حكاية الكلبة تارا والسجن المزخرف

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-08-2024, 01:11 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف للعام 2018م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-07-2018, 06:09 AM

Osman M Salih
<aOsman M Salih
تاريخ التسجيل: 02-18-2004
مجموع المشاركات: 13081

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
حكاية الكلبة تارا والسجن المزخرف

    حكاية الكلبة تارا والسجن المزخرف


    أينما فاجأتني رؤية" كلب دنماركي" أسود يتنزّه مع صاحبته، خفق قلبي وطار شَح، كأنّ عقارب الساعة قد عادت القهقرى، وصار المكان غير المكان، وغصّت الذاكرة بوجوه أليفة دبّت فيها الحياة،
    همست لي باللغة البلغارية، الّتي تذوب في فمي بحلاوة اللكّوم وليونته، تتوسّط الوجوه تارا، فأمضّني حنين جارف حارق إلى أيامي الخوالي في صوفيا.

    قاسمتنا تارا، أنا وميلينا، العيش في التسعينات من القرن الماضي. جمعتنا، أول الأمر، فيللا تقوم في ضاحية مالينوفادولينا، عند أقدام جبل فيتوشا المهيب، محاطين بثغاء شياه الرعاة في المشارق
    والمغارب، وترامي المَرج المعشِب حتى اتّصاله بنهايات حيّ ملادوست جيتيري، متجاوزاً قبل ذلك الطريق الدوّار" اوكولوفرسنتو شوسي". تحدّ المرج من جهة الشرق غابة للصنوبر والبتولا تتبع لقرية بيستيريتسا، تحتضن نصب الحديقة الأمميّة لأطفال العالم "راية السلام"، والّذي اختصر عامة الشعب، في حديثهم اليومي، اسمه الرسمي الطويل إلى كامبانتي (النواقيس). البناء التذكاري من ابتكار النحّاتين البلغاريين كروم داميانوف وميخائيل بينجيف، وهو عبارة عن أجسام قائمة من الخرسانة، متماثلة في كلّ شيء، رباعية الشكل، ترتفع عن سطح الأرض بسبعة وثلاثين متراً، يستقبل كلّ واحد منها اتّجاهاً من الاتّجاهات الأربعة، وهي مجوّفة القمم بحيث تجسّد في الفراغ العالي الكرة الأرضية، تتدلّى منها كالأقراط الرنّانة سبعة نواقيس تمثّل القارات السبع، تحيط بالنصب أنصاف أطواق أسمنتية، مثبتة في تجاويفها نواقيس عظيمة، يبلغ تعدادها مائة ناقوس، مهداة من شتّى أقطار العالم. ثم تنقّلنا، بعد ذلك، في العديد من أحياء صوفيا وتارا بصحبتنا كجزء عزيز من صميمنا نحن الإثنين.

    بسواده اللامع كان صوفها مبهراً. وجسمها العملاق اللدن القويّ، وبطنها المشدود من المهد إلى اللحد، يبعثان العظمة والمهابة في النفوس. ألاما أجمل انطلاقاتها المرحة في نجيل الميادين وعشب المروج وأفياء الغابات!. نظيفة، تعاف كلَّ ملوَّثٍ من الأشياء والأمكنة، وإذا حُبِستْ في مكان به قذَر، تظلّ واقفة فيه وهي تدور مُصدِرة من الأصوات مايدلّ على ضيقها بالقذارة. أمّا الوحدة فلاتحتملها البتّة، بل تأخذ في الأنين المتّصل احتجاجاً حتى نعود إلى البيت إن كنّا خارجه، أو نفتح لها الباب الّذي يفصلها عن مكان جلسونا فتنضمّ إلينا.

    وديعة. ومن آيات عجائبها اللطيفة أنّها كانت تعرف إن كنّا نياماً بالفعل، أم متظاهرين بالنوم، فإذا ثبت عندها الأول لزمت الصمت، ولاتحرك ساكناً إلّا إذا طرفت عيوننا. وكنت، مهما حاولت، لا أقوى على النظر طويلاً في عينيها اللتين يموج فيهما حزن أخرس يصيبني في مقتل فأشيح بوجهي بعيداً كما أفعل عندما تلتقي عيناي بعينيّ متشرّد يسألني العون، فأدسّ في يدّه بعض النقود متحاشىاً النظر في غيهب العينين الكابيتين، حيث يفغر في كليهما فوهته جبٌّ من الآلام السحيقة القرار .

    عاشت تارا بقدر ما أوتيتْ، لهَتْ وصادقتنا ثم حلّت نهايتها المأساوية إثر تلقّيها لحقنة خاطئة أودت بها على عجل، وباءت بالفشل محاولات إسعافها، فتمدّدت إلى الأبد هامدة بجسمها العظيم المفعم بالحيويّة
    الدفاقة والنشاط الموفور. وحين ماتت لم تكن قد تجاوزت سنّ الخامسة، فكرهت ميلينا منذ تلك الفاجعة اقتناء الكلاب لأنّها هي الّتي جاءت بها جرواً لايتجاوز الشهر، وتعلّقت بها، وازدادت بها كلفاً كلّما كبرت، وأنفقت عليها من الوقت والجهد بسخاء لتدريبها حتى جعلت منها كلبة مطيعة تحظى بالثناء: بنتٌ خلوق!، هكذا كانت ميلينا تدلّلها في كل مرّة تحسن فيها السلوك، وتارا تعي مايقال لها أمراً ونهياً
    وتدليلاً، وتسري في جسمها رعشة من الفرح فتتقلّص وتتلوّى وتتقوّس بالقرب من ميلينا لتنال منها تربيتة الرضا، أمّا حين تُنتهَر جزاء خطأ ارتكبته فكانت تتمطّى بشكل مثير للضحك متظاهرة بعدم
    الاكتراث، بينما عيناها ترقبان ميلينا وتدرسان ردود أفعالها حتى اذا ضحكت لها ميلينا اقتربت منها لتتشمّمها وهي تهزّ الذيل كسوط العنج. كلّ هذا كنت أتأمله بإعجاب يتنامى يوماً بعد يوم مع تنامي تلك
    العلاقة الرائعة التي ألّفت بين الإثنين، لكنّ التغيّرات الهرمونية الّتي طرأت على تارا عند دخولها طور البلوغ أفقدتها التوازن بالكليّة، وجعلتها كالمجنونة، وأورثتها روح التمرّد الّذي أعانها عليه مايمتاز به نوعها من قوّة وطول. فكلّ ما تأكله تارا كان يتحوّل إلى بناء عملاق من العضلات المتينة. فما كان أسهل عليها التملّص والتحرر، بوسيلة أو بأخرى، من قبضة القيد الجلدي الملتفّ بعنقها، ثمّ الفرار بقدر المستطاع حتّى تغيب عن انظارنا، فنستسلم للفقد موقنين بأنّنا لن نراها ثانية، وتمرّ الساعات الطوال وهي تتسكّع في ميادين بعيدة تخالط فيها الكلاب الغريبة، ولايردّها إلينا إلّا الشديد القوي وهو الجوع أو
    البرد القارس، فنسمع عندها ذلك نباحها المميّز الّذي هو نداء مكروبة يمتزج فيه التذمّر والأنين والتوسّل والاستعطاف، يرافقه صرير المخالب تكشط طلاء الباب الخشبي تخطّ عليه رسالة العودة الخجول إلى بيت الطفولة، ترسمها من أعلى الباب إلى أسفله بحروف كالخربشات تحفرها فنقرؤها نحن في الداخل بآذاننا، ولانستجيب لها في الحال، عقاباً لها كيلا تكرّر الهروب. وعندما يطول بها الانتظار أمام الباب الموصد تشبّ ثانية بقائميها الأماميين لتعيد على الخشب الّذي شوّهته المخالب كتابة نصّ التوسِّل والرجاء، وتظل تفعل ذلك مراراً وتكراراً حتى نملّ فنفتح لها باب السجن. وحين تتقدّم ميلينا نحوها تتراجع تارا في تردّد وهي منكّسة الرأس كأنّما تريد أن تستدير وتعاود الهرب، لكنّها تعجز عن الافلات فالجرأة تعوزها هذه المرّة، ولم يعد للجسم قدرة على المزيد من الركض وقد هدّه التعب وهزمه الجوع، فتتسمّر في موضعها حتّى تضع ميلينا يدّها عليها.

    لست أدري كم مرّة فرّت تارا ثمّ عادت بمفردها لامعة العينينِ من السعادة حين يُفتَحُ لها الباب، لافظةً في الخارج غوايات الحريّة.
    تلج تارا السجن المزخرف راضيةً بحياة القيدِ الّذي يشدُّ عنقها المشرئبّ إلى الفضاء الرحيب في نزهاتنا اليوميّة المبرمجة.

    عثمان محمد صالح


    (عدل بواسطة Osman M Salih on 05-07-2018, 06:23 AM)
    (عدل بواسطة Osman M Salih on 05-08-2018, 06:03 AM)





















                  

05-08-2018, 06:01 AM

Osman M Salih
<aOsman M Salih
تاريخ التسجيل: 02-18-2004
مجموع المشاركات: 13081

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: حكاية الكلبة تارا والسجن المزخرف (Re: Osman M Salih)

    نصب النواقيس:
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de