منذ بداية هذا العام تبنت الحكومة سياسة تجفيف السيولة بالحجر علي اموال المواطن وتحديد سقف منخفض للسحوبات من الحسابات البنكية.
السؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا تمنع الحكومة الشعب من سحب امواله من البنوك ؟
السبب بسيط وهو ان الحكومة في السنين السابقة قد طبعت تريليونات الجنيهات لتمويل صرفها الفالت وغير المنتج والذي يفتقد الرشد . في مباديء الاقتصاد فان أي طباعة للعملة لا تقابلها زيادة في الانتاج تعني ان اسعار السلع والخدمات سوف ترتفع بنسبة موازية للفرق بين معدلات طباعة العملة ومعدلات نمو الانتاج الحقيقي . كما ان ارتفاع معدلات التضخم يعني ان قيمة العملة الوطنية سوف تتدهورلا محالة . وكلما زادت طباعة العملة , زادت معدلات التضخم وارتفعت درجات انهيار العملة الوطنية مقابل العملات الاجنبية. على سبيل الدعاية والتنصل من المسئولية تقول الحكومة بـان ارتفاع اسعار السلع سببه ارتفاع سعر الدولار في السوق الأسود . ولكن هذا غير صحيح , الصحيح ان المشكلة تبدأ بطباعة العملة , التي تسبب تضخم اسعار السلع وهذا التضخم يؤدي الِي انهيار قيمة العملة الوطنية . أي ان ارتفاع سعر الدولار هو نتيجة لتضخم الاسعار الناتج عن طباعة العملة وليس سببا له كما في الاكاذيب الحكومية . أي ان سبب المشكلة هو طباعة العملة , والتضخم أما انخفاض قيمة الجنيه فهما نتيجتان اوتماتيكيتان لهذه الطباعة.
اذا هناك اجابة بسيطة على سؤال لماذا تمنع الحكومة الشعب من سحب امواله من البنوك . وهي انه لو تركت الحكومة للشعب حرية التصرف في امواله , فسوف تظهر الاثار الكاملة لطباعة العملة المفرطة في شكل ارتفاع فلكي في الاسعار وانهيار اكثر رعبا في قيمة الجنيه تجاه الدولار . إذن، الحكومة تسعى لتخفيف النتائج الكاملة لطباعتها للعملة عن طريق حبس أموال الشعب ومصادرة جزء من ثرواته بمنعه من التصرف فيها. وهذا السرد ببساطة يعني ان الحكومة تزيد في حجم الكتلة النقدية بالطباعة لتمول نفسها ثم تسعى الِى تقليل واحتواء حدة التضخم الناتج عن طريق تحجيم نفس هذه الكتلة النقدية الكلية بتجميد أموال المواطن ومنعه من التصرف فيها وبذلك يتم اخراج جزء كبير من اموال المواطن التي هي جزء من الكتلة النقدية خارج دورة التداول السلعي . ولو استلفت الحكومة من قاموس محمد الامين لقالت للشعب ” ما يا تصرفو انتو يا اصرف أنا ”.
إذ لولا سياسة وضع سقف منخفض للسحوبات في حدود ألف أو الفين من الجنيهات لكانت معدلات التضخم ووتائر انهيار العملة الوطنية أضعاف ماهي عليه الان. وهذا هو سر تمسك الحكومة بسياسة التجفيف النقدي رغم تذمر الشعب. ولكن رغم نجاح هذه السياسة في خدمة اجندة الحكومة على حساب الشعب , الا انه في عالم الاقتصاد لا توجد وجبة مجانية ولا بد ان يكون هناك ثمن في مكان ما . الجانب السلبي لسياسة التجفيف يتجلي في الغضب الشعبي , واضعاف حركة التجارة والانتاج مما نتج عنه ندرة في السلع الأساسية المستوردة والمنتجة محليا على حد سواء. كما ان ضعف التمويل وهزال الطلب على السلع والخدمات الناتج عن ندرة الكاش يهدد الموسم الزراعي كما يهدد جميع الأنشطة الانتاجية وبذلك يضعف العائد الضريبي ويفاقم من ازمة البطالة.
سياسة الطباعة المفرطة للعملة والالتفاف حول نتائجها بسياسة تجفيف السيولة تعني ان الحكومة تكون عمليا قد اعتلت ظهر نمر كاسر وهذا الركوب لو طال فسوف تصاب الحكومة وهي علي ظهر النمر بالعطش والجوع اضافة الِى مشاكل “قطع الجمار” ولكنها لو نزلت عنه لاشباع هذه الاحتياجات الأساسية فان نمر التضخم سوف يلتهمها لا محالة ويلتهم شعبها معها. باختصار تراجيدي فان لسان حال الوضع يقول لعنة إذا ما رابطت الحكومة على ظهر النمر الذي خلقته ، ولعنة اكبر إذا ما قررت ان تترجل وتنزل عن ظهره.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة