|
Re: الوجه الآخر لقطر وقناة الجزيرة بقلم محمد � (Re: Yasir Elsharif)
|
أول مرة أقرأ لهذا الكاتب السوداني الشاب. وبحثت فوجدت له مقالات أخرى سأضع بعضها عسى أن تكون مفيدة.
ـــــــــــــــــــ من سودانايل بتاريخ 25 ديسمبر، يعني بعد بداية ثورة 19 ديسمبر الجارية على قدم وساق. ـــــــــــــــ
حناجر ضد الثورة: ماذا بعد إغتصاب "الفرنسية"؟ .. بقلم: محمد كمال الدين التفاصيل نشر بتاريخ: 25 كانون1/ديسمبر 2018 جذابةٌ خلابة! ذوابةٌ أخاذةٌ سلابة! تتهافت على قربها الحشود؛ و تتدافع على إقتباس شيء من عبقها أجسادٌ و أرواحٌ و عقولٌ مخمورة بحبها. في تسعينات القرن الماضي، عجز الأنيق كمال الدين عن الإيقاع بمعشوقته المستعصية. و عانى طويلاً من قُرب حبيبٍ ما إليه وصول. و لما آلمه الظمأ ، قرر أن يموت عطشاً على أن يرتوي غيره حباً. هكذا أرسلني والدي إلى مدرسة إبتدائية فرنسية لأنظم أبياتاً فولتيرية و أتشبع حرية مونتسكية. كان أبي يعلم بأن اللغة الفرنسية تعشق الحناجر الصغيرة؛ تتفنن في النحت على حبالها الصوتية المرنة. و تستعصي على الحناجر العتيقة المتصلبة؛ بإستثاء اللواتي ترضين الركوع عند أدبها الملائكي و التعبد عند محرابها الصوتي الجميل. اللغة الفرنسية ليست للجميع! يبدأ صباح المدرسة الفرنسية بشلالات من الBonjour الرومانسية لينتهي على ألحان Charles Aznavour التي كانت مدام هاريكو تسمعنا إياها. كان أزنافور قديساً جليلاً في هذه المدرسة: الكل يعشقه. فهو أبو السيد الفرنسي الذي زاوج رونق اللغة الفرنسية و سحر الأوتار الكلاسيكية. مات أزنافور منذ أشهر. و لكن سحر الBonjour لم يمت. إنه سحر من نوع خاص... ---- قبل سنوات، كان تلفزيون السودان القومي (في إطار الفشخرة أو "كسير الثلج" لا أدري) يبث نشرة أسبوعية بلغةٍ أسماها المخرج "فرنسية". يطلع علينا في هذه النشرة، رجل وسيم، معتدل السمرة أي "أصفراني" مطابق لمواصفات البث السودانية و لله الحمد. يمثُل الرجل أمام العدسة في شموخ جلابي رصين. و يستخدم لغة جسد تنم عن كفاءة عالية و ثقة متزنة. هكذا المذيعون "ولا بلاش"! جاذبية الشكل و التموضع فيهم تطغى على فحوى المقول. و من ثم تتخبط شفاه الرجل في كل إتجاهات الجغرافيا. و تنبعث من حنجرته طلاسم "بلغمية" مزعجة جداً يتوهم المذيع و المستمع معاً بأنها لغة فيكتور هيقو. و ما كانت إلا لغة ضفادع ود العقلي! كانت لغة المذيع سيئة للغاية: سيل من "التطاقشات" الحروفية المتنافرة بسحنة حلقية سودانية. عجين لغوي قبيح و مهين لموسيقية اللحن الباريسي الدافئ. لا أعتقد بأن السفير الفرنسي كان يحضر هذه النشرات. الفرنسيون يعشقون لغتهم و قد صارعوا من أجل نشرها الأمم و بقروا لإعلاء شأنها البطون. نشرة بهذه الركاكة قد يعتبرها أبناء "دي قول" إهانة للشعب الفرنسي و يمكن أن تخلق أزمة دبلوماسية خاشقجية. دعوت ذات يوم صديقاً فرنسياً لتناول "التقلية" في بيتنا الخرطومي المتواضع. و لسوء الحظ طلع علينا عبد الملك النعيم في الشاشة "يجغفس" اللغة الفرنسية "جغفيساً" شنيعاً. إحمر وجه الصديق و ثقلت التقلية في فمه. إبتلع لقمته بصعوبة ثم نهض من المائدة و قال في حرقة : لماذا يتركونه "يغتصب"الفرنسية؟ -- يقول كال نيوبورت (Cal Newport) في كتابه "العمل العميق" (Deep Work) بأن الإبداع ثمرة عمل منتظم و عميق و ليس مصادفةً أو أمراً فطرياً. و يشدد على أن العائق الأساسي للإبداع هو السطحية و الإفتقار للعمق و التركيز. يدعونا كال لإيقاف السياحة الذهنية و التركيز على أمر محدد نعمل عليه بإنتظام صارم. لقد كان أزنافور نموذجاً رائعا للعمل العميق. فقد خلف الرجل وراءه إرشيفا فنياً مبدعاً. و ترك إرثاً صوتياً يشهد على ليال الكد و الإجتهاد المرَكَّز الذي حدثنا كال نيوبورت عنه. و حينما إنتقل أزنافور إلى رحمة مولاه، شيعت جثمانه آلاف مؤلفة من البشر و بكيناه كما بكينا الحوت من قبله. أولئك قوم زانوا اللغات و لم تزنهم. أما أرشيف النعيم الفرنسي فهو عارٌ على هذه اللغة و عارٌ على السودان. آه كم كان يحكي عن الإفتقار للعمق و التركيز! بحثت من دون جدوى عن آثاره في كل مكان؛ و إحتار اليوتيوب في الطلب. رباه لك الشكر! فقد إختفى هذا الأرشيف المخزي في إحدى قاطرات "قطر عجيب" الخلفية. لقد أخطأ التفزيون القومي في حق اللغة الفرنسية و الشعب الفرنسي و الفراكفونيين أجمعين. و أخطأ في حق طلاب الفرنسي المحبطين من توزيع الوظائف الواجهية بالولاءات لا بالكفاءات. و أخطأ في حق الشعب السوداني الذي خدعه و باعه بضاعة فرنسية مزيفة في سبيل التلميع لأحد أبواق النظام. --- ما علاقة هذا بالثورة؟ بثت هذا المساء قناة روسيا اليوم العربية (RT Arabic) لقاءاً مع ذات الحنجرة النعيمية المُحبِطة. و كعادة هكذا حناجر، صوبت ألسنة اللهب في وجه الثورة و الثوار. و بسط النعيم لأبيه الإنقاذ فراش المعاذير و المؤامرات الخارجية. و ألقى مسؤولية الجوع و الظمأ الشعبي على عوامل الإقتصاد الخارجي و ميتافيزيقا اللاإنقاذ. إغتصاب آخر يا نعيم؟! اليوم تحرق مفارش الطغيان ! فالثورة ماضية ماضية. و أسباب الجوع الحقيقة -التي إستؤجرت الأبواق لدسها-، إنما هي بائنة بينونة كبرى: هي السطحية و الإفتقار للعمق و التركيز الذي يمثله النعيم و أقرانه. سيظل جمهور العاشقين للفرنسية على عهد الحب مع مبدع العمل العميق أزنافور. و سيحاولون تناسي ذكرى الإحباط النعيمي الذي دب في نفوسهم ذات مساء. فما حلقات النعيم إلا نقطة في محيط الإغتصابات التي إرتكبها نظام الإنقاذ. --- إخواني/تي، إن أبواق الإنقاذ تنشر نفاياتها الفكرية على شاشات التلفاز. فسدوا الأنوف و امضوا في سبيل الخلاص! حي على "العمل العميق" (Deep Work) من أجل توحيد الصف في وجه الشمولي! حي على العمل العميق من أجل التصدي لتكتيكات الإلهاء التي ينتهجها الدكتاتور! --- آه كم أحلم بوطن يعمل بعمق على ملف الخلاص.. كم أحلم بوطن تسقط فيه أقنعة السطحية كم أحلم ببناء وطن عريض يسع الجميع...
محمد كمال الدين [email protected]
| |
|
|
|
|
|
|
Re: الوجه الآخر لقطر وقناة الجزيرة بقلم محمد � (Re: Yasir Elsharif)
|
وهذا مقال آخر نشر في السودان اليوم بتاريخ 19 أغسطس 2018 ــــــــــــــــــ
سيّد القرود وسيّد البركاوي: نهر النيل تنبيهاً .. بقلم: محمد كمال الدين (أبوكمال) 19 أغسطس، 2018 السودان اليوم
هنالك أسطورة صينية من القرن الرابع عشر للمؤلف ليو جي تطرح موضوع الثورة السياسية بطريقة جيدة.
كان يعيش في ولاية تشو الإقطاعية رجل عجوز، و قد إستطاع هذا الرجل البقاء على قيد الحياة من خلال إحتفاظه بقرود لخدمته، و كان أهالي تشو يسمونه جو غونج أي “سيّد القرود”.
كان هذا الرجل العجوز يجمع القردة كل صباح في ساحة و يأمر أكبرها أن يقودها للجبال لجمع الفاكهة من الأشجار. و كان سيّد القرود يفرض على قردته قاعدة و هي أن يعطيه كل قرد عُشر ما جمع ، و كان يعاقب كل قرد يتخلى عن ذلك بجلده دون رحمة. كانت معاناة القرود عظيمة و رغم ذلك فإنها لم تجرؤ على الشكوى مطلقاً.
و في يوم من الأيام سأل قرد صغير الآخرين قائلا “هل زرع الرجل الهرم جميع أشجار الفاكهة؟ فأجابوه “لا”.
فقال “ألا نستطيع أن نأخذ الفاكهة دون إذن من العجوز؟ فأجابوه “نعم نستطيع”
فقال القرد الصغير ” لماذا إذاً نعتمد على الرجل العجوز؟ لماذا علينا أن نخدمه؟”
فهمت القردة جميعها ما كان يرنو إليه القرد الصغير حتى قبل أن تنتهي جملته. و في نفس الليلة و عند ذهاب الرجل الهرم إلى فراش النوم حيث ذهب في سبات عميق قامت القردة بتمزيق قبضان أقفاصها جميعها، كما أنها إستولت على الفاكهة التي كان العجوز قد خزنها و أخذها إلى الغابة. لم تعد القردة إلى الغابة بعد ذلك اليوم أبداً، و في النهاية مات العجوز جوعاً.*
****************
أسطورة سيّد القرود هذه ليست أسطورة فقط. بل هي واقع معاش في عالم اليوم. القرود هي الشعوب المحكومة بالحديد و النار و المذعنة لسطوة القوانين و دهاليز البيروقراطية. و العجوز جو غونج هو النظام الشمولي بما يحتكره من قواً تشريعية و تنفيذية؛ و بكل سياساته الرامية إلى تعظيم منفعته الشخصية من خلال الإستيلاء على ما ليس له و إستغلال عرق الكادحين. أما الفاكهة فهي الثروة الوطنية التي حُقَّ للشعوب تقاسمها بعدل. ذلك العدل الذي يأخذ بعين الإعتبار إحتياجات المواطن الأولوية و الجهد الفردي المبذول في سبيل قطف هذه الفاكهة. فبأي حق يستقطع العجوز جو غونج من القرود جزءاً من الفواكه المجنية؟ و بأي حق يتنعم أهل السلطة بخيرات البلاد التي هي حق لأهلها الكادحين؟
كانت قرود ولاية تشو ماهرة جداً في قطف الثمار و مدركة لكمية الفاكهة التي تكفي لسد رمقها اليومي. أما خدمات الرجل العجوز فلم تكن لها أدنى دور في رفع الكفاءة الإنتاجية للقرود؛ بل كانت مجرد آلية تعطيل مغلفة في ثوب سلطوي. لكن المثير للسخرية و الدهشة في آن واحد هو أن المجتمعات البشرية لا تختلف عن هذه القرود كثيراً في تعاملها مع الأنظمة الدكتاتورية ؛ فهي أيضاً تدرك سبل التكسب و إستغلال الموارد المحلية. وهي أدرى بحوجاتها الأساسية و الثانوية من أي وسيط منتفع. لكن الفرق يكمن في أن قرود ولاية تشو أفاقت من سباتها و أدركت بأنها واقعة في فخ العبودية الطوعية لإله مزيف. فقررت أن تكفر بهذا الإله و تتركه يموت جوعاً. من ثم عادت للعمل الجماعي تقطف ثمارها من دون جلاد يهين كرامتها و من دون جبّاي يسرق عرقها. أما نحن الآدميون فلازلنا نعبد إلهنا المزيف و نعري ظهورنا له ليجلدنا بسياط الإستغلال كل يوم. إننا لا ندرك قيمة قوانا الجماعية و نحتقر حكمة الجماهير!
يا سادة، إن جو غونج اليوم هو النظام الشمولي بمؤسساته القهرية و متاهاته الدواوينية و تجاهله لمطالب الشعوب.
****
بالأمس إكتشفنا تجاهل سيّد البركاوي لمطالب أهالي نهر النيل الذين فقدوا إبتسامات صغارهم في عمق المياه. نسأل الله لهؤلاء الأبرياء داراً خيراً من دارنا و لأهليهم صبراً جميلاً. و لكن ربما هذه الأرواح هي شرارة الثورة كما كانت روح القرشي شرارة أكتوبر.
آن لنا أن نتعلم من قرود تشو بأن جوغونج لابد أن يموت جوعاً. و أن السبيل إلى تحقيق الرفاهية و صون الكرامة هو العمل الجماعي الدؤوب لا الإمتثال إلى السلطة الفوقية.
الكرامة لأصحاب الأرض و الهلاك لسيّدا القرود و البركاوي معاً !!
—
*القصة منقولة من كتاب جين شارب : من الديكتاتورية إلى الديمقراطية
و الله أعلم
| |
|
|
|
|
|
|
|