الإسعافات الأولية..عندما يساوي الوقت الحياة...

كتب الكاتب الفاتح جبرا المتوفرة بمعرض الدوحة
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-10-2024, 07:38 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2019م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-28-2020, 00:16 AM

سيف اليزل برعي البدوي
<aسيف اليزل برعي البدوي
تاريخ التسجيل: 04-30-2009
مجموع المشاركات: 18425

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الإسعافات الأولية..عندما يساوي الوقت الحياة...

    11:16 PM January, 27 2020

    سودانيز اون لاين
    سيف اليزل برعي البدوي-
    مكتبتى
    رابط مختصر



    الإسعافات الأولية ... عندما يساوي الوقت الحياة
    يكتسب الوقت قيمة كبيرة في الحياة، قد تزداد هذه القيمة أو تنخفض حسب الإحساس بأهميته، والقدرة على تحقيق الاستفادة القصوى منه، لكن ثمة ظروف ولحظات يبلغ فيها مؤشر أهمية الوقت حده الأقصى، خصوصا عندما يصبح فارقا بين الحياة والموت، فبضع دقائق – وربما ثوان – إذا ما أحسنت إدارتها واستغلالها قد تنقذ حالات من موت محقق كما أن نفس اللحظات قد تتسبب وبشكل مباشر في الموت إذا ما لم يتم استغلالها على النحو الأمثل، مجال الإسعافات الأولية وطب الطوارئ بشكل عام من المجالات التي تتعاظم فيها أهمية الوقت لحضوره كعامل أساسي وفيصلي في محافظة المصاب على حياته أو انتقاله إلى سجلات الموتى أو المعاقين في أحسن الأحوال.

    بشكل تفصيلي أصبح مجال الإسعافات الأولية من المجالات الضرورية والمهمة في الحياة العامة، وجزءً من الثقافة الصحية التي لا يسع أحدا جهلها مهما كان اختصاصه أو دائرة عمله، ذلك أن وسائل الرفاهية والدعة المعاصرة جلبت معها الكثير من نوبات الطوارئ الصحية التي لا بد لها من تدخل سريع يشكل إعادة لنفث دورة الحياة مرة أخرى في عجلة النشاط الصحي التي أصبحت تعاني من المرور بالكثير من محطات التوقف؛ فالسكتات بشتى أنواعها؛ السكتة القلبية والدماغية ونوبات ضعف التنفس أو توقفه قد تفاجئك في أي لحظة ودون سابق إنذار، ولا بد من إدراك تام بالكيفية اللازمة لإدارة والتعامل مع هذا النوع من الحالات حتى نستطيع المساهمة في إنقاذ نفس يساوي إنقاذها إحياء الناس جميعا، كما أن إصابات السير وحوادث الطرق والاصطدام والسقوط والارتطام هي الأخرى تمثل قدرا لا يستهان به من الحالات التي تحدث يوميا وبشكل متكرر على مقربة منا، وقد نكون - لا قدر الله – شاهد عيان عليها أو جزء منها؛ ذلك أن حضور الآلة وبشكل مكثف بكل ما تحمله من خصائص صلبة وميكانيكية حادة في نمط حياتنا اليومي زاد من مضاعفات الخطر، فالتسلح بسلاح المعرفة خير ما يعين على التفاعل بشكل إيجابي مع هذا النوع من المواقف .

    ولحسن الحظ فإن الدورات المتخصصة في مجال إسعاف حالات الطوارئ أصبحت متوفرة ويمكن الحصول عليها أو على الأقل مشاهدتها دون كبير مشقة، كما أن المراجع المتخصصة في هذا المجال الحيوي متوفرة وبكل اللغات، ويمكن تحقيق قدر لا بأس به من الوعي اللازم بثقافة التدخل الصحي في حالات الطوارئ من مجرد الاطلاع عليها وتطبيقها تحت إشراف المختصين، لكن ما نحب أن نلفت الانتباه إليه هنا هو بعض القواعد والخطوات العامة؛ المتعلقة باستثمار الوقت في إنجاح عمليات الإسعاف:

    أولا: لا بد من ضبط الأعصاب والتعامل مع الموقف بالهدوء والثقة اللازمين حتى يتسنى للمسعف مساعدة أكبر قدر من المصابين في وقت زماني قياسي .
    ثانيا: في حالات كثيرة قد لا يوفر محل الإصابة - بالضرورة – البيئة النموذجية للمعالجة ومن ثم فإن المسعف الناجح هو الذي يستفيد منه فقط بالقدر الذي يسمح بالمحافظة على صحة وحياة المصاب حتى يصل إلى أقرب مشفى أو نقطة صحية ليتلقى علاجا متخصصا.

    ثالثا: لا بد من ترتيب الأوليات فمثلا لا ينبغي الاهتمام بظروف وإصابات سطحية على حساب إصابات أعمق وأخطر، حتى الرعاية والاهتمام بالمصابين أو المرضى لابد أن تتناسب مع حِدَّة الإصابة ودرجتها؛ فعلينا تركيز العناية أولا على المرضى ذوي الإصابات الخطيرة التي قد تهدد الحياة مثل النزيف الدموي الحاد وحالات انسداد مجاري التنفس كليا أو جزئيا ثم العناية بمن هم أخف منهم إصابة ... وهكذا، وعلى مستوى المصاب الواحد يجب ترتيب العناية بالإصابات – في حالة وجود أكثر من إصابة – بالقانون ذاته؛ البدء بالإصابات الخطيرة ثم الأخف.
    رابعا: في حالة وجود مسعفين ذوي خبرة أكثر أو مهارات أكبر ينبغي إفساح المجال أمامهم توفيرا لجزء من الوقت الشحيح في مثل هذا النوع من الظروف.

    تبدو الطبيعة البيولوجية لتركيبة الكائن الحي حساسة تجاه الصدمات وحوادث الارتطام وهو ما يعط الوقت أهمية متعاظمة في حالات الطوارئ والحوادث وتدخلات الإنقاذ السريع، والأمثلة التالية خير شاهد على ذلك:
    • فقدان الدم عن طريق خروجه من الأوعية الدموية إلى خارج الدورة الدموية أي ما يعرف بالنزف الدموي بمعدل أكثر من 2,2 لتر للكبار و6 لتر للأطفال حسب الوزن يؤدي إلى قطع الأوكسجين عن بعض الأعضاء الحساسة والحيوية في الجسم مثل الدماغ والقلب مما يسبب لها التلف والوفاة.
    • لا يستطيع الدماغ أن يبقى حيا سوى أربع دقائق تقريبا بعد انقطاع التروية الدموية عنه، وهو أول الأعضاء تأثرا وموتا نتيجة توقف القلب عن النبض، وتوقف الدم عن الجريان في الأوعية الدموية .

    • النزف الدماغي الداخلي يمكن أن يؤدي من خلال الضغط على خلايا الدماغ إلى الوفاة في فترة لا تتعدى الدقائق حسب نوع ومنطقة الخلايا المتأثرة (دماغ، معدة، رئتين) .
    • تضيق المسالك الهوائية العلوية إلى حد الانسداد أو شبه الانسداد يؤدي إلى الوفاة إذا لم يتلقى المصاب إنعاشا رئويا وقلبيا في فترة لا تتعدى الخمس دقائق .
    • توقف القلب وفقدانه لوظيفته الحيوية يؤدي إلى موت محتوم ما لم يتلق المصاب الإسعاف الفعال وبشكل فوري، لكن فرصة النجاة تنخفض بنسبة 10 % مع كل دقيقة تأخير، وتنعكس أعراضه بشكل مباشر في فقد الوعي وعدم وجود نبض للمريض وتوقف التنفس تقريبا .

    كل هذه التظاهرات المرضية شائعة ومنتشرة في حالات الحوادث والصدمات الطارئة التي تحتاج تدخلا إسعافيا عاجلا، وكل هذا يجعل من مجال الإسعافات الأولية وسرعة تلقي المصاب لها بعد أقل فترة عقب الحادث أمرا ضروريا وهاما في النشاط الحياتي اليومي، لذلك فإن من إجراءات السلامة الضرورية - التي لا نعمل بها غالبا اليوم مع الأسف - اصطحاب حقيبة إسعافات أولية وإيداعها في الصندوق الخلفي للسيارة مثلا بعد الإطلاع على الإجراءات اللازمة لاستخدامها

    غني عن القول أن هذه الإصابات كلها أو بعضها قد تفاجئنا في أنفسنا أو في عزيز علينا أو في أي نفس بشرية لذلك فإن الاستعداد التام للتدخل في مثل هذه المواقف والتسلح بالأدوات والمعرفة اللازمة لإنقاذ النفس البشرية في مثل هذه المواقف يعد من الأهمية بمكان، وفيه استثمار للطاقة والوقت اللذين يساعدان بشكل كبير في إنقاذ حياة الكثيرين وتجنيبهم عاهات مستديمة كانت يمكن أن تقعد بهم بقية حياتهم أو تسلبهم حياتهم، ومن هذا المنطلق يؤكد اختصاصيو طب الطوارئ أن كل دقيقة تمر على المصاب من دون إسعاف أو تلق للعلاج تقلل من فرص هذا المصاب في النجاة والبقاء على قيد الحياة، لذا فإن الوقت هنا يعني الفرق بين الحياة والموت.
    --------------------------------------
    من الأقوال المأثورة عن العرب (الضعيف أمير الركب) ومنها كذلك: (سيروا بسير أضعفكم)، ومعناهما واحد، إلاّ أن الأول أبلغ؛ إذ يشير إلى أن الناس حين يكونون في سفر، فإن عليهم أن يسيروا بسير صاحب الدابة الضعيفة، وكأنهم يأتمرون بأمره، وذلك من أجل الحفاظ على وحدة الركب وتضامن المسافرين، وهذا القول الموجَز البليغ يصلح لأن يكون نبراساً ومرشداً في ترتيب أوضاعنا الاقتصادية، ولاسيما في هذه الأيام التي نجد فيها سباقات يومية محمومة لتسجيل أرقام قياسية في الكثير من مظاهر الحياة، وإن هناك من بذلوا الكثير من الأموال، كما أن هناك من خاطروا بأنفسهم من أجل الدخول في موسوعة (جينيس) للأرقام القياسية!

    إن العولمة هي حركة استثمار الأقوياء في الضعفاء، وبما أننا نعيش في عصر العولمة، فإن كل الأنظار مشدودة إلى ما يفعله الأقوياء، وإلى ما يؤسس للقوة والجبروت والتسلط؛ فقد أصبح القوي هو أمير الركب، وصار على الضعيف أن يتخلص من ضعفه، أو يتحمل قدراً هائلاً من المعاناة.

    ولعلي أقدم في هذه القضية الملاحظات الآتية:
    1- إن الله - تعالى - أرسل الرسل، وأنزل الكتب لهداية الخلق، وإشاعة معنيين مهمين، هما الرحمة والعدل، ولهذا فإنه يمكن للمنجزات الحضارية أن تستمر طويلاً إذا قامت على هذين المعنيين العظيمين، وإن حلول القوة في موضع الرحمة، والظلم في موضع العدل من أشد ما يعجِّل بحصول التدهور، والدخول في نفق الانحطاط.

    2- حين نركِّز على إبراز ثروات (المليارديرات) والأبراج الشاهقة والمصانع العملاقة، فإننا نولِّد مشاعر ومفاهيم زائفة حول التقدم والتحضر، مع أنني أسلِّم بأن لهذه الأشياء دلالاتها الخاصة المعبرة عن التحرك العمراني والصناعي، لكن الدفع بالإنجازات الكبرى إلى سطح الوعي يخفي تحته شيئاً سيئاً للغاية، هو إسدال الستار على الكثير من أشكال البؤس الإنساني؛ بسبب فقد العدالة، وتكافؤ الفرص، واختلال خطط التنمية، وتدهور التعليم...

    ومن هنا فإن المقياس الحقيقي للتحضر والتمدن هو ما نحرزه من نجاح على صعيد تحجيم مؤشرات الضعف في الأمة، وهي كثيرة، من أهمها:
    الجهل، والفقر، والمرض، والظلم والاستبداد، والإحباط، والانحراف السلوكي، والانكفاء على الذات.. إن علينا ألاّ نتحدث عن أعداد العاملين في المصانع، وإنما عن التقدم في تقليل الباطلين عن العمل، وألاّ نتحدث عن أعداد الذين حصلوا على جائزة نوبل، وإنما عما تمّ إنجازه على صعيد محو الأمية، وألاّ نتحدث عن عدد الأبراج في مدننا الكبرى، وإنما عن عدد الذين نقلناهم من (مدن الصفيح) لينعموا بحياة كريمة ومطمئنة..

    حين نفعل هذا فإن الضعيف يكون فعلاً هو أميرَ الركب.

    3- من الأمور البالغة السوء أن يكون (20%) من المجتمع قادرين على شراء كل شيء، وأن يكون (70% ) منه غير قادرين على الحصول على الضروريات! إن هذه الوضعية تُشيع العديد من ألوان الفساد في حياتنا الاجتماعية؛ إذ يصبح من المألوف أن ينحرف كثير من الناس بسبب الترف، وينحرف كثيرون آخرون بسبب الفقر والحاجة!

    ومع أن من المهم الإبقاء على حرية الكسب، وعلى أن يقطف المرء ثمار جهده، إلاّ أن من المهم جداً أن يكون لدينا نظم صارمة وواضحة تساعد على تقليل الفوارق الطبقية، وإن غياب تلك النظم أدّى إلى أن نجد في المدينة الواحدة مَن دخلُه ثلاثون ألف دولار، ومن دخلُه ثلاثمائة دولار، فكيف يمكن لأولئك وهؤلاء أن يشكِّلوا معاً مجتمعاً متلاحماً متراحماً، يحصل على فرص واحدة، ويسعى إلى تحقيق أهداف موحدة؟ إن اليابان تقدِّم نموذجاً في هذا الشأن؛ إذ إن الفارق بين مرتَّبات المدراء والعاملين في الشركة الواحدة هو في حدود تسعة أضعاف، أي أقل من (10%) من الفوارق الموجودة في كثير من شركاتنا ومؤسساتنا!

    أعتقد أن إصلاح هذا الخلل وإنعاش أوضاع الفئات الأشد بؤساً يتطلب عدداً من الإجراءات الصارمة:
    أ - تحديد حدٍ أدنى للأجور حتى لا يستغلَّ الغنيُّ الفقير.
    ب - تحديد حدٍ أعلى لرواتب كبار الموظفين وتحديد حجم المكافآت التي تمنحهم إياها مؤسساتهم وشركاتهم.
    ج - التشديد على أهمية إفصاح كبار الموظفين عن حجم ثرواتهم عند التعيين، وإلزام كل من يريد شراء منزل أو سيارة أو أي شيء آخر قيِّم بالإفصاح عن مصادر المال الذي يريد دفعه لذلك.
    د - تنشيط العمل التطوعي والخيري من أجل مساعدة العناصر التي تعيش في ظروف صعبة وقاهرة؛ فالعمل الخيري يشكِّل دائماً استدراكاً على قصور النُّظُم، كما يشكل كرَّة أخرى على طريق العدالة الاجتماعية.

    إن جعل الضعيف أميراً للركب قادر على تغيير حياتنا المدنية، وإضفاء مسحة جديدة على علاقاتنا الاجتماعية، وعلى رؤيتنا لمفهوم التضامن الوطني.
    --------------------------------
    آخر ما قرأت من الكتب كتاب (بسط حياتك) للمؤلف فرنرتيكي كوستنمخر بروفسور دكتور لوثر زايفرت، وهو كتاب عجيب يصل إلى أعماق النفس بقوة، وملخص رسالته أن عليك أن تتخلص من الحياة المعقدة وتبدأ حياتك السهلة البسيطة بلا كلفة ولا مشقة وأقربها جيبك فتبدأ بتنظيفه من الأوراق الزائدة والفواتير التالفة، ثم تأتي إلى مكتبك فتقوم بعملية ترتيب وتنظيم من جديد فتتخلّص من الأجهزة المعدومة والصكوك القديمة والعقود المنتهية والملفات المحفوظة من عهد عادٍ وثمود وتعود إلى بيتك فتتخلّص من الأثاث القديم المركون تحت الدرج وجنبات الأسياب وتعطيه الفقراء الذين يفترشون الغبراء ويلتحفون السماء.
    وتخفف من الأثاث الفخم الذي أشغلت به نفسك وأهلك وضيوفك وتضع كل شيء في محلّه وتخفف من التحف والصور والبراويز والمزهريات والهدايا والخرائط وشجر الأنساب الذي يلحقك بحمير ومضر الحمراء ومعد بن عدنان، ثم تعود إلى معدتك فتحاول أن تحجمّها ما استطعت ولا تهدد بها عباد الله عند السلام والعناق والضم والاحتضان بقلّة الأكل وترتيب الوجبات وتناول الفواكه والخضروات، ثم تمر على طريقك بجسمك المرهّل فتشدّه بالرياضة والمشي؛ لتعيش الحياة في أبهى صورها، ثم تنظّم علاقاتك الاجتماعية فلا تفتح ديوان الصداقة على مصراعيه وكلما لقيت شخصاً ولو كان ثقيلاً بارداً سامجاً مهبولاً مخبولاً اتخذته صديقاً وطلبت التواصل به لتضيف لحياتك هماً إلى هم وغماً إلى غم؛ فمن أكثر من الأصدقاء فقد أكثر من الغرماء.

    ثم تنتهي من الفوضى الاجتماعية التي نعيشها وهي حضور كل مناسبة وحفل وعزاء وزواج وعقيقة وتميمة ،وحضور الدوريات والاجتماعات التي لا تنتهي والتي تثمر الضغط والسكري والجلطة ونزيف الدماء والشلل النصفي مع ضياع الوقت طبعاً والعقل والصحة والمال والراحة، إن فكرة كتاب (بسط حياتك) هي حلٌ لمشكلاتنا الاجتماعية ويا له من كاتب بسّط لك الحياة وعرض لك الفكرة في أعذب أسلوب وأجمل طريقة وكنت قبل سنة كتبتُ كتاب (خارطة الطريق) وجئتُ ببعض هذه الأفكار وظننت أنني اكتشفت النظرية النسبيّة وإذا بالرجل يأتي بهذه الأفكار ويضرب الأمثلة ويذكر الشخصيات اللامعة المرموقة في التاريخ التي عاشت الحياة ببساطة، وأقول لك: كلما ترفّه الجسم تعقّدت الروح، حتى إن الكاتب يدخل معك في دولاب ملابسك ويقول: ما الداعي لتجميع عشرات البدلات والفنايل والقبّعات والأحذية؟ ولماذا تجمع لباس الصيف والشتاء والخريف والربيع مرةً واحدة وصاحب الثوب أسعد بالحياة من صاحب الثوبين؟ ونحن نظن أننا إذا أكثرنا من الملابس والكنبات والأحذية والغتر والتحف أننا سوف نسعد أنفسنا ونبهج خواطرنا، والصحيح أننا نعقّد حياتنا وندخل الهم والغم على أرواحنا وقد اكتشف الصديق العزيز أبو الطيب المتنبي هذه النظرية فقال:
    ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته ما قاته وفضول العيش أشغالُ

    والشاهد: (وفضول العيش أشغالُ) فكل زائد على حاجتك همٌ وغمٌ ونكد وقبل عشر سنوات رأيت الرئيس الأمريكي السابق بوش الأب العجوز العاقل المحنّك وقد سافر إلى جزيرة بشرق آسيا ومعه حقيبة ملابسه يحملها على كتفه يقول المعلّق: هذا كل ما لديه في هذا السفر، وهذا دليل على أن هذا الداهية الدهياء الذي حكم الولايات المتحدة الأمريكية بل قاد العالم قد اكتشف الحياة وعرف كيف يعيش، لكن المصيبة عند الذين لم يكتشفوا الحياة المادية والمدنية والرقي الحضاري الدنيوي ثم دخلوا في هذا العالم فجأة.
    مشكلتنا أننا دخلنا في التمدّن فجأة ودخلنا في التحضر بغتة كالجائع المهبول الذي أشرف على الموت ثم أُدخل على مأدبة فيها كل ما لذّ وطاب فأخذ يأكل باليمين والشمال، نحن بحاجة ماسة إلى ترميم حياتنا من جديد كما اكتشف صاحب كتاب (بسّط حياتك) وقد قرأتُ بشغف وهزّني بأفكاره الرائعة وإقناعه الباهر وأسلوبه المحبب للنفس حتى أنه يقترح دورات تدريبيّة لتبسيط الحياة وليت عندنا مادة تُدرّس بعنوان (الحياة البسيطة) ولقد عدتُ إلى مكتبتي فوجدتُ أن أوراقاً كثيرة وملفات وخطابات شكر قديمة لا داعي لبقائها فقد أصبحت بلا قيمة وإنما تأخذ حيّزاً في المكان والذاكرة والنفس ومثل ذلك قل: عن دولاب الملابس والمكتب والمجلس.

    وأشرف وأكرم ولد آدم هو رسولنا صلى الله عليه وسلم كان بسيطاً في حياته وبيته وكلامه ولباسه حتى نهانا عن التكلف والتعمق والتشدّق وقال له ربه: (ونيسرك لليسرى)، وقال هو: «يسروا ولا تعسروا»، «وإن الدين يسر»، ولهذا انظر كيف اكتشف أساطين الغرب الحياة البسيطة وكنتُ قبل سنة أتعالج في باريس وبينما نتناول طعام الغداء في أحد المطاعم وإذا بصاحبي المترجم المصري يشير إلى رجل جالس قريباً منا على طاولة أخرى وإذا هو الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك يتناول الغداء مع صاحبه بلا مرافقين ولا خدم ولا حشم ولا حراسة بل ببساطة وهدوء مع العلم أنه كان يحكم دولةً كبرى نووية تعطّل متى شاءت قرار مجلس الأمن وكانت تحكم ثلث الكرة الأرضيّة.

    بينما تجد عندنا من تعقيد الحياة والتكلّف في المعيشة وفي الطرق الاجتماعية ما يفوق الوصف لأننا لم ندخل في الحضارة المادية الدنيويّة كما دخلوا، والحضارة ترقق الطباع وتهدئ النفوس وتلطّف المشاعر ولهذا انظر لكثير من الفقراء عندنا إذا ملك أحدهم مالاً فجأة بنى عمارة من خمسة طوابق وليس معه إلا امرأته العجوز لكن منها أنه يشخص بالعمارة ويغيظ الحسّاد ويرضي الأنساب ويدحر العدو ويرفع رؤوس القبيلة إلى آخر تلك المعتقدات، فيا إخوتي الكرام تعالوا لحياةٍ بسيطة سهلة ميسّرة فالعمر قصير والزمن يطوينا طياً والوقت ليس بأيدينا والمال ليس معنا دائماً والظروف قد تكون ضدنا ونحن في رحلة استجمام في هذه الحياة وقريباً سوف نغادر فقد حُجزت المقاعد وأُعلن موعد الإقلاع واقترب الوعد الحق ويكفيك ما تراه في آبائك وأجدادك من كثرة توديع الأحياء، فهيا نخفف على أنفسنا من التعقيد والتشديد والتكلّف والتشخيص ويسروا ولا تعسروا والله معكم.
    --------------------------------
    يفتحُ الباب للثور الهائج لينطلق غاضباً مُسرعاً بكل قوة إلى الساحة متجهاً إلى المصارع مباشرة لينتقم منه ، الثور كبير ، عظيم البُنية ، هائج وغاضب ، وفي مواجهته مصارعٌ صغيرٌ لن يستطيع مواجهة الثور ولو للحظة ، ولكنه بدلاً عن المواجهة التي سيخسرها حتماً ؛ يستخدمُ المنديل الأحمر ، يُلوحُ المصارعُ بمنديله نحو اليمين ونحو اليسار ، يظهر مصارعٌ آخر بمنديل آخر يلوح به أيضاً ، وهكذا..
    يتشتت الثور عن هدفه الرئيسي - المُصارع – إلى مطاردة المناديل الحمراء المُلوحُ بها ، وهكذا يستغلُ المصارع أو المصارعون حالة التشتت هذه التي حتماً تُضعف الثور ، ويبدأون في غرس سهامهم واحداً وراء الثاني في رقبة الثور الهائج الذي أدركه الإعياء لطول مطاردته للمناديل ، ثم لا يلبث الثور أن يسقط تماماً ، وهنا يتمكن المصارع الصغير من هدفه عندما يجد الثور الهائج الكبير الذي ليس له به طاقة ، يجده أمامه ساقطاً بلا حراك ، فيُجهز عليه ، أمام التصفيق والتصفير من الحضور!

    هذه هي قصة مصارعة الثيران ، وهذه القصة بالضبط تتكرر كثيراً في حياة الأمم والشعوب ، وبما أن هذه التجربة ناجحة ، فإنها أصبحت خياراً جيداً يستخدمه أهل الأهواء والإفساد في تمرير مشاريعهم ، ففي سبيل إضعاف غضب الأمم والمجتمعات ، وفي سبيل تشتيت الجهد المجتمعي الرافض للفساد ، يستحضر المُفسد طريقة المُصارع والمنديل الأحمر، فيُسَوق لقضية هنا ، ويعلنُ عن قرار هناك ، وينشرُ أكذوبة هنا ، ويأمر بعملٍ إيجابي هناك وهكذا ليلتهي ذلك المجتمع أو تلك الأمة عن القضية الرئيسية التي أحفظتها وأغضبتها ، وتتشتت الجهود بين هذا الخبر وذاك وهذه وتلك وهكذا إلى أن تضيع البوصلة تماماً ، وينتصر المُفسد ، ويعود ذلك المجتمع بخسائر كثيرة ، فلا هو ربح معركته التي حارب من أجلها ، ولا هو حافظ على نشاطه واستخدمه في مشاريع أخرى! بل عاد منهكاً مهزوماً ، وربما استغفله المُفسد أكثر من ذلك فرمى له بقطعة صغيرة من الحلوى يلهو ويتمتع بها ، تُلهيه عن نفسه وعن ما يُصنع حوله ، ويلوحُ بها أمام أعين الشامتين أن انظروا : لقد ظفرتُ بهذه!

    ولهذا فإن المجتمع الناجح هو ذلك المجتمع الذي يعرف أولوياته جيداً وإذا سار في طريق نحو مطلبٍ ما لم تُلهيه عن مطلبه بُنياتُ الطريق ، ولا الأحداث المفتعلة ، ولا المناديلُ الحمراء الملوح بها هنا وهناك ، بل يسير في مهمته الرئيسية وهدفه الأساسي ، وكلما زادت المُلهياتُ والمناديلُ كلما زاد تركيزه أكثر على هدفه الأول لأنه يعلم أن ازدياد المناديل الحمراء ، دليلٌ قاطعٌ على صحة طريقه وأهمية هدفه ومبتغاه.
    هناك سببٌ مهم يقف خلف مثل هذا التخبط والجري خلف المناديل ، وهذا السبب هو غياب المشروع!

    فماذا يعني غياب المشروع؟
    معناه أن تظل ردة فعل للحدث الجزئي ، أن تبقى مستعداً متحفزاُ متوتراً بسبب وبلا سبب ، ترتقب خطوات المفسدين ثم تكون ردة فعلٍ لها ، أن تأتي في أعقاب الآخرين ، أن تكون كالأعرابي الذي غفل عن حفظ إبله ، فبيتهُ اللصوص وسرقوا إبله وذهبوا بها ، فلم يملك إلا أن صعد إلى أكمة ثم أوسعهم سباً وشتماً ! فلما أسفر النهار سأله قومه: مالذي حصل ؟ فقال مسرورأ متوهماً النصر : "أوسعتهم شتماً وساروا بالإبل!"

    وعندما يحضر المشروع ، وتتضح الفكرة ، يذهب كل هذا ، ويصبحُ الآخرون ردة فعل وأنت في المقدمة ، لأنك تبني ، لأنك تخطو ، لأنك تزرع ، لأنك ترى بناءك يكبر أمامك في طريقه إلى الصورة الكاملة المرسومة في ذهنك ، لأنك ترى بذرتك تنمو وتستوي ، تنشر جذورها في باطن الأرض وتبعث أغصانها عالياً ، أصلها ثابتٌ وفرعها في السماء ، عندما تكون هنا ، فأنت لا تهتم كثيراً لما يفعله الآخرون ، لا تنشغلُ كثيراً بحجم الدمار من حولك ، ليس لديك الوقت لأن يلهو الآخر بمنديله أمام عينيك ، لأنك ببساطة مشغولٌ بزرعك ، ببنائك ، عيناك تنظر فقط إلى غاية واحدة وهدف واحد ، وتغض طرفها عما سواه!
    وأصحاب المشاريع - سواء مشاريع مؤسساتيه أو فردية - هم الأكثر هدوءً ونفعاً وتعاملاً مع الأزمات ، تحل الويلات فيكونون أول من ينفض عن نفسه غبارها ، بينما من لا يملك مشروعاً ، يغرق عند أول موجه ويبقى يقاومها ويتتبعها ويشغل نفسه بها وربما ذهبت وأتت أخرى أقوى منها وأشد وهو لا يزال يلعنُ الأولى التي أتت وولت ، فلا يصرفه عما هو فيه إلا هدير الثانية ، ثم لا تلبث أن تُلقي به بعيداً ، وهكذا يضيعُ بين موجة وأخرى ، ولو صنع له زورقاً لكان قادراً على اعتلاء ألف موجه!

    ولهذا فإن أكثر الناس نواحاً وتشاؤماً مع أي حدث هم الأقل نتاجاً في الغالب فردياً ومؤسساتياً ، وذلك لأنه يتألم مما يفعله الفاسدون ، وزيادة ألمه عمن سواه ليس لأنه أغير أو أكثر هماً منهم ، كلا ، ولكن لأنه لا يعيش مشروعاً يعزي به نفسه ويرى فيه نتاجه ، بينما غيره – ممن لديه مشروع - يتألم أيضاً ويحزنه تمكن الفاسدين وأهل الأهواء ، ولكن ألمه لا يلبث أن يزول أو يخف لأن لديه ما يستحقُ أن يبذل فيه طاقته ، أو هو على الأقل راض عن نفسه عندما يرى بعض زرعه أمام عينيه مورقاً يانعا.

    الصالحون كلهم يتألمون عند رؤية المنكر وارتفاع صوت الباطل ، لكن هناك من يبعثه الألم ويُحييه ويجعله يبذل الطاقة في مشروعه الذي بين يديه ، وهناك من يزيده الألم ضعفاً فيكتفي بالويل والثبور وكأن القيامة غداً ونسي وصية نبيه صلى الله عليه وسلم : إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة ، فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل!

    أيها المصلح : ابدأ غرسك من اليوم.
    ------------------------------------------
    لقيت صديقاً قديماً فذاكرته في بعض أمور كانت بيننا فضحك وقال:
    لا تؤاخذني فإني أنسى عشاي البارحة!
    قلت: نعم؛ ولكن هيهات أن تنسى ذكرياتك الجميلة في حجر أمك، ومداعباتها، وقصص ما قبل النوم التي كانت تحكيها..
    حفظ الأسماء، والأخبار، والمبادئ، والأفكار؛ إحدى الميزات التي خصَّ الله بها آدم وذريته.
    النسيان حدَثٌ طارئ:
    نسي آدم معلوماتٍ وأحداثاً مرَّت به نسياناً مؤقتاً أو نسياناً دائماً، ونسي حالة معينة كان يعيشها أول ما سمع كلام الله له، نسي عهداً قطعه على نفسه: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} (115:طـه).

    هل نسيانه نعمة؟ أو رحمة؟ أو زلَّة مكتوبة لنفاذ القدر باستخلاف البشر؟
    كانت حالة ضعف أو غفلة أو ذهول، حالة صراع وتردد بين الإقدام والإحجام..
    حالة قصور في التذكر بسبب تحرك غريزة أخرى وسيطرتها مثل: غريزة الاستكشاف أو حب البقاء أو التملك أو الشهوة..
    نسي الحال التي كان عليها عندما عهد الله إليه.
    كثيرون يمرون بمرحلة إشراق وحماس ثم يعتريهم (فتور)؛ يجعل التأويل والتملُّص سهلاً.
    لم ينس المعلومة، لكن نسي أهميتها وجدارتها وشعوره القوي تجاهها أول مرة.

    ما هو النسيان؟
    هو أن تفقد معلومات..
    أو تفقد حيوية المعلومة وحرارتها وعمقها في قلبك وتأثيرها عليك.
    تشرق الفكرة عندي -أحياناً- بصورة رائعة، وأتحدث عنها مع أصدقائي بطريقة مؤثرة وفعَّالة ومقنعة..
    وبعد فترة أستدعي الفكرة فتأتي خاملة هامدة غير مؤثرة.. حتى كأنها غير الفكرة الأولى.
    بعض الكتب ليس فيها كثير معلومات، لكن فيها روح.
    ولذا كانت الكتابة، وكان أول من خطَّ بالقلم إدريس.

    نسيان الصداقة: (الحُر مَنْ رَاعَى وِدَادَ لَحْظَةٍ)؛ اتصال القلب بالقلب، وهج الرؤية الأولى، والانطباع الجميل، والتعلُّق المفاجئ.
    نسيان المصيبة التي تبدأ كبيرة ثم تصغر عكس ناموس الأشياء التي تبدأ صغيرة ثم تكبر.
    نسيان المبادئ والقيم؛ التي طالما آمن بها وضحّى في سبيلها، الحَوْر بَعْدَ الكَوْر، الرغاء بعد الهدير!
    نسيان المعروف الصادر منك إلى غيرك؛ (انسه وانس أنك نسيته)، واستذكار المعروف الصادر من غيرك إليك.
    نسيان الصدمة والصفعة: (اكتب المعروف على الصخر والإساءة على البحر)، والرجل يغفر وينسى، والمرأة تغفر ولا تنسى، فذاكرتها العاطفية لا تساعدها على النسيان!
    بقي ذنب آدم أمام عينيه حتى هرب من ربه حياءً وخجلاً.
    النسيان كان قبل، والذكر الدائم كان بعدْ، وظل إلى الأبد حتى يوم القيامة يذكر ذنبه ويعتذر عن الشفاعة!
    الخطير أن يحيط النسيان بالعبد قبل الذنب وبعده، ويمضي قدماً لا يلوي على شيء.

    تميز آدم بالذاكرة الإنسانية والحفظ ولذا وصف بالنسيان، النسيان استثناء في مقابل تعليم الأسماء كلها وإلهام اللغة، كما المعصية استثناء والأصل الاستقامة.
    (نسي ونسيت ذريته)؛ نسي المعلومة المتعلقة بإعطائه داود 40 سنة من عمره؛ قال -صلى الله عليه وسلم-: " إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمَّا خَلَقَ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَأَخْرَجَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ ذَرَارِيَّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَجَعَلَ يَعْرِضُ ذُرِّيَّتَهُ عَلَيْهِ فَرَأَى فِيهِمْ رَجُلاً يَزْهَرُ، فَقَالَ: أَيْ رَبِّ مَنْ هَذَا؟ قَالَ هَذَا ابْنُكَ دَاوُدُ، قَالَ: أَيْ رَبِّ كَمْ عُمُرُهُ؟ قَالَ سِتُّونَ عَاماً، قَالَ: رَبِّ زِدْ فِى عُمْرِهِ. قَالَ: لاَ؛ إِلاَّ أَنْ أَزِيدَهُ مِنْ عُمْرِكَ، وَكَانَ عُمْرُ آدَمَ أَلْفَ عَامٍ، فَزَادَهُ أَرْبَعِينَ عَاماً، فَلَمَّا احْتُضِرَ آدَمُ وَأَتَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ لِتَقْبِضَهُ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ بَقِيَ مِنْ عُمْرِي أَرْبَعُونَ عَاماً، فَقِيلَ إِنَّكَ قَدْ وَهَبْتَهَا لاِبْنِكَ دَاوُدَ، قَالَ: مَا فَعَلْتُ " (رواه أحمد والترمذي).
    وفي رواية لأحمد وابن سعد في الطبقات (وفيها ضعف كما قال ابن كثير): " فَأَتَمَّهَا الله لِدَاوُدَ مِائَةَ، وَأَتَمَّهَا لآدَمَ أَلْفَ سَنَةٍ ".

    كما ورث ذريته الذاكرة الجيدة؛ المصممة لبناء الحضارة وتطوير المعرفة، ورثهم النسيان المساعد على التكيُّف والتجدد وتجاوز العثرات..
    كلنا ننسى بعض أعمارنا، أو ننسى العمر كله؛ لأن العمر يطول ويتسع بالإنجاز والتأثير وعمل الخير.. وليس بعدد السنين فحسب.
    قد يهونُ العمرُ إلا ساعةً ... وتهونُ الأرضُ إلا موضعا
    أضف إلى عمر الطفل عند ولادته سنة فهي أهم مرحلة في حياته، وهي تحدد مساره، وصحته، وذكاءه، ومزاجه، وشكله، وأشياء كثيرة في حياته.
    الصينيون يعدُّون العمر منذ الحمل.
    الذاكرة انتقائية متنوعة: ذاكرة الأرقام، أو الأسماء، أو الوجوه، أو الأفكار، أو المبادئ.
    ما حُفظ في الطفولة يصعب نسيانه، هو نقش على الحجر.
    التعويد والتربية لصغير على أوراد الصباح والمساء، الصلاة، الكلمة الطيبة، الاعتماد على النفس، خدمة الغير، البر، والكرم، والجود، والفضيلة..
    حتى حين يشيخ المرء ويفقد بعض وعيه يظل محتفظا بأخباره وقصصه القديمة، وقد يبوح لجلسائه منها بما لم يسمعوه من قبل!
    ----------------------
    أهلك العالم أربعة: نصف حاكم ونصف فقيه ونصف نحوي ونصف طبيب، فنصف حاكم يفسد البلدان، ونصف عالم يفسد الأديان، ونصف نحوي يفسد اللسان، ونصف طبيب يفسد الأبدان، لأن نصف حاكم لا يملك الأهلية لإدارة الدولة كمن عطل الشريعة وتلاعب بالقانون وألغى الدستور وأصاب البلد كله بالشلل، ونصف عالم يفتي بالجهل أحياناً وبالظن أحياناً فهو شاك في معلومته، ليس عنده جوابٌ كاف ولا دواء شاف لكل مسألة، فليس بعالم محقق يوثق بعلمه، وليس بجاهل حتى يرتاح منه، ونصف نحوي يفسد اللغة فهو فصيح في كلمة، عامي في أخرى، لا هو بالذي تكلم بالبيان الناصع ولا هو أراح وارتاح فتكلم بالعامية البسيطة، ونصف طبيب فتح عيادته لإمراض الناس وقتلهم بدوائه، وصرف السم في علاجه، فهو الذي أهلك الأرواح وفتك بالأجسام.

    والأمة تحتاج إلى أهل البراعة في كل تخصص وهم الراسخون في فنونهم، فالحاكم القوي العادل رحمة من الله على الأمة وبركة على البلاد، فبقوته وعدله تنفذ الأحكام وتقام الحدود وتؤمن السبل ويقسم المال بالسوية ويحمي الأوطان ويدافع عن الكرامة ويبني مجد الوطن، والعالم الراسخ المحقق حجة في فتواه وقدوة في عمله وإمام في إصلاحه، فهو مربي جيل وصاحب منهج، يحمل مشروع الإصلاح وروح التجديد، والنحوي المتمكن من فنه يقيم اللغة ويحافظ على لسان الأمة ويرعى ثقافتها ويصون هويتها، والطبيب الماهر الحاذق يشفي الله به المرضى ويداوي به أهل السقم وينقذ به الأرواح.

    ومشكلة الكثير في بلاد الإسلام من نصف حاكم ونصف عالم ونصف نحوي ونصف طبيب، ولهذا تجد العوج في باب السياسة والخلل في المنهج العلمي والاضطراب في اللغة والضعف في الطب، وإلا كيف تفسر أن أمة المليار ونصف المليار لم تأخذ مكانها الطبيعي، ولا منزلتها اللائقة بها من السيادة والريادة، وهي أكثر الأمم سكاناً، وأغزرها معرفة، وأعمقها تاريخاً، وأكبرها ثروة، وأوسعها مساحة، فأين ذهب السكان والمعرفة والتاريخ والثروة والمساحة.
    إن الذي أذهب مقدرات هذه الأمة وجعلها في الصفوف الخلفية هم بعض الحكام والعلماء والنحاة والأطباء، وهم الذين يحملون أنصاف الأهلية فعطلوا مشروع النهضة، وطمسوا روح التجديد، ودمروا الثروة، وأوقفوا مسيرة التنمية، فعاشت أوطانهم في إعاقة عقلية ونفسية وجسمية، فبعض الدول الإسلامية لها مائتا سنة وهي (تفحط) مكانها، وتراوح محلها، وجاءت بعدها اليابان وألمانيا فسبقتها إلى الأمام ثلاثمائة سنة، واكتفت بعض الدول الإسلامية بالأهازيج الشعبية والأغاني الوطنية، ورفع أقواس النصر وصور الزعيم الملهم القائد الضرورة على المباني والجسور والكباري والمدارس والجامعات والمقاصف والمطاعم والمقاهي والحانات.

    والواجب على الأمة أن توقف نصف الحاكم ونصف العالم ونصف النحوي ونصف الطبيب عند حده، ولا يسمح لهم بممارسة تحويل الأمة والأوطان إلى حقول تجارب من الفشل والإحباط والضياع والإهمال، أكثر البلدان فقراً ومرضاً وجهلاً وتخلفاً هي الدول الإسلامية، لأن الكثير منها نحى الشريعة جانباً وأوقف عجلة التقدم، فلا حفظوا الأديان ولا صانوا الإيمان ولا طوروا الأوطان ولا أصلحوا البلدان، بل هم أهل هذيان وغثيان وخسران وخذلان، إن علينا أن نعيد فن التخصص في حياتنا فمن توجه لباب فعليه أن يحكمه وأن يجيد فيه وإلا فليتركه لغيره، الحاكم إذا فسدت أهليته لا يصلح أن يقود الأمة والعالم إذا اختل منهجه وضعفت معرفته يلزم بيته، وصاحب اللغة إذا لم يتقن فنه ويحكم علمه يمنع من مزاولة التصنيف والتلفيق، والطبيب الهزيل الهش الغبي يحجر عليه ويمنع من العبث بالأجسام واللعب بحياة الناس.
    islamweb








                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>

تعليقات قراء سودانيزاونلاين دوت كم على هذا الموضوع:
at FaceBook




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de