|
حوار مع الفنانة المسرحية د. نعمات حماد : دفعت ثمن اختياري
|
الحوار التالي مع الفنانة المسرحية الدكتورة نعمات حماد نشر بجريدة الاتحاد- الامارات - بتاريخ 30 يناير 2003 م
د· نعمات حماد: دفعت ثمن اختياري:
رائــدة المســرح الســوداني تحلـــم بالعــــودة إلى بلادهــــا
حوار - أحمد طه: الدكتورة نعمات حماد، وجه اعتاد جمهور المسرح في السودان على مشاهدته من خلال حضورها المتميز على خشبة المسرح او على الشاشة الصغيرة ومتابعة أداؤها المتميز من خلال الاعمال الدرامية التي كانت تقدمها عبر الأثير، الا أنها ولأكثر من ربع قرن غابت د·نعمات وهاجرت الى عاصمة الضباب نالت خلال هذه الفترة درجة الدكتوراه عن اطروحتها حول المسرح التعليمي في السودان من جامعة كارديف ولز ببريطانيا·
وقامت باعداد عدد من البرامج لاذاعةالـ BBC والقناة الرابعة والتلفزيون السوداني واليمني والراديو العماني، كما شاركت في مهرجان السينما النسائية بباريس 2002وقامت باعداد واخراج مجموعة من الأفلام الوثائقية والمسرحيات التي شاركت ايضا بادوار رئيسية فيها، وكانت قد قدمت لعنة المحلق بالمسرح القومي بام درمان والمطر والحصاد بالكويت وبغداد - والزرافة الراقصة ببريطانيا وكتبت لعدة صحف عربية منها لندن - الدستور - الشرق الأوسط - العرب الدولية - الحياة· وكانت تطل من حين لآخر على المشاهد السوداني من خلال رسالتها المصورة تقدمها من لندن· حزمت حقائبها وعادت الى الخرطوم حيث قامت باعداد فيلم وثائقي هام (طلبت عدم الافصاح عنه)· التقتها (دنيا الاتحاد) خلال زيارتها القصيرة الى أبوظبي، وحدثتنا عن تجربتها مع العمل في الاذاعة والمسرح في ستينيات القرن الماضي حيث قدمت في تلك الفترة سمرحية (في سبيل التاج) بمشاركة المطرب صلاح بن البادية وكان المسرح آنذاك يقوم بتقديم فقرات درامية من خلال الليالي الساهرة وكان لها الشرف أن تكون أول امرأة سودانية تقوم بالتمثيل في عمل درامي في التلفزيون وكان التلفزيون في تلك الفترة يقدم فقراته على الهواء آنذاك · وتناولت الاعمال التي قدمتها نعمات التحول الاجتماعي الذي حدث بعد استقلال السودان عام 56 ناقشت هذه الاعمال القضايا القومية للمنطقة وتهتم بترسيخ الاستقلال والتنمية والتعليم والقومية واثبات الذات·
دردشة
وتضيف د· نعمات: لم أكن أميل للاضحاك وكان لدينا ارث ابداعي وقضايا قومية يتطلب ترسيخها الجدية والايمان، وقد ألهمتنا تجربة نضال الشعب الفلسطيني ومعركة السويس كم هائل من الاعمال الابداعية ولم نكن نفكر في العائد المادي كثيرا· قمت بترجمة كل ذلك الى بنات جنسي من خلال الدراما في الاجهزة المختلفة لأن التعليم في تلك الفترة كان قاصرا على اكمال المرحلة المتوسطة أو الثانوية والالتحاق بكليات المعلمات أو التمريض للعمل كمعلمة او ممرضة عكس المرأة الأوروبية التي كانت تعيش في الخرطوم وتعمل في المؤسسات والشركات· كنا نسعى من خلال الدراما لترسيخ قيمة العمل عند المرأة وارتياد آفاقه المختلفة، كما كانت تلوح لنا قضايا اجتماعية مثل الزواج والاسره والاختلاط· وكنت اخاطب الجميع من خلال برنامج دردشة في الراديو· وهذا البرنامج كان يجعلني أشعر بأني اخاطب اهل الريف والمدينة وبصفة خاصة المرأة التي تتحمل مسؤولية تربية جيل صالح ومعافى، وكنت اضرب لهن الامثال برائدات الحركة النسائية في السودان كنموذج رائع، فالمرأة كائن بشري تملك امكانيات هائلة، اذا تم توظيفها توظيفا جيدا يمكنها أن تساهم مساهمة فاعلة في تطوير الموارد البشرية· وحول رأيها في دور المسرح تقول د·نعمات: كان عام 1967 نقطة تحول كبيرة في تاريخ المسرح السوداني الذي بدأ مبكرا مستلهماً التراث في الدراما وعرضت في تلك الفترة الكثير من الاعمال التي تهتم بهذا الشأن مثل - الملك نمر - خراب سوبا - بامسيكا - تاجوج - وكان المسرح في الثلاثينيات من القرن السابق رافدا هاما لدعم التعليم الاهلي بالموارد المالية وكان للفكي عبدالرحمن دوراً هاما عندما تم تعيينه عام 67 مديرا للمسرح القومي بامدرمان وكان واعيا ومدركا لذلك الدور الهام الذي يمكن أن يلعبه المسرح في تطوير المجتمع·
ثمن باهظ
وردا على سؤالنا للدكتورة حول اختيارها للعمل في مجال الآداب والفنون تقول: اخترت العمل في هذا المجال لأنني اجد من خلالهما نفسي ويتعمق لدى شعور بالرضا واحس بأني اقدم شيئا نافعاً لشريحة كبيرة من المجتمع وهن بنات بلدي وجنسي واقدم ما يفيد الانسانية، وكنت اعلم أن ذلك سيكلفني كثيرا وبالفعل دفعت مقابل ذلك ثمنا باهظا· وحول تجربتها في الكتابة والاعداد تقول د· نعمات: لاحظت تصورا كبيرا في تقييم المرأة على خشبة المسرح واقتصر ظهورها على المسرح في الادوار السلبية والهامشية او الاعتماد على جمالها او صوتها وكانت المرأة في الأعمال الدرامية مثل تاجوج تتحمل الخطيئة وحدها دون الرجل مما دفعني والراحل الفنان الشامل عبدالعزيز العميري لاعادة قراءة هذه الفانتازيا واعادة انتاج شخصية تاجوج من خلال مسرحية (لعنة المحلق) وفي ذلك رؤية جديدة لتلك الاسطورة الفريدة، وظفنا فيها الاحداث التاريخية توظيفا انسانياً وفكريا عميقين· بعد نجاح التجربة تشجعت على كتابة العديد من النصوص الدرامية وتتوج ذلك الجهد بفيلم الرقابة كأول فيلم تلفزيوني· قررت د· نعمات الهجرة الى أوروبا مباشرة بعد تخرجها في معهد الموسيقى والمسرح عام ·78 وكانت الغربة تجربة فريدة، تقول عنها: في معهد الموسيقى تعرفت على الادب العالمي وهاجرت بعد ذلك الى بريطانيا حيث منحتني الهجرة قدراً كبيراً من الحرية - حرية التناول والنظر للأشياء من كل الزوايا لأن المجتمع الانجليزي مجتمع انصهرت فيه كل الثقافات وملتقى هام للفنون والادب فشارع السفورد يتحدث بكل لغات العالم - تتداخل فيه السحنات ويرتدي ازياء كل الشعوب وفيه تتباين امزجتهم واسلوب حياتهم خاصة بعد تزايد طلب الهجره من دول العالم الثالث الى انجلترا· وبعد مرور ربع قرن على غربتها، تحلم د· نعمات بالعودة الى السودان وانشاء ستوديو للانتاج الفني يضم كل الزملاء الذين عملوا معها في السابق واتاحة الفرصة للمواهب الواعدة وأضافت: في هذا الاستوديو سوف اقوم باستيعاب الكتاب والمصورين والممثلين اخصص فيه مرسما للفن التشكيلي واجعل منه مكانا يوفر مناخاً اكاديميا وابداعيا وسيكون باكورة الانتاج عملا سينمائيا باسم (الطريق الى كرن) وهو فيلم حربي حول المعارك التي نشبت في اريتريا خلال الحرب العالمية الثانية - وتستدرك: كلما بعدت عن السودان اكتشفت أن فيه زحماً من المواد التي تلهم المبدعين في كل المجالات بفضل المكونات الثقافية التي يتمتع بها السودان الذي يشكل (قارة بكل المناخات)·
|
|
|
|
|
|