|
|
 الترابيون: حسن الترابي أنموذجاً
|
علي سعد الموسى*
وجميل جداً أن حسن الترابي ـ هكذا بلا ألقاب ـ توقف عند فتاوى أربع أو خمس. جميل أنه لم يفت بعد بحرمة عودة المطلقة البائنة حتى ينكح زوجها زوجة غيرها أو يفت بجواز زواج المرأة من أربعة رجال في ذات اللحظة.. أنا هنا لا أسخر ولا أمزح فكل ما كان يحتاجه حسن الترابي كي يصل بفتواه هذا الحد ليس إلا مزيداً من الوقت للقائه العابر على القناة الفضائية ولو أن برنامج اللقاء ازداد دقائق عشراً لوصلنا معه إلى الفتوى السادسة. وكما قال صاحبي ـ نصف المتعلم ـ بعد أن فرغنا من مشاهدة لقاء الترابي في قناة العربية: يبدو أن الشيخ حسن ـ شكها في الريوس ـ أكثر مما ينبغي وهو اصطلاح سعودي يطلق عادة على أهل التراجعات عن الموقف. والحق أن الترابي لم يتراجع عن موقف بل نضح بما فيه ككل السياسيين الحركيين المؤدلجين الذي يطيرون بجناحي السياسة والفقه فيختل ميزان أحدهما مثلما شاهدناه وشاهدنا فيه من سبقه: مجرد حمامة مائلة في الطريق إلى الأرض.
سبحانه مغير الأحوال. فبعد أن كان حسن الترابي مثالاً في الحركة السياسية لمنع الإسلاميين من الوصول إلى الحكم، أصبح لدى مريديه وأتباعه مجرد انتهازي ـ خالف ليعرف ـ بعد أن فاته القطار ووصل إلى خريف العمر.. وبعد أن كان حسن الترابي لدى الحركيين الإسلاميين قائداً للجبهة الإسلامية العالمية يحجون إليه ويأتمرون بتوصيات مؤتمراته، أصبح اليوم في نظر من كان معه تحت القبة مجرد غاوٍ يجب أن يحاكم. وبعد أن كان حسن الترابي بطلاً قومياً وإسلامياً وهو يحج بالوفود إلى صدام لتمرير احتلال الكويت، أصبح اليوم مجرد مطلب للقنوات الفضائية من أجل مزيد من الإثارة.. وبعد أن كان حسن الترابي مجداً يمجد في ـ مذكرة النصيحة ـ الشهيرة وعراباً جوهرياً لأفكارها، صار اليوم مجرد مخزن في نظر بعض من شاهدت تواقيعهم على ذات المذكرة سبحانه مغير الأحوال فما أشاهده الليلة على القنوات الفضائية يمكن اختصاره اختصاراً على أنه تمرد بين الطلاب وبين ناظر المدرسة.
كيف يمرر الحركي السياسي، الترابي أو غيره، أطروحته؟ الجواب باختصار: عبر قراءة الجو السائد وعبر الإيغال المباشر في عاطفة الناس وعبر اهتبال الموجة السائدة التي تدغدغ المشاعر.. وكأي حركي سياسي في عالمنا العربي في العقود الأخيرة، وجد الترابي المدخل إلى عواطف الجمهور عبر الدين :عبر جناح السياسة في جانب وجناح الدين في الجانب المقابل. يتشابك الجناحان في بعضهما البعض ليصبح الحركي السياسي طائرة تقلع فلا تهبط إلا إذا اختل ميزان أحد الجناحين. انظروا في قولبة معظم الحركيين السياسيين لتجدوا أن الحركي واحد من جناحين: إما فقيه خالص تنقصه الحجة السياسية وأدبيات الإلمام بهذه اللعبة يدغدع الناس بالسياسة عبر وسائط الدين ولولا خوفه من الشك العقدي لدعا في الجهر بولاية الفقيه وهي فتوى لم نصل إليها بعد، وإما سياسي خالص لا تحظى أطروحته السياسية بالقبول إلا عبر قولبتها بغطاء الدين وهؤلاء كثر: هم الذين يحتلون سوادنا الفضائي بجناح الفتوى حين قدموا إليها من مهن الطبابة والفيزياء والزراعة والتربية، بل حتى من الاختصاص في الأدب الغربي. أقفلوا القوس على أهله ثم أبحروا في النماذج.
تجرأ حسن الترابي على دخول أقواس لم يسبقها إليه عالم في تاريخ الفقه الإسلامي. ترك الآيات القرآنية الصحيحة جانباً ليختم بالقول إن الأديان كلها جاءت لتحرير الإنسان من القيود. تحرير الإنسان من القيود بكلمات الجملة الثلاث هو جوهر الحراك السياسي لكل الثائرين في تاريخ الحركات السياسية. الفارق في إخراجها من فم "تشي جيفارا" بفم الترابي أن الأخير لبس الجلباب والقلنسوة والعمامة، وشذب تفاصيل وجهه كي يخرجها حسب مزاج الجمهور السائد: في ثوب إسلامي وهذه المرة خانه الجناح الآخر لأنه كما قال صديقي ـ نصف المتعلم ـ شكها في الريوس ـ بأكثر مما ينبغي . هنا نحاول تشخيص شخصية حسن الترابي وهي بالقياس تصلح مدخلاً لتشخيص أقرانه من الحركيين السياسيين الذين يركبون جناح السياسة مردوفاً بسلاح الدين. لم يكن الترابي في الإرث الاجتماعي السوداني سليل أسرة تستأثر بذات الشأن الذي عليه عائلات عريقة مثل أسرتي المهدي والميرغني اللتين واكبتا بكل كفاءة بين المرجعية الدينية والإخراج السياسي، ومع هذا نجح في إقامة تحالفات تتباين بين المد والجزر وربما أوصله طموحه السياسي في ميكافيلية واضحة إلى علاقات رحم ونسب مع هذه الأسرة الدينية السياسية(متزوج من وصال المهدي، شقيقة رئيس الوزراء السابق الصادق المهدي) وللمفارقة فقد كان الترابي عراب الانقلاب الذي خلع الصادق المهدي من مقعده الديموقراطي حتى وإن زج بالترابي في السجن فترة قصيرة للتمويه ثم خرج منه إلى القصر الجمهوري مباشرة ليكمل المسيرة. لكنها الميكافيلية مرة أخرى التي أنهت أو كما يبدو مشواره السياسي بعد أن أخذ دوره يتعاظم كشخص لا يرضى بالظل وكشخص يظن أن له الفضل، كغطاء ديني، لتسويق الثورة. ولكي تكتمل الصورة لا بد أن يبدأ تحليل شخصيته، كأي حركي سياسي، عبر ميزان الجناحين الديني والسياسي.
نظر الترابي من حوله فوجد أنه شخص يمتلك البعد السياسي وطموح الأيديولوجيا السياسية ووجد نفسه في مراس مع المتغيرات السياسية من حوله بحكم طبيعة تعليمه والمنابت التي نشأت فيها مؤهلاته الأكاديمية (دكتوراه في القانون من السوربون). هنا اكتمل له ميزان الجناح السياسي لكنه وجد نفسه في الجهة المقابلة فقيراً إلى الأدوات الفقهية وفقيراً في عمق التخصص الديني. وفي مجتمع ميال للتصوف كالمجتمع السوداني لم يكن أمام الجناح السياسي للترابي سوى أن يركب جناح الدين ولو أنه عاصر قومية عبدالناصر أو بعثية صدام أو اشتراكية هواري بومدين لركب الجناح الذي سيكسب به، هذه هي طبيعة الحركي السياسي من هذا التيار، والترابي، مثل كل الترابيين لم يكن شاذاً عن القاعدة. أمام الحركي السياسي من هذا التيار ثلاثة أشكال من التلون بحسب المرحلة: إما بتغيير التكتيك ليظهر ما لا يضمر، وإما بالتراجعات عن المواقف المسبقة حين يجد أنها لا تحظى بقبول الاجتماع والسلطة في آن واحد، وإما باتخاذ خطوة تقدمية تحررية خارجة عن النص مثلما كان للترابي في كم الفتاوى الأخيرة.. بالمناسبة أنا لا أكتب عن الترابي بل عن أقرانه من الترابيين.
* كاتب وأكاديمي سعودي
http://www.alwatan.com.sa/daily/2006-04-16/writers/writers03.htm
|
|
 
|
|
|
|
ادريس خليفة علم الهدي
عبدالرحمن الحلاوي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست