|
Re: المهندس / الشقليني : أي ابداع يسكنك !!!!!!!؟ (Re: محمد الواثق)
|
إلى أحمد : لا خِلصَتْ حكاوينا ولا لقينا البِداوينا ! عبد الله الشقليني [email protected] هكذا كتب الشاعر: التجاني حاج موسى منذ ذلك الزمان ..
ذكرتك اليوم .. يا سيد الرفقة الحانية . قلت لنفسي :
ـ لقد كان رحيلك يا ( أحمد شامي ) لهباً وجمراً لا ينطفئ ، يا سيد الراحلين إلى الملكوت العالي ، يا بهي السُطوع .
اثنان وعشرون عاماً مضت على سماعي الأغنية المُفضلة لديك ( عِز الليل ) . لن تنتهي سيرتك الراحلة معي حيثما حللت ، ولا استطاب المجلس بدونك صديقاً بطَعم العُمر الجميل ، إلا و ينكسِر الفرح في رغوة تألقه ونفتقدك .
لن تُنسيني السنوات.. ولا عقدين والثالث في الطريق أنني وحيد بدونك . مُنكسر السيف أنا ، و الحرب لا تعرِف نُبل الفوارِس .
على مقوّد السيارة مساء ذات يوم كنتُ وحدي . بيدي دفعت شريط الكاسيت على مجراهُ المُخصص ، وبدأت آلة التسجيل في الغناء و بعثرة الذكريات والطريق رفيقٌ يتلوى :
ساعة النسمة تَرتاح ..على هَدب الدغش وتنوم
أنا مساهر ..
لو نـزعت كل ألقاب الدُنيا عن الشاعر التجاني حاج موسى ، وأقلته من منصبه الرفيع في إدارة الضرائب أو لجان النصوص أو برامج التلفزة ، فلن تنـزع تلك المَلَكة الكونية التي مَكنته أن يُسرج خيله ويُسابق عواصف وجداننا ، بحوافر شتتت الشرر وألهبت الذاكرة الدفينة منذ قرون سحيقة .
منذ اثنين وعشرين عاماً .. كنتُ على يمينك في سيارة صالون رُصاصية اللون . ذات شريط التسجيل وصوت الرائع ( النور الجيلاني ) يصدح ويتغنى بقصيدة : ( عزّ الليل ) .
اليوم وحدي بدونك ، أيها الحاضر في جسدي روحاً . الصوت الغنائي يرتقي بصليله عتبات الوجدان البهي . تآلفت الكلمة الصادقة الدافئة ، مع صبر النحَّات على التكوين :
أنا والليل .. ومُرّ جَفاك مُساهرين نَحكي للأفلاكْ ..
لا خلصت حكاوينا .. ولا لقينا البِداوينا
اغرورقت البلورتين التي بهما أنظُر . بدأ الطريق متكسراً من أمام بلور الأعيُن الدامعة . اهتز الجسد مما به ، تكثف العُمر في خاطرة . سألت نفسي :
ـ من يا تُرى رتب هذه البُرهة في مَجرى زماني التَعِس ؟
من يا تُرى أعاد الأغنية من صَدفة تاريخها القديم لتحبس أنفاسي في الطريق المُمهد الذي أسيره من مدينة لأخرى تبعد عن بعضها أكثر من مائتي فرسخاً ، وبلا رفيق ؟.
اختلطت الأوراق . هجرت الدُنيا بزخمها فصعدتْ إليَّ روحك الحُلوة يا أحمد . شمسُك بين الأضلع دافئة كأن غيبتك الكُبرى قولَ خُرافة .
الساكس يُلاعِب الجيتار ويحاوره . يأتلفان ثم يصطرعان ، يفترقان ويلتقيان ، وأنا المُعذب أعتصر الفؤاد الذي يدمي .
نعم : سنين مرَّت .. بَرَاكْ أدرى ..
وجُرحَك يا غرام الروح لا طاب لا بِدُور يبرى !
تأكدت هزيمتي ، وخُسارتي الفادِحة عند كل منعطف على أطراف الهِضاب العالية . لا الدمع يُشتت الذكرى ، ولا الأطياف الحالِمة تتبعني كلما توسدت سيرتك ، ولا هي قادرة على نـزع فرو البشرة التي شهدت نُمونا الفكري صفحة إِثر أخرى . كتبنا معاً ألواح الجسارة المُنضَدَة كنحتٍ في رُخام ، ليس منه فكاك . وجهك المُشِع ، ونظرتك الحانية من خلف النظارة الطبية السميكة ، تقول أن العُمر المُذهب بالعافية والنضار يُبشِر بالفواجِع والرحيل ! .
وتصفحت العُمر ورقة إِثر أخرى .. بأغنية تكاد تُزهق الروح :
ولو حاولتَ تتذكر ..
تعيد الماضي من أول .
تَلقَى الزمن غير مَلامِحنَا
ونِحنَ بِقينَا ما نِحنَ
عزيزنا ..أحمد .. يا أيها الصديق في البَهو السرمدي :
ألف سلام عليك .
لقد رفَّعك العُلو الماكِر إلى السماوات الباسِقة ذات يوم وحرمنا رؤيتك مرة أخرى . سحابة لا لون لها ولا رائحة ، أخذتك عنَّا عُنوَة .
لو إنتَ الزمن نَسَّاكْ ..
أنا مَا بَنسَى ..
عبد الله الشقليني
20/01/2006
| |
|
|
|
|