عندمــا غـاب الأبيــض عــن الألــوان

ظلت اناملها متحجرة على الريشة المنتصبة أمام تلك العلبة التى تأهبت لمنحها القربان ..عيناها تشخصان فى مساحة من العدم دون ان تطرفا ..تململت الالوان فى جلستها متزمجرة من طول الانتظار ..عدا هو .. كان يرقبها بحيرة ودهشة متسائلا عن سر هذا الانطفأ فى مقلتها..اعتزم فى نفسه - هذا الابيض- ان يعيد اليها القها والبريق ..قفز عاليا باتجاه الحافة اليسرى من الرمش الخامس فى الجفن الاسفل ..تعلقت اصابعه بحافة الحافة وكاد ان ينزلق ويتكسر على خدها..شهقت العلبة مع قفزة الابيض حتى كاد ان يتوقف نبضها ..احست كل الالوان بغيابه ..صديقه الازرق نذر ان لا يتدفق انهارا فى بعده ..اخضره تاه عن الوديان وضاع منه البصر فوجد نفسه يتخذ الطحلب مسكنا بدلا عن الاشجار ..الرمادى تملكه الفقد وادرك انه لا محالة هالكا فى غمرة العتمة الى سواد تام ..انشغل الاحمر بتأمل نفسه وهو يسائلها متى يبدو اكثر جمالا هل بقرب الابيض الغائب أم فى مجاورته لهذا البرتقالى الفاقع ؟ ..قطب السماوى ما بين حاجبيه باحثا عن من يرد عليه وهو يصرخ ..هل يعنى هذا ان لن تكون هناك سحبا بعد الان؟..أنزوى الاصفر فى خجل وهو يجد نفسه يتبسم فى دواخله ممنيا نفسه بالتفرد بين الالوان فلطالما اكلته الغيرة من تسيد الابيض على مملكتهم ..أشتاقه البنفسج كثيرا ولم يبارحه اليقين بانه سيعود ..أحس الاسود بشلالات الحنين تنهمر من بين جنبيه وهو يبتهل الى الله ان يرجع اليه رفيق عمره ويسلمه من كل أذى

زحف الابيض باطرافه باتجاه منتصف الجفن فى محاولة للتشبث به ..أغمضت هى عينها قليلا فى ارتماشة مفاجئة فكان الرمش السادس ضحية لذلك وسقط متهاويا على ياقة قميصها.. ارتكزت قدم الابيض اليمنى على منتصف الجفن وارتفعت اليسرى قليلا فى تأهب للقفز ..وقد كان ..قفزة ناجحة ألقت بالابيض فى منتصف سواد مقلتها ..هناك استلقى وتمدد..وتنفس الصعداء فرحا بانتصاره ..مع كل زفرة منه كانت تخرج حزمة بياض مشرق تغمر عيناها فتزدادا اتساعا ..شيئا فشئيا تحركتا فى التفاتات صغيرة يمنة ويسرى ..وفجاءة تحولتا عن مساحة العدم فى أشارة من مصدر الالهام برغبة فى رسم شئ على تلك الرقعة الخشبية ..وكان ان القيتا كل اتساعهما على علبة الالوان معيدة اليها أبيضها فى نظرة رائعة ..شهقت العلبة مع عودة الابيض وعادت كما كانت بعد ان قذفت لعينيها ..فقداوحنينا واشتياقا ..!!ـــــ