Quote: زراعة الموت طويل التيلة في مستشفي إبراهيم مالك (الحلقة الأولي)
الموت طويل التيلة يزرع في مستشفي إبراهيم مالك ويحصد في مقابر فاروق ...!!
ما من وزير صحة علي إمتداد تاريخ السودان القديم والحديث ،نجح نجاحا باهرا في زراعة الموت طويل التيلة ، ومدد من رقعته علي إمتداد الوطن القارة ،مثل ما هو مامون حميدة ! . زراعة تبدو تجلياتها بائنة بينة في العديد من الاكفان البيضاء الطائرة التى تغطي العديد من الموتى، فيهم الرضيع الذي لم يفطن بعد، والصبى الذي لم يعرف الطريق الي المدرسة بعد ،والشاب الذي لم يذق للزواج طعما ، والفتاة العذراء التى كانت تنتظر عريسها ، والام التى تركت مولودها يتيما ورحلت ، والشيخ الذي لم يصل الي أعتاب الشيخوخة بعد .
ما كنا نحسب ان فقيدتنا (آسيا أحمد فتح الرحمن ) إبