|
مذكرات رجل هوائي-1
|
قررت أن أتمرد ! لن أذهب إلى العمل اليوم ، ولا لأي مكان ، لن أفعل ولو أدى ذلك إلى قلب موازين العالم رأساً على عقب ! سئمت كل ذلك الضجيج المروع للمدينة الحمقاء ، سيارات لا يتوقف أصحابها ذوو الرءوس البالونية من تعذيب أبواقها التي تصرخ كل حين ، وأناس يعدون هنا وهناك كأنما يطاردهم ملك الجن الأزرق ! لا أدري كيف يعيش هؤلاء ، أكاد أقسم أن معظمهم سيموت بنوبة قلبية حادة قبل سن الأربعين ! والعمل ! آه من العمل ، أدور حول نفسي كل يوم كطاحونة كبيرة غبية ، أدخل هنا وأخرج من هناك ، أصيح في هذا وأشتم ذاك ، هؤلاء الموظفون الذين سقطوا سهواً من رواية البلهاء الثلاثة ( بعد أن تم استنساخهم بالطبع ! ) ، أكاد أصاب بعته مزمن بسببهم ! لن أذهب ، لن أذهب ، لن أذهب ! وبعد أن هدأت حدة أفكاري ، جلست أحتسي فنجان قهوتي الصباحي في هدوء بعيداً عن تذمر زوجتي من كل شئ (حمداً لله فقد هرعت إلى عملها مسرعة هذا الصباح دون أن تجد الوقت الكافي حتى لتلقي علي نظرة ! ) ، سامح الله أم محمد فبسبب تركها خدمتنا ( إلى غير رجعة ) لم ينم أحدنا – أنا وزوجتي – حتى الثالثة صباحاً ! لكني لا ألوم أم محمد ، فلو كنت مضطراً لاحتمال صراخ زوجتي الهستيري لأكثر من 3 ساعات في اليوم الواحد ، لرميت نفسي من السطوح دون شك ! أخذت نفساً عميقاً من سيجاري المفضل حين سمعت جرس الباب ، قمت متثاقلاً لأفتح ، فأجد أمامي عجوزاً أكل عليها الدهر " جميع وجباته " وشرب " من البحر أعتقد ! " قطبت وأنا اعتقدها أحد الشحاذين ، وهممت بإغلاق الباب حين خاطبتني في أدب : أنا آمنة يا سيدي ، خادمتكم الجديدة ! بالتجاوز عما تلى ذلك من فغر فاهي في بلاهة ، ثم دعوتها للداخل في ريبة ، ومراقبتها وهي تنظف وتغسل وتجلى الأواني في نشاط ، وانا ادخن سيجاراً تلو الآخر، أحسست أني أصغر وأصغر لحد الإنكماش الكلي ، ونظرت حولي لأجد قطع الأثاث عمالقة ترميني بنظرات نارية ، وأنا أرتجف خجلاً من نفسي ! فحين أشكو أنا من عملي كمدير محترم ، يكفي دخلي لإلحاق ابني بأفضل الجامعات الأميركية ، تدندن هذه العجوز التي قضت عمرها في خدمة إجبارية لا تنتهي ، وهي تعلم أن دخلها قد لا يكفيها لإطعام أسرتها بقية الشهر ! أطفأت سيجارتي المسكينة في حنق ، وارتديت بذلتي ، وقدت سيارتي في صمت إلى عملي الحبيب !
|
|
|
|
|
|