إن ما غسل بدمائه لا تروح ذكراه .. بل ستظل عالقة برائحة اللون الاحمر المسفوح.. لذلك قال الرجل في الكتاب (عندما أقرأ عن جرائم القتل المريعة المرعبة .. اشعر بغريزتي ، مثل كثير من المواطنين ، بانه يجب اعدام هؤلاء القتلة ..) ، فقلت له وانا القارئ لكلامه (هذا عن قتل الإنسان بجسده كاملا ، فهذا لن يكون الا مرة واحدة وينقضي الامر ، ثم ينقضي ورائه امر القاتل بعقوبة الاعدام .. فماذا عن قاتل النفسية تعذيبا وقهرا وهي حية غضة ، حيث لا ينقضي الامر ربما لآلاف المرات ، ولن تكفي للقصاص عقوبة اعدام واحدة ..) .. واني لسائلكم يا من تقرؤون سطوري الغاضبة .. لماذا قرن الله تعالى الرحمة مع العلم في وصف (العبد الصالح) وقدم عطاء الرحمة اولا ثم بعدها بدأ التعليم ، فقال تعالى (اتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما) فكانت الرحمة من عند ذات المعلم وليس من عند غيره .. فأي رسالة اراد الله العظيم لنا ان نعيها بأنه لا تعليم من لدن المعلم اذا لم يكن برحمة منه على تلميذه قبل البدء بالتعليم وبعد البدء وحتى النهاية ، فمالنا لا نرحم من نحن قادرون على عذابه لأنه طفل امامنا كما الله يرحمنا وهو قادر على عذابنا برغم اننا نطغى .. في مدارسنا القديمة ، كان عندما يدق الجرس معلنا بدء حصة الدين .. كنا نرى الطلاب المسيحيين يهرعون إلى قساوستهم الطليان حيث يقصون عليهم السير والقصص المحملة بالقيم من التوراة والانجيل ، وملئ افواههم ابتسامة رضىً ، فغير القصص الواردة في كتاب الدرس كانت هناك الرسومات التي تحكيها على الجدران وشيء من الالعاب يتعلم بها الصغار واحيانا عرض سينما لقصة دينية ما .. وكنا نحن المسلمين نهرع ايضا الى حصة التربية الاسلامية ، ولكن ليس شوقا للدرس بل خوفا ورعبا من سوط المعلم الجلاد ، ونحن الذين شبعنا حتى التضلع من طعم السياط على اجسادنا في كل المواد الدراسية طوال اليوم والاعوام ، فبينما كان اخواننا المسيحيين يرتاحون ساعة بحصة دينهم كنا نحن نزداد شقاء مع معلمنا في حصة ديننا .. كنا صغارا نحتاج الى المحبة والرحمة ، وكنا فتيانا نحتاج الى الوعي والفهم ، فأنى لنا ذلك والمعلم يعلق لنا الدين على اسنة السياط فلا نفهم شيئا الا ان نحفظ الكلمات والجمل كما الحمار يحمل اسفارا فلا ندرك لها معنىً ولا مغذى .. لقد كان مسمى المادة فيما مضى (التربية الاسلامية) وهكذا كان مقصد خبراء مؤسسة (بخت الرضا) التربوية العريقة ، ان يكون الدين ليس كمادة تلقين بل مادة تربية بمعناها الحقيقي وهو توازن التعليم والتوجيه بما يفيد النمو العقلي والنمو الوجداني والنمو البدني .. وما كان يحتاج اليه الصغار من اجل التربية السوية ان يجيء التعليم ملازما للإحسان والكلمة الطيبة اصلها ثابت وفرعها في السماء يتغذى بها الخيال ويترقق الوجدان ويتقوى العقل في مواجهة كبد هذه الحياة المنتظر عندما يكبر الصغير .. ان غرس علوم الطبيعة والروح بدماء تسيلها العصي وجلود تلهبها السياط لهو نقش على الحجر بحق لا يمحى ولا يزول ، ولكنه نقش بكراهية والم وخوف فأنى له ان يثمر .. وان غرس ذات العلوم بصوت دافئ وكلمات طيبات تسر النفس وتشرح الصدر لهو ايضا نقش على الحجر لا يمحى وانما سيسعى الانسان الى تذكره قاصدا لان ذكراه محببة ، وحينها يكون الثمر يانعا .. ان التعذيب والقهر ينقش التعاليم على الحجر بخط دامي معوج ، والرفق ينقش ذات التعاليم على ذات الحجر ولكن بخط دافئ جميل .. هذا عن حال المدارس ، وفي خلاوي تعليم القران للأطفال مأساة اخرى حيث تضج جدران (المسيد) وميدان (تقابة النار) بالعذاب والتنكيل والقسوة تحفيظ القران لهم قسرا .. ذلك القران الكريم هو كتاب الرحمة ، فأي ذنب عظيم يرتكبه من زعموا انهم مشايخ الدين ومعلمي التربية الاسلامية بما يخالفون به تماما تعاليم الكتاب الكريم في الاخذ بالرحمة والرفق الذي حدث عنه الرسول بانه ما وجد في شيء الا زانه وما نزع من شيء الا شانه .. فالمشكلة اذن لا تكمن في تعاليم الدين وانما تكمن في طريقة تعليم الدين فالوسيلة لابد تكون على جنس القصد .. ثم تكون الطامة الكبرى عندما يرتبط هذا الاسلوب الجاف في التغذية الدينية برسم مقاصد خاطئة للآيات القرآنية تحت مسمى الاعجاز العلمي ، فليس مقصد القران اعطائنا علوما كونية جاهزة ، ولكن الله ارشد فيه الانسان بالبحث العلمي وان يسير بنفسه في الارض لينظر كيف بدأ الخلق وان يتفكر بما وهبه من عقل وادراك في خلق السماوات والارض ، ولو كانت حقائق العلوم بذكرها في القران اعجازا لأعجز البشر عن نيله ببحث وتنقيب .. فالمقصد في القران ليس هو (ما هي العلوم) وانما المقصد فيه هو (ماذا نفعل بالعلوم) فيرشدنا بهذا نحو ادارتنا السليمة للحياة بقيم وفضائل عليا تحقق دور الانسان في الكون والعمران البشري .. ان الله تعالى قد خاطب رسوله وهو خير البشر ان لو كان فظا غليظ القلب لانفض الناس من حوله فما تبلغ الرسالة اليهم من بعد ذاك ، فما بالنا ونحن اﻷدنى والاقل شأنا ننقش الدين على احجار ابنائنا بغلظة فيقترن في انفسهم بها حتى يكبروا ولربما اعادوا نفس الجرم مع ابنائهم ، ثم نعود ونستغرب ما يفعلون ونحن من نقشناه فيهم ان يجنح الكثيرون منهم نحو التطرف حد الارهاب وسفك الدماء المحرمة أو يجنح الكثيرين نحو التطرف حد الالحاد والكفران بالدين .. اما آن لنا اذن ان نثور على انفسنا لحق التربية الدينية التي رزحت طويلا تحت ظلم من اقاموا انفسهم عليها بغير حق الله وحقها وحق الناس اجمعين .
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
وائل الكردي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست