|
Re: إليه في ذكراه الحبيبة: يا من علّمتنا أولى � (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
هكذا كان قلبه هو مفتوحا على مصراعيه.. .. كما كان الحب في ذلك الزمن البري ذلك الزمن البهي الذي تسامت فيه روحه و كذا أرواحنا على رغبات الجسد و نداءات الرغبات الغامضة المكبوتة..
كانت الحفلات العديدة التي تقام في تلكم الأيام هي ملاعب وجدِنا..و مناط أحلامنا..و شذاها. كنا نستعد منذ الظهيرة لتلك المناسبة... فنختار من القمصان أكثرها زركشة و جذبا و ألقاً.. و من العطور أشدها نفاذا و سحرا.. و نقوم من ثم بكوي الرداء( نعم كنا في عمر نرتدي فيه الرداء) .. و للمفارقة كانت كتب الصف السابع (أو الصف الثامن لا أدري) ... ترقد في الحقيبة المدرسية منتظرة أن تفتحها ايدي ذلك التلميذ العابث اللاهي.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إليه في ذكراه الحبيبة: يا من علّمتنا أولى � (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
كان هو وسيما ظريفا انيقا خفيف الدم...أبيض القلب..و كان يدرك دون كبير عناء أنه معبود الجماهير من بنات حواء في ذلك الحي الرابض في قلب الخرطوم بحري و حتى في الأحياء المجاورة. من أين حصلت على كل تلك المواهب؟
كان على الدوام كامل الأناقة بمقياس ذلك الزمن...الكسرة في القميص من الخلف ..الجزمة الكونسل السوداء اللامعة و الشعر المسبب و الفنيلة الشبكة... و رائحة القلامور....أو عطر الكارينا النفاذ..يعضد كل ذلك ابتسامة ساحرة و مسحة وضيئة في تلك القسمات الطيبة..... كانت هذه هي كل ادواته معداته و أسلحته..
يا ليتكم كنتم مع لتروا كيف كان كانت الأيام قد منحته صفاء السريرة و القدرة على سرقة الإعجاب عنوة و اقتدارا من قلوب الشابات الفاتنات......و الصبيات اللائي لم يدخلن بعد في خانة العشرين من العمر...و كان هو على اعتابها..و كنت أنا احجل في تؤدة نحو الخامسة عشر..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إليه في ذكراه الحبيبة: يا من علّمتنا أولى � (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
للأسف لم تكونوا انتم حاضرين لتروا زين الحفلات. فقد كان بحق و دون مبالغة نجم الحفلات في تلك الأيام . الحفلات التي كانت تبدا من العاشرة مساء وتستمر عابرة ساعات الليل البهيم و لا تتوقف إلا بعد انبلاج الفجر....و لا تتوقف و لا تكترث لذلك العبارة الأثير(لا يزال الليل طفلاً). و تستمر حتى ظهور الفجر الصادق و اسراب الطيور و هي تغدو خماصا. لقد كنا نحن نرى فيه (الدون جوان) الحقيقي..الدون جوان صاحب الاسم الأصلي. و لا دون جوان غيره... كان إعجاب الجنس اللطيف به يحدث هكذا دون كلفة و دون مجاملة.. بل كن~ يستلطفنه و يسعين لملاطفته و لسماع غزله البريء و قفشاته الظريفة و لكلمات العشق و الإعجاب البريئة التي تخرج منه عفو الخاطر...
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إليه في ذكراه الحبيبة: يا من علّمتنا أولى � (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
نستعد للحفلة التي ستقام اليوم بأحد بيوت الحي. نعد ساعات العصر و المغرب انتظارا إلى أن تلألأ الأنوار في ذلك المنزل.. و تبدأ الروائح تفوح من الفتيات و الشبان لتتلاقى مع عطور العرس.. لم يكن يهمني في كل تلك الزيطة و تلك الجموع إلا أن أقف بجانب كرسيّها.. كانت تكبرني و أنا الذي لم اتعد الرابعة عشر بعدة اعوام..لربما كانت في الثامنة عشر إذ لا استطيع تحديد العمر في تلكم الأيام.
لم تكونوا موجودين لتروا ذلك الصبي الذي دخل في فورة الانجذاب الكيوبيدي مبكرا . و هو لا زال يا دوب في أولى عتبات و في أولى مراحل المراهقة و سلّمها الشقي .. كانت الأحلام عذارى( احلامك عذارى تتجمع في ليلة)..احلام تنسجها عقولنا الشقية الناشئة البريئة و هي تحاول غزل اول خيوط العلاقات العاطفية ..تساعدنا في ذلك مقاطع من أغاني و بيوت شعر و قصص غرام يتداولها من هم أكبر مننا.
وفي الضفة الأخرى قد نجد احيانا من يأخذ بأحلامنا و خيالاتنا المراهقة فتتعطف علينا بكلمة اعجاب أو غزل بناتي صريح ... و هنا أتذكرها..و هل يمكن أن أنساها؟ أذكرها كانت كالدهب المجمّر ..تسعد بترديد قصائد كسيحة تتحدث عن العشق.. أما هو ...فقيدنا العزيز...فقد كان
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إليه في ذكراه الحبيبة: يا من علّمتنا أولى � (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
كان فقيدنا العزيز في الجانب الآخر يسبقنا بعشرة سنين ضوئية في دروب العلاقة مع الجنس الآخر ..
كنا نراه فارسا حقيقيا. كنا نراه فارسا لأنه يقتحم و لا يبالي ..يتودد و لا يخاف ...يقترب لا يتردد..
و كنا منبهرين بما نراه منه..يوعد هذه و يحادث تلك و يخاصم أخرى و الغريبة كان جلّهن يعرفن أنه لا يتوقف عند واحدة و لا يخادع بل كان يعيش اللحظة.
.و بالرغم من ذلك لا يغضبن و لا يغرن و لكنهن يتنافسن للحصول على حديث عابر معه أو كلمة اعجاب ترفع المعنويات اياما أو مجرد ابتسامة مشجعةعلى الأقل.. تغيّر الحال ..و أقفر الحي بعد أن سافر واقفرت الديار بعده و بعدهن لم تتبق إلا الأطلال: (قفا نبك من ذكرى حبيب و منزل ....)
و لم يتوقف الزمن لنروي غليل صبانا و لا عطش مراهقتنا الطامحة البريئة. كبرنا و كَبُرنَ و كبر هو.. تزوجن الحسان في الحي و ارتحلنَ:
( ودِّع هريرة إن الركب مرتحل و هل تطيق فراق أيها الرجل)..
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إليه في ذكراه الحبيبة: يا من علّمتنا أولى � (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
ماذا يفعل الإنسان مع الزمن؟ الزمن الذي يسوق الإنسان سوقاً. مرت السنوات و تزوج فقيدنا العزيز. و سافر إلى اليمن مع المسافرين..
تزوج و أنجب البنين و البنات..و نسي المغامرات البريئة التي لم يخدع فيها و لا واحدة..و لم يعد أي واحدة من بنات حوا كذبا..
ولكن يبدو أن الحنين للإنطلاق قد عاوده و هو بعيدا عن أرض الوطن..إذ سمعن بعد سنين أنه تزوج بأخرى من اليمن السعيد.. و جاء بها للسودان و هو يتبختر..و هرعن نساء الحي كالعادة ليشبعن فضول طبيعي فيهن و لمآرب أخرى..
من بين هذه المآرب بالطبع المقارنة بين الزوجة الجديدة و الزوجة القديمة و إجراء الفحص الفني و المجهري ليتأكدوا إن كان الجديدة فعلا تستحق أن يؤتى بها.. مرت الأيام كذلك و اختفت الزوجة الجديدة و لم نعد نسمع عنها شيئا..
و هدأت الأحوال و سارت الأيام عادية.
| |
|
|
|
|
|
|
Re: إليه في ذكراه الحبيبة: يا من علّمتنا أولى � (Re: محمد عبد الله الحسين)
|
لا زلت أذكر حبه لفريدة حمد الريح التي فتنت الشباب حين ظهورها،و هو يدندن بها : ( يا قلبي يا مكتول كمد...بموسيقاه الحزينة الرتيبة كأنها أنين الساقية و هي تشارك في وداع الفتاة التي تقصدها الأغنية.
قابلته لآخر مرة قبل ثلاثة سنوات. و كان هو عرفته دائما بشوشا ....مرحا نفس الابتسامة التي تسبق كلامه.. و لكن كان شيء ما....لعله حزن ... لعله قلق ..أو لعله انشغال. المهم شيء غامض ترك في نفسي تساؤل لم ادر ما كنهه. المهم تخابرنا و تساءلنا و استفسرنا عن أحوال بعضنا البعض ثم توادعنا .
.....لقد تحمل قلبه الكثير .. و جاءت الذبحة المفاجئة على ذلك القلب الذي اتسع للكثيرات و لم يضيق و لم يشتكِ.. كان خبر موته فاجعا لي إذ جاءنا في ذلك المساء الناعي
مات و نعاه الكثيرون و بكاه الكثيون لطيب قلبه و لحبه للحياة و لمرحه.
عليك سلام الله عليك سلام الله.
| |
|
|
|
|
|
|
|