|
|
 كيف تكون متحدثاً لبقاً
|
في زمن المصادر .. لم تعد ملكة الحديث والتكلم حقاً مشاعاً لعباد الله فقد سنت الهيئة العالمية لآداب الخطابة المتفرعة من الوكالة المركزية للثرثرة المفيدة قواعد صارمة للكلام تجعل الموافق لها نجماً ساطعاً وخطيباً بارعاً يسير مع الحجاج كفرسي رهان ويتبع قس بن مساعده حذو الساعد بالساعد. أما إذا لم يتبع الفرد هذه القواعد فعلى حديثه السلام فسيدخل من أذن ويخرج من الأخرى.. وليصل لربه ويدعو.. إذا لم تناله يد أو تدركه تقذيعه أو تضايقه تلك الحركة السقيمة من قلب الشفتين أو عقد الحاجبين!! وأولى هذه القواعد.. هي أن تسمع صاحبك ما يريد.. وأن تحدثه بما يتوافق مع ما إندرس في أقبية دماغه الملتوية من تعاليم ورؤى. وإذا لم تفعل فلا تلومن إلا نفسك، "وعلى نفسها جنت براقش". عزيزي.. في عالم الأنا الصارخة ليس من حقك أن تخالف ما يريد صاحبك وإلا كدرت صفو حياته وأفسدت رغد عيشه واضطررته محرجاً لأن يقمعك قمعاً كقمع الحجاج لأهل العراق وكان يضربك ضرباً بالسوط أو باللسان أو بكليهما كضرب غرائب الأبل!!
وثاني هذه التعليمات.. هي أن لا تتعرض للأمور الحساسة والخطيرة والبعيدة عن مقدارك ومقدرتك. فأنت "يا رويعي الغنم" لا تستطيع أن ترقى مرقاً صعباً كصدر "أبا جهل" الأكثر منك علماً وحلماً وأدباً ودراية بالخطير والممنوع والحساس!! وإذا لم تعجبك هذه القاعدة الراسخة في عالم المتحدثين فأجمع كل قطن الدنيا واجعله في أذنيك حتى لا تسمع "دبوس"، "ما عنده موضوع"، و"يهذرى" .. بل قد يتشطط صاحبك فيرميك بتهم عربية فصيحة كالزندقة، والسفسطة والهرطقة وغيرها من المصطلحات العروبية القحة !!
وهناك قاعدة أخرى وهي أن تطعم كلامك العربي ببعض الكليمات من لغة "الخواجات" فتبدو كأحد أولئك المثقفين العرب الذين وصلوا إلى قمة الإبداع العربي بعد سنوات طويلة من الكفاح والنضال والاستيراد والتطعيم!! ومن المستحسن أن تدمج الفرنساوي مع الإنكليزي مع الياباني حسب طبقة المستمعين لكي تحوز على الإعجاب وتشرئب لك الأعناق وتصبح أسطورة المجالس!!
وفي الختام .. انتبه للشكل والهندام. فصاحبك "الأوستوقراطي" (تطبيقاً للقاعدة الثالثة) لا يهتم بفكرك ولا آرائك ولا حماسك الزائد في صفصفة الكلام وترقيعه ولكنه ينظر إليك وبقيمك مادياً حسب النظم المحاسبية الصارمة وعلى أساس من قاعدة "الربح والخسارة" !! فإذا شعر بأن عندك ما تؤكل به الكتف وتنعم به النفس الأمارة بالتوافه فطب بالاً وأسترح وأسترسل في الكلام "فالحديث ذو شجون". أما إذا شعر بأن ما عندك لا يساوي مشقة الاستماع وصعوبة الابتسام وتكاليف هز الرأس بالموافقة فلا تتعب نفسك وتحرق أعصابك فإنك إنما تضرب على طبل أجوف وتحفر في بئر مالحة!! هذا ما لزم .. لمن أراد التكلم أما من أراد الصمت فالصمت حكمة والسكوت من ذهب
|
|
 
|
|
|
|
اساسي
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست