنك دائمًا تعطلنا عن العمل. هذا هو رأيه، ولكن ما رأيك أنت؟ إن إرادتك المستقلة سوف تجيب عن هذا السؤال بالطريقة التالية:
    - اخرج خارج الدائرة المشتعلة في الحديث واسأل نفسك: هل صحيح أنني أعطلهم؟ وسوف تكون الإجابة واحدة من ثلاث: (نعم – لا – أحيانًا)، إذا كانت الإجابة نعم فاعتذر فورًا (قمة الإيجابية)، وإذا كانت الإجابة لا فوضح الأمر أو اتركه لحاله، وإذا كانت الإجابة (أحيانًا) فادرس الموضوع، واعرف لماذا تحدث هذه العَطَلَة، وبالتالي سوف تصبح في كل الأحوال القائد لزمام الأمور .
    - لا تعتبر كل رأي يوجه إليك رأيًا شخصيًّا، ولكن حَكِّم عقلك وتجاربك وتخيلك في كل ما يعرض عليك، ومن قبلها ضميرك الممثل في القيم والمبادئ التي تحملها.

    وفي بعض الأحيان يكون الفشل عنصر خير في حياة الإنسان، فهو الذي يكشف للمرء نقاط ضعفه، وينبهه إلى الثغرات الموجودة في عمله .. بينما استمرار الإنسان في تحقيق المكاسب والانتصارات، قد يخلق في نفسه الغرور، ويضعف من اهتمامه بالتقدم، ورفع مستوى العمل، وقد أشار القرآن الحكيم إلى هذه الحقيقة عند حديثه عن النكسة التي أصابت المسلمين في واقعة (أحد) يقول تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ} [آل عمران:165-167]
    إنه تعالى يوبخ المسلمين على تعاملهم السلبي مع الهزيمة ويوجههم إلى الاستفادة الايجابية منها، بالعودة إلى أنفسهم {قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} واكتشاف النواقص والسلبيات التي اكتسبتها بعد تحقيق الانتصارات السابقة. ثم تتحدث الآيات عن البعد الايجابي للهزيمة في معرفة الثغرات المخبوءة داخل المجتمع الإسلامي وفرز العناصر المنافقة غير المخلصة، وتجلي صمود المؤمنين وثباتهم في مواقف المحنة والشدة {وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ وَلْيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُواْ}
    ولكي يستطيع المرء أن ينجح في إثبات ذاته، عليه أن يضع في اعتباره النقاط التالية:

    - الفشل ينبغي أن يكون معلماً لنا وليس مقبرة لطموحاتنا، فالفشل ما هو إلا حالة تأخير وليس هزيمة، إنه تحول مؤقت عن الوصول إلى الهدف وليس نهاية مميتة، وهو شيء يمكننا تجنبه فقط بأن نقول أو نفعل.

    - التعامل الايجابي مع الفشل: يكفي أن نعلم أن كثيراً من العباقرة توصلوا لاختراعاتهم عبر محاولات عديدة لم يكتب لها النجاح وكما يقول المثل «العثرة تصلح المشي». فتوماس أديسون مخترع المصباح الكهربائي عرف عنه أنه فشل في ذلك العديد من المرات، لكن في كل مرة كان يفشل فيها كان يقول: "أصبحت الآن أعرف طريقة أخرى لا يمكن أن يعمل بها المصباح الكهربائي".

    - ليس هناك فشل حقيقي، فما ندعي بأنه فشل ما هو إلا خبرة قد اكتسبناها من واقع تجاربنا في الحياة، إذ أن الشخص الفاشل هو الذي لا يتعظ من تجاربه، ويعتبر أن الأمر منتهياً من حيث فشله!
    - لا يوجد فشل بل توجد طريقة غير سليمة يمكن التعديل فيها أو تغييرها.

    - الفشل مرة لا يعنى نهاية الطريق، ولذلك ينبغي إعادة المحاولة أو تغيير الطريقة
    - الإيحاء يلعب دورا قويا في التغلب على الفشل وتوابعه، فنحن لا ننتظر من شخص يقول عن نفسه إنه فاشل أن يصبح ناجحا أو متفوقا، هذه معادلة مستحيلة التحقيق. والعكس صحيح، فلو أقنعت نفسك أنك ناجح وقوي ومقدام فستصبح كذلك بالفعل. لكن كيف يتحقق ذلك؟ سيتحقق بعمل واحد: اقهر مخاوفك، حاربها، اعتبرها عدوك الذي يريد أن يطرحك أرضا. ولا بأس أن تردد لنفسك دوما عكس ما تظنه فيها.
    ---------------------------------------------
    كم نشكو من ضعف الاجتهاد وضموره، ونتحسر على أيامنا الأولى.. زمن العبقرية العلمية، حين تأسست العلوم، وتفتّقت المعارف، وتأسس النحو والعروض والأصول، وبني الفقه، وجمعت السنة وصنفت أبوابها، وقامت سوق العلم واستوت أعلامها. وكأننا لا ندري أن هذه الشكوى وحدها لا تعيد لنا مجد العلم واجتهاده؛ حتى نُجهِد أنفسنا في البحث عن تفاصيل الأسباب، والعمل على تداركها، في رؤية وإرادة مشتركة.

    وفي هذا المقال تنبيه على سبب من أسباب ضعف الاجتهاد وضموره ، من المهم اكتشافه وتداركه بقدر الإمكان.
    وهو العلاقة بين المفيد والمستفيد في العلم الشرعي، تلك العلاقة التي تعظم المفيد إلى حد الإلغاء لشخصية المستفيد. فينشأ المستفيد تبعًا لشيخه في شخصيته وأفكاره واجتهاداته. ويفقد خصائص الاجتهاد العلمي من الحرية والثقة والاستقلال. إن هذه المعاني لا تقل أهمية عن العلم الذي يأخذه عن شيخه، ومن نشأ ذائبا في شخصية شيخه لن يستطيع أن يتحمل أعباء الاجتهاد والإضافة العلمية. إن احترام الشيخ من أدب العلم وسمته، ولكن لا يجوز أن يصل هذا الاحترام إلى حدٍّ يضر بشخصية المستفيد وحريته واستقلاله.

    فإذا وصلت العلاقة إلى هذا الحد تضرر العلم ذاته الذي جاء من أجله، وابتعد المستفيد عن قيم الإسلام العظيمة في احترام كرامة الإنسان وحريته واستقلاله. وفي الأسماء والأوصاف ما يغني عن التطويل والتفصيل؛ فقد اختاروا للمستفيد اسم (الطالب) واختار المشتغلون بالتصوف اسم (المريد)، وهي تتشابه في معناها! طالب فلان، وطلاب فلان.

    بينما كان المستفيد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى (الصاحب) حيث القيم الإسلامية في أبهى صورها، والشيم العربية في أجمل حللها. ولك أن تتخيل الفرق العظيم في المعاني الكامنة في كلمة (صاحب فلان) وكلمة (طالب فلان أو مريد فلان) ! إن أعظم وأجل مفيد في العلم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم خير خلق الله، وأشرف رسل الله، ومع ذلك بقيت شخصية المستفيدين منه محفوظة، واختار لهم هذا الاسم الشريف (الصاحب). ولذلك كانت المدينة مكتظة بالقيادات، وقاموا بدين الله خير قيام بعد رحيل رسول الله. كذلك الأئمة الكبار أمثال أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، كان المستفيدون منهم أصحابهم، وكثيرا ما تقرأ في مدونات الفقه الحنفي: هذا قول أبي حنيفة وخالفه صاحباه ! إن كلمة (الصاحب) أشرف وأزكى من كلمة (الطالب والمريد).

    وأهم من الاسم ما تتضمنه العلاقة من معانٍ تناسب هذا الاسم، وما يقوم عليه التعليم من احترام المستفيد وحفظ حريته وكرامته وثقته واستقلاله. مع ما يستحقه العلم وأهله من الاحترام والأدب. وأول تغيير نبدأ به في العلاقة بين المفيد والمستفيد في العلم هو اختيار الاسم، ثم نتبعه بالتركيز على المعاني التي تعين على الاجتهاد والإضافة العلمية. وفي تأثير الأسماء والأوصاف على أصحابها: روى البخاري في صحيحه، عن ابن المسيب عن أبيه أن أباه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما اسمك ؟ قال: حزن. قال: أنت سهل. قال: لا أغير اسما سمانيه أبي. قال ابن المسيب: فما زالت الحزونة فينا بعد.
    ------------------------------------------------------

    لماذا نملأ حياتنا بتتبع أخطاء الآخرين والإصرار على طرحها ومناقشتها ؟! ونفقد بذلك دقائق وساعات بل ربما أياما ، نناقش ونتفاعل ونتأزم، بل حتى عندما نتسامح تبدأ الذكرى ونتذكر تلك اللحظات المؤلمة، ومالنا لا نتذكر، وقد سمحنا لتلك الأخطاء أن تتخذ لها مكانا في ذاكرتنا بمناقشتها والبحث في ثناياها .. وذهبت أيامنا كلها حزنا في حزن.
    لو أمعنا النظر في قول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله -: "فليس من شرط أولياء الله المتقين ألا يكونوا مخطئين في بعض الأشياء خطأ مغفورا لهم، بل ولا من شرطهم ترك الصغائر مطلقاً، بل ولا من شرطهم ترك الكبائر ...... الذي تعقبه التوبة " [مجموع الفتاوى ج 11 ] .. قال – رحمه الله – ذلك في أولياء الله المتقين، فما بالنا ببقية الناس ؟!

    رفقا بمن حولك:
    يتتبع الأب أخطاء ابنه ليرهقه بكثرة العتاب وشدة المعاقبة، وكأن هذا الابن ولد متعلما، بل وكأن هذا الأب لم يُأمر بتربية أبناءه .. وأي تربية هذه التي تجعل من العقاب الخطوة الأولى، ومن التعليم الخطوة الثانية ؟! .. وأي نفس تتقبل النصح بعد قسوة العتاب وربما التجريح؟! فينشأ الطفل محملا بالجروح والإهانات وتنعدم سبل التواصل بينه وبين والديه .. هذا هو الحال مع أب وابنه أو أم وابنتها، فكيف سيكون الحال بين زوج وزوجته؟! وبين صديق وصديقة؟! وموظف ورئيسه؟! .. فلنتغاضى قليلاً حتى تسير الحياة سعيدة هانئة لا تكدرها صغائر، وتلتئم القلوب على الحب.

    التغافل عن الأخطاء ليس تأكيدا للخطأ أو عدم اهتمام به، وليس سذاجة ولا غباء ولا ضعف، بل هو الحكمة بعينها .. قال أهل الفضل: لا يكون المرء عاقلاً حتى يكون عما لا يعنيه غافلاً.
    وقال عثمان بن زائدة: قلت للإمام أحمد: العافية عشرة أجزاء تسعة منها في التغافل، فقال: "العافية عشرة أجزاء كلها في التغافل" وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما يتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور.
    ليس الغبي بسيد في قومه .. لكن سيد قومه المتغابي!

    إن «أدب التغافل» هو من أدب السادة، أما السوقة فلا يعرفون مثل هذه المكرمات، ولذلك تراهم لدناءة همتهم يحصون الصغيرة، ويجعلون من الحبة قبة، ومن القبة مزاراً، وهؤلاء وإن أظهروا في الإحصاء على الآخرين فنونا متنوعة من ضروب الذكاء والخداع، لكنه ذكاء أشبه بأمارات أهل الحمق الذين تستفزهم الصغائر عند غيرهم، ولا يلقون بالا للكبائر عند أنفسهم، وأمثال هؤلاء لا يكونون من السادة في أقوامهم.

    أطيب الأقوال :
    - تغافل عن الخطأ ولا تفكر في الوقوف عنده لتعاتب، فإن كثرة العتاب تنفر وتفرق. كما أن الحس النبيل يقتضي « ترك البحث عن باطن الغيوب، والإمساك عن ذكر العيوب».
    - قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -: لا تظنَّ بكلمة خرجت من أخيك المؤمن إلا خيراً، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
    - وقال الإمام ابن القيم: من أساء إليك ثم جاء يعتذر من إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته، حقاً كانت أو باطلاً، وتكل سريرته إلى الله.
    - ثم قال: وعلامة الكرم والتواضع أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفْه عليه ولا تحاجَّه، وقل: يمكن أن يكون الأمر كما تقول، ولو قضي شيء لكان، والمقدور لا مدفع له ونحو ذلك.
    - وقال الإمام الشافعي: الكيس العاقل؛ هو الفطن المتغافل.
    - وقال الحسن: ما استقصى كريم قط ، قال الله تعالى: {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ} [التحريم:3].
    - وقال سفيان: ما زال التغافل من فعل الكرام.

    من روائع الأخبار:
    • من أحسن ما روي في التغافل، فعل نبي الله يوسف عليه السلام لما ذكر أمر ما وقع من إخوته - بعد وعده لهم أنه لا تثريب عليهم – قال: {وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} [يوسف:100]. ولم يقل: من بعد أن فعل إخوتي ما فعلوا من محاولة قتلي أو التخلص مني وحرماني من أبي أو حرمانه مني، وإنما نسب الفعل إلى الشيطان، بل وبدأ بنفسه فقال: {بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي} حتى لا يكون هناك تلميح ولو من بعيد بأن الشيطان أتى من ناحيتهم.
    • قال أبو علي الدقاق: جاءت امرأة فسألت حاتماً عن مسألة، فاتفق أنه خرج منها صوت في تلك الحالة فخجلت، فقال حاتم: ارفعي صوتك، فأوهمها أنه أصمّ، فسرّت المرأة بذلك، وقالت: إنه لم يسمع الصوت فلقّب بـ «حاتم الأصم».
    • ومن هذه المواقف الجلية في أدب التغافل، ما ذكره ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال: إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد.

    • قال ابن الأثير واصفا صلاح الدين الأيوبي: " وكان صبورًا على ما يكره، كثير التغافل عن ذنوب أصحابه، يسمع من أحدهم ما يكره، ولا يعلمه بذلك، ولا يتغير عليه. وبلغني أنه كان جالسًا وعنده جماعة، فرمى بعض المماليك بعضًا بسرموز [يعني:بنعل] فأخطأته، ووصلت إلى صلاح الدين فأخطأته، ووقعت بالقرب منه، فالتفت إلى الجهة الأخرى يكلم جليسه ؛ ليتغافل عنها ".

    فما أجمل أن تكون صيغ وكلمات العتاب معبرة وموحية وممزوجة بالحب والعطف والشفقة على محدثه؛ لتنفذ هذه النصائح والكلمات إلى قلبه فيتأثر بها ويعمل بمقتضاها.
    ----------------------------------------------------

    من أكبر الخطأ الاعتقاد بأن الناس لابد أن يكونوا على نمط واحد، ونغفل التنوع الذي أراده الله ليصنع عالما متكاملا .. فلقد أراد الله -سبحانه وتعال- وشاءت قدرته أن يكون منا القوى بدنيا والقوى عقليا، ومنا المتفوق رياضيا أو علميا أو اجتماعيا، ولذلك ينبغي أن لا نقصر تصورنا ورؤيتنا لذواتنا على مفهوم واحد.
    وفي تتبع أحوال الآخرين بإمكانك أن تلاحظ كثيراً ممن يعرف الناس ولا يعرف نفسه!! .. إن معرفة الإنسان لنفسه هي المنطلق لقدرته على التعايش مع النفس؛ مالها وما عليها، فالنفس عالم هائل ضخم, تكتنفها الطلاسم وتحوطها الألغاز والأسرار، والكثير لا يتقنون قراءة أنفسهم بشكل جيد، قال تعالى: {وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ} [الذريات/21]، فقد يظن الإنسان نفسه أوسع الناس صدراً, وأطولهم حبلاً, وأبعدهم أناة وحكماً ومداراة؛ وأفعاله تنم عن غير هذا.
    إن ثمة دعوة ملحة تفرض نفسها كبديل عن بث التهم في كل اتجاه، مؤدى هذه الدعوة: أن افهم نفسك وأقبل عليها، فأنتَ بالنَّفسِ لا بالجِسمِ إنسانُ .. قبل أن نلقي بالتبعات واللوم على غيرنا ينبغي أن نلوم أنفسنا أولاً, وليس معناه أن نكون قساة مع أنفسنا، مُفْرِطِين أو مفَرّطين، بل على العدل قامت السماوات والأرض، فالنظر في أدواء النفس هو أول سبيل البصيرة، وإلا فالعمى والتيه.
    ولذلك حاول أن تجتهد لتجد نفسك وتحقق ذاتك وتتعرف على قدراتك .. تعرف على ما تحبه وما يمكنك الإبداع فيه .. واصل إنجازك في المجال الذي تحبه، وتذكر أن الإنجاز يعين على مزيد من الإنجاز، وأن بداية الإنجاز تبدأ بالعزم على تنفيذ عمل ما.

    الطريق من هنا:
    • اعرف المقياس أو المعيار الذي تقيس به الأمور، ولتكن لديك مسطرة تقيس بها، وإلاّ تشابكت عليك الأمور واختلطت، إذ لا بدّ للوعي من معايير يعتمدها وإلاّ لما قيل عنه إنّه وعي.
    • ليس هناك ضير من أحلام اليقظة إذا ما اقترنت بالعمل والإنجاز وحب الإتقان.
    • لا تسخر من إنجازاتك، ومن كل ما وصلت إليه، بل شجع نفسك بنتائجك، وتحفّز لتحقيق المزيد من الطموحات.
    • من المهم جدا الجرأة على التقييم الذاتي (أي قم أنت بذلك مع ذاتك) بعد كل مشروع أو مرحلة أو محطة استراحة.
    • لا تجعل الأسف عند التعرّض للمواقف الصعبة هو كل أسلحتك. لأنك بالفعل قادر على التغلب على الأزمات بإذن الله تعالى؛ فالله يقويك ويعينك لتجتاز كل المحن والصعاب.

    • لا تقلّل من قدراتك - فلماذا تقارن نقاط ضعفك بنقاط قوة غيرك المبهرة؟! جرّب العكس وسترى كم أنك بالفعل موهوب!
    • قرّر أن تواجه القرارات الصعبة بنفسك، ولا تؤجل قراراً يجب أن تتخذه.
    • أكثر علماء النفس ومدربي الهندسة النفسية يؤكدون على أهمية المحادثة مع الذات، لذلك لا تنسى هذه الفضيلة، فإن فيها بركات جمّة وخيرات كثيرة.
    • عبّر عن ضيقك ولكن بشكل غير مبالغ فيه. وبغير انفعال زائد يقودك إلى الخطأ.
    • لا تعامل نفسك بحدة أو بشدة، طالما أنك لم تقِّصر في شئ.
    • لا تكثر من توبيخ نفسك بالنقد المتواصل.
    • ما يعطيك القوة والقدرة على العطاء والبقاء في حالة شعورية مريحة على الدوام هو المحافظة على ما يسمى (بخزان الطاقة) وهذا الخزان إذا أردنا أن نحيا الحياة الجميلة فلا بد له من منابع وموارد، وفي المقابل المحافظة على ما فيه من طاقات، مع التنبه واليقظة للثقوب الصغيرة التي قد تسرب الكثير من الطاقة دون أن ندري .. والمقصود بالثقوب الصغيرة المشاكل البسيطة التي قد تتراكم عليك فتستنزف طاقتك (سداد بعض الفواتير، ترتيب مكتبتك الخاصة، مراجعة طبيب الأسنان ...)

    • لا تتسرّع في إصدار أحكامك على الآخرين.
    • حاول أن ترى جوانب مشرقة مبهجة في حياتك وستجد حتما، لأن الله هو خالق هذه الحياة وهو يهتم بك.
    • لا تبحث عن الناقص عندك، بل اشكر الله على ما بين يديك من نعم؛ وتقدّم للأمام.
    • اقبل نفسك وشخصيتك جملة، واعترف بالنقاط السلبية فيك .. يقول "ديل كارنيجي" صاحب الكتاب المشهور (دع القلق وابدأ الحياة) والذي أفرد فيه فصلاً بكاملة بعنوان (كن نفسك) يقول فيه: «علمتني التجربة أن أسقط فورًا من حسابي الأشخاص الذين يتظاهرون بغير ما هم في الحقيقة».
    • تعرّف على مشاعرك السلبية من حقد، غيرة، حسد .. لا تنكرها، ولكن اعمل على تغييرها واطلب من الله عوناً على ذلك.
    • اعرف «كل» نقاط قوتك، ولا تسمح لأحد بأن يجادلك بشأنها.
    • لأننا راشدون فإننا نختار تلك الرسائل التي نقبلها عن أنفسنا وتلك التي نرفضها. فلا يوجد إنسان على وجه الأرض يمكنه أن يجعلك تشعر شعورا متدنيا عن ذاتك، إلا إذا سمحت أنت له بذلك، ورضيت عنه.
    • لا تقلّل من شأن نفسك أمام نفسك أو أمام الآخرين.
    -----------------------------------------------------------
    تعرضت الأمة الإسلامية في تاريخها الطويل إلى العديد من المصاعب بل والقواصم، ولكنها في كل مرة تخرج أقوى مما كانت، وقل أن تجد أمة من الأمم واجهت ما وجهته هذه الأمة من النكبات وبقيت صامدة، ولكن الأمة الإسلامية رغم كل ما لاقته فلم ولن تؤثر فيها الأحداث، مهما تنوعت الأحوال ومهما اشتدت ظروف الزمان والمكان.

    إن أعظم ما يمكن أن يصيب الأمة الإسلامية أو ما أصابها فعلاً هو ما نراه في أيامنا سيطرة روح الانهزام عليها أمام أعدائها، مما أدى إلى ضعف همتها، وعجزها عن مجرد التفكير في عوامل نهضتها، نعم لقد بلغت الأمة الإسلامية مبلغاً من التقهقر والهوان جعلها تتنقل من نكبة إلى نكبة، وتهوي من نكسة إلى أخرى.

    ولكن من مصائبنا في هذا الزمان أن هذه الأمة التي أراد الله لها أن تكون خير أمة أخرجت للناس، امتثالاً لأمره سبحانه حيث يقول: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110] وقوله: سبحانه: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) [البقرة: 143] أبت إلا أن تكون في ذيل القافلة، ويأبى القائمون عليها إلا أن تكون مكسورة الجناح، بانغماسهم في الترف الذي غرقوا في أوحاله، وبكونهم يحملون روح الانهزام بعد أن كان أجدادهم وأسلافهم يحملون مشاعل النور، ومصابيح الهدى، عندما كانوا يتبعون قدوتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله رحمة للعالمين، من هنا فإن حاجة الأمة أصبحت ماسة لأن تعرف كنه المرض الذي أصابها وحقيقته، وأن تقف على التشخيص الصحيح لحالتها التي باتت لا تسر أحداً من أبنائها.

    نعم قد تنهزم هذه الأمة، وقد تضعف، ويصل بها الضعف إلى المستوى الذي نحن فيه، ولكنها بإذن الله تعالى لن تموت، ولن تنهزم أبداً، فإن حصل أن انهزمت في ميدان المعركة، فليس معنى هذا أنها تنهزم في كل الميادين، نعم قد تخسر جولة من الجوالات، وقد تتيه حقبة من الزمان، وقد ينتصر عليها أعداؤها في ميدان معركة نفسية، أو فكرية، ولكنها ستبقى دائما أمة متجددة، بكون رسالتها خاتمة الرسالات، وستبقى تمثل الظاهرة الفريدة في تاريخ الإنسانية، فكل الأمم والامبراطوريات كانت تصعد وتقوى، حتى تصل إلى درجة معينة ثم سرعان ما تعود إلى ما كانت عليه، وقد تندثر، كما حصل هذا مع دولة الفرس، والروم، ومع الحضارات كلها، إلا هذه الأمة الإسلامية، فهي أمة الثبات والصمود، استطاعت أن تؤثر على المتغلب عليها، فقد حولت المغول المتوحشين إلى مسلمين، وكانت تجربتها معهم ومع التتار تجربة فريدة، تأثر فيها الغالب من المغلوب، ودخل المنتصر في دين المنهزم حين دخلوا في لإسلام عن طواعية.

    انقسمت هذه الأمة وتفرقت في عقيدتها إلى عشرات الفرق، ودخل عليها عبر تاريخها العديد من الأفكار والآراء الباطلة، وكان منها العديد من الحركات الباطنية التي نعرفها والتي ظهرت في فترات الضعف، ولكن هذه الأمة بقيت وستبقى شامخة بإذن الله تعالى، بقيت تعتز وتحتفظ بكتاب الله تعالى (القرآن الكريم)، لم تبدله ولم تقبل أن يتغير منه حرف واحد، وحافظت على السنة النبوية الصحيحة، وحفظ علماؤها لها الصحيح من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، وبقيت سيرته العطرة، مرجعاً ومنبعاً لكل من يريد أن يتأسى به صلى الله عليه سلم، وظلت هذه الأمة وستبقى أمة حية، قادرة على العطاء في كل ميادين الحياة، لكل من ينشد الصفاء والنور في جميع مجالات الحياة، في الفكر والقيم والأخلاق، وفي شتى ميادين الحياة.

    تعرضت هذه الأمة العظيمة إلى كافة أنواع الغزو، الغزو الفكري والعسكري، والثقافي، والاقتصادي، وشن عليها الأعداء من أنواع التشويه والتضليل مالا يحصى، ورموهم بكل ما أمكنهم من سهام الغدر والخديعة، وحاربوهم بكل أنواع الأسلحة التي استهدفت دينهم وثقافتهم قبل تستهدف أجسادهم وأبدانهم، ولكن هذا التضليل السياسي والفكري الذي مارسوه ويمارسونه ليل نهار في عالم المسلمين سيكون في نهاية المطاف لمصلحة الإسلام والمسلمين، يصدق فيه قول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ) [النور:11].

    فرغم كل هذا التشويه والتضليل، ورغم قسوة العداء الذي يمارسونه، فإن أبناء هذه الأمة ما زالوا ثباتين لم يستسلموا، ولم يهنوا، إنما القلة القليلة هم من استسلم وخنع، ولم يتعد هذا الخنوع أفراداً من أبناء هذه الأمة، قد يكثرون في بعض الأوقات، ولكنهم مهما ازداد عددهم فهم شرذمة، أما الكثرة الكاثرة فكانت ولا تزال عصية عن الخضوع، وستبقى تتلمس طرق الخلاص، وتبحث عن سبل النهوض، وعن المخارج التي يمكن من خلالها أن تحقق ما تصبوا إليه من علميات الإنقاذ لهذه الأمة، مما تواجهه من غزو في شتى المجالات.

