|
الإبداع السوداني .. وغيابه الإعلامي
|
شكرا للصحفية سميرة الخروصي صاحبة " مقاربات " =================================================
الإبداع السوداني .. وغيابه الإعلامي
لا شك أن كل تغير يطرأ على البشرية لا بد أن تقف وراءه قوى اجتماعية ، ترى في هذا التغيير مصالح هامة لها ، وعليه استغلت بعض المجتمعات تلك الإمبراطورية التكنولوجية ( الصحن الفضائي ) أمثل استغلال في سبيل نشر فنونها و ثقافاتها المختلفة ،ونود التوضيح من ذلك سياسة الدور الذي يلعبه الإعلام في حياتنا العامة ، فمن خلاله تعرفت الشعوب ببعضها وبتعدد ثقافاتها ومن خلال الفضائيات استطعنا التعرف على كثير من مبدعي العالم العربي من سياسيين و أدباء و فنانين وهي شخصيات مثلت أولا و أخيرا أقطارها وبلدانها .
وفي ظل التبادل الإعلامي الواسع بين الفضائيات العربية لاحظنا وبشكل واضح غياب الأعمال السودانية و بالتالي غيابها عن عين المشاهد العربي ، فمن خلال متابعتنا لقناة السودان الشقيق استشعرنا وجود مبدعين حقيقيين فيها على المستوى الفني و الأدبي بشكل عام ، فقناة السودان عموما محطة فضائية متفردة ولها خصوصيتها في طرح كل ما هو جاد و مقبول ، بخلاف بعض ما تتحفنا به الفضائيات العربية من برامج تكاد تكون متشابه في الطرح و الشكل و المضمون ولسنا بصدد الحديث عن سلبيات الفضائيات العربية فهي واضحة للجميع وضوح الشمس في أول اطلالتها الصباحية .
وحيث ان السودان يزخر بمواهب أدبية و فنية فانه بحاجة إلي النهوض و الظهور و الارتقاء بمبدعيه على كافة المستويات من خلال التبادل و التعاون الإعلامي الكبير ، فنحن لا نشاهد الأعمال الفنية السودانية و حتى الأدبية في أي محفل أو قناة عربية ، إذ يقتضي أن تلاقي هذه الأعمال الانتشار المستمر والخروج من قوقعتها الجغرافية المحدودة مما قد يؤكد النظرة الخاطئة عن الإبداع السوداني بأنه يعاني من التقوقع و الانغلاق حتى أمام ثورة الفضائيات وهي نقطة العبور إلي باقي الثقافات . ولأن الطاقات الإبداعية الكامنة في حاجة إلى التفجير المستمر فقد يسبب لها العجز والإخفاق و بالتالي الانطفاء . فمن المسؤول إذن عن غياب أو عدم ترويج الأعمال السودانية التي تعرفنا عليها من خلال قناة السودان فقط ؟!
ومن الجانب الأدبي مثلا ، لم تمر علينا كثير من الأسماء الأدبية في الساحة الثقافية السودانية أو أنها لم تجد فرصة الانتشار ، فوجود اسم ( كالطيب صالح ) مثلا .. هذا الرجل البسيط القادم من الجنوب والذي علق في إحدى المجلات العربية ببساطة و طيبة أهل السودان : ترى هل أنا طيب و صالح ؟ ، لا يمثل إلا جزءا بسيطا أمام ما تزخر به السودان من أعلام أدبية هي طي الذوبان .. فلماذا جُـعلت عرضة للانطفاء و الانمحاء و التآكل ؟ . وهناك أسماء لا تحضرنا حقيقية لكننا استطعنا متابعتها - بمحض الصدفة - في البرامج الثقافية بقناة السودان و التي استشعرنا من خلال استضافتهم لها بتألقها و نجوميتها ومكانتها الخاصة ولكن على نطاق ضيق لا يتعدى الحدود السودانية !! .
أما على المستوى الفني .. فقد تابعنا الكثير من الأعمال السودانية التي استحقت المتابعة من برامج و مسلسلات مختلفة لا تقل في طرحها الدرامي عن باقي الأعمال العربية للسودان والتي لاحظنا تميزها بعقلانية الطرح بعيدا عن الاستخفاف بعقل المشاهد كتلك الكوميديا الرخيصة التي تقوم على رقص مجموعة من المهرجين بين مشاهد عاقل وفنان مجنون .. أو العكس ! ، وبما أننا نؤمن بوجود تهريج عقلاني فإننا نؤمن كذلك بوجوده في حدود المعقول و المقبول فقط ! .
إن الإعلام يعتبر ( ثقافة ) و الثقافة هي تعبير عن هوية الأمة شأنها في ذلك شأن الأمة نفسها، وحيث ان الأمم لا تستطيع العيش بمعزل عن بعضها البعض فالثقافات هي الأخرى لا تلتقي ببعضها ما لم تجد متنفسا للخروج ، فانتقال الأعمال و الأفكار كالتبادل الإعلامي الذي يسمح بإخصاب و تعميم التطور الحاصل بين المجتمعات العربية على كافة المستويات الأدبية و الفنية و السياسية يساعد على دفع التواصل الانتمائي لدينا وان وضع الحواجز أمام انتقال الثقافات يعكس الخوف على أفكار و أعمال أصبحت غير قادرة على الدفاع عن نفسها وبالتالي حرمان هذا المجتمع من التقدم . نحن إذن بصدد انتظار أعمال مستقبلية سودانية تجد طريقا لها إلي باقي الفضائيات العربية .
سميرة الخروصي
|
|
|
|
|
|