|
لا زال السودان وطن جميل ... أشياء من الذاكرة
|
لم يكن يظهر عليه سوى البؤس ومهانة الزمان من بعد عزة .. تردد كثيراً في الصعود إلى داخل الحافلة .. وأصبحت خطواته تتلخبط أمام بابها الذي كان غير مزدحماً بالركاب .. وكعادتي كنت أتابعه بدقة متناهية .. وأخيراً يبدو أنه قد حسم أمر ركوبه وملامحه توحي بأن هناك أمر ضروري في بحري يجب أن يلحقه .. وبعد طول تردد كان من بين ركاب حافلة الشهداء بحري .. وكان بيني وبينه شابة في الثلاثين من عمرها وتوحي لك بكل تفاصيلها أنها قروية .. فرق شاسع بينها وبين العاصميات اللائى أعرفهن ويميزهن كل الناس عندما تكون بينهن بنت القرية .. فآتانا الكمساري تسبقه فرقعة أصابعه وعندما كان الدور على أخينا المتردد .. نكس رأسه وقال بصوت منخفض ليس معي فطنطن الكمساري .. وتركه فأخرجت تلك الأخت من محفظتها خمسمائة جنيه .. ونبهت الكمساري على أنهم راكبين هي والمتردد .. فشكرها أخينا المتردد بحزن عميق منكساً رأسه .. وبعد قليل شعرت بها وهي تخرج محفظتها من جديد فأخرجت ورقة من فئة العشرة آلاف جنيه .. وكانت قد تأهبت للنزول تماماً عندما وقفت الحافلة في تلك المحطة وبينما هي نازلة وضعت الورقة فئة العشرة آلف جنيه في جيب أخينا .. فألجمته المفاجأة عن أن يشكرها حتى فهو ينظر إليها بذهول إلى نزلت وتخطت الشارع إلى الناحية الثانية وهو فاغر فاه وفي رأسه كثير من الكلام والشرح الذي يجب أن تعرفه هذه الأصيلة .. انتبهت أنا فجأة على صوت الكمساري ينادي بالمحطة القادمة فأدركت حينها أني قد فوت محطتي .. فنزلت من الحافلة وعدت إلى حيث أريد سيراً على الأقدام .
|
|
|
|
|
|