لا تكتئب....

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-11-2024, 11:46 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-29-2019, 07:04 PM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
لا تكتئب....

    07:04 PM September, 29 2019

    سودانيز اون لاين
    سيف اليزل برعي البدوي-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    ما زلنا نتأمل أسماء ربنا وصفاته لنحبه حبًا لا يتزعزع، تعالوا اليوم نتأمل مغفرة الله، وعفو الله، وتوبة الله على عباده.

    أحيانًا نمر بظروف صعبة فنتذكر قول الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، نفتش في أعمالنا فنرى أننا أخطأنا في حق الله كثيرًا، نندم حينئذ، وهذا الندم أمر مطلوب حتى يدفعنا إلى التوبة الجادة، هذا الندم ينبغي أن يكون إحساساً مؤقتاً يدفعنا فوراً إلى إصلاح أخطائنا بإيجابية وحسن ظن بالله، أنه سيعيننا ويقبل منا توبتنا، ويعطينا فرصة أخرى لتصويب أوضاعنا.

    لكن أحيانًا تسير الأمور مع الواحد منا بطريقة مختلفة، فبدلاً من هذه الإيجابية وحسن الظن بالله يتجمد عند مرحلة الندم، واجترار الذكريات وجلد الذات ومقت النفس، فتفسد نفسه وتتكدر، ويبدأ يشعر بأن هذا البلاء عقوبة محضة لا رحمة فيها, قاصمة الظهر التي ليس بعدها قائمة! لأن الله تعالى بعدما أعطاه فرصاً في الماضي فلم يستغلها قد مقته وسخط عليه ولن يعطيه فرصة أخرى!

    ثم يتسرب إليه الشعور بالجفوة بينه وبين ربه سبحانه وتعالى! يحس بأن الباب قد أغلق والدعاء قد رُدَّ والشقاوة قد ضربت عليه ما امتدت به الحياة!

    أخي، أختي احذر! هذه مكيدة من الشيطان، بل هي من أخطر مكايده! فهو يجعلك تتوهم في البداية أن لوم نفسك بهذا الشكل مطلوب لأنه اعتراف بالذنب لكن الشيطان أوقفك عند مرحلة اللوم والندم وجعلك تبالغ فيها ليقودك إلى توهم شيء خطير للغاية! تتوهم قسوة القدر ومن قدره سبحانه! وفي هذه اللحظة من سوء الظن ستحس بالضياع المخيف!

    أنت عندما يشتد بلاؤك تشكو بثك وحزنك إلى الله، عندما تنقطع بك السبل وتغلق دونك الأبواب، فإنك لا تجد ملجأ ولا منجى إلا إلى الله، فإذا قنَّطك الشيطان من رحمة الله وأوهمك أن بلاءك عقوبة محضة ومقت من الله، فإلى أين تفر؟ وإلى من تلتجيء؟ وإلى من تتضرع؟ ومن ترجو؟ ستحس بالضياع المخيف وهذا ما يريده الشيطان لك! طُرِد من رحمة الله فلا يحب أن يرى مرحومين أو طامعين في رحمة الله!

    أخي، أختي: لاحظ أن الشيطان لن يأتيك من باب التشكيك في مغفرة الله هكذا مباشرة، لن يقول لك: الله ليس غفورًا رحيمًا، هذه محاولة فاشلة بوضوح، لكنه سيأتيك من باب آخر! سيقول لك: الله غفور، لكنك لا تستحق مغفرته لأنه أعطاك فرصًا في الماضي ولم تستغلها، الله تواب، لكن أنت طبيعتك سيئة غير مؤهلة للإصلاح، الله عفو لكن أنت أفشل من أن تفعل ما تستحق به عفوه.

    ماذا يريد الشيطان من هذا؟ يريد أن يوقعك في الاكتئاب! الاكتئابِ الذي يشل إرادتك عن إصلاح وضعك والعودة إلى ربك ؟ هناك مصطلحات علمية توصف بها أعراض الاكتئاب المرضي، منها الشعور العميق بالحزن وشعور مبالغ فيه بالذنب (exaggerated sense of guilt)، وانعدامِ القيمة (worthlessness)، ونقصُ الدافعية (lack of motivation)

    الشيطان يجمدك عند مرحلة الإحساس بالذنب ويجعل التفكير بالذنب يسيطر عليك بطريقة وسواسية، ويُشعرك أنك عديم القيمة غير قابل للإصلاح، غير قابل لأن تكون من عباد الله الصالحين، ليشل إرادتك للطاعة ودافعيتك للتغيير وهجر المعصية، ولتفقد السعادة والفرح بربك ومولاك سبحانه وتعالى. لا يريد لك أن تحب ربك!

    إخواني: إن الولد الذي يعاقبه أبوه يحب أباه إذا علم أن هذه عقوبة دافعُها محبة أبيه له وحرصه على مصلحته, أما إن ظن أن أباه يعاقبه بدافع الكراهية فإن قلبه سيقسو تجاه أبيه، ولله المثل الأعلى لا تسمح للشعور بأن البلاء عقوبة محضة لاتسمح له أن يغزو قلبك، بل استحضر صورة الأب الذي يفرك أذن ولده المخطئ، فإذا طأطأ الولد رأسه ضمه أبوه إلى صدره وأغدق عليه من حنانه ولله المثل الأعلى.

    فاعتصم بحبل حسن الظن بالله التواب العفو الغفور، إنه تعالى أرحم من أن يتربص بذنوب عباده المؤمنين فيبطش بهم ويخرجهم من رحمته ويحرمهم فرصة أخرى في الحديث الذي رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: «أذنب عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال : أيْ رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك».

    طبعًا لا يوحي الله تعالى إلى عبد أن أذنب وسأغفر لك.
    فمعنى الحديث أنه قد سبق في مشيئة الله أن العبد مهما عمل إن كان في كل مرة يتوب بصدق ويعزم على عدم فعل المعصية، فإن الله تواب سيبقى يتوب عليه، غفور سيغفر له، عفو سيعفو عنه وهو يعلم سبحانه أن هذا العبد التائب سيذنب في المستقبل.

    أخي: لا تقنط من رحمة الله أن يعينك على التقرب إليه والتمتع بالحظوة عنده.
    إذا جاءك الشيطان فقال لك: أنت لا تستحق رحمة الله.
    فقل: نعم، أنا لا أستحقها لكنه تعالى سيرحمني لأنه أكرم من أن يعامل عباده بما يستحقونه!
    إن قال لك الشيطان: لن يعطيك الله فرصة أخرى فقد نجاك من قبل ولم تحفظ المعروف.
    فقل: بلا، سيعطيني وينجيني، فهو العفو الغفور.

    إذا قال لك الشيطان: إن الله يبتليك عقوبة لأنه يكرهك.
    فقل له: بل يبتليني ليطهرني ويربيني.
    إذا قال لك: أنت أحط من أن تستأهل رحمة الله.
    فقل له: رحمة الله أوسع من أن تضيق عني ولا تشملني.

    عبد الله الذي يتحدث إليكم الآن! تفكر أثناء أسره في ماضيه وأيقن أنه قصر في حق الله كثيرًا، كان الله سبحانه وتعالى قد أعطاه فرصًا وابتلاه ابتلاءات أخف ليصحو من سهوته، خاصة فيما يتعلق بترتيب الأولويات في حياته وأعمال القلوب، لكن هذا العبد الضعيف عاد إلى الأخطاء ذاتها، فجاء هذا البلاء الأشد، ندم وتألم وخاف من أن هذه العقوبة ستطول وتشتد ولربما تتجاوز استطاعته وتحمله، فزاد هذا من ألمه وندمه..

    ثم شاء الله تعالى أن يقرأ صاحبكم حديثًا عظيمًا قرأه من قبل، لكنه هذه المرة جاء حبل نجاة من الله وبلسمًا لجراحه! الحديث (رواه مسلم)، وفيه أن الله عز وجل يُشفِّع بعض خلقه في إخراج أناس من النار الخير فيهم قليل جدًا، ومع ذلك رحمة الله ستشمل من هم دونهم أيضًا، فيقول الله عز وجل: «شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين»، سبحان الله! يخرج ربنا سبحانه وتعالى أناسًا بعدما طهرهم بالنار ويدخلهم الجنة برحمته لا بأعمالهم.

    هز هذا الموضع من الحديث كياني وأيقظني، ونجاني من الاكتئاب الذي كان الشيطان يحاول إيقاعي فيه.
    قلت لنفسي: نعم أخطأت لكنْ أحسِب أن الله جعلني خيرًا من هؤلاء الذين أخرجهم، فإن كانت رحمة الله شملتهم فستشملني في الدنيا والآخرة، فانقذفت في قلبي دفعة كبيرة من محبة الله والاطمئنان إلى رحمته.

    إخواني وأخواتي: الله تعالى أرحم بكثير مما قد يهيئ لنا الشيطان في لحظات اليأس {‏‏قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].

    الخلاصة .. : لا تدع الشيطان يوقعك في الاكتئاب، بل حول ندمك إلى قوة إيجابية للتقرب من الله التواب العفو الغفور.
    إياد قنيبي – موقع الفرقان...
    -------------------------------------------------
    حين يكون الحديث عن خليل الرحمن ومن خلال القرآن، فإنه حديث يأخذ بالألباب، ومجلسٌ كهذا لا يُراد منه الإحاطة بحديث القرآن عنه، ولكن هي إشارة إلى آيةٍ واحدة فقط، جاءت ضمن تزكية الله له بقوله: {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات:84]، وهنا ينبغي لقارئ القرآن أن يطرح السؤال التالي: ما القلب السليم؟ الذي أثنى الله به على خليله إبراهيم؟
    وأقرب ما قيل في ذلك ما ذكره ابن القيم رحمه الله حين قال: "هو الذي قد سَلِم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تُعارِض خبره، فسَلِم من عبودية ما سواه، وسَلِم من تحكيم غير رسوله، فسَلِم في محبة الله مع تحكيمه لرسوله، في خوفه ورجائه، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والذُّل له، وإيثار مرضاته في كل حال، والتباعد من سخطه بكل طريق"(إغاثة اللهفان: ص: [7]).
    وإبراهيم عليه السلام الذي جعله الله إمامًا كان نقيّ السريرة، سليم القلب، شهد الله له بذلك: {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات:84]، ولا شك أن إبراهيم عليه السلام الذي رأينا بعض صفاته وأفعاله وبلاءه، لا شك أنه يحمل قلبًا سليمًا خَيِّرًا.

    لم ينقل عنه أنه دعا على أحد من أعدائه، برغم الأذى الذي ناله، بل المنقول دعاؤه لهم: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [إبراهيم من الآية:36]، أما دعاؤه للمؤمنين فما أكثره في القرآن والسنة، ودعاؤه لأهل مكة بالبركة مشهورٌ معروف، حتى إننا نرى أثره اليوم.
    ومما يظهر سلامة قلبه عليه السلام دعاؤه لأبيه حتى تبيّن له أنه عدوٌّ لله، فلمّا تبيّن أنه عدوٌّ لله تبرّأ منه.

    ومن تأمَّل سيرته وجد سلامة قلبه عليه السلام في حواراته ومناقشاته وبُعْده عن حَظِّ النَّفس، فقد كان يدرك عليه السلام ما لسلامة القلب من الأثر، بل كان ذلك همه؛ ولهذا لمّا دعا قال: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:78-98]، وكلنا نحتاج إلى ذلك يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم..

    فيا معاشر الدعاة والمربّين! ربُّوا الأجيال على طهارة القلوب وسلامتها من أدوائها، من الغِل والحسد والبغي حتى على الخصوم! وأقول: بعض المنتسبين إلى الدعوة والعلم -هداهم الله- يُربُّون أجيالًا على الحقد والبغض، يُلوِّثون قلوب الناشئة ببُغض علمائهم ودعاة الإسلام الذين بين أظهرهم، فليتهم يسيرون مع إخوانهم من المسلمين بسيرة إبراهيم مع أعدائه!
    لم يُؤْثَر عنه عليه السلام أنه دعا على أحدٍ من قومه، بل تجد منه الدُّعاء بالهداية، والرغبة في استقامتهم، تجد عِفّة اللسان، تجد الحكمة.

    فانظر إلى قلبك أخا الإسلام! فأنت وحدك دون الناس من يُبصِره! قد ينظر الناس إلى هيئتِك، إلى عملك، إلى تصرّفاتك، إلى سلوكك، لكنهم لا يرون ما انطوى عليه قلبك، فانظر أنت إلى قلبك وفتشه، هل فيه غِش؟ هل فيه حِقد؟ هل فيه مرض؟ قبل أن يجيء العرض على ربك الذي لا تخفى عليه خافية {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9] هناك {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:10].

    واعلم أن سلامة القلب غُنمٍ لك في العاجل والآجل، ولقد رأيتُ عددًا من الناس ممن عُرِفوا بمسامحة الناس وسلامة الصدر، رأيتهم يعيشون في راحة بالٍ وسعادةٍ وهناء.

    والمقصود فتش قلبك، وانظر حالك، وحذارِ حذارِ من أن تنطوي نفسك على الحِقد والغِل والحسد وأمراض القلب وأدوائها، فإنها قد تقضي على صاحبها في الدنيا، فما بالك في الآخرة؟ ولن ينجو في الآخرة إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، أسأل الله أن يجعلني وإيَّاكم منهم.

    -------------------------
    إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد:
    أخي الكريم: ما أحوجنا إلى وقفة متأملة.. مع حقيقة الموت.. تلك الحقيقة المرّة التي يرحل بها الإنسان من حياة إلى أخرى.. ومن دار إلى دار.
    تلك الحقيقة التي حيّرت العقول.. وحطّمت أماني الخلود.. وأجبرت الناس على اختلاف منازلهم أن يروا الحياة محطة عابرة.. لا خلود فيها ولا قرار.
    ففريق منهم أدرك سرّ الحياة.. فآمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً ورسولاً، وعلم من دينه أن الحياة رحلة ابتلاء، يعبرها المؤمن مسافراً إلى ربه، يرجو زاداً يبلغه إليه سالماً غانماً.
    وفريق منهم أدرك تفاهة الحياة، وقصرها، واندثارها، بَيْدَ أنه ضلّ الطريق، فاتخذها قراراً، ورضي بها منزلاً، ولم يعمل لزاد رحلته حسابا! فهو في تناقض واضطراب، وتضادٍّ وعذاب.
    أخي الكريم: فمن أي الفريقين أنت؟ وهل أعددت زاداً للرحيل؟
    أنت عابر سبيل
    فرسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيك أن تكون كذلك، ويقول: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " (رواه البخاري)، وابن عمر رضي الله عنهما الذي وجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
    هذه الوصية يقول: ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ) (رواه البخاري).
    أخي: وسواء عددت نفسك من العابرين لسبيل الحياة أم عددت نفسك من المخلّدين المقيمين.. فأنت في النهاية سترحل ! وفي سائر الحالات أنت عابرها ! فمُنى الخلود.. كالظل الزائل.. {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } (الأنبياء:34).
    هكذا خلق الله الحياة.. وهكذا أرادها.. {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبَقَى وَجْهُ رَبِكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ } (الرحمن:27،26).
    الكل وإن طالت الأعمار راحل، وبريق الدنيا مهما لمع زائل، وعمودها مهما استقام مائل.

    ألا أيها الناسي ليوم رحيله *** أراك عن الموت المفرق لاهيا
    ولا ترعوي بالظاعنين إلى البلى *** وقد تركوا الدنيا جميعاً كما هيا
    ولم يخرجوا إلا بقطن وخرقة *** وما عمروا من منزل ظل خاويا
    وهم في بطون الأرض صرعى جفاهم *** صديق وخلّ كان قبل موافيا
    وأنت غداً أو بعده في جوارهم *** وحيداً فريداً في المقابر ثاويا
    جفاك الذي قد كنت ترجو وداده *** ولم تر إنساناً بعهدك وافيا
    فكن مستعداً للحمام فإنه *** قريب ودع عنك المنى والأمانيا

    دخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته، فقال: يا أبا ذر، أين متاعكم؟ قال: ( إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا )، قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا، قال: ( إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه ).
    فتأمل أخي في هذا الفقه النبيه إذ قال أبو ذر: ( إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه !) فالمنزل الدنيا.. وصاحبها هو الله، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاع وَإنَّ الآخرةَ هِي دَارُ الْقَرَارِ } (غافر:39)، وهل يزين عاقل محطة عبور هو يدرك أنه عن قريب سيتركها؟!.
    ودخلوا على بعض الصالحين، فقلبوا بصرهم في بيته، فقالوا له: إنا نرى بيتك بيت رجل مرتحل، أمرتحل؟، فقال: لا، أطرد طرداً.
    وقال عمر بن عبد العزيز: ( إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ).
    وأحسن منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها " (رواه الترمذي وأحمد).

    أخي: أنت معنيّ بالرحيل على كل حال، أيامك تسوقك إليه، وخطواتك تقبل بك عليه، وأنت في الحياة مجبور على العبور، وخاضع لموت مقدور.
    موتك فاصل بين حياة وحياة.. وليس هو نهاية المطاف.. بل هو نقلة تسير بك إلى عالم جديد.. عالم البرزخ بما فيه من هول القبر وسؤاله.. وهول البعث وأحواله.. وطول الحساب وجلاله..
    {أَفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْنَاكُم عَبَثاً وَأنكُمْ إلَينْاَ لا تُرْجَعُونَ } (المؤمنون:115).
    لأجل فهم هذه الحقيقة أخي بعث الله النبيين والرسل، كلهم اتفقوا على بيان هذه الحقيقة لقولهم: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاع وَإنَّ الآخِرةَ هَيَ دَارُ الْقَرَارِ } (غافر:39).
    لا تغفل فإنك لم تخلق سدى، وإذا رأيت الناس قد سخّروا فِطنَتَهم للدنيا، فاستعمل فِطْنَتك في الآخرة.. تفكر في رحيلك.. واجعل همك كل همك في معادك.. تذكر أن الموت يأتي على غرة.. وأعدّ لفجأته حساباً !
    تفكر في لحظة احتضارك.. بم قد يختم لك.. وكيف يكون وقتها حالك !
    تأمل في الناس وقد تمايلت بحملك أكتافهم.. إذ حملوك.. فأقبروك ودفنوك وودعوك.. ولم يملك لك أحدهم نفعاً ولا ضراً.. كيف ستلاقي يومها ربك؟! كيف ستدخل عالم البرزخ وحدك؟! كيف تجيب؟! وهل ستسعد وقتها أم تخيب؟!
    اعرض أعمالك وانظر ماذا قدمت.. {بَلِ الإنسانُ عَلَى نَفْسِهِ بصيِرة } (القيامة:14).

    قال ابن الجوزي رحمه الله في نصيحته لابنه: ( ومن تفكر في الدنيا قبل أن يوجد رأى مدة طويلة، فإذا تفكر فيها بعد أن يخرج منها رأى مدة طويلة، وعلم أن اللبث في القبور طويل فإذا تفكر في يوم القيامة علم أنه خمسون ألف سنة، فإذا تفكر في اللبث في الجنة والنار علم أنه لا نهاية له، فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا فرضنا ستين سنة مثلاً فإنه يمضي منها ثلاثون سنة في النوم ونحو من خمس عشرة من الصبا، فإذا حسب الباقي كان أكثره الشهوات والمطاعم والمكاسب، فإذا خلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيراً، فبماذا تشتري الحياة الأبدية؟ وإنما الثمن هذه الساعات !! ) (لفتة الكبد لابن الجوزي:16).
    أجل أخي هي ساعات معدودات.. تحملك وتسوقك وتطوي بك مراحل الطريق.. وكلما انقضت ساعة انقضت مرحلة..

    نسير إلى الآجال في كل لحظة *** وأيامنا تطوى وهن مراحلُ
    ولم أر مثل الموت حقاً كأنه *** إذا ما تخطته الأماني باطلُ
    وما أقبح التفريط في زمن الصبا *** فكيف به والشيب للرأس شاملُ
    ترحل من الدنيا بزاد من التقى *** فعمرك أيام وهن قلائلُ
    وكتب بعض السلف إلى أخ له: ( يا أخي يُخيل لك أنك مقيم، بل أنت دائب السير، تُساق مع ذلك سوقاً حثيثاً، الموت موجه إليك، والدنيا تطوى من ورائك، وما مضى من عمرك، فليس بكار عليك حتى يكر عليك يوم التغابن ).
    زادك في هذا الرحيل
    أخي.. يا من أيقن قلبك بطول السفر، وعلمت أنك إلى الله عائد ومحتضر، لا تناقض بأعمالك يقينك، ولا تدع الغفلة تنخره وتضعفه، حتى تنسيك زادك ومعادك.
    فإن أقواماً أنستهم الغفلة زاد الرحل فقال الله لهم عند القدوم عليه: {لَقَدْ كُنتَ فيِ غَفْلَةٍ مّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَومَ حَدِيِد } (ق:22).
    قال الفضيل بن عياض لرجل: ( كم أتت عليك؟ ) قال: ستون سنة، قال: ( فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ )، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال الفضيل: ( أتعرف تفسيره !؟ تقول: أنا لله عبد وإليه راجع، فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسؤول، ومن علم أنه مسؤول، فليٌعِدّ للسؤال جواباً ). فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: ( يسيرة ). قال: ما هي؟
    قال: ( تحسن فيما بقي يُغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخذت بما مضى وبما بقي ).
    وأنت أخي أيضاً عبد لله.. وعائد إليه.. {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِح إلى رَبِكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ } (الانشقاق:6).. أحسن فيما بقي يغفر الله لك ما مضى.. ربك حليم غفور.. تواب كريم.. يحب التائبين.. ويبدل سيئاتهم حسنات.. ويعفو عن الخطايا والزلات..
    فبادر أخي.. بتوبة صادقة مع الله.. أظهر له فيها عزمك على طاعته.. وندمك إلى معصيته.. وحبك لدينه.. واسأله برحمته فإنه لا أحد أرحم منه.. وبإحسانه ونعمه.. وبين له ضعف حيلتك.. وشدة افتقارك إليه.. واعلم مهما كانت ذنوبك.. فهو يغفر الذنوب جميعاً.

    أسرع أخي بالتوبة.. فإنه زاد الرحيل الأول.. وبدونها لن تظفر بزاد. بادر قبل بغتة المنية.. وحلول الحسرة والعذاب !
    {قًل يَا عِباديَ الَّذينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رّحْمة الله إنَّ الله يَغْفرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأنيُبوا إلى رَبِكُمْ وَأسْلُموا لهُ مِن قَبْلِ أن يَأتَيِكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبعُوا أحْسَنَ مَا أُنزَلَ إِلَيَكُم مّن رَّبّكُم من قَبل أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأنتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أن تَقُولَ نَفْس يَا حَسْرتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ في جَنبِ الله وَإن كُنتُ لَمنَ السَّاخِرِينَ (56) أو تَقُولَ لَو أَنّ الله هَدَاني لَكُنتُ َمنَ المُتَّقِينَ (56) أوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَو أَنَّ ليِ كرّة فَأكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } (الزمر:53-57).
    أخي.. الإنابة الإنابة.. قبل غلق باب الإجابة.. الإفاقة الإفاقة فقد قرب وقت الفاقة. ما أحسن قلق التواب.. ما أحلى قدوم الغياب ! ما أجمل وقوفهم بالباب !
    أسأت ولم أحسن وجئتك تائباً *** وأنى لعبد من مواليه مهربُ
    يؤمل غفراناً فإن خاب ظنه *** فما أحد منه على الأرض أخيبُ
    أخي.. غدك قريب.. فانظر ما قدمت له.. {يَا أيُهَا الْذيِنَ آمَنُوا اتَّقُوا الله ولْتَنظُرْ نَفْس مَّا قَدَّمتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا الله إنَّ الله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ } (الحشر:18).
    قال ابن كثير رحمه الله: {ولتَنَظُر نَفْس مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }أي: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم.. واعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية ) (تفسير القرآن العظيم:4/365).
    قال إبراهيم التميمي رحمه الله: ( مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي أي نفس: أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً. قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي ).

    واعلم أخي أن خير زادك في الرحيل هو زاد التقوى.. {وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }، وهي: اسم جامع لكل ما يحبه ويرضاه من القيام بفرائضه، والتزام أوامره، واجتناب نواهيه، والمسارعة إلى محابه.
    فصحح أخي مسارك.. وابذل جهدك لمعرفة حقيقة أعمالك.. أين تصرف نظراتك؟ وأين تخطو خطواتك؟ وبم تتكلم لفظاتك؟ وما هي آمالك وخطراتك؟
    يا غافل القلب عن ذكر المنيات *** عما قليل ستثوى بين أموات
    فاذكر محلك من قبل الحلول به *** وتب إلى الله من لهو ولذات
    إن الحمام له وقت إلى أجل *** فاذكر مصائب أيام وساعات
    لا تطمئن إلى الدنيا وزينتها *** قد حان للموت يا ذا اللب أن يأت

    يقول ابن القيم رحمه الله: ( إن الغافل عن الاستعداد للقاء ربه والتزود لمعاده بمنزلة النائم بل أسوأ حالاً منه، فإن العاقل يعلم وعد الله ووعيده.. لكن يحجبه عن حقيقة الإدراك، ويقعده عن الاستدراك سنة القلب وهي غفلته التي رقد فيها فطال رقوده.. وانغمس في غمار الشهوات، واستولت عليه العادات.. ومخالطة أهل البطالات.. ورضي بالتشبه بأهل إضاعة الأوقات، فهو في رقاده مع النائمين.. فمتى انكشف عن قلبه سنة الغفلة بِزَجرَة من زواجر الحق في قلبه، استجاب فيها لواعظ الله في قلب عبده المؤمن.. ورأى سرعة انقضاء الدنيا.. فنهض في ذلك الضوء على ساق عزمه قائلاً: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فيِ جَنبِ اللهِ }، فاستقبل بقية عمره مستدركاً بها ما فات، مُحيياً بها ما أمات، مستقبلاً بها ما تقدم له من العثرات ) (الروح لابن القيم:223).

    فاجعل أخي التقوى زادك.. واحذر الغفلة فإنها تنسيك حقيقة سفرك.. وتغريك بزخرف الدنيا وتمنيك بالإقامة الزائفة..
    وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

    -------------------------------------
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
    فإن الله تعالى لم يخلق الخلق ولم يرسل الرسل ولم ينزل الكتب إلا من أجل تحقيق أسمى الغايات ألا وهي عبادته سبحانه وتحكيم شرعه ، ولا يمكن أن تصل العبادة إلى أعلى كمالها إلا بتعظيم المعبود ؛ فقد ذكر المناوي في تعريف العبادة أنها فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيماً لربه . وقيل أي العبادة هي تعظيم الله وامتثال أوامره. فمن هذا التعريف تتضح أهمية تعظيم الله ، وأنها العبادة التي خلقنا الله لتحقيقها .

    ولقد جاءت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة في بيان فضل تعظيم الله ؛ فمنها قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ( الفاتحة : 5 ) ، قال القرطبي رحمه الله : ثم الآية الرابعة جعلها الله بينه وبين عبده ؛ لأنها تضمنت تذلل العبد لربه وطلب الاستعانة منه ؛ وذلك يتضمن تعظيم الله تعالى.
    ومنها قوله تعالى في معرض ذكر صفات عباده المؤمنين : { وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراًّ وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } ( الرعد : 22 ) ، قال ابن جرير الطبري رحمه الله : ابتغاء وجه ربهم أي طلب تعظيم الله وتنزيهاً له أن يخالف في أمره أو يأتي أمراً كره إتيانه فيعصيه به.
    ومنها قوله تعالى في قصة نوح عليه السلام مع قومه : { مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } ( نوح : 13 ) ، قال أبو السعود : أي ما لكم لا تؤملون له تعالى توقيراً أي تعظيماً لمن عبده وأطاعه.
    ومنها قوله تعالى لما ذكر قصة أصحاب الجنة : { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ } ( القلم : 28 ) ، قال الثعالبي : قيل هي عبارة عن تعظيم الله والعمل بطاعته سبحانه.

    ومنها حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه حيث قال : أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعرابي ، فقال : يا رسول الله ! جُهدت الأنفس ، وضاعت العيال ، ونُهكت الأموال ، وهلكت الأنعام ، فاستسق الله لنا ؛ فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ويحك أتدري ما تقول ؟ » ، وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ، ثم قال : "ويحك إنه لا يُستشفع بالله على أحد من خلقه ، شأن الله أعظم من ذلك .. ".(رواه أبو داوود وضعفه الألباني)؛ فالأعرابي لما قال : ( فإنا نستشفع بالله عليك ) جعل الله في مقام الشافع عند رسوله ، وهذا تنقيص من قدره جل وعلا ؛ ولهذا سبَّح الرسول صلى الله عليه وسلم ونبَّه الأعرابي إلى هذا الخطأ الفادح لما قال :« ويحك ! أتدري ما الله ؟ إن شأن الله أعظم من ذلك » إلى آخر الحديث .
    ولكي نتصور أخي الكريم حقيقة التعظيم فإن علينا أن نتفكر في هذا المثال : انظر إلى حال رفقاء الملوك والأمراء والرؤساء إلا من رحم الله تجد أحدهم لا يستطيع أن يرد لهذا الملك أو لهذا الرئيس أمراً ولا أن يرتكب نهياً حتى وإن كان هذا الأمر والنهي يضره في بدنه أو ماله أو أهله ، وعندما نسأله عن سر هذه الطاعة العمياء نجد أن تعظيمه لهذا الرئيس هو السبب الحقيقي لهذه الطاعة .

    إذاً فالتعظيم يولِّد في النفس الخوف من المعظَّم . ولهذا ما فتئ علماء الأمة يجتهدون في تذكير الناس بمسألة تعظيم الله ؛ فها هو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يصنف كتاب التوحيد ، ويقرر فيه مسائل العقيدة ثم يختم كتابه بأبواب عديدة كلها تتعلق بتعظيم الله ، مثل : باب فيمن لم يقنع بالحلف بالله باب التسمي بقاضي القضاة باب احترام أسماء الله باب لا يرد من سأل بالله باب قوله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } ( الزمر : 67 ) . وهذا آخر باب ذكره الشيخ في كتابه القيم .
    لكن هل نحن معظمون لله أم لا ؟ للإجابة عن هذا التساؤل لا بد أن ننظر إلى حالنا عند الإقدام على فعل طاعة من الطاعات : هل نؤديها رغبة ورهبة ، خوفاً وطمعاً ؟ أم أن الطاعة أصبحت عادة من العادات نعملها كل يوم دون استشعار الهدف من أدائها ؟ وهل المرأة حين تلبس الحجاب الشرعي تلبسه لأنه شرعٌ من الله أم أنه تراث وتقاليد ؟ كذلك ننظر إلى حالنا عند فعل المعصية : هل نحس كأننا تحت جبل يكاد أن يسقط علينا أم كذبابة وقعت على أنف أحدنا فقال بها هكذا ؟ كذلك لننظر إلى حالنا أثناء أداء الصلاة والقيام لرب العالمين هل نستشعر عظمة من نقابله فنخشع في صلاتنا أم تشغلنا الأفكار والهواجس ؟ وهل إذا قابلنا ملكاً من ملوك الدنيا صنعنا عنده مثل ما نصنع في صلاتنا ؟ إذا أجبنا عن هذه التساؤلات بكل تجرد فسنعرف يقيناً هل نحن معظمون لله أم لا ؟أخي الكريم ! لنتأمل حال أولئك المعظمين لله تعالى عند قيامهم للصلاة ، فقد قال مجاهد رحمه الله : كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء ، أو أن يلتفت أو يقلب الحصى ، أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه من شأن الدنيا إلا ناسياً ما دام في صلاته ، وكان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع ، وكان يسجد فأتى المنجنيق فأخذ طائفة من ثوبه وهو في الصلاة لا يرفع رأسه ، وكان مسلمة بن بشار يصلي في المسجد فانهدم طائفة منه فقام الناس وهو في الصلاة لم يشعر . وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه ، فقيل له : ما لك ؟ فقال : جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها .

    وكان سعيد التنوخي إذا صلى لم تنقطع الدموع من خدَّيه على لحيته . وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا دخل في الصلاة ترتعد أعضاؤه ... وهذا غيض من فيض من أخبار وأحوال أولئك المعظمين لله ، اللهم كما رزقتهم تعظيمك فارزقنا إياه يا سميع الدعاء .

    بل إن من العجيب أن كفار قريش كان في قلوبهم شيءٌ من تعظيم الله ، وإليك بعض الشواهد على ذلك :

    1 - قصة عتبة بن ربيعة حينما قرأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فواتح سورة فصلت فلما بلغ قوله تعالى : {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } ( فصلت : 13 ) ، وضع يده على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشده الله والرحم ليسكتن.
    2 - قصة جبير بن مطعم أنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، فلما بلغ هذه الآية : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ } ( الطور : 35-37 ) كاد قلبي أن يطير .
    3 - كان الرسول صلى الله عليه وسلم عند الكعبة وحوله صناديد قريش فقرأ عليهم سورة النجم فلما وصل إلى السجدة في آخر السورة سجد فسجدوا معه.

    فهذه الشواهد تدل على أن كفار قريش رغم كفرهم وإشراكهم كان في قلوبهم شيء من تعظيم الله . قال شيخ الإسلام : « والمشركون ما كانوا ينكرون عبادة الله وتعظيمه ولكن كانوا يعبدون معه آلهةً أخرى ».
    أخي الكريم ! إن عدم تعظيم الله في القلوب سيُسأل عنه كل فرد منا ؛ فلا بد من المحاسبة والمراجعة وتقويم النفس والنظر في علاقتنا بربنا جل وعلا .

    ولعل من أعظم أسباب عدم تعظيم الله ما يلي :
    1 - الوقوع في المعاصي ، وهذه هي المعضلة ، وهي السبب في كل بلاء ومحنة وبعد عن الله تعالى . قال ابن القيم رحمه الله : « وكفى بالعاصي عقوبةً أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله وتعظيم حرماته ، ويهون عليه حقه ، ومن بعض عقوبة هذا أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق ويهون عليهم ويستخفُّون به كما هان عليه أمره واستخف به » ، وقال بشر بن الحارث : لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوا الله .
    2 - التساهل في أوامر الله ؛ فتجد كثيراً من الناس لا يؤدون العبادات على الوجه المطلوب ؛ فلو كانوا يعظمون الله حق التعظيم لعظموا أمره كذلك .
    3 - عدم تدبر القرآن حال قراءته ، وعدم الوقوف عند وعده ووعيده ، وأصبح همُّ القارئ آخر السورة فحسب دون اعتبار للهدف الذي أُنزل من أجله القرآن . قال تعالى { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } ( ص: (29 .
    4 - الغفلة عن ذكر الله فتجد أحدنا في المستشفيات أو في إحدى الدوائر الحكومية جالساً على كرسي الانتظار زمناً طويلاً وهو لا يذكر الله ولا يسبحه ولا يكبره ؛ حتى وإن سبح وكبر فهو لا يعي معنى هذا التسبيح وهذا التكبير ، وهذه مشكلة لا بد أن نعالجها في نفوسنا .
    5 - النظر فيما حرم الله تعالى ؛ فالنظر الحرام يولد في القلب القسوة والجفاء ، وهذا لا يتأتى مع التعظيم ؛ لأن التعظيم لا يكون إلا من قلب خاضع خاشع لين مقبل على الله بكليته .
    ولهذا فلا عجب أن يكون السلف الصالح رضوان الله عليهم من أشد الناس تعظيماً لله ؛ لأنهم أحرص الناس على طاعته وأبعدهم عن معصيته . قال القنوجي : وهم أي السلف الصالح أشد تعظيماً لله وتنزيهاً له عما لا يليق بحاله . وقال ابن منده في كتاب الإيمان : والعباد يتفاضلون في الإيمان على قدر تعظيم الله في القلوب والإجلال له ، والمراقبة لله في السر والعلانية .

    أخي الكريم ! وبعد هذا كله فحريٌ بنا أن نتطرق إلى الأمور المعينة على تعظيم الله وهي كثيرة ولله الحمد ؛ ولكن قبل أن نذكرها ننبه إلى نقطة مهمة وهي أن المسلم إذا أراد أن يكون ممن يعظم الله حق التعظيم ، فلا بد من وجود نية صادقة تدفعه دفعاً للوصول إلى هذه الغاية ، وأن يكون حرصه على تعظيم الله نابعاً من استشعاره لأهمية التعظيم ، وأن يريد بعمله وجه الله تعالى لا أن يمدحه الناس ويثنوا عليه .

    أما الأمور المعينة على تعظيم الله فنذكر منها :
    1 - تحقيق العبودية الكاملة لله تعالى ؛ فالعبد كلما تقرب إلى ربه بأنواع العبادات وأصناف القرُبات عظُم في قلبه أمر الله ؛ فتراه مسارعاً لفعل الطاعات مبتعداً عن المعاصي والسيئات . قال شيخ الإسلام : « وكلما ازداد العبد تحقيقاً للعبودية ازداد كماله وعلت درجته ».
    2 -التدبر الدقيق للقرآن الكريم وما فيه من حِكم وأحكام ، والنظر فيما فيه من الدروس والعبر ، وأن نتدبر في الآيات التي تتحدث عن خلق الله وبديع صنعه ، والآيات التي تتحدث عن عقوبته وشديد بطشه ، وآيات الوعد والوعيد ، فإن تدبر القرآن يؤثر في القلب ولا شك ، ويُذكي فيه عظمة الخالق والخوف منه . قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم صاحب حاشية الروض رحمه الله : بل قراءة آية بتدبر وتفهُّم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهُّم ، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة الإيمان ، وهكذا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف من بعده ، حتى إنه ليردد الآية إلى الصباح ، وهذا هو أصل صلاح القلب ، ومن مكائد الشيطان تنفير عباد الله من تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع في التدبر .

    3 - التفكر في خلق السماوات والأرض ؛ فإن الناظر فيها ليدهش من بديع صنعها وعظيم خلقها واتساعها ؛ ومع هذا فهو لا يرى فيها شقوقاً ولا فطوراً قال تعالى : { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } ( الملك : 3-4 ) .
    ولهذا أثنى الله على عباده الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض ؛ قال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } ( آل عمران: 190-191 ).

    ومن الأحاديث الدالة على عظمة السماوات ما رواه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ». فهذا الحديث يبين عظمة السماوات وعظمة الكرسي والعرش ؛ ونحن بني آدم لا نساوي شيئاً أمام هذه المخلوقات العظيمة ، ومع ذلك يقول الله تعالى في السماء والأرض : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } ( فصلت : 11 ) ، قال الشوكاني : أي أتينا أمرك منقادين ؛ فيا سبحان الله ! كيف بالإنسان هذا الضعيف الذليل يتكبر ويتبجح ويقارع جبار السماوات والأرض بالمعاصي والآثام ؟ ! نسأل الله السلامة والعافية .

    4 - النظر في حال من غبر ؛ فلقد عاش على هذه الأرض أقوام وشعوب أعطاهم الله بسطة في الجسم وقوة في البدن لم يعطها أمة من الأمم ولكنها كفرت بالله وكذبت بالرسل ؛ فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ودمرهم تدميراً ؛ فها هم قوم عاد الذين قالوا : من أشد منا قوة ؟ ! أهلكهم الله { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى القَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } ( الحاقة : 6-7 ) ، وها هم ثمود الذين كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين أهلكهم الله بالصيحة {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } ( هود : 67 ) ، فالله سبحانه لم يتكلف في عذاب هذه الأمم ولم يكن له سبحانه أن يتكلف ؛ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ؛ فما بالنا نحن الأضعف والأقل قوة وبطشاً لا نخشى أن يصيبنا مثل ما أصاب أولئك ؟.
    5 - الدعاء : وهو أنفع الأدوية وأقوى الأسباب متى ما حضر القلب وصدقت النية ؛ فإن الله لا يخيب من رجاه قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ }(البقرة :186) .
    فاللهم إنا نسألك تعظيمك والخوف منك ، وأن تمن علينا بتوبة صادقة تعيننا على طاعتك واجتناب معصيتك .
    والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    أديب بن محمد المحيذيف – مجلة البيان
    -------------------------------------








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de