يا عمر دفع الله لا تظلموا المربي قاسم بدري

Quote: نكون عقلانيين اكثر عندما نكون موضوعيين، بمعني أن نتجاوز الشخوص الي الموضوع (القضية)، والقضية هنا (الضرب، وتقبل الضرب). من المؤسف حقاً أن نحاكم بوعي اليوم السلوكيات التي تم تبنيها في زمن وثقافة مختلفين. ودعك من الأستاذ قاسم بدري، وخذ الثقافة التي أنتجت بدري وجيله والذي قبله والذي بعده، في عودة بشريط التاريخ الي الوراء. تلك ثقافة أنتجت أجيال من الرجال يعتبرون ضرب المرأة نوع من الحق الذكوري في التوجيه والارشاد، بعيداً عن الدين (واضربوهن). في نفس تلك الأزمان، كانت ترتضي النساء لنفسها (الشلوخ) و (دق الشلوفه) و (الختان الفرعوني)! كانت المرأة تقبل هذا الحجم من الأذي، طواعية، اضافة الي الضرب بإعتباره نوع من فحولة رجالهن، أو قوامة اخوانهم أو آبائِهم. ثقافة شكلت وعي اجيال كاملة، ولم يري في ذلك أحد منهم منقصة أو عيب، بالرغم من أنها تمثل تشوه اخلاقي واجتماعي، سواء كان ذلك في إطارها التاريخي أو واقع اليوم. #هذا_ما_ورثنا لا تحزنَنَّ على الصبيانِ إنْ ضُرِبُوا فالضرب يبرا ويبقى العلمُ والأدبُ الضربُ ينفعُهُم والعلمُ يرفعُهُم لولا المخافة ما قرؤوا وما كتبوا لولا المُعَلِّمُ كان الناسُ كلُهُمُ شبه البهائمِ لا علمٌ ولا أدبُ وبناءا علي قول الشاعر، كانت ثقافة الضرب حاضرة علي مستوي الخلاوي، التي تدرس دين "الرحمة"، والتي كانت تمثل الشكل التقليدي الأول للمؤسسة التعليمية في البلاد. حتي عندما دخلت المؤسسة الحديثة، ممثلة في كلية غردون، كان الضرب سمة من سماتها. كتب البروفيسور عبدالله الطيب عليه رحمة الله: " وكان من الأفندية المدرسين قساة جداً يضربون الكف، ويركلون بالقدم ويجلدون بالسوط...ومنهم من كان ينفعل انفعالات جنونية ويضرب برجليه على نحو "خطوة تنظيم" ومنهم من كان يتلفظ بأقذع الألفاظ وربما اشتط فخرق القميص...". هكذا كان الحال، وفي مثل هذا الواقع نشأت أجيال ومن بعدها أجيال توارثت هذه الثقافة. وحتي تاريخ اليوم، لايزال الضرب والقسوة سمة لأكثر الخلاوي والمدارس. حتي في القريب كان الأب يأخذ ابنه الي المدرسة ويقول :(ليك اللحم ولينا العضم)!! نسبة لصيرورة الحياة، تغيرت المفاهيم، وزاد الوعي، واصبحت المرأة تعي حقوقها، وأدرك الرجال الدور الذي يمكن أن تقوم به النساء في الحياة العامة، فبدأ استنكار الضرب، واستنكار كل العادات الضارة الأخري التي كانو عٰرضه لها. #من_شب_علي_شيئ_شاب_عليه سلوك الضرب_وخصوصاً عندماً يصدر هذا السلوك من مربي، لأسرته تاريخ عريق في تعليم المرأة، وفي مؤسسة تعليمية حديثة_سلوك غير مقبول البته، ولكن غير مقبول أيضاً أن ننصب المشانق لأحدهم طبقاً للحيثيات السابقة، خصوصاً عندما يكون قد اشتعل رأسه شيباً. أيربي الأحد أباه، أم يدعو له بالهداية إن رءاه في ضلال!! أو كنا سوف نري هذا "ضلال" إن عاد بنا الزمان وعكست الأقدار؟ إن سلوك قاسم بدري يجب أن ينظر اليه كما التاريخ، كأنما مثلا نقرأ كتاب (النخبة السودانية وإدمان الفشل)، لنعي دروس التاريخ، فقط الفرق، أنه_بدري_تاريخ وتجربة حاضرة بيننا الآن كشاهد علي العصر. #التشوه عندما نحلل واقعنا مابين الماضي والحاضر، نفهم أننا كسودانيين، بين ليلة وضحاها انتقلنا من حياة تقليدية الي حياة عصرية (حداثة) نتيجة للإستعمار. ونسبة لأن التحول لم يحدث داخلياً وتدريجياً، اكتسبنا تشوهات عديدة علي كافة الأصعدة، السياسية، الاقتصادية والاجتماعية، لايسع المجال هنا لحصرها. هذه التشوهات لاتمحي آثارها مابين يوم وليله، أو حتي في عقود، إنما تمتد لفترة زمنية طويلة بحسب علماء الاجتماع. ذلك مايفسر لنا التشوه في تناقض الذات السودانية، وهذا بدوره يفسر ارتضاء (حواء الأحفاد) الضرب بالرغم من أنها نفسها_حواء_تطالب بمزيد من حقها الاجتماعي، وهي زاته التي تقف بعنف ضد قضايا حاضرة كثيرة، تتجاوز ضرب الرجل للمرأة الي المساواة في الحقوق ووو...الخ. إذاً؛ لاقاسم بدري، ولا حواء الأحفاد هم القضية، القضية هي فهم تركيبتنا النفسية والاجتماعية بناءاً علي تاريخنا وثقافتنا التاريخية. المجتمع السوداني مليئ بمئات الآلاف من شخصيات قاسم بدري، والغالبية العظمي كالذين ارتضو الضرب، والواقع شاهد علي ذلك. #انزال_الناس_منازلهم عند فتح مكة، وبالرغم من عداء أبوسفيان للنبي محمد (ص)، وبالرغم من شعور البغض الذي كان يكنه محمد لأبو سفيان، قال: (من دخل دار أبو سفيان فهو آمن).. قال أبو سفيان متعجباً ومتساءلاً: أينزل هذا الدين الناس منازلهم_لأنه كان زعيم قومه_ومن بعدها أسلم. إن إنزال الناس منازلهم (مقاماتهم) هو سلوك حضاري رفيع. فهل كثير علي قاسم بدري إنزاله مقامهم كرواد لتعليم المرأة في السودان، مع التحفظ علي سلوكه، أم ننصب له المشانق بعيداً عن أي اعتبارات أخري؟؟