التسبيح....

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 07:38 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-18-2020, 01:05 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التسبيح....

    00:05 AM January, 17 2020

    سودانيز اون لاين
    سيف اليزل برعي البدوي-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    مما لا شك فيه أن ذكر الله تعالى من أنفع الأدوية للقلوب، ويأتي في مقدمة الأذكار تسبيح الله تعالى، ونقصد بذلك أن يقول الذاكر: سبحان الله.
    إننا حين نقول: سبحان الله فإننا ننزه الله تعالى عن كل نقص ونصفه بجميع صفات الكمال والجمال، وإننا بذلك نشارك هذا الكون التسبيح لله عز وجل: { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا}(الإسراء:44).
    قال ابن كثير رحمه الله تعالى: (يقول تعالى: تُقدسه السموات السبع والأرض ومن فيهن أي من المخلوقات وتنزهه وتعظمه وتجله وتكبره عما يقول هؤلاء المشركون وتشهد له بالوحدانية في ربوبيته وإلهيته، ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد).وقال: (وقوله:{وإن من شيء إلا يسبح بحمده} أي وما من شيء من المخلوقات إلا يسبح بحمد الله {ولكن لا تفقهون تسبيحهم} أي: لا تفقهون تسبيحهم أيها الناس لأنها بخلاف لغتكم وهذا عام في الحيوانات والنبات والجماد).انتهى كلامه.

    فالرعد والملائكة تسبح: { وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ }(الرعد/13). { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ }(غافر:7).{وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ }(الزمر/75).

    والجبال والطيور تسبح: { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ } (الأنبياء/79). وقال تعالى: { وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ..}(سبأ:10).{ إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ }(ص/18).

    وأهل الجنة يسبحون الله ، ففي صحيح البخاري رحمه الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ علَى صُورَةِ القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لا يَبْصُقُونَ فِيهَا، ولَا يَمْتَخِطُونَ، ولَا يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ والفِضَّةِ، ومَجَامِرُهُمُ الألُوَّةُ، ورَشْحُهُمُ المِسْكُ، ولِكُلِّ واحِدٍ منهمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِما مِن ورَاءِ اللَّحْمِ مِنَ الحُسْنِ، لا اخْتِلَافَ بيْنَهُمْ ولَا تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ واحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وعَشِيًّا ".
    وعند مسلم أنه صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فيها ويَشْرَبُونَ، ولا يَتْفُلُونَ ولا يَبُولونَ ولا يَتَغَوَّطُونَ ولا يَمْتَخِطُونَ قالوا: فَما بالُ الطَّعامِ؟ قالَ: جُشاءٌ ورَشْحٌ كَرَشْحِ المِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ والتَّحْمِيدَ، كما تُلْهَمُونَ النَّفَسَ ".

    من فضائل التسبيح وفوائده:
    للتسبيح فضائل عديدة ومنافع كثيرة في الدنيا والآخرة، ومن هذه الفضائل أنه:
    من أفضل الكلام وأحبه إلى الله تعالى:
    عن أبي سعيد وأبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " أفضل الكلام أربع: سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر".
    وثبت عند مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبرك بأحب الكلام إلى الله؟" قلت: يا رسول الله أخبرني بأحب الكلام إلى الله، فقال: "إن أحب الكلام إلى الله: سبحان الله وبحمده". وسُئل عليّ رضي الله عنه عن: "سبحان الله" ، فقال: (كلمة رضيها الله لنفسه فأوصى بها).
    أجر التسبيح والتحميد يملأ ما بين السماء والأرض:
    فعند مسلم عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ، والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأُ المِيزانَ، وسُبْحانَ اللهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَآنِ -أَوْ تَمْلأُ- ما بيْنَ السَّمَواتِ والأرْضِ...". أي: إنّ أجر ذكرهما يملأُ ما بين السّموات والأرض ؛ لاشتمالهما على تنزيه الله تعالى في قوله: "سُبحان الله "، والتّفويض والافتقار إلى الله في قوله: "الحمدُ لله ".
    وقال صلى الله عليه وسلم: "أيعجز أحدكم أن يكسب كل يوم ألف حسنة؟ فسأله سائل من جلسائه كيف يكسب أحدنا ألف حسنة؟ قال: يسبح مائة تسبيحة فيكتب له ألف حسنة أو يحط عنه ألف خطيئة".
    التسبيح ثقيل في ميزان العبد:
    "كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ، سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ".
    كما أنه من أفضل ما يلقى العبد به ربه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يصبح وحين يمسي سبحان الله وبحمده مائة مرة لم يأت أحد يوم القيامة بأفضل مما جاء به إلا أحد قال مثل ما قال أو زاد عليه".

    التسبيح غراس الجنة:
    عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة".
    التسبيح يحط الخطايا وإن كثرت:
    فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر".
    حتى في مجالسنا قد نلغو قد نغفل ، وقد شرع لنا نبينا صلى الله عليه وسلم كفارة المجلس فقال: " مَن جلسَ في مجلِسٍ فَكَثرَ فيهِ لغطُهُ ، فقالَ قبلَ أن يقومَ من مجلسِهِ ذلِكَ : سُبحانَكَ اللَّهمَّ وبحمدِكَ ، أشهدُ أن لا إلَهَ إلَّا أنتَ أستغفرُكَ وأتوبُ إليكَ ، إلَّا غُفِرَ لَهُ ما كانَ في مجلِسِهِ ذلِكَ ".
    التسبيح وإجابة الدعاء:
    هناك علاقة وثيقة بين التسبيح وإجابة الدعاء، فإن نبي الله يونس عليه السلام لما التقمه الحوت سبح ربه فأجابه الله وأمر الحوت فقذفه في الساحل، قال الله تعالى: { وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَىٰ فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ . فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}(الأنبياء 87-88).
    وقد ثبت علن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " دعوةُ ذي النُّونِ إذ دعاه وهو في بطنِ الحوتِ لا إلهَ إلَّا أنت سبحانَك إنِّي كنتُ من الظَّالمين فإنَّه لم يدْعُ بها رجلٌ مسلمٌ في شيءٍ قطُّ إلَّا استجاب اللهُ له ".

    الذكر والتسبيح في مواجهة أعباء الحياة:
    إن ذكر الله وتسبيحه سبحانه وتعالى له أثر عظيم في تخفيف أعباء الحياة ومتاعبها، واستجلاب معونة الله تعالى للعبد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنَّ فَاطِمَةَ رضي الله عنها، شَكَتْ ما تَلْقَى مِن أثَرِ الرَّحَا، فأتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فأخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَيْنَا وقدْ أخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لأقُومَ، فَقَالَ: "علَى مَكَانِكُمَا". فَقَعَدَ بيْنَنَا حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى صَدْرِي، وقَالَ: "ألَا أُعَلِّمُكُما خَيْرًا ممَّا سَأَلْتُمَانِي؟ إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما تُكَبِّرَا أرْبَعًا وثَلَاثِينَ، وتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وتَحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ فَهو خَيْرٌ لَكُما مِن خَادِمٍ".
    ويستفاد من الحديث: أنَّ مَن واظَب على هذا الذِّكرِ عند النَّومِ، لم يُصِبْه إعياءٌ؛ لأنَّ فاطمةَ رضِي اللهُ عنها شَكَتِ التَّعَبَ من العَملِ، فأحالَها صلَّى الله عليه وسلَّم- على ذلك.

    أيها الأحبة: هذه بعض فضائل التسبيح فحري بنا ألا نبخل على أنفسنا بها، وأن نحرص كل الحرص على الإكثار من تسبيح ربنا وذكره استجابة لأمر الله تعالى القائل:{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا }(الأحزاب:41-42).
    ----------------------------------------

    إن من مبادىْ الإسلام الاجتماعية الأولى تشبيك جماعات المسلمين في وحدة جسدية جماعية عامة. وأولى الناس بذلك الأقربون رحما ، فلهم حق أخوة الإسلام ، ولهم حق قرابة الرحم.
    وإن الإساءة إلى الأرحام، أو التهرب من أداء حقوقهم صفة من صفات الخاسرين الذين قطعوا ما أمر الله به أن يوصل، بل إن ذلك جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب. وإن الإنسان منا ليسؤوه أشد الإساءة ما يراه بعيـنه أو يسمعه بأذنيه من قطيـعة لأقرب الأرحام الذين فُطر الإنسان على حبهم وبرهم وإكرامهم، حتى أصبح من الأمور المعتادة قي بعض المجتمعات أن نسمع أن أحد الوالدين اضطر إلى اللجوء للمحكمة لينال حقه من النفقة أو يطلب حمايته من ابنه، هذا الذي كان سبب وجوده .
    ولا يفعل مثل هذا الجرم إلا الإنسان الذي قسا قلبه وقلت مروءته وانعدم إحساسه بالمسؤولية.

    ماذا يقصد بالأرحام؟
    الأرحام: هم الأقارب من جهة الأم ومن جهة الأب، فالآباء والأمهات والأجداد والجدات أرحام، والأولاد وأولادهم من ذكور وإناث وأولاد البنات كلهم أرحام، وهكذا الإخوة والأخوات وأولادهم أرحام، وهكذا الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأولادهم أرحام داخلون كلهم في قوله جل وعلا: {وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ}(الأنفال:75).

    معنى قطيعة الرحم:
    إن قطيعة الأرحام تكون بهجرهم، والإعراض عن الزيارة المستطاعة، وعدم مشاركتهم في مسراتهم، وعدم مواساتهم في أحزانهم، كما تكون بتفضيل غيرهم عليهم في الصلات والعطاءات الخاصة، التي هم أحق بها من غيرهم.

    من عقوبات قاطع الرحم:
    قاطع الرحم ملعون في كتاب الله:
    قال الله تعالى: { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ } . (سورة محمد:32-33).
    قال على بن الحسين لولده : يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواطن .
    واثنتان من هذه المواطن الثلاث هي قوله تعالى:
    {فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ} (سورة محمد:32-33).

    {وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} (الرعد:25).
    أما الموطن الثالث فلم نقف عليه صريحا ولعله يقصد قوله تعالى:
    {الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة:27) .والله أعلم.

    قاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين:
    قال الله تعالى: {وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ * الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (البقرة:26-27).
    فقد جعل الله من صفات الفاسقين الخاسرين الضالين قطع ما أمر الله به أن يوصل ومن ذلك صلة الأرحام.

    قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا ، مع ما يدخر له من العقوبة في الآخرة:
    فعن أبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم " . (رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه).
    وقد رأينا مصداق هذا في دنيا الواقع ، فقاطع الرحم غالباً ما يكون تعباً قلقاً على الحياة ، لا يبارك له في رزقه ، منبوذاً بين الناس لا يستقر له وضع ولا يهدأ له بال.

    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة : قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال : فذلك لك " . رواه البخاري.
    وما أسوأ حال من يقطعه الله .. ومن قطعه الله فمن ذا الذي يصله؟.

    الحرمان من الجنة:
    ومن أعظم العقوبات التي يعاقب بها قاطع الرحم أن يحرم من دخول الجنة ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة قاطع". (رواه البخاري ومسلم). يعني قاطع رحم.
    ومعنى عدم دخول الجنة كما قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: ( "لا يدخل الجنة قاطع" هذا الحديث يتأول تأويلين سبقا في نظائره في كتاب الإيمان أحدهما: حمله على من يستحل القطيعة بلا سبب ولا شبهة مع علمه بتحريمها فهذا كافر يخلد في النار ولا يدخل الجنة أبداً، والثاني: معناه ولا يدخلها في أول الأمر مع السابقين بل يعاقب بتأخره القدر الذي يريده الله تعالى).(انتهى كلامه رحمه الله).

    لا يرفع له عمل ولا يقبله الله:
    فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أعمال بني آدم تعرض على الله تبارك وتعالى عشية كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم".(رواه أحمد).

    آثار وأقوال في ذم قطيعة الرحم:
    قال يونس بن عبيد: كانوا يرجون للرَّهِق بالبر الجنة، ويخافون على المُتَألِّه بالعقوق النار.

    وقال الطِّيبي رحمه الله: إن الله يبقي أثر واصل الرحم طويلا فلا يضمحل سريعا كما يضمحل أثر قاطع الرحم.

    وقال القرطبي رحمه الله تعالى: اتقوا الأرحام أن تقطعوها.

    موعظة ودرس بليغ:
    قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}(النور22) قال: (أي: لا تحلفوا ألا تصلوا قراباتكم المساكين والمهاجرين . وهذه في غاية الترفق والعطف على صلة الأرحام; ولهذا قال : (وليعفوا وليصفحوا) أي : عما تقدم منهم من الإساءة والأذى، وهذا من حلمه تعالى وكرمه ولطفه بخلقه مع ظلمهم لأنفسهم .
    وهذه الآية نزلت في الصديق، حين حلف ألا ينفع مسطح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال ، كما تقدم في الحديث . فلما أنزل الله براءة أم المؤمنين عائشة ، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت ، وتاب الله على من كان تكلم من المؤمنين في ذلك ، وأقيم الحد على من أقيم عليه - شرع تبارك وتعالى ، وله الفضل والمنة ، يعطف الصديق على قريبه ونسيبه ، وهو مسطح بن أثاثة ، فإنه كان ابن خالة الصديق ، وكان مسكينا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر ، رضي الله عنه ، وكان من المهاجرين في سبيل الله ، وقد ولق ولقة تاب الله عليه منها ، وضرب الحد عليها . وكان الصديق ، رضي الله عنه ، معروفا بالمعروف ، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب . فلما نزلت هذه الآية إلى قوله: (ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) أي : فإن الجزاء من جنس العمل ، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك ، وكما تصفح نصفح عنك . فعند ذلك قال الصديق : بلى ، والله إنا نحب - يا ربنا - أن تغفر لنا . ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا ، في مقابلة ما كان قال : والله لا أنفعه بنافعة أبدا ، فلهذا كان الصديق هو الصديق).(انتهى كلامه).

    فيا أيها الحبيب هل هناك سبب أعظم من هذا عندك يجعلك تقطع رحمك وتُصر على القطيعة؟.

    أخيرا أيها القارئ الكريم اعلم أن صلة الرحم لا تكون على سبيل المكافأة أو المعاملة بالمثل، فقد قال صلى الله عليه وسلم "ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها". (رواه البخاري).

    نسأل الله أن يرزقنا البر وصلة الأرحام، وأن يعيذنا والمسلمين من القطيعة، إنه بر ودود رحيم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

    ------------------------------------------------
    حين يعهد إنسان إلى آخر بسرٍ ويأتمنه عليه ، ثم يقوم الأخير بإفشائه فقد خان الأمانة .
    وإذا أودع إنسانٌ آخر وديعة على سبيل الأمانة فأهلمها، أو لم يحفظها فقد خان الأمانة .
    وإذا عاهد إنسان آخر عهدًا فنقضه فقد خان الأمانة، وإذا عصى الإنسانُ ربه واستمر على المعصية ولم يتب فقد خان الأمانة.
    هذه كلها صور من صور الخيانة، وذلك الخلق الرذيل، الذي يدل على ضعف الإيمان، ووضاعة النفس.
    وحين يستشير الرجل أخاه فيشير عليه عمدا بغير الصواب فقد خانه، قال - صلى الله عليه وسلم - : "... ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشدٍ فقد خانه" ، فالمستشار مؤتمن ، فإن أشار بخلاف ما يرى أنه الأصلح فقد خان.

    ومن صور الخيانة أن يوسَّد الأمر إلى غير أهله، فلا يكون المعيار كفاءة الرجا ، وإنما القرابة أو المحبة أو غيرها.
    وإذا سادت المجتمعات الإسلامية هذه الآفة فقد ضُيعت الأمانة، وعندها تقترب الساعة، قال - صلى الله عليه وسلم - : "فإذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة" قيل : كيف إضاعتها ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : "إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة" (رواه البخاري).

    والخيانة من كبائر الذنوب، بل هي من النفاق العملي :"آية المنافق ثلاث ، إذا حدَّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان".
    قال الذهبيُّ رحمه الله: "والخيانة قبيحة في كلِّ شَيء، وبعضُها شَرٌّ من بعض، وليس من خَانك في فلْس كمن خانك في أهلك ومالك، وارتكب العظائم".

    والخائن بغيض إلى الله بغيض إلى الناس ، فقد أكَّد الله تعالى في كتابه عدم محبته ورضاه عن الخائنين عمومًا، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ }(الأنفال: 58)، وخصَّ بعدم الرِّضا والمحبَّة أولئك الذين صارت خيانة العهود والعقود لهم خُلقاً وطبعاً فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ} ( الحج: 38 ). وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا} (النساء:107). والخوَّان هو الذي تتكرر منه الخيانة بحيث صارت خلقا ملازما له.

    وحين يؤتمن الخائن، ويخوَّن الأمين، فقد أتى على الناس السنون الخداعة التي حذر منها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بقوله : "سيأتي على الناس سنون يُصدق فيها الكاذب، ويُكذَّب فيها الصادق، ويخوَّن الأمين، ويؤتمن الخائن، وينطق فيها الرويبضة " قيل : يا رسول الله ، وما الرويبضة ؟ قال : "السفيه يتكلم في أمر العامة".

    من صفاتهم تعرفهم:

    فمن أهم صفات الخائنين:
    ضلال سعيه وبعده عن الهداية:
    فالخيانة بكلِّ معانيها واستعمالاتها تدلُّ على النقص والانحراف عن الحقِّ، والخائن ليس أهلاً للهداية والاهتداء، قال تعالى: { وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ } (يوسف: 52) أي: لا ينفذ الله كيده ولا يُسدِّدُه، بل يبطله ويزهقه، فقد جرت سُنَّة الله في الكون على أنَّ فنون الباطل وإن راجت أوائلُها لا تلبث أن تنقشع.

    الكيد والتآمر في الخفاء:
    فقد أثبت الله تعالى للخائنين كيداً فقال: { وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ } (يوسف: 52) إلَّا أنه لا يُنْفِذُ كيدهم ولا يُسدِّدُه، وبعد أن نهى الله تعالى نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - عن المجادلة عن أهل الخيانة، وأكد عدم رضاه ومحبته لهم، أخبرنا بحقيقة حالهم، وكمائن مكرهم، فقال تعالى: {وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا * يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } (النساء: 107 – 108) أي: يستتر هؤلاء الذين يختانون أنفسهم من الناس، حياءً منهم وحذرًا من قبيح الأحدوثة، ولا يستترون من الله الذي يعلم سِرَّهم ونجواهم، ولا يخفى عليه شيء من حالهم وأعمالهم، فهو أحق أن يُستحي منه من غيره، وأولى أن يُعظَّم، والله مطَّلع على ما يدبِّرون ويُزَوِّرُون مما لا يرضاه من القول، من رمي البريء، والحلف الكاذب، وشهادة الزور، وغير ذلك، { وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا } أي: لا يفوته شيء منهم، وهو تهديد ووعيد لهم.

    لا عهد ولا أمانة:
    هكذا وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - أهل الخيانة للعهود والأمانات، فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يُوشِك أن يأتي زمانٌ يُغَربَل النَّاسُ فيه غَربلةً، تبقى حُثَالةٌ من النَّاس قد مَرِجَت عهودُهم وأماناتهم، واختلفوا فكانوا هكذا"، وشبك بين أصابعه، فقالوا كيف بنا يارسول الله؟ قال: "تأخذون ما تعرفون، وتَذَرُون ما تُنكِرُون، وتُقْبِلُون على أمر خاصَّتكم، وتَذَرُون أمرَ عامَّتِكم" (أبو داود وغيره). وأَراد بحُثَالة الناس: أراذالهم وشِرَارَهم ، و"مرِجت عهودهم" أي: اختلطت وفسدت، فقلَّت فيهم أسباب الديانات، وقيل: "مرِجت عهودهم" إذا لم تثبت، وأمرجوها: إذا لم يوفوا بها ، ومرجت أمانتهم: فسدت، وقوله: "هكذا، وشبك بين أصابعه" أي: يموج بعضهم في بعض، ويلتبس أمر دينهم، فلا يُعرف الأمين من الخائن، ولا البر من الفاجر.

    عاقبة الخائنين في الدنيا والآخرة

    تمكين المؤمنين منهم:
    قال تعالى: { وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (الأنفال: 71) أي: إن كفروا بك فقد كفروا بالله من قبل فأمكن منهم المؤمنين ببدر، وأتاكم بهم على غير ترقُّب منكم فسلطكم عليهم، حتى قتلتموهم وأسرتموهم.

    تسليط الأعداء عليهم وانتشار القتل فيهم:
    فمن صور الخيانة نقض العهود ، وقد جعل الله جزاءه تسلط الأعداء وفشو القتل، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ما نقضَ قومٌ العهد إلَّا سَلَّط عليهم عدوهم". أي: ما نقضوا ما عاهدوا الله عليه أو ما عاهدوا عليه قومًا آخرين، "إلا سلَّط عليهم عدوهم" جزاء بما اجترحوه من نقض العهد المأمور بالوفاء به، وعن بريدة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا نقض قومٌ العهد قطُّ إلّا كان القتلُ بينَهم".

    القصاص من الخائن يوم القيامة:
    فحقُّ المجاهد على القاعد أن يرعى أهله في غيبته، ويحسن إليهنَّ، ويقضي لهن حوائجهن، بما لا يترتب عليه مفسدة ولا يُتَوصَّل به إلى ريبة، فعن بُريدَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: "حُرْمَةُ نِسَاءِ المـُجَاهِدِينَ عَلَى القَاعِدِينَ كَحُرْمَةِ أُمَّهَاتِهِمْ، مَا مِنْ رَجُلٍ مِنَ القَاعِدِيْنَ يَخْلُفُ رَجُلاً مِنَ المـُجَاهِدِينَ في أهْلِهِ، فَيَخُونُهُ فِيهِمْ إِلاَّ وَقَفَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، فَيَأْخُذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ مَا شَاءَ حَتَّى يَرْضى"، ثُمَّ التَفَتَ إلَيْنَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَا ظَنُّكُمْ ؟".
    فيحرم التَّعرض لهنَّ بريبة، من نحو نظر محرَّم وخلوة وحديث محرَّم وغير ذلك، فإن خان القاعد المجاهد أوقفه الله له يوم القيامة، فتقول له الملائكة بإذن ربهم: قد خانك هذا الإنسان في أهلك، فخذ من حسناته ما شئت، فيأخذ من عمله الصالح ما شاء.
    وقوله: "فما ظنُّكم؟" فيه تهديد عظيم، أي: فما ظنكم بمن أحلَّه الله تعالى هذه المنزلة، وخصَّه بهذه الفضيلة، أو فما تظنون بالله مع ارتكاب هذه الخيانة، هل تتركون معها؟ وهل تشكون في هذه المجازاة؟ فإذا علمتم صدق ما أقول، فاحذروا من الخيانة في نساء المجاهدين.

    فضيحة الخائنين يوم القيامة أمام الخلق:
    فالخائنون الغادرون سيُفضحون يوم القيامة على رؤوس الأشهاد، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمعَ اللهُ الأوَّلين والآخِرين يومَ القِيَامة يَرفعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاء، فقيل هذه: غَدْرَة فُلان بن فلان"، أي: أنَّ الغادر يُنصب وراءه لواء غدره يوم القيامة، تشهيرًا بالغدر وإخزاءً وتفضيحًا على رؤوس الأشهاد، ثم يقال: هذه علامة غدرة فلان، فيشتهر بين الناس ويفتضح، والغدر في الأصل ترك الوفاء وهو شائع في أن يغتال الرجل من في عهده وأمنه. ولما كان الغدر مكتوماً ومستتراً به شُهر به صاحبه، وكشف ستره لتتم فضيحته.

    عدم دخول الجنَّة مع أهلها:
    فمن غش المسلمين وخانهم، وخان الأمانة لا يكون في الداخلين الأولين إلى جنات النعيم، فعن أَبي يعلى مَعْقِل بن يَسارٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "مَا مِنْ عَبْدٍ يَستَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّة".
    قال القاضي عياض: "ومعناه بَيّن فى التحذير من غش المسلمين لمن قلده الله شيئاً من أمرهم، واسترعاه عليهم، ونصبه خليفة لمصلحتهم، وجعله واسطة بينه وبينهم فى تدبير أمورهم فى دينهم ودنياهم، فإذا خان فيما اؤتمن عليه ولم ينصح فيما قُلِّده واستخلف عليه، إما بتضييع لتعريفهم ما يلزمُهم من دينهم وأخذهم به والقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذب عنها لكل مُتَصَد لإدخال داخِلَةٍ فيها، أو تحريف لمعانيها، أو إهمال حدودهم، أو تضييع حقوقهم، أو ترك حماية حوذتهم ومجاهدة عدوهم، أو ترك سيرة العدل فيهم - فقد غشهم".
    وقوله: "إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّة" أي: دخولها مع الفائزين الناجين لكفرانه نعمة الإمارة والاسترعاء وغشه لمن تحت يده، أو مطلقاً إن اعتقد حلَّ غش المسلمين وخيانتهم.
    وعَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ: "وأَهْلُ النَّارِ خَمْسَةٌ: .. وَالْخَائِنُ الَّذِي لَا يَخْفَى لَهُ طَمَعٌ وَإِنْ دَقَّ إِلَّا خَانَهُ، وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ.."
    وقوله: " وَرَجُلٌ لَا يُصْبِحُ وَلَا يُمْسِي إِلَّا وَهُوَ يُخَادِعُكَ عَنْ أَهْلِكَ وَمَالِكَ" أي: يخادعك بسبب أهلك ومالك، أي: طامع في مالك وأهلك، فيظهر عندك الأمانة والعفَّة ويخون فيهما.

    ولأن الخيانة داء عضال وخلق ذميم بغيض، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بالله منه : "...وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئس البطانة".
    ولو نظرنا إلى الشرع المطهر لوجدنا أنه زجر عن هذا الخلق القبيح ، ولو من باب رد الفعل : "أدِّ الأمانة لمن ائتمنك ، ولا تخن من خانك ". (رواه أبو داود وغيره).
    ---------------------------------------------------------
    لو رضي العبد بما قُسم له لاستغنى عن الناس وصار عزيزًا وإن كان لا يملك من الدنيا الكثير.
    يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
    رأيت القناعة رأس الغنى.. ... .. فصرتُ بأذيالها مُمتسكْ
    فلا ذا يـراني على بابه.. ... .. ولا ذا يراني به منهمكْ
    فصرتُ غنيًّا بلا درهم.. ... .. أمرٌ على الناس شبه الملكْ

    وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى التحلي بصفة القناعة حين قال: "ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس".
    قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: القناعة مال لا نفاد له.
    وقال سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لابنه: يا بني: إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة؛ فإنها مال لا ينفد، وإياك والطمع؛ فإنه فقر حاضر، وعليك باليأس؛ فإنك لم تيأس من شيء قطُّ إلا أغناك الله عنه.
    وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن الطمع فقر، وإن اليأس غنى، إنه من ييأس عمَّا في أيدي الناس استغنى عنهم.
    كان محمد بن واسع رحمه الله يبل الخبز اليابس بالماء ويأكل ويقول: من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد.
    ومن عجيب ما يروى في ذلك ما جاء في الإحياء من أن الخليل بن أحمد الفراهيدي رفض أن يكون مؤدبًا لابن والي الأهواز، ثم أخرج لرسوله خبزا يابسا وقال: ما دمتُ أجدُ هذا فلا حاجة إلى سليمان - الوالي -، ثم أنشد:
    أبْلِغْ سليمانَ أني عنه في سَـعَةٍ وفي غنىً غير أني لستُ ذا مالِ
    شُحًّا بنفسيَ أني لا أرى أحــدًا يمـوتُ هزلاً ولا يبقى على حالِ
    والفقر في النفس لا في المال نعرفه ومثلُ ذاك الغنى في النفس لا المال
    وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس".

    وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه فيقول: "اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبة لي بخير".

    القناعة سبب لمحبة الله ومحبة الناس
    إن القانع بما رزقه الله تعالى يكون هادئ النفس، قرير العين، مرتاح البال، فهو لا يتطلع إلى ما عند الآخرين، ولا يشتهي ما ليس تحت يديه، فيكون محبوبًا عند الله وعند الناس، ويصدق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس".

    القانع من الشاكرين
    إن العبد لن يبلغ درجة الشاكرين إلاَّ إذا قنع بما رزق، وقد دل على هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: "يا أبا هريرة، كن ورعًا تكن أعبد الناس، وكن قنعًا تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنًا.."الحديث.

    القناعة والحياة الطيبة
    إن العبد القانع عفيف النفس لا يريق ماء وجهه طلبا لحطام دنيا عمَّا قليل تفنى، وهؤلاء الذين مدحهم الله بقوله: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ}(البقرة:273).
    وإذا كانوا كذلك فازوا بالحياة الطيبة التي قال الله تعالى عنها: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النحل: 97).
    وقد فسر محمد بن كعبٍ الحياة الطيبة هنا بالقناعة. وبهذا أيضا فسَّرها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعن الحسن البصري رحمه الله.
    وقد وردت لهم البشارة على لسان خير البشر صلى الله عليه وسلم: "قد أفلح من أسلم ورُزق كفافًا، وقنعه الله بما آتاه".
    قال ابن حجر: ومعنى الحديث: أن من اتصف بتلك الصفات حصل على مطلوبه، وظفر بمرغوبه في الدنيا والآخرة.

    فضل القناعة وذم الشره
    عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يومًا يحدث- وعنده رجلٌ من أهل البادية- "أنَّ رجلًا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال له: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحبُّ أن أزرع، قال: فبذر، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله عزَّ وجلَّ: دونك يا ابن آدم، فإنَّه لا يشبعك شيءٌ". فقال الأعرابي: والله لا نجده إلا قرشيًّا، أو أنصاريًّا، فإنهم أصحاب زرعٍ، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرعٍ. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
    قال ابن بطال: وقوله: دونك يا ابن آدم، لا يشبعك شيء. يدلُّ على فضل القناعة، والاقتصار على البلغة، وذمِّ الشَّرَهِ والرغبة.
    وقال ابن حجر: وفيه إشارةٌ إلى فضل القناعة، وذمِّ الشَّرَهِ.

    القانع كالملوك
    فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أصبح وأمسى آمنًا في سِرْبه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه؛ كان كمن حِيزت له الدنيا بحذافيرها".
    قال المناوي: "عنده قوت يومه" أي: غداؤه وعشاؤه الذي يحتاجه في يومه ذلك.
    يعني: من جمع الله له بين عافية بدنه، وأمن قلبه حيث توجَّه، وكفاف عيشه بقوت يومه وسلامة أهله؛ فقد جمع الله له جميع النعم التي من ملك الدنيا لم يحصل على غيرها، فينبغي أن لا يستقبل يومه ذلك إلا بشكرها؛ بأن يصرفها في طاعة المنعم، لا في معصية، ولا يفتر عن ذكره.
    وقال أكثم بن صيفي لابنه: ومن قنع بما هو فيه قرَّت عينه.

    من أقوال العلماء في القناعة
    قال بكر بن عبد الله المزني: يكفيك من الدنيا ما قنعت به، ولو كفَّ تمرٍ، وشربة ماءٍ، وظلَّ خباءٍ.

    وقال نعيم بن حماد: سمعت ابن المبارك يقول: مروءة القناعة أفضل من مروءة الإعطاء.
    وقال أيضًا: القناعة تكون بالقلب؛ فمن غني قلبه غنيت يداه، ومن افتقر قلبه لم ينفعه غناه، ومن قنع لم يتسخط وعاش آمنا مطمئنًا، ومن لم يقنع لم يكن له في الفوائت نهاية لرغبته.

    وقال أبو سليمان الداراني: إن قومًا طلبوا الغنى فحسبوا أنَّه في جمع المال، ألا وإنما الغنى في القناعة.

    وعن الحسن رحمه الله قال: لا تزال كريمًا على الناس- أو لا يزال الناس يكرمونك - ما لم تعاط ما في أيديهم، فإذا فعلت ذلك استخفُّوا بك، وكرهوا حديثك وأبغضوك.

    فاللهم قنعنا بما رزقتنا ورضنا بما قسمت لنا واجعل غنانا في قلوبنا، وصل اللهم وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وآله وصحبه أجمعين.
    -------------------------------------------------
    مما لا شك فيه أن ما عند الله خيرٌ وأبقى: {وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الشورى:36].
    فما قدمه العبد لنفسه من الصالحات يجده عند الله تعالى كاملاً مضاعفًا: {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً} [المزمل:20].
    من هنا تأتي أهمية الاحتساب..
    فماذا نقصد بالاحتساب؟

    إن للاحتساب أنواعًا أو معاني، منها:
    احتساب الأجر من الله تعالى عند عمل الطاعات التي يُبتغى بها وجهه الكريم سبحانه:
    وإذا استحضر العبد هذا المعنى العظيم في نفسه عند قيامه بالطاعات فإنه سيدفع عن نفسه خواطر السوء من السمعة والرياء وطلبة المدح والثناء من الناس إلى غير ذلك من الآفات التي تحبط العمل أو تنقص الأجر؛ لأنه حصر همه في رضا الله وطلب الأجر منه. وعندئذ يفوز بالأجر العظيم والثواب الجزيل، كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه".

    وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اتبع جنازة مسلم إيمانًا واحتسابًا، وكان معه حتى يصلَّى عليها، ويُفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد".
    بل إن العبد المسلم يؤجر على نفقته على أهله وهي واجبة عليه كأجر الصدقة إن هو احتسبها كما ورد في الحديث: "إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو يحتسبها كانت له صدقة".

    وعن أبي قتادة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قَامَ فيهم فَذَكَرَ لهمْ أنَّ الجِهَادَ في سَبيلِ اللهِ، وَالإِيمَانَ باللَّهِ أَفْضَلُ الأعْمَالِ، فَقَامَ رَجُلٌ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللهِ، تُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقالَ له رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: "نَعَمْ، إنْ قُتِلْتَ في سَبيلِ اللهِ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ"، ثُمَّ قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: "كيفَ قُلْتَ؟" قالَ: أَرَأَيْتَ إنْ قُتِلْتُ في سَبيلِ اللهِ أَتُكَفَّرُ عَنِّي خَطَايَايَ؟ فَقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: "نَعَمْ، وَأَنْتَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ، إلَّا الدَّيْنَ، فإنَّ جِبْرِيلَ عليه السَّلَامُ قالَ لي ذلكَ".
    فانظر كيف عظم الأجر بسبب الاحتساب في الطاعات؟!.

    ومما يدل على هذا المعنى العظيم أيضا ما ورد عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار بيته أقصى بيت في المدينة، فكان لا تخطئه الصلاة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فتوجعنا له. فقلت: يا فلان لو أنك اشتريت حمارا يقيك من الرمضاء، ويقيك من هوام الأرض. قال: أما والله ما أحب أن بيتي مطنب ببيت محمد صلى الله عليه وسلم، فثقل هذا الجواب على أبي بن كعب واستعظمه لبشاعة لفظه، فأتى نبي الله فأخبره، فدعاه فقال له مثل ذلك، وذكر له انه يرجو في أثره (أي ممشاه) الأجر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إن لك ما احتسبت".

    ومن معاني الاحتساب: طلب الأجر من الله عند الصبر على البلايا والمكاره:
    وقد مدح الله هذا الصنف من المؤمنين ووعدهم بالرحمة والهداية والأجر الكبير: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ} [البقرة:156، 157].
    قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: (أي تسلوا بقولهم هذا عما أصابهم وعلموا أنهم ملك لله يتصرف في عبيده كيف يشاء. وعلموا أنه لا يضيع لديه مثقال ذرة يوم القيامة، فأحدث لهم ذلك اعترافهم بأنهم عبيده وأنهم إليه راجعون في الدنيا والآخرة).
    إن الناس في هذه الحياة يتعرضون لأنواع من البلايا والأمور التي تكرهها نفوسهم لا فرق في ذلك بين مؤمن وكافر، إلا من جهة احتساب الأجر بالنسبة للمؤمنين.
    فالمسلم يمرض وكذا الكافر، ويموت أحباؤه وأقرباؤه، وكذا الكافر؛ لكن ثمة فرقًا مهمًا بينهما؛ ألا وهو ما يرجوه المؤمن من الأجر إن هو صبر واحتسب ورضي، قال الله تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ} [النساء:104].

    إن المؤمن يعيش في هذه الدنيا بين نعمة يجتهد في القيام بشكرها وبين بلية يصبر عليها وهو مأجور في الحالين، كما روى مسلم عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له".
    وانظر إلى جزاء المحتسبين في المصائب والشدائد، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر واحتسب، وقال ما أمر به بثواب دون الجنة".

    واستمع إلى أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وهي تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
    "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلُف لي خيرًا منها، إلاَّ أخلف الله له خيرًا منها". قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خيرٌ من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

    وفي هذا المعنى أيضا ما رواه الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد".
    وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ما من مسلم له ولدان مسلمان يصبح إليهما محتسبا إلا فتح الله له بابين، يعني من الجنة، وإن كان واحد فواحد.

    وقد كان السلف يراجعون أنفسهم ويستحضرون النوايا الصالحة ويتواصون بالاحتساب طلبًا للأجر والثواب.
    هذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: أيها الناس! احتسبوا أعمالكم؛ فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته.

    كما استهان خبيبٌ بن عدي رضي الله عنه بالموت عندما أراد بنو الحارث بن عامر أن يقتلوه، واحتسب ذلك عند الله تعالى فقال:
    ولستُ أبُالي حين أُقتلُ مسلمًا.. ... ..على أي جنبٍ كان في الله مصرعي
    وذلك في ذات الإله وإن يشأ.. ... ..يبارك على أوصال شِلْوٍ مُمَزَّع

    فاحتسب أيها الحبيب في طاعاتك وعباداتك، واحتسب في البلايا والشدائد، يثبت الله قلبك ويعلي ذكرك ويضاعف أجرك.
    ----------------------------------------------------
    إن الله تعالى يحب من عباده أن يدعوه ويسألوه، ورضاه سبحانه في سؤاله وطاعته، قال ابن القيم :
    ( إنّ اللهَ لَا يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ الْمُلِحِّينَ، بَلْ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ، وَيُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ، وَيَغْضَبُ إِذَا لَمْ يُسْأَلْ ).
    وقال أيضا :
    ( وأحب خلقه إليه أكثرهم وأفضلهم له سؤالا، وهو يحب الملحين في الدعاء، وكلما ألح العبد عليه في السؤال أحبه وقربه وأعطاه ).

    فللدعاء فضل عظيم، دل على ذلك قول رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أفضل العبادة الدعاء".(الحاكم، وصححه).
    وقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ليس شيء أكرم على الله تعالى من الدعاء".(رواه أحمد وغيره، وحسنه الألباني).
    وقال أيضا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن الله حيى كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفراً خائبتين".( رواه أحمد، وغيره، وصححه الألباني).

    وهناك آداب للدعاء يرجى لمن حافظ عليه إجابة دعائه، ومنها:

    الأول: أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه وأن يختمه بالصلاة على رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
    فعن بريدة الأسلمي رضي الله عنه قال: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو وهو يقولُ: اللهم إني أسألُك بأني أشهدُ أنك أنت اللهُ لا إلَه إلا أنتَ الأحدُ الصمدُ الذي لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكن له كُفُوًا أحدٌ. قال: فقال: "والذي نفسي بيدِه لقد سألَ اللهُ باسمِه الأعظمِ الذي إذا دُعيَ به أجابَ وإذا سُئِلَ به أعطى".(رواه أبو داود وغيره، وصححه الألباني).
    وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "كل دعاء محجوب حتى يصلى على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -" (رواه الديلمي في "مسند الفردوس" عن أنس، والبيهقي في "شعب الإيمان" عن علي موقوفاً، وحسنه الألباني).
    قال أبو سلمان الداراني رحمه الله: من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثم يسأله حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فإن الله عز وجل يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما.

    الثاني: أن يترصد لدعائه الأوقات والأحوال الشريفة كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع ووقت السحر من ساعات الليل.
    ومن هذه الأوقات والأحوال التي فيها يستجاب الدعاء:

    1- وقت التنزل الإلهي:
    قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى فيها خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه وذلك في كل ليلة" (مسلم) .
    وروى ابن خزيمة في التوحيد عن عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ينزلُ اللهُ تبارك وتعالَى إلى سماءِ الدُّنيا كلَّ ليلةٍ فيقولُ : هل من داعٍ فأستجيبَ له ؟ هل من سائلٍ فأُعطيَه ؟ هل من مستغفرٍ فأغفرَ له؟".
    وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أقرب ما يكون الرب من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن".(الترمذي وغيره وصححه الألباني).

    2- في السجود:
    قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقَمِن (أي جدير) أن يستجاب لكم". (مسلم).

    3- أن يبيت طاهرا على ذكر فيتعار من الليل فيدعو:
    قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما من مسلم يبيت على ذكر طاهراً فيتعار من الليل(أي يتقلب ويستيقظ) فيسأل الله تعالى خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه" (أحمد وغيره) .

    4- عند الأذان:
    قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء" (صححه الألباني في صحيح الجامع) .

    وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا نودي بالصلاة فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء" (صححه الألباني
    ).
    5-بين الأذان والإقامة:
    قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب فادعوا" (صححه الألباني) .

    6، 7، 8- عند نزول المطر، وعند التقاء الجيوش، وعند إقامة الصلاة:قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ثنتان ما تردان: الدعاء عند النداء وتحت المطر" (الحاكم وحسنه الألباني) .

    وقال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "اطلبوا استجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول الغيث" (صححه الألباني) .

    9- آخر ساعة من نهار الجمعة:

    قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يوم الجمعة ثنتا عشرة ساعة، منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله فيها شيئاً إلا آتاه الله إياه، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر" (صححه الألباني) .

    10- دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب:
    قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "دعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب لايرد".(صححه الألباني).

    (الثالث): عدم العجلة:
    قال رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: قد دعوت فلم يُستجب لي"(البخاري ومسلم).

    (الرابع): التضرع والخشوع والرغبة والرهبة:

    قال تعالى: {ادعوا ربكم تضرعاً وخفية}(الأعراف:55).

    وقال تعالى: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً...) (الأنبياء:90).

    (الخامس) أن يجزم بالدعاء ويوقن بالإجابة ويصدق رجاءه فيه:

    قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه" (رواه الترمذي، وصححه الألباني) .

    وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت، وليعزم المسألة، وليعظم الرغبة، فإن الله لا يعظم عليه شيء أعطاه" (مسلم) .

    وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "لا يقل أحدكم إذا دعا اللهم اغفر لي إن شئت اللهم ارحمني إن شئت فليعزم المسألة فإنه لا مكره له" (البخاري وسلم) .

    قال سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه فإن الله عز وجل أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله {قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون * قال فإنك من المنظرين} (الحجر: 36-37).

    (السادس): أن يلح في الدعاء ويعظم المسألة ويكرر الدعاء ثلاثاً:
    قال ابن مسعود: "كان عليه السلام إذا دعا دعا ثلاثاً وإذا سأل سأل ثلاثاً".

    وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إذا تمنى أحدكم فليكثر، فإنما يسأل ربه" (الطبراني وصححه الألباني).

    قال المناوي: "إذا تمنى أحدكم خيراً من خير الدارين فليكثر الأماني فإنما يسأل ربه الذي رباه وأنعم عليه وأحسن إليه، فيعظم الرغبة ويوسع المسألة، ويسأله الكثير والقليل حتى شسع النعل فإنه إن لم ييسره لا يتيسر، فينبغي للسائل إكثار المسألة ولا يختصر ولا يقتصر فإن خزائن الجود سحاء الليل والنهار ولا يفنيها عطاء وإن جل وعظم فعطاؤه بين الكاف والنون، وليس ذا بمناقض لقوله سبحانه: (ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض) فإن ذلك نهى عن تمنى ما لأخيه بغياً وحسداً، وهذا تمنى على الله سبحانه خيراً في دينه ودنياه وطلب من خزائنه فهو نظير (واسألوا الله من فضله) .

    (السابع): استقبال القبلة ورفع اليدين:
    روى مسلم عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه قَالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاثُ مِائَةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلا ، فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَةَ ثُمَّ مَدَّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ : "اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإِسْلامِ لا تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ " فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ . . . الحديث .
    قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : فِيهِ اِسْتِحْبَاب اسْتِقبال الْقِبْلَة فِي الدُّعَاء ، وَرَفْع الْيَدَيْنِ فِيهِ.

    (الثامن): إطابة المأكل والملبس:
    روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لا يَقْبَلُ إِلا طَيِّبًا ، وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَالَ : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } ، وَقَالَ : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ } ، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ".
    قال ابن رجب رحمه الله : فأكل الحلال وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجِبٌ لإجابة الدعاء ا.هـ .

    ---------------------------------------------
    اعلم أيها الحبيب الكريم رحمني الله وإياك أن الصبر جواد لا يكبو، وصارم لا ينبو، وجند لا يهزم، وحصن حصين لا يهدم، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد، ومحله من الظفر محل الرأس من الجسد. وللصبر عواقب جميلة وثمار يانعة، منها:
    * أنه قد ضمن الوفي الصادق لأهله في محكم الكتاب، أنه يوفيهم أجرهم بغير حساب: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ (10)}(الزمر).
    * وأخبرهم أنه معهم بهدايته ونصره العزيز وفتحه المبين، فقال تعالى: {وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)}(الأنفال: 46)، فظفر الصابرون بهذه المعية بخير الدنيا والآخرة، وفازوا بها بنعمه الباطنة والظاهرة.
    * وجعل سبحانه الإمامة في الدين منوطة بالصبر واليقين، فقال تعالى وبقوله اهتدى المهتدون: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ} (السجدة: 24) .
    * وأخبر أن الصبر خير لأهله مؤكداً باليمين، فقال تعالى:{وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ} ( النحل: 126) .
    * وأخبر أن مع الصبر والتقوى لا يضر كيد العدو ولو كان ذا تسليط فقال تعالى: {وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئاً إن الله بما يعملون محيط }(آل عمران: 120).

    * وأخبر عن نبيه يوسف الصديق أن صبره وتقواه وصّلاه إلى محل العز والتمكين فقال: {إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين }(يوسف: 90) .
    * وعلّق الفلاح بالصبر والتقوى، فعقل ذلك منه المؤمنون، فقال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون}(آل عمران: 200) .
    * وأخبر عن محبته لأهله، وفي ذلك أعظم ترغيب للراغبين فقال تعالى: {والله يحب الصابرين }(آل عمران: 146).
    * ولقد بشر الصابرين بثلاثٍ كل منها خير مما عليه أهل الدنيا يتحاسدون فقال تعالى: {وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون * أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون}(البقرة: 155، 156) .
    * وأوصى عباده بالاستعانة بالصبر والصلاة على نوائب الدنيا والدين فقال تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}(البقرة: 45) .
    * وجعل الفوز بالجنة لا يحظى به إلا الصابرون فقال تعالى: {إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون} (المؤمنون: 111) .

    * وأخبر أن الرغبة في ثوابه والإعراض عن الدنيا وزينتها لا ينالها إلا أولو الصبر المؤمنون فقال تعالى: {وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ولا يلقاها إلا الصابرون} (القصص: 80) .
    * وأخبر أن دفع السيئة بالتي هي أحسن تجعل المسيء كأنه ولي حميم، وأن هذه الخصلة لا يُلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم.
    * وأخبر سبحانه خبراً مؤكداً بالقسم: {إن الإنسان في خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر}) العصر: 2، 3( .
    * وقسّم خلقه قسمين أصحاب ميمنة وأصحاب مشأمة، وخص أهل الميمنة أهل التواصي بالصبر والمرحمة.
    * وخص بالانتفاع بآياته أهل الصبر وأهل الشكر تمييزا لهم بهذا الحظ الموفور.فقال في أربع من آياته: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} .

    * وعلق المغفرة والأجر بالعمل الصالح والصبر، وذلك على من يسّره عليه يسير فقال: { إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ}(هود:11).
    * وأخبر أن الصبر والمغفرة من العزائم التي تجارة أربابها لا تبور، فقال: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور)[الشورى: 43) .
    * وأمر رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بالصبر والحكمة، وأخبر أن صبره إنما هو لربه وبذلك جميع المصائب تهون.
    فقال: {واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا } (الطور: 48).
    وقال: {واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون } (النحل: 127).

    والصبر هو العروة التي يجول المؤمن ثم يرجع إليها، وساق إيمانه الذي لا اعتماد له إلا عليها.
    قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "الطهور شطر الإيمان، والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء، والقرآن حجة لك أو عليك، كل الناس يغدو، فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" (مسلم وغيره).
    * وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "ما رزق عبد خيراً له ولا أوسع من الصبر" (الحاكم وصححه).
    * قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (أفضل عيش أدركناه بالصبر)
    وقال عليّ بن أبي طالب: (الصبر مطية لا تكبو). وقال الحسن :(الصبر كنز من كنوز الجنة لا يعطيه الله إلا لعبد كريم عنده). وقال عمر بن عبد العزيز: (ما أنعم الله على عبده نعمة فانتزعها منه فعاضه مكانها الصبر إلا كان ما عَوّضه خيرا مما انتزعه).
    لابد من الصبر:
    الصبر على فتنة الأهل والأحباء الذين يخشى عليهم أن يصيبهم الأذى بسببه وهو لا يملك عنهم دفعا. والصبر على فتنة إقبال الدنيا على المبطلين تصاغ لهم الأمجاد الكاذبة، والصبر على الغربة في البيئة والاستيحاش بالعقيدة حين ينظر المؤمن فيرى كثيرا ممن حوله غارقاً في تيار الضلالة وهو -من قلة قليلة- غريب طريد.

    والنفس بالصبر تصهرها الشدائد فتنفي عنها الخبث، وتستجيش كامن قواها المذخورة فتستيقظ وتتجمع ويشتد غورها ويصلب، فإذا طال الأمد، وأبطأ نصر الله، لا يثبت إلا من يؤتمن على تلك الأمانة الكبرى، أمانة السماء في الأرض، وأمانة الله في ضمير المؤمن. إن الصابرين ليتسلمون الأمانة وهي عزيزة على نفوسهم بما أدوا لها من غالي الثمن، وبما صبروا لها من الصبر على المحن.

    والذي يصبر على الأذى والحرمان يشعر ولا شك بقيمة الأمانة التي بذل فيها ما بذل فلا يسلمها رخيصة بعد كل هذه التضحيات.
    قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "أشد الناس بلاءً الأنبياء، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم" . (رواه أحمد، وصححه الألباني).
    لا بد من صبر على طاعة الله والاستقامة على دربه وبذل النفس في مرضاة الله. وهنا لابد من نصح للحركة الإسلامية بعدم العجلة، والحماس الفائر، ولنا في قصة بني إسرائيل العبر: {ألم تر إلى الملاء من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي هم ابعث لنا ملكاً نقاتل في سبيل الله قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ألا تقاتلوا قالوا ومالنا ألا نقاتل في سبيل الله وقد أخرجنا من ديارنا وأبنائنا فلما كتب عليهم القتال تولوا إلا قليلا منهم والله عليم بالظالمين} (البقرة: 246).
    (فالتفلت من الطاعة والنكوص عن التكليف سمة كل حركة لا تنضج تربيتها الإيمانية، فهي سمة بشرية عامة لا تغير منها إلا التربية العالية الطويلة الأمد العميقة التأثير).

    قال الله تعالى: {وقال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين * قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون } (الأعراف: 128-129).
    إنه ليس لأصحاب الدعوة إلى رب العالمين إلا ملاذ واحد، وهو الملاذ الحصين الأمين والأولى، واحد وهو الولي القوي المتين، وعليهم أن يصبروا حتى يأذن الولي بالنصرة في الوقت الذي يقدره بحكمته وعلمه، وألا يعجلوا، فهم لا يطلعون على الغيب، ولا يعلمون الخير.
    على الناس ألا يتبرموا من طول الطريق فالعاقبة للصابرين طال الزمن أم قصر، فلا يخالج قلوب الداعين إلى رب العالمين قلق على المصير، ولا يخايل لهم تقلب الذين كفروا في البلاد، فيحسبونهم باقين.
    لابد للدعاة أن يصبروا على الالتواءات والانحرافات، وثقل الطبائع وتفاهة الاهتمامات بالصبر على الطاعة.
    ----------------------------------------------------
    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
    (فإن تحريم النيل من عِرض المسلم أصل شرعي متين، عُلم بالضرورة من دين الإسلام، و " حفظ العرض " أحد الضروريات الخمس التي شُرعت من أجلها الشرائع.
    لقد خطب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على مسمع يزيد عن مائة ألف نفس من صحابته الأبرار في حجة الوداع، فقال: " إِن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت؟ " (البخاري).
    والأعراض: جمع عِرْض، (وهو موضع المدح والذم من الإنسان، سواء كان في نفسه أو في سَلَفه، أو من يلزمه أمره، وقيل: هو جانبه الذي يصونه من نفسه وحَسَبه ، ويُحامي عنه أن يُنتقص ويُثلبَ).
    وإننا نعني بالعرض المعنى الواسع لكل ما يقبل المدح والذم في الإنسان...

    ونظر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يومًا إلى الكعبة، فقال: " ما أعظمك وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة منك ".
    وعن جابر رضي الله عنه، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ". (مسلم).
    وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، إن فلانة يُذكر من كثرة صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها ، قال: " هي في النار "، قال: يا رسول الله، فإن فلانة يذكر من قلة صيامها وصدقتها وصلاتها، وإنها تَصَّدَّقُ بالأثوار (جمع ثَور، وهي القطعة ) من الأقِط ( لبن جامد)، ولا تؤذي جيرانها بلسانها ، قال: " هي في الجنة " (رواه أحمد).

    وعن سفيان بن حسين، قال: كنت عند إياس بن معاوية وعنده رجل، تخوفت إن قمت من عنده أن يقع فيَّ، قال: فجلست حتى قام، فلما ذكرته لإياس، قال: فجعل ينظر في وجهي، فلا يقول لي شيئًا حتى فرغت، فقال لي: " أغزوت الديلم؟ "، قلت: " لا "، قال: " فغزوت السند؟ "، قلت: " لا "، قال: " فغزوت الهند؟ "، قلت: " لا "، قال: " فغزوت الروم؟ "، قلت: " لا "، قال: " فسلم منك الديلم، والسند، والهند، والروم، وليس يسلم منك أخوك هذا؟ "، فلم يعد سفيان إلى ذلك.


    ما هي الغيبة؟
    الغيبة هي ذكر الشخص في غيبته بما يكرهه، وقد تكون تصريحا أو تلميحا أو حتى بالإشارة.
    قال ابن الأثير في " النهاية ": " الغيبة أن تذكر الإنسان في غيبته بسوء، وإن كان فيه". وقال النووي في " الأذكار " تبعًا للغزالي: " الغيبة ذكر المرء بما يكرهه سواء كان ذلك في بدن الشخص، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلُقه، أو ماله، أو ولده، أو زوجه، أو خادمه، أو ثوبه، أو حركته، أو طلاقته، أو عبوسته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز ".

    أدلة تحريم الغيبة
    قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (11) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} [الحجرات11: 12].
    يعني: إن كرهتم أكل لحم الإنسان الميت طبعًا، فاكرهوه شرعًا، فإن عقوبته أشد.
    قال ابن عباس رضي الله عنه: " إنما ضرب الله هذا المثل للغيبة؛ لأن أكل لحم الميت حرام مستقذر، وكذا الغيبة حرام في الدين وقبيح في النفوس".
    وقال قتادة: " كما يمتنع أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتًا، كذلك يجب أن يمتنع من غيبته حيًا".
    واستُعمِل أكل اللحم مكان الغيبة؛ لأن عادة العرب بذلك جارية، قال الشاعر:
    فإن أكلوا لحمي وَفَرتُ لحومهم ... وإن هدموا مجدي بنيتُ لهم مجدًا

    حكم الغيبة، والتحذير منها:
    قال الإمام القرطبي رحمه الله: " لا خلاف أن الغيبة من الكبائر، وأن من اغتاب أحدًا عليه أن يتوب إلى الله عز وجل".
    وعن جابر رضي الله عنه قال: كنا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فهبَّت ريح مُنْتنَة، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أتدرون ما هذه الريح؟ هذه ريح الذين يغتابون المؤمنين ". (أحمد وغيره).
    وعن عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت للنبي - صلى الله عليه وسلم -: " حسبك من صفية كذا وكذا "، قال بعض الرواة: تعني أنها قصيرة، فقال: " لقد قلتِ كلمة لو مُزِجت بماء البحر لمزجته " (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).

    وعن أبي برزة الأسلمي والبراء بن عازب رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " يا معشر من آمن بلسانه، ولم يدخل الإِيمان قلبه! لا تغتابوا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم، فإِنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته، يفضحه ولو في جوف بيته ".(أحمد وغيره).
    وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: بينما أنا أماشي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهو آخذ بيدي، ورجل على يساره، فإذا نحن بقبرين أمامنا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إِنَّهما ليُعذبان، ... وما يعذبان إِلا في الغيبة والبول ". (أحمد وغيره).
    وعن أنس رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " لما عُرِج بِي مَررت بقومٍ لهم أظفار من نحاس يَخْمِشُونَ (يخدشون ويقطعون) وجوههم وصدورهم، فقلت: مَن هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم ". (أحمد وغيره).

    السلف يحذرون من الغيبة
    سمع علي بن الحسين رجلاً يغتاب آخر، فقال: إياك والغيبة، فإنها إدام كلاب الناس.

    وقال سفيان الثوري رحمه الله: إياك والغيبةَ، إياك والوقوعَ في الناس، فيهلِك دينُك.

    وسئل بشر بن الحارث عمن يغتاب الناس يكون عدلاً؟ قال: لا، إذا كان مشهورًا بذلك فهو الوضيع.

    وقال الفضيل: سمعت سفيان يقول: لأن أرمي رجلاً بسهم أحب إليّ من أن أرميه بلساني.

    وقال الحسن: والله! لَلغيبة أسرع في دين المؤمن من الأكَلةِ في جسده).

    وعن ابن سيرين : أكثر الناس خطايا أكثرهم ذكرا لخطايا الناس.

    علاج الغيبة
    أول العلاج أن يعلم من يقع في الغيبة أنه بذلك متعرض لغضب الله ومقته وأن حسناته تؤخذ منه فتعطى لمن اغتابه، فإن فنيت الحسنات أخذ من سيئات الآخر فوضعت عليه، فهذا والله أعظم زاجر عن الغيبة، ثم ليتفكر في عيوب نفسه ولينشغل بإصلاحها؛ فمن انشغل بعيوب نفسه لم ير عيوب الآخرين فضلا عن أن يقع فيهم، قال بعضهم:
    فإن عبت قوما بالذي فيك مثله فكيف يعيب الناس من هو أعور
    وإن عبت قوما بالذي ليس فيهم فــذلـك عــنــد الله والنـاس أكـبـر

    كفارة الغيبة
    إن المغتاب في الحقيقة قد وقع في جنايتين:
    الأولى في حق الله تعالى إذ ارتكب ما نهى الله عنه، فكفارة ذلك التوبة والندم.
    والثانية في حق المخلوق من الوقوع في عرضه، فإذا كانت الغيبة قد بلغت الرجل جاء إليه فاستحله وأظهر له الندم على فعله.
    وإن كانت الغيبة لم تبلغه جعل مكان استحلاله الاستغفار له والثناء عليه بما فيه من خير أمام من اغتابه عندهم.
    نسأل الله أن يحفظ جوارحنا من العصيان، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    (الإعلام بحرمة أهل العلم والإسلام، البحر الرائق في الزهد والرقائق).
    ---------------------------------------------------------------------------------
    عندما تُذكَر المعاصي لا يخطر ببال الكثيرين إلا المعاصي الجسدية، ويغفلون عن ما هو أشد منها، وهي المعاصي القلبية.. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (واعلم أن كثيرًا من الناس يسبق إلى ذهنه من ذكر الذنوب: الزنا والسرقة ونحو ذلك، فيستعظم أن كريمًا يفعل ذلك، ولا يعلم هذا المسكين أن أكثر عقلاء بني آدم لا يسرقون، بل ولا يزنون، حتى في جاهليتهم وكفرهم... ولكن الذنوب تتنوع وهي كثيرة الشعب، كالتي من باب الضلال في الإيمان، والبدع التي هي من جنس العلو في الأرض بالفساد، والفخر والخيلاء والحسد والكبر والرياء، التي هي في الناس الذين هم متفقون على ترك الفواحش).

    خطورة المعاصي القلبية:
    إن ذنوب القلوب ومعاصيها أكبر وأشد خطرا على صاحبها من ذنوب الأبدان، ولهذا قدم العلامة ابن حجر الهيتمي رحمه الله في كتابه "الزواجر عن اقتراف الكبائر" الحديث عن كبائر ذنوب القلوب على الكبائر الظاهرة التي ترتكب بالجوارح، معللًا ذلك بقوله: (الباب الأول: في الكبائر الباطنة وما يتبعها، وقدَّمتها؛ لأنها أخطر، ومرتكبها أذل العصاة وأحقر، ولأن معظمها أعمُّ وقوعًا، وأسهل ارتكابًا، وأمرُّ ينبوعًا، فقلَّما ينفك إنسان عن بعضها، ولقد قال بعض الأئمة: كبائر القلوب أعظم من كبائر الجوارح؛ لأنها كلها توجب الفسق والظلم، وتزيد كبائر القلوب بأنها تأكل الحسنات، وتوالي شدائد العقوبات).

    ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله: (والمحرمات التي عليه - يعني القلب - أشد تحريمًا من الزنا، وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر الظاهرة).
    وتلك المعاصي تمرض القلب (ومرض القلب وشقاؤه أعظم من مرض الجسم وشقائه).

    أقسام المعاصي القلبية وأمثلتها:
    ذكر ابن القيم أن المحرمات القلبية ضربان :
    الأول: ما يكون كفرًا، كالشك، والنفاق، والشرك، وتوابعها.
    الثاني: ما يكون معصية دون الكفر، وهي نوعان:

    أولا: كبائر: ومثّـل لها ابن القيم بالرياء، والعجب والكبر، والفخر، والخيلاء، وال################ من رحمة الله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله، والفرح والسرور بأذى المسلمين، والشماتة بمصيبتهم، ومحبة أن تشيع الفاحشة فيهم وحسدهم على ما آتاهم الله من فضله، وتمني زوال ذلك عنهم.
    ثم قال : (وتوابع هذه الأمور التي هي أشد تحريمًا من الزنا وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر الظاهرة، ولا صلاح للقلب ولا للجسد إلا باجتنابها، والتوبة منها، وإلا فهو قلب فاسد، وإذا فسد القلب فسد البدن.. وهذه الأمور قد تكون صغائر في حقه، وقد تكون كبائر بحسب قوتها وغلظها وخفتها ودقتها).

    ويشهد لما ذكره ابن القيم من أن معاصي القلوب في الجملة أعظم من المعاصي الظاهرة قوله صلى الله عليه وسلم: "لو لم تذنبوا، لخفت عليكم ما هو أكبر من ذلك، العجب". (البيهقي).
    وقوله لأصحابه وأمته من بعدهم: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر: الرياء". (أحمد).

    ثانيا: صغائر: ومثَّل لها ابن القيم رحمه الله تعالى بشهوة المحرمات وتمنيها، فقال: (ومن الصغائر أيضًا شهوة المحرمات وتمنيها، وتتفاوت درجات الشهوة في الكبر والصغر، بحسب تفاوت درجات المشتهي، فشهوة الكفر والشرك كفر، وشهوة البدعة فسق، وشهوة الكبائر معصية، فإن تركها لله مع قدرته عليها أثيب، وإن تركها عجزًا بعد بذله مقدوره في تحصيلها، استحق عقوبة الفاعل...).

    وقد دلت أدلة الكتاب والسنة على صحة ما ذهب إليه هؤلاء العلماء من تحريم هذه الذنوب.
    فمن الآيات القرآنية الدالة على بعض المحرمات القلبية، قوله سبحانه: {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ}(الأعراف:99).
    وقوله: {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ}(الحجر: 56).
    وقوله: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ}(يوسف: 87).
    وقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ}(الحجرات: 12).
    وقوله: {يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ}(آل عمران: 154).

    ومن الأحاديث النبوية في هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر". (رواه مسلم).
    وقوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل ينازع الله إزاره، ورجل ينازع الله رداءه، فإن رداءه الكبرياء، وإزاره العز، ورجل في شك من أمر الله، وال################ من رحمة الله". (رواه أحمد).
    وقوله صلى الله عليه وسلم: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".(رواه مسلم).
    وقوله صلى الله عليه وسلم: "الكبائر الشرك بالله والإياس من روح الله وال################ من رحمة الله". (رواه البزار).

    إنك ترى في هذه الأدلة كيف أن هذه الذنوب القلبية تجر على صاحبها العقوبات وتنسبه إلى الأوصاف الذميمة.
    والواقع في دنيا الناس أن كثيرا منهم يغفلون عن تلك المحرمات القلبية علمًا وعملاً، ومن ثم لا يستحضرونها عند تجديد التوبة من الذنوب. ونتيجة لهذا الجهل وتلك الغفلة، قد يتلطخ القلب بأدناس هذه المعاصي، وصاحبه لاهٍ غافل، فيمرض القلب وربما مات وصاحبه لا يشعر: وما لجرح بميت إيلام

    يقول ابن القيم: (وأكثر المتنزهين عن الكبائر الحسية والقاذورات في كبائر مثلها أو أعظم منها أو دونها، ولا يخطر بقلوبهم أنها ذنوب، ليتوبوا منها! فعندهم من الإزراء على أهل الكبائر، واحتقارهم، وصولة طاعاتهم ومنَّتهم على الخلق بلسان الحال، واقتضاء بواطنهم لتعظيم الخلق لهم على طاعاتهم، اقتضاء لا يخفى على أحد غيرهم، وتوابع ذلك ما هو أبغض إلى الله وأبعد لهم عن بابه من كبائر أولئك).

    وإنه ليخشى أن يكون للغافل عن المعاصي القلبية نصيب من قوله تعالى: {وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ . وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ}(الزمر:48).
    كما أنها قد تكون سببًا في سوء الخاتمة، يقول الإمام ابن رجب رحمه الله: (خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة لا يطَّلع عليها الناس).

    من أسباب السلامة من ذنوب القلوب:
    من أراد أن يتجنب الوقوع في المعاصي القلبية، فعليه أن يعمُر قلبَه بالطاعات القلبية؛ كمحبة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإخلاص، والتوكل، والخوف، والرجاء، والصبر، والرضا، والشكر، والصدق، والحياء، والإنابة، ونحوها، فهي سد منيع يحجز مَن امتلأ قلبه منها عن الوقوع في المعاصي القلبية، ومما يعين المسلم على ذلك أمور، منها:

    قراءة القرآن الكريم بتدبر وتفكر:
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله: (فلا شيء أنفعُ للقلب من قراءة القرآن بالتدبر والتفكر، فإنه الذي يورث المحبة والشوق والخوف والرجاء والإنابة، والتوكل والرضا والتفويض والشكر والصبر، وسائر الأحوال التي بها حياة القلب وكماله).
    وقال العلامة السعدي رحمه الله: (تدبُّر القرآن يزيد في علوم الإيمان وشواهده، ويقوِّي الإرادة القلبية، ويحث على أعمال القلوب من التوكل والإخلاص، والتعلق بالله، الذي هو أصل الإيمان).

    المدوامة على ذكر الله عز وجل:
    قال العلامة ابن القيم رحمه الله: من أراد محبة الله عز وجل، فليَلهج بذكره.
    قال سبحانه جل في علاه: {الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب}.

    طلب العلم الشرعي:
    قال الله عز وجل: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} (فاطر:28)، فمن طلب العلم ونيَّته الانتفاع به، وتزكية نفسه، أورَثه العلم الخشيةَ والتعظيم لله.

    الدعاء والتضرع:
    فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أسالك قلبًا سليمًا".(أحمد، والترمذي).

    المسارعة إلى التوبة
    امتثالا لقول الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(النور:31).

    نسأل الله تعالى أن يطهر قلوبنا من كل ما لا يرضيه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
    إسلام ويب....








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de