|
ماذا يريد الانقاذيون بالسودان؟
|
الأربعاء 5 ذوالقعدة 1423هـ - 8 يناير2003 -العدد 166
ماذا يريد الانقاذيون بالسودان؟
اضاءة سودانية، بقلم: د. حيدر ابراهيم علي
يفترض ان الجبهة الاسلامية القومية حين استولت على السلطة في الثلاثين من يونيو 1989 انها مثل كل الاحزاب العقائدية كانت حسنة النية رغم السذاجة في كثير من الاحيان ـ وكانت تعتقد بقدرتها على حل كل مشاكل السودان جذرياً ونهائياً. وهذا ما يبرر الاساليب غير المعتادة التي قد تطبق بعد الاستيلاء على السلطة على أساس ان اي عقبة تقف معوقاً في سبيل «الثورة» لابد من مواجهتها بحسم. ولكن اختبار حسن النية يأتي حين تبدأ المشاكل والسلبيات في الظهور وبوضوح، ومع ذلك يكابر النظام ويدخل في مغالطات وتبريرات لا يقتنع القائلون بها انفسهم بصحتها ومنطقيتها. وهنا علينا ان نتشكك في نوايا مثل هذه النظم الشمولية المكابرة. لذلك يتساءل المرء حين يرى ما يدور في الساحة السياسية: ماذا يريد الانقاذيون من هذا الوطن بعد ان فعلوا به ما فعلوه؟ الا يكفي ما حدث خلال 13 عاماً.
قفز هذا التساؤل الى ذهني بإلحاح حين طرحت في الصحف السودانية فكرة انشاء حركة شعبية لتحرير الشمال من جنوب السودان وما حوته من دعوة صريحة لفصل الجنوب عن الشمال او العكس ممكن ايضا. وامتلأت الصحف بنقاشات تترك مزيدا من الالتباس والابهام والحيرة في عقول القراء.
ولكن هذا هو المطلوب فالدعوة للانفصال في مثل هذه الظروف الدقيقة هي تعبير عن موقف آني ووقتي يهدف الى خلق بلبلة في قضية مباحثات السلام ويتمنى البعض توقفها ثم فشلها. وموقف استراتيجي فكري كامن في رؤية الحركة الاسلامية للوطن والوحدة الوطنية والتعدد، اذ بينما نرى ان الوطن يمكن ان يضم اثنيات وأديان وثقافات عديدة، لان الرابط هو حق المواطنة، يرى أغلب الاسلاميين ان العقيدة هي الوطن وليس الحدود الجغرافية والتاريخ الواحد والمصالح المشتركة. وهذا يفسر منح جواز السفر السوداني لكثير من غير السودانيين خلال 91 ـ 1996 بحكم روابط تنظيمية اسلامية وللمودودي كتابات صريحة في موضوع الوطن والامة.
يهمنا الان اكثر، الموقف الآني والوقتي اي توظيف دعوة الانفصال لافشال مباحثات السلام. والدعوة التي احتواها مقال نشر في ثلاث صحف في اليوم نفسه بعضها وثيق الصلة بالنظام يدل على وجود تيار قوي داخل السلطة يدعم هذا الاتجاه. كذلك متابعة التعقيبات تدل ـ من الاسماء ـ على العناصر التي لم تكن اصلا مرتاحة لخطوات السلام الراهنة، وارسلت باستمرار اشارات تبدي فيها تحفظات تجاه عملية السلام وتحاول استغلال الحركة وتضخيم بعض الاحداث وتصعيد التوتر عوضاً عن تجنب العدائيات حقيقة. والعدائيات هي ليست اطلاق النار فقط بل اطلاق الشائعات والتصريحات المثيرة للخلاف، اكثر ضرراً احياناً من استخدام البندقية. فقد حاول هؤلاء استغلال احتلال توريت ثم عدم لقاء قرنق للنائب الاول لرئيس الجمهورية في ابوجا ـ نيجيريا. وهذه الايام دارت مناوشات في مناطق انتاج البترول، قد تكون سبباً في تأجيل الجولة المقبلة.
ومن المؤكد وجود عناصر ضمن الطرفين ـ كما ذكرت في مقالات سابقة ـ متضررة من السلام.
الدعوة المحمومة للانفصال المقصود بها وقف عملية السلام والأهم من ذلك تأليب واثارة دول بالذات العربية وتخويفها من الخطوات الحالية وحجب تأييدها للسلام. وبالفعل تجددت التخوفات عند بعض الدول، وأصبحت ماشاكوس تعنى الانفصال، كما أصبح تقرير المصير يعنى بالضرورة الاستقلال. اتمنى ان تجد مثل هذه الدعوات من يتصدى لها بجدية وبعيدا عن الاثارة وتزييف الوعي.
قد يكون احتمال الانفصال وارداً وعلى المستوى الشخصي لو خيرت بين استمرار الحرب او الانفصال لاخترت الاخير. اذ لم تعد الحرب مجدية وبالمناسبة ايضا لا نريد اي سلام عن طريق البندقية كما قال الرئيس البشير قبل ايام في شرق السودان. فليقف الجميع مع خيار السلام وارجو ان تفكر الانقاذ مرة واحدة في الوطن والمواطنين بعيدا عن حسابات الايديولوجيا وتثبيت السلطة مهما كان الثمن وبالفعل كان الثمن حتى الان غالياً ولم تتوقف الانقاذ لحظة لمراجعة الذات والانصات لصوت الضمير لكي تقتنع ولو لمرة واحدة بأن نوايا الانقاذ طيبة وحسنة.
|
|
|
|
|
|