|
القدس ليست بأعز من الخرطوم..!!
|
10:17 AM December, 17 2017 سودانيز اون لاين اسماعيل عبد الله محمد- مكتبتى
رابط مختصرانقسام الوجدان السوداني ما بين الانتماء العروبي و الواقع الافريقي ,, ارهق المثقفين و المفكرين السودانيين زماناً ,, منذ معركة محمد احمد المحجوب ورفاقه المتشبثين باللحاق بقطار العروبة في ذلك الزمان ,, تلك المعركة التي استُهلكت فيها الطاقات الذهنية والزمنية في سبيل الانتصار لصالح قبول السودان في الحضن العربي ,, فاصبحت بلادنا منقادة لجامعة الدول العربية و راضية بدور التابع ,, او كما يقولون (تمومة الجرتق) ,, لم نر أميناً عاماً لهذه الجامعة الانتقائية من السودانيين منذ تأسيسها ,, و في ظني ان السبب يرجع الى المنطلق الذي دخل منه السودان الى هذه المنظمة ,, وهو منطلق الاستجداء ,, لذلك ظل السودان طيلة تواجده داخل هذا الوعاء العرقي راضٍ بالدرجة الدنيا فيه ,, غير طامح لدور قيادي في هذا التجمع العروبي ,, فالمستجدي كالمتسول تلحظه يسأل الناس الحافاً ,, فاما ان يمنحوه واما ان يمنعوه ,, تماماً مثل تأطير دور المسلم الافريقي في انموذج سيدنا بلال بن رباح ,, فجامعة الدول العربية تعتمد منهاجية صفوية في التمييز بين عضويتها ,, فلا يجب ان يطمح في تولي مقعد الامين العام شخص صومالي او جيبوتي او سوداني ,, بل ان هؤلاء الثلاثة يكبلهم احساس عميق بالدونية تجاه الاعضاء الاخرين القادمين من السعودية ومصر ولبنان ,, فلا مجال للافريقي الاسود في هذا الفضاء الابيض ,, واي محاولة للتطلع للعب دور ريادي في هذا التجمع العربي من هؤلاء الافارقة ,, تواجه بالسخرية و بالاستحقار ,, تطابقاً مع الحادثة الشهيرة التي تداولها الكثير من الكتاب السودانيين ,, عن سخرية مندوب احدى بلدان الشام من المحجوب عندما قدم له مشطاً صغيراً كهدية ليصفف به شعر رأسه الافريقي الاجعد ,, موجهاً رسالة للمحجوب معبراً فيها عن رفضه لان يكون مع زنجي قح الملامح في بهوٍ واحد.
هذه الايام اثيرت ضجة كبرى حول اعتراف الرئيس الامريكي بالقدس عاصمة للدولة العبرية ,, وكالعادة التهب حماس شعوب الدول الافريقية التابعة للمنظمة العربية ,, السودان والصومال وتونس و الجزائر و المغرب ,, انها شعوب امازيقية وافريقية تتعصب لقضية آسيوية سامية (نسبة لسام) ,, فهذا الاستلاب العروبي ادى الى شرخ كبير ,, في وجدان هذه الشعوب ذات التراث الحضاري الاقدم على وجه البسيطة ,, في هذه اللحظة التاريخية التي تخلت فيها هذه الامم الزنجية عن جذرها العريق ,, و تماهت مع قضية ليست بقضيتها ,, انها قضية عربية ,, فما دخل الامازيغي و البربري و الاكسومي فيها ,, ودونكم حديث الرئيس الفلسطيني محمود عباس ابو مازن في القمة الاسلامية بتركيا قبل ايام ,, فقد قالها صراحة في معرض خطابه واشادته بالدول الاسلامية غير العربية ,, التي وقفت مع قضية فلسطين ذاكراً اسمي السودان وايران ,, فكان تصريحه ذلك بمثابة الصعقة الكهربائية ذات الفولتية العالية ,, التي ضربت إخواننا السودانيين من امثال الطيب مصطفى صاحب صحيفة الصيحة ,, واخرون سلكوا ذات مسلكه الملكي الذي تحدى به ملوك العرب انفسهم ,, وذلك بتعريفهم للدولة السودنية بانها دولة عربية ,, في اصرار اهوج وهروب فاضح من واقع السودان الافريقي المحسوس ,, انّ طرح القضية الفلسطينية كقضية عربية في المقام الاول ثم اسلامية في المقام الثاني ,, يجعلنا كسودانيين نقف على بعد مسافة كبيرة فاصلة بيننا و بين هذه القضية العرقية.من منا لا يذكر مؤتمر اللاءات الثلاث ؟ ,, المؤتمر الذي حلّ ازمة القطيعة بين عبد الناصر و الملك فيصل ,, بجهد سوداني خالص تبناه المحجوب ,, هذا المؤتمر لن تسمع ولن تقرأ عنه الا في منتديات الكتاب و الناشطين السودانيين ,, فلم تتعرض له القنوات الفضائية العربية الا قناة الجزيرة وعلى استحياء ,, حزنتُ اشد الحزن عندما علمت ان المحجوب كان يهاتف الملك فيصل لاكثر من ساعة ,, و كان الحديث كله يدور حول مصر ,, ولم يتعرض المحجوب خلال مكالمته الهاتفية تلك لذكر مصلحة واحدة يستنفع منها السودان في علاقاته مع المملكة العربية السعودية ,, ماذا نقول عن هذا التماهي الاعمى مع التيار العروبي ؟ ,, إنه الاستلاب و لا شيء غيره ,, فاليعيد المنظرون والساسة من ابناء بلادي النظر في مجمل علاقات السودان مع محيطه العربي ,, ويقوموا بعمليات جرد للحسابات العالقة مع هذا المحيط ,, و عليهم كذلك القيام بعمليات (فلترة) لهذا الزخم الهائل من مستهلكات الطاقات المادية و المعنوية ,, التي قدمتها الحكومات السودانية المتعاقبة ارضاءً لغرور رموز هذه القضية الخاسرة ,, فالعلاقات بين الدول تحكمها المصالح الاقتصادية ,, ولا مكان للعاطفة الدينية والعرقية الجيّاشة في مثل هذه العلائق ,, فالنلتفت الى ادارة مشاريع تجارية مع محيطنا الاقليمي و العالمي تعود بالنفع للوطن الحبيب ,, بعيداً عن الانزواء خلف الشعارت الهتافية ,, تلك المستنجدة بعقدة الصراعات الدينية والعقائدية الغابرة.
عندما نشاهد مدينة رام الله الفلسطينية الجميلة العمران ,, ونقارنها بالخرطوم عاصمة اللاءات الثلاث ,, تتملكنا الحسرة في المسلك العشوائي والساذج لقادة الانقاذ تجاه دعم ومساندة هؤلاء التجار ,, نعم انهم تجار ورجال اعمال ,, اذا علمتم ان شركات المقاولات التي تحصل على عطاءات لمشاريع انشاءات عقارية في دولة اسرائيل ,, يملكها قيادات في السلطة الفلسطينية ,, وحتى الجدار الفاصل بين الدولة الاسرائيلية و قطاع غزّة ,, تقوم بتنفيذه مثل هذه الشركات المملوكة لفلسطينيين ,, فاندماج وتلاحم ابناء العمومة مع بعضهم البعض ذهب الى ابعد من مجرد تبادل المصالح الاقتصادية ,, فالشباب الفلسطينيون العرب دخلوا الجيش الاسرائيلي بكامل وعيهم ورغبتهم ,, و وجهوا بندقيتهم تجاه من يستعدي الدولة الاسرائيلية ,, والمضحك المبكي أن ابراهيم السنوسي مازال يهزي باهزوجته الناشزة في سعيه المحموم والمخزول لتحرير القدس ,, فيا شيخنا الجليل ان الخرطوم اولى بان تحرر من المتاجرين بقيم السماء ,, واحلالهم وابدالهم بتجار واقعيين و وطنيين يرفعون اسم السودان الى اعالي مؤشرات و قوائم النمو الاقتصادي ,, في الزراعة والصناعة و التجارة و التعدين .إنّ القدس ليست بأعز من الخرطوم ,, فاذا كان هنالك من خير نقدمه لاحد فالاولى ان نجود به على شعبنا ,, فليس من العقلانية ان نناصر قضية ليست قضيتنا ,, والتحدي الذي يواجهنا يزداد ويكبر يومياً ,, و بلادنا يتهددها الفقر والتصحر والفساد و الحرب وسوء الادارة ,, وحتى لا يكون حالنا كحال ذلك الرجل العاري من كل شيء الا (الصديري) ,, وبرغم بؤس حاله يكابر ويفاخر بانه يرتدي افضل الثياب واحسنها ستراً للعورة ,, واجب علينا ان نزيح عن كاهلنا هذا العبء الثقيل الذي نائت بحمله قلوبنا ,, واخذ من زمن واجهاتنا الاعلامية الكثير ,, فعلاقة الحب من طرف واحد ضحيتها دائماً وابداً هذا الطرف الاوحد ,, فكفى هدراً للطاقات ,, ولنتوجه نحو بناء اوطاننا فهي الاكثر حاجة لذلك ,, و لنشمر عن سواعد الجد للدفاع عن ترابنا والزود عن حياضه ,, و لنترك الاخرين مع شئونهم الداخلية التي لا حاجة لنا بها ,, فلقد آن الأوان الذي فيه يجب ان يقف هذا العبث الذي ما زال يقوده ويمارسه بعض هؤلاء الانقاذيون ,,
(عدل بواسطة اسماعيل عبد الله محمد on 12-17-2017, 11:41 AM)
|
|
|
|
|
|