للمحامين قضية كبيرة، تتعلق بتحرير نقابتهم من سيطرة حكومة الأخوان المسلمين، ليس في ذلك أدنى ريب. وقضيتهم هذه ليست مثل قضية أي نقابة أخرى، او مثل قضية رابطة زملاء المهنة، مهما كانت هذه المهنة، او حتى قضية حزب سيأسى. قضية المحامين هي قضية وجود دولة، ذلك لأنها قضية عليها يعتمد ان يكون هناك قانون او لا يكون، وعلى وجود القانون، وحكم القانون، واحترام القانون، يعتمد وجود المجتمع، ووجود الدولة من ثم. فالدول التي لا تحتكم الى القانون، ولا تتقيد به، لن تستمر كدولة. مهما كانت قوتها، وجبروتها، وهذه بداهة، وحقيقة ماثلة، لا ينكرها الا قصار النظر، من الذين يصح وصفهم بالمجرمين، فالمجرم، في الحقيقة، ليس الا شخص قصير النظر، لا يستطيع رؤية مالآت افعاله، وفى هؤلاء يندرج تنظيم الاخوان المسلمين ورؤساء الأنظمة الدكتاتورية ومعاونوهم. المحامي، بحكم مهنته، هو نصف حكم القانون، حين يكون النصف الآخر هو القضاء، ولذلك تسمى مهنة المحاماة باسم (القضاء الواقف) في مقابل القاضي الذي يجلس ليفصل في القضايا التي تعرض امامه. فالمحامي هو شريك القاضي في الوصول الى الحكم، ومن هنا جاءت حصانته، ولا يصح ان يقوم شرطي باعتقال المحامي، دع عنك ضربه، واهانته، كما يحصل الآن في السودان. فالشرطي في الأساس يعمل تحت امرة القاضي، لينفذ احكامه القانونية، التي يصدرها بمعاونة المحامي، سواء كان محامي اتهام او محامي دفاع. لقد ظل السودان طيلة فترة حكومة الاخوان المسلمين دون أدنى احترام للقانون، وبالتالي دون احترام للقضاة الذين عملوا تحت سيطرة هذه الحكومة، ولذلك فان قضاة هذه الحكومة يصح ان يوضعوا في (قفص الأتهام) حتى تثبت براءتهم. فهم متهمون بالتآمر مع حكومة دكتاتورية، وظالمة، اضاعت الحقوق، وأذلت الشعب، ونهبت أموال الناس. فان ثبتت براءتهم من تهمة التآمر، فانهم لن يستطيعوا اثبات براءتهم من وضع أنفسهم كأداة للحكومة لتستغلهم دون وعى منهم، فأصدروا الاحكام التي تريدها الحكومة، دون الالتفات الى مدى انطباق هذه الاحكام على القوانين الصحيحة، التي تسمى بالقوانين الدستورية. مبعث الأمل في المحامين مصدره ان المحامين، في أغلبهم، ليسوا موظفين في هذه الحكومة، ولا يتقاضون منها الرواتب، ثم هم نصف حكم القانون، ومن المفترض انهم امل الشعب في تثبيت حكم القانون، وذلك، اولاً بالحرص على صحة القوانين التي تصدرها الدولة، ورفع القضايا للطعن في هذه القوانين، وهذا ما يسمى بالطعن في دستورية القانون، مثل قانون النظام العام، سيء الذكر، الذى وضعته الدولة لإرهاب الشعب، واستغلت في ذلك بعض القضاة، من الذين يجب وضعهم في (قفص الاتهام)، ولا يصح ذكر الشرطى في هذا المقام، فهو مأمور، وليس مؤهلا للحكم. ثم، ثانياً بالحرص على حياد القضاة، فالمحامى، في حكم القانون، لديه الحق بالمطالبة باستبدال القاضي بقاضٍ آخر ليحكم في القضية المعروضة. اما ثالثا فان المحامى مناط به مراقبة عمل رجال الشرطة، الذين يمثلون القوة الجبرية للقانون، ولذلك نراهم يستجوبون رجال الشرطة في المحاكم، ويخضعون عملهم للفحص الدقيق، ونجد ان رجال الشرطة يتهيبون المحامى، ويحرصون على التأكد من اجراءاتهم حتى لا يقوم المحامي باكتشاف اخطاءهم وتقريعهم في المحاكم. هذه المقدمة تعتبر ضرورية لمعرفة اننا في السودان نحتاج للمحامين، وأن حاجتنا إليهم يمكن ان تعتبر حاجة حياة او موت لوطننا، الذى يفتقر لأهم مقومات الدولة، القوانين الصحيحة، القوانين الدستورية، والتي لا يمكن ان ينافح عنها رجل الشارع العادى، وانما تحتاج للمحامين. فقانون النظام العام، وقانون الصحافة، وقانون قوات الامن، وقانون الأحزاب السياسية، وقانون حرية التعبير، كلها تحتاج للمحامين. والمحامي لا يستطيع القيام بهذا العبء دون جسم متماسك يستند عليه في مواجهته للحكومة الفاسدة، بقضائها الفاسد. هذا الجسم هو نقابة المحامين، ولذلك فان وجود نقابة محامين بعيدة من يد الحكومة يعتبر قضية كبيرة وتاريخية كما أسلفنا القول. لعله من البديهي ان حكومة االاخوان المسلمين سوف تفعل كل ما في وسعها للاستمرار في التحكم في نقابة المحامين، لأنها تعرف أن وجود نقابة مستقلة يعتبر أولى الخطوات في استقلال الشعب من تسلطها. وسوف تقوم هذه الحكومة بحشد كل معاونيها من المأجورين من المحامين والقضاة للتحكم في نتيجة انتخابات النقابة، بالتآمر وبالتزوير، ولذلك فان المرجو ان يعمل جميع المحامين كل ما في وسعهم وان يعرفوا بان تثبيت حكم القانون ليس سهلا، وانه يحتاج لوجود نقابة مستقلة، وانه طريقه قد يطول، ولكن يظل هو الطريق الوحيد الممكن لتطوير الشعوب واحقاق الحق، وسوف تظل قضية تحرير نقابة المحامين من قبضة الحكومة هي القضية الأولى بالاهتمام ويظل العمل من أجلها أفضل العمل، وعليها تعتمد مقدرة الشعب في التخلص من هذه الحكومة بالطرق السلمية.
12-27-2017, 01:58 PM
طه جعفر طه جعفر
تاريخ التسجيل: 09-14-2009
مجموع المشاركات: 7328
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
طه جعفر
فيس بوك
تويتر
انستقرام
يوتيوب
بنتيريست