قصة : وجبة سخينة **************** امتلاءت مقاعد الحافلة بالركاب حتى المقاعد الصغيرة المتحركة بين المقاعد الرئيسة، يمين ويسار لم تخلو من راكب، السائق بدأ التعامل مع آلة الحركة ومن ثم أجهزة إرتقاء الحافلة من على سطح الارض، اضحت تنساب كانها "بساط ريح" ومن ينظر تحتها من خلال فتحات الزجاج؛ يرى بوضوح آثار مياه وزيوت على الاسفلت، مخلفة وراءها محطة وسطى يتماوج خلالها الناس يرومون التسوق او يرحلون من حيث اتوا، الركاب كأن على رؤسهم الطير، كل منهم منشغل بجهاز اتصاله الزكي، مساعد السائق (الكمساري) يرفع صوته منبها أن الحافلة وجهتها (اللفة) وبالعكس، فرك أصبعيه الابهام والاوسط، محدثا صوتا معهودا يميزه الركاب، حاثا اياهم ببدا جمع أجرة الرحلة، جل الركاب من نساء ورجال، شباب وشابات، طلبة وطالبات، منهمكون في تقليب صفحات الشبكة العنكبوتية بحثا عن شيء يقلق راحتهم، عدا رجل معاشي الهيئة، في ظني لا يهتم كثيرا باغتناء اجهزة الاتصال الحديثة لكن ذلك لم يمنعه من التلفت يمنة ويسرة يطالع امامه ويلتفت خلفه، يطيل التلصص بين صفحات اجهزة المستخدمين، يسمع همهمات هنا وهناك، تافف زفير، ربما كان له تاثير قوي على ارتفاع درجة حرارة الطقس الملوث اصلا جراء افرازات لا ارادية تنتاب الناس من وقت لاخر، الحافلة تقترب من اسواق (اللفة)، السائق يامر الركاب بربط الاحزمة، تحرزا من الانكفاء على وجوههم الشاحبة خوفا من كمين متربص يتابعهم ليل نهار، في التو اخرجوا (اكياس البلاستيك) المدخرة من جيوبهم لئلا يضطروا لشرائها مرة اخرى، بعد هنيئة تبادرت لاسماعهم اصداء مكبرات الصوت "ميكرفونات" تلعلع وتلغلغ فوق سطح الحافلة؛ هلموا ( لحم عجالي، بصل، طماطم، زيت، ويكة، دقيق، ذرة .. )، تاكد لهم انهم اتوا للمكان الخطأ. = همهمات: تلعن لحوم العجالي، الابيض منها والاحمر ..!؟ - الرجل المعاشي: عليكم بوجبة سخينة حارة .. عيبوها لي.. ؟ = تزداد الهمهمات: بصل، زيت، طماطم، ملح، ثوم، كزبرة، فول (تكوة) وخبز.. دا ما عندنا ليه شعر ! - المعاشي: من لم يبلغ النصاب فليصم..؟! = بصوت واحد: عشم ابليس ...! صوت السائق يجلجل من جديد، هبطنا الان بسلام سننتظر خمس "دقائق" بعدها نعاود الرجوع الى محطة البداية، الركاب كانهم في منطقة القطب الجنوبي من الكرة الارضية تخشبت مفاصلهم لم يستطع أي منهم النزول، غفلت الحافلة عائدة بحمولتها ولم تزد عليهم فردا واحدا، في المحطة الوسطى، ترجل الركاب ارتفعت اعناقهم عاليا، غاصت ارجلهم في وحل مياه متفلتة من سقوف الأسواق، تبللت رؤوسهم وملابسهم، نظراتهم ذائغة، يمشون تائهون، سكارى وما هم بسكارا، اياديهم فارغة، جيوبهم محشية بمواد بلاستيكية. (حمد إبراهيم دفع الله)
11-03-2018, 07:49 AM
علي دفع الله
علي دفع الله
تاريخ التسجيل: 08-31-2012
مجموع المشاركات: 4740
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة