بيان تجمع الكتاب والشعراء والفنانين والمبدعين السودانيين
شاهدنا أطفالاً في نعومةِ الثامنة، يموتون ويُجرحون، وآخرين في تفتُّح المراهقةِ، يُقتلون وتَتَجرَّحُ أعضاؤهم وتدمى عيون أُمَّهاتهم، وفي أشدِّ مشاهد البسالة التي سَتخلُدُ في ذاكرة هذا الشعب؛ شهدناهم يَصدحونَ إبداعاً ويُغرِّدون لمستقبلٍ لن يجدوا مثله شبيهاً في أيّ مكان.
الهجرة للعالم الأول الخائن الجميل أصبحت مستحيلة، إذ تُقلبُ الزوارق في البحر المتوسّط، ويُقتنصُ البشر في الحدود، ولا مال يستطيع شراء جواز سفر، ولا شهادة مُعتَرف بها مع انهيار تعليمنا تحت ستار (ثورة التعليم).
الرجاء يُشْرِقُ الآن مع استيقاظ فوائت الحرية والعيش الكريم، في وجدان أهلنا وجيرتنا وأصدقائنا، التي أشرقت في إعلانات أساتذة جامعة الخرطوم، وما جاورها من حياةٍ التهمتها الأزقَّة، وهُشِّمت أجسادها في التَّدافع المُستمرِّ لإنجاز أكبر ثورةٍ اندلعت في إقليمنا، من قارَّةٍ تُدعى السودان، ذات النيلين.
السودان، كما آمنَّا به، يُمكنه أن يكون الحاضن لثورة العالم كُلِّه ضدَّ طغيان التكتُّلات الدولية، ومفاجأة غير مُفرحة البتَّة، لكُلِّ دول الاستعمار العالمي، التي ترسم وجهها بأنها مَلِكةُ حقوق الإنسان وسيِّدته، في حين تنظر للبشير، وقوَّاته، كحارسٍ لبواباتها على جثثنا وضد الحق في الحياة لجميع البشر.
مصيرنا في يدنا، كشعوبٍ كثيرةٍ ومُتعدِّدة. إن البحث عن مصيرنا كقادةٍ لشعوب العالم "الثالث" يتجاوز حدودنا كمرابطين ومُحبِّين للنيل ومياهه. إننا أبناءُ كُلِّ ما لم يتخيَّله العالم، وثورتنا اليوم هي مُفاجأة لا تسر قوى العالم المُتكبّرة، بها ندعم إخوتنا في الجوار؛ إثيوبيا وإريتريا وكينيا وتشاد وأفريقيا الوسطى ويوغندا، والأهم، الأهم: جنوب السودان.
وهكذا، تجمَّع صَفُّنا خلف (تجمع المهنيين السودانيين)، كتَّاباً وشعراء ومبدعين وفنانين، وكلُّ من يملكُ خيالاً طغى على روحه، وجِذْرُهُ في تُربة هذه الأرض العظيمة المُتفرِّدة، يمشي خلفهم ومعهم، إلى جهةِ الثورة والتغيير.
إلى النهر، إلى اليابسة، إلى المياه التي يبحثُ العالم كلّه خلفها، وسيتحارب لأجلها، علينا أن نُدرك أن صلاح بلادنا هو صلاحٌ للعالم.
إننا لسنا مُجرَّد دولة، إننا أنهار، وعلى الأنهار أن تثور، وإن ثارت فإنها ستثور ضدَّ كُلِّ ظُلم العالم.
إن نظام الإنقاذ، البشير، والكيزان، ما هو إلا بداية. نحن نثور لأجل المياه التي تمرّ عبرنا لكل القارة الأفريقيّة التي نحلم أن تتوحَّد. هذا النظام زالَ وانمحق في قلوب السودانيين، الذين يعيشون تحت ركامه. ألم نُدرك قيادتنا، إلى الآن، لشعوب الشرق والغرب والشمال والجنوب من هذه القارة الشاسعة ذات النيلين اللذين نمرُّ عبرهما كل يومٍ، كل يوم؟
ثورتنا لتوحيد عالمنا المَسحوق، ويجب أن ترتفع مطالبنا لأكبر مما نطلبه كشعب لنا فقط.
كل مؤسسات العالم التي تتجمل زوراً بالديموقراطيّة والدفاع عن حقوق الإنسان، ساندت هذا النظام، واعتبرته مُتقدِّماً في محاربة الإرهاب، بينما هوَ الإرهاب عينه.
ندرك كمبدعين ومثقفين وكتاب وشعراء وفنانين، انهيارَ العالم الذي ساندَ هذه "الحكومة" التي يجب أن #تسقط_بس، وأن ندعو كُلَّ الشعب ليقود جميع الشعوب للخلاص من هيمنة لصوص العالم الذين لم يُوجد لهم مثيل في تعرية أجسادهم الساعية، بكلّ استماتةٍ، لعقد أيِّ صفقةٍ مع أيٍّ كان، لأجل ضمان سلامتهم.
علينا أن نُدركَ أننا شعبٌ في مواجهة السلاح، في مواجهة آلات الإعلام المُستقطبة إلى اتجاهات شتى وتحالفات السمسرة العالمية؛ ولا أحد يقفُ معنا، نحن الأطفال الذين يقتلون كلَّ يوم، الشباب الذين يقفون أمام آلة الموت، البنات اللائي يُزغردن الشوارع ويضفرنها بالعنفوان، واشتمام الدخان الغازي، وإلقام طوب الشباب قوات الأمن الملثَّمة، دون لوحاتٍ في سياراتها، والمنسحبةِ، خوفاً، والغةً في دماء شهدائنا.
إن لم يكن الآن فمتى؟ إن لم يكن الآن فعلينا السلام.
فبراير-2019
02-18-2019, 11:54 AM
الطيب بشير
الطيب بشير
تاريخ التسجيل: 12-06-2003
مجموع المشاركات: 5762
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة