ظننت الغربةَ شنطةْ، يحملها شخصٌ سائرْ، تُملأ حزناً حتى، تفيض حنيناً ثائر

الغربة

ظننت الغربةَ شنطةْ
يحملها شخصٌ سائرْ
تُملأ حزناً حتى
تفيض حنيناً ثائر
بدموع تُذرف صمتاً
يذرفها جرح غائر
ما كانت تلك الغربة
أبداً، فالوصف مغاير
الغربة عقد جائر
الطرف الأول فيه
وطن مظلوم ظالم
والطرف الثاني فيه
شخص مخدوع حالم
يحلم بفراقٍ أبديٍ
لجحيم الوطن الفائر
لم نختر أبداً غربتنا
لم نخرج إلا من قلة
فالغربة صك عبودية
صك نشريه بأنفسنا
صك ممهورٌ بالذِلة
وغلاف الصك ملون
صكٌ أخضر
صكٌ أحمر
صكٌ لا لون له
مملوء أملاً وسراباً
وعليه صورة طائر
يبحلق فينا مرتاباً
والكل يبحلق حائر
من يرغب في ضيفٍ لاجئ ؟
أعياه سراب الوعدْ
بداخل صكه أختام
من كل بقاع الأرضْ
فأنا أحياناً لاجئ
وأنا أحياناً فرضْ
وببعض الأحيان الأخرى
أضطر وأصبح زائر
الغربة وجع أبدي
لن يصبح يوماً ذكرى
لن تصبح يوماً بلسم
لسحابة دمع يترى
في ليل خريف ماطر
الغربة لوحة فنانٍ
معزولٍ في عَتمةِ مرسم
لا يملك حساً أو فكراً
أو حتى يوماً يتبسم
يمزج ألواناً لا تُمزج
فالبارد يمزج بالفاتر
واللزج يلون بالخاثر
في غربة وطن حتمية
الريشة تقتل آلافاً
ونسمي ذاك الأممية
واللون يلوث أضعافاً
في ثورة فكر عجمية
والبسمة تصبح إسرافاً
لتظل الغربةُ إسمية
فالغربة أنواع شتى
لا يتقنها غيرَ مغامر
يحزم في جدٍ ما يملك
وبصمت الليل يغادر
لكن ما ذنبي يا غربة
فأنا دوماً حظي عاثر
كنت صغيراً ذاك اليوم
ذهبت لأبتاع الحلوى
من طرف الحي
فرأيت الناس تظاهر
ودخلت اللُجة لا أدري
ما سر البركان الثائر
احتضنُ وريقات النقد
وأنا أهتف ضد الظلم
"هذا يكفي" يهتف أغبش
"يكفي القهرُ" يرد الأطرش
حتى الأعمى
أبصر مثلي لهب الثورة
جاء الدرك المؤمن ليلاً
حول البيتِ أكمل دورة
طرق الباب، ففُتح لوحده
قالوا لأبي، طفلك هذا
وحشٌ جائر
كيف سيبلغ مبلغ رشده ؟
نظر إلى تبسم بسمة
بسمةُ حائر
قال خذوه هناك بعيداً
فغداً يدرك معنى الوطنِ
حين تدوْر عليه دوائر
حين ينام بليل الغربة
حين يحدق في النجماتِ
حين يناجي كل غمامةْ
كل مسافر
في الظلماتِ
وينظم شعراً في ليلاه
ينادي فيه الطيف الزائر
فهو سيعلم حين يراه
أن تراب الوطن الغالي
لا يتوفر في منفاه
وأن القهر بأرض الوطن
أجمل قهرٍ، قهرٌ عابر

علاء الدين
06/01/2003