    ولا شك أن أنجع الطرق وأسلها للخروج من هذا التيه الذي تعيشه هذه الأمة، بل وأسرعها على الإطلاق هو بالرجوع إلى تعاليم ديننا الحنيف، بأن ندور مع القرآن الكريم حيث دار، وأن نستقي منه ومن السنة الصحيحة ومن سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن تجارب العظماء في تاريخنا العظيم، ومن سجل حضارتنا القويم، وأن نستلهم من جميع ذلك أنواع الهداية وطرق الرشاد، ونأخذ منه العبر التي نستنير بها في مثل هذه الظروف العصيبة التي نمر بها، أملاً في الخروج منه، في محاولة لتجديد الحقائق التي عايشها أسلافنا، بأسلوب يتماشى مع معطيات هذا الواقع الجديد.

    إن مهمة هذه الأمة مهمة عظيمة، فهي الأمة التي اختارها الله لقيادة الإنسانية وتوجيه البشرية نحو النور والخير، فعليها أن تُعطي الحياة دفعة قوية من معين خزائنها المليئة بأنواع الشموخ والانتصارات، وأن تضيء لهم من منارات الهدى، وأن تسير بهم إلى مدارج النهوض والرقي الحسي والمعنوي، دفعة تحقق للبشرية النفع والخير في مجال الأخلاق والسلوك، قبل أن تحقق لهم نهضة في مجال المصنع والألة، نهضة تعنى الإنسان جسماً وروحاً، نهضة تسهم بكل ما حباها الله تعالى في حل مشاكل هذا العالم المتأزم، لأنها هي الأمة الوحيدة التي تملك هذا النصاب من مثل هذه القيم والتعاليم، فهي الأمة الوحيدة القادرة على إحداث مثل هذه النهضة، نهضة لا تستقل بالأدوات بعيداً عن عالم الروح والأخلاق، ذلك لأن أي نهضة يمكن أن تحصل للبشرية لا تعنى بالأخلاق والقيم إنما هي نكسة على الإنسان، وستكون طريقاً يوصل البشر إلى التنازع والاقتتال بلا شك، إن ما تحتاج إليه البشرية في أيامنا هذه هو نهضة تقوم على الأخلاق قبل أن تقوم على المصانع والآلات، نهضة تسعى إلى تحقيق إنسانية الإنسان قبل كل شيء، نهضة تستجيب إلى دواعي الفطرة السليمة.
    لا شك أن مثل هذه الحضارة التي تقوم على مثل هذه المعاني والقيم لا يمكن أن تقوم إلا باسم الإسلام، ولا يملك زمامها وأدوات إنتاجها إلى تعاليم القرآن المتمثلة في قيمه وأحكامه، والمنطلقة من قول الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107] وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) [متفق عليه] هذه الأمة فقط هي الوحيدة التي تملك مثل هذا التصور، ولا شك أن هذا المعنى هو عنوان النصر الذي لا يمكن أن يهزم، النصر الذي يدخل في بنية الحياة وأهدافها، النصر الذي يغيّر ويعدل مجرى التاريخ ويبقى يتجدد مع تجدد الزمان والمكان.

    مخطئ كل الخطأ من توهم أو يتوهم أن بإمكانه أن يلحق الهزيمة بأمة هذه مواصفاتها، أمة ذات حضارة وقيم إنسانية سامية، أمة لعبت وما زال بإمكانها أن تلعب دوراً كبيراً ورائداً في بناء حضارة جديدة، يمكنها أن تخلص الإنسانية كل الإنسانية من أشكال الضياع والتيه الذي تعيشه في ظل حضارة المادة، تلك الحضارة التي أفقدت الإنسان قيمته، وما زالت تسعى بكل قوة إلى أن تفقد أمنه واستقراره واطمئنانه، لأنها لا تركض إلا خلف المال وتوابعه، من أشكال المادة المحسوسة.

    ويبقى السؤال الكبير: كيف يمكن أن تعود الأمة الإسلامية إلى ما كانت عليه ؟ أو إلى ما ينبغي أن تكون عليه، لا شك أن هذه الأمة الإسلامية تملك خصائص رئيسية تتمثل في فكرها الإسلامي، بأنواعه الثقافي والاقتصادي وغيره، ما يمكنها أن تستخدمه كسلاح ضد التحديات الفكرية الأيديولوجية، ذلك أن النموذج الإسلامي يتصف بالنظرة الكلية والتوازن وبتحقيق مصلحة المجتمع، ومصلحة الفرد معاً.
    ومما ينبغي التنبيه إليه في هذا المقام أن التدافع والصراع الحضاري هو سنة من سنن الحياة، وهو أمر لازم لنمو الحياة وامتدادها، واستمرار التاريخ، لذلك كان لا بد منه ليتميز البشر بعضهم من بعض، ويظهر الحق على الباطل، وتختبر وجهة الإنسان وصبره واختياره، قال تعالى: (كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ) [الرعد: 17].

    ولهذا فإن المطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى أن يعود القائمون على قضايا الإسلام من القادة والعلماء إلى عملية التعبئة العامة للمسلمين في كافة الميادين، وذلك لمواجهة الهجمة الشرسة التي تتعرض لها أمتنا هذه الأيام، وأن ندرك أبعاد وسائل الغزو بانواعه ، التي يعمل بها في بلاد المسلمين، في حقبة الاستكبار الصهيوني العالمي، وذلك في محاولة منا إلى تحقيق النهوض الحضاري، والوصول إلى الحصانة الحضارية، والمناعة الفكرية للأمة، والحيلولة دون سقوطها، بما يراد لها في هذا الزمان، وهو الخطر الذي يتعاظم يوماً بعد يوم، والله تعالى نسأل أن يوفق القائمين على أمر هذه الأمة من العلماء الصادقين وأولى الأمر الذين تعنيهم مكانة هذه الامة ويسعون إلى أسباب نهضتها وعلو مكانتها، بأن يلهمهم الرشد ويهديهم ويوفقهم إلى سواء السبيل، ويسدد على طريق الحق خطاهم أجمعين.
    -----------------------------------------------------------------------------------------------
    كثيرا ما تتحدث كتب التربية الإسلامية والتنمية البشرية عن فنون وآداب الحوار، حيث ترشد المرء للعديد من التوجيهات الراقية والآداب السامية حين الانخراط في حوارات مع الآخرين، هذا فضلا عن حيثيات مهارات الكلام وآليات التأثير والإقناع التي تركز عليها منتديات التنمية البشرية على تنوع صورها المقروءة والمسموعة والمرئية.

    ومن التوجيهات الراقية التي تذخر بها تلك المصادر، أننا يجب أن نتقن مهارة الإنصات قبل مهارة الكلام، وأننا إن أردنا أن يسمعنا الآخرون علينا أن نسمعهم أيضا، وأن الحوار الناجح يقوم على التوازن بين الإرسال والاستقبال، ومن مقولات حكيم أفريقي قديم: إن لاحظت أن الذي أمامك لا يريد سماعك، فاصمت وأنصت إليه، ربما تعلم حينها لماذا لم يكن يستمع إليك.
    لكن هذه المثالية في الحوارات ما يكون موقفها إن وجدت محاورك ثرثارا مستأثرا بكل أطراف الحديث، ما يقوله يعيده، وما يعيده يزيده، من غير كلل ولا ملل. خاصة وإن كان أكبر منك سنا أو منصبا أو درجة علمية، حيث يرى -بلسان حاله- أنه الأحق بالكلام، والأجدر بالتحليل، والأولى بتقديم النصح بحكم أسبقيته العمرية أو خبرته الحياتية أو درجته العلمية!!.

    ومن المثاليات النبيلة التي تذخر بها أدبيات فنون الحوار هي جعل الرفق واللين أساسا للمحاورة المثمرة، لأن الفظاظة تغلق منافذ الاستقبال عند الطرف الآخر، وتحمله على أن يكون في موقف الخصم المعاند، أو المدافع عن النفس المشاكس، وما أجمل ما خاطب الله تعالى به موسى وهارون -عليهما السلام- حين أمرهما بالرفق في الحوار بفرعون رغم إدعائه الربوبية، فقال تعالى: {فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه:44]
    لكن كيف يكون الموقف لو أنك أحسست من ثنايا الحوار أن محاورك مبغضا لك، ناقما عليك، لا يتقبل منك أي كلمة، ويعاندك لمجرد المعاندة .. فبعض الناس مثلا لا يطيق الملتحين أو المنتقبات ويرى فيهم مثلا للتطرف والجمود والإرهاب، وقد تجد مثل هذا الكره أيضا بين أرباب الصنعة أو المهنة الواحدة، تحت تأثير الحقد أو الحسد، وقد يكون البغض من مكونات الجبلة الشخصية، فمن النساء من تكره من هي أجمل منها، ومن الرفاق من يبغض من هو أكثر منه تميزا .. وهكذا.

    وحالات المثالية وضدها يطول سردها، لكن القصد هو كيف يكون التصرف لو وصلت مع محاورك لطريق مسدود، ووجدت أن كل المثاليات والمهارات والذوقيات الحوارية لا طائل منها، وأنك تحاول عبثا أن تستنبتها في غير منبتها .. هنا يتوجب عليك أن تسترشد بالآية الكريمة: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]
    قدم المدينة عيينة بن حصن ونزل على ابن أخيه الحر بن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر -رضي الله عنه-، وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولاً كانوا أو شباناً، فقال عيينة: يا ابن أخي، هل لك وجهٌ عند الأمير، فاستأذن لي عليه. قال سأستأذن لك عليه. قال ابن عباس: فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر، فلما دخل قال: هي يا ابن الخطاب .. فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم بيننا بالعدل. فغضب عمر حتى هم أن يوقع به. فقال الحر: يا أمير المؤمنين، إن الله عز وجل قال لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} وإن هذا من الجاهلين، فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب الله [البخاري:4276]

    إن الإعراض عن الجاهلين أدب جم، وخلق راق، وسلوك يسد باب العداوة ويحسم الخصومة، ويدحض نزغات الشيطان.
    {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} أي الذين من شأنهم أن تدعوهم لا يسمعوا، وينظرون إليك وهم لا يبصرون، فتكون مرتّبة على العلة الموجبة لذلك وهي الجهل.[البحر المحيط:6/28] والأمر بالإعراض عن الجاهلين حضّ على التخلق بالحلم، والتنزه عن منازعة السفهاء، وعلى الإغضاء عما يسوء. كقول من قال: إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله، وقول الآخر: أن كان ابن عمتك، وكالذي جذب رداءه -صلى الله عليه وسلم- حتى جزّ في عنقه، وقال: أعطني من مال الله [البحر المحيط:6/29]
    {وأعرض عن الجاهلين} من الجهالة ضد الرشد، والجهالة ضد العلم .. وهما قريب من قريب .. والإعراض يكون بالترك والإهمال؛ والتهوين من شأن ما يجهلون به من التصرفات والأقوال؛ والمرور بها مر الكرام؛ وعدم الدخول معهم في جدال لا ينتهي إلى شيء إلا الشد والجذب، وإضاعة الوقت والجهد .. وقد ينتهي السكوت عنهم، والإعراض عن جهالتهم إلى تذليل نفوسهم وترويضها، بدلاً من الفحش في الرد واللجاج في العناد. فإن لم يؤد إلى هذه النتيجة فيهم، فإنه يعزلهم عن الآخرين الذين في قلوبهم خير. إذ يرون صاحب الدعوة محتملاً معرضاً عن اللغو، ويرون هؤلاء الجاهلين يحمقون ويجهلون فيسقطون من عيونهم ويُعزلون! وما أجدر صاحب الدعوة أن يتبع هذا التوجيه الرباني العليم بدخائل النفوس. [في ظلال القرآن:3/346]
    وقد جمعت هذه الآية مكارم الأخلاق، لأن فضائل الأخلاق لا تعدو أن تكون عفوا عن اعتداء فتدخل في {خُذِ الْعَفْوَ}، أو إغضاء عما لا يلائم فتدخل في {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}، أو فعل خير واتساما بفضيلة فتدخل في {وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ} أي بالمعروف [التحرير والتنوير:8/401 بتصرف]
    يقول الشيخ الشعراوي: والعرف هو السلوك الذي تعرف العقول صوابه، وتطمئن إليه النفوس، ويوافق شرع الله، ونسميه العرف؛ لأن الكل يتعارف عليه، ولا أحد يستحيي منه، لذلك نسمع في شتى المجتمعات عن بعض ألوان السلوك: هذا ما جرى به العرف. وما يجري به العرف عند المجتمعات المؤمنة يعتبر مصدراً من مصادر الأحكام الشرعية.

    وخير مثال على ذلك: أننا نجد الشاب لا يخجل من أن يطرق باب أسرة ليطلب يد ابنتها، لأن هذا أمر متعارف عليه ولا حياء منه، بينما نجد المجتمع المسلم يستحي أن يوجد بين أفراده إنسان يزني، والغاية من الزنا الاستمتاع، والغاية من طلب يد الفتاة هو الاستمتاع، لكْن هناك فارق كبير بين متعة يحرمها الله عز وجل، ومتعة يٌحلّها الله تعالى.
    وفي نهاية الآية يقول الله تعالى: {وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين} وكيف يكون الإعراض عن الجاهلين؟. يخطئ من يظن أن الجاهل هو الذي لا يعلم، لأن من لا يعلم هو الأمي، أما الجاهل فهو من يعلم قضية تخالف الواقع. ونلحظ أن المشكلات لا تأتي من الأميين الذي لا يعلمون، فالأمي من هؤلاء يصدق أي قضية تحدثه عنها وتكون مقبولة بالفطرة؛ لأنه لا يملك بديلاً لها، أما الجاهل فهو من يعلم قضية مخالفة للواقع، ويحتاج إلى تغيير علمه بتلك القضية، والخطوة الثانية أن تقنعه بالقضية الصحيحة.
    والحق هنا يوضح: أعرضْ عن الجاهل الذي يعتقد قضية مخالفة للواقع ويتعصب لها، وأنت حين تعرض عن الجاهل، يجب ألا تماريه، أي لا تجادله؛ لأن الجدل معه لن يؤدي إلى نتيجة مفيدة؛ لذلك أقول لكل من يواجه قضية التدين ولم يقرأ عن الدين كتاباً واحداً، وقرأ في كتب الانحراف عن الدين المئات، أقول له: كما قرأت فيما يناهض الدين مئات الكتب، فمن الحكمة يجب عليك أن تكون عادلاً ومنصفاً فتقرأ في مجال التدين بعض الكتب الخاصة به مثلما قرأت في غيرها.

    وإن أردت أن تبحث قضية الدين بحثاً منطقياً يصحح لك عقيدتك، فعليك أن تخْرِج كل الاقتناعات المسبقة من قلبك ووجدانك. وتدرس الأمرين بعيداً عن قلبك، ثم أدخل إلى قلبك الأمر الذي ترتاح إليه، لكن لا تحتفظ في قلبك بقضية وتناهض منطوقها بظاهر لسانك. والحق سبحانه وتعالى يقول: {مَّا جَعَلَ الله لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب:4].
    فأنت لك قلب واحد، إما أن يمتلئ بالإيمان واليقين وإما بغير ذلك. والقلب حيز واحد فلا تشغله أنت بباطل، حين تبحث قضية الحق، بل أخرج الباطل من قلبك أولاً، واجعل الباطل والحق خارجه، وابحث بعقلك، والذي ييسرُ إليك أن تدخله إلى قلبك فأدخله.
    إسلام ويب...








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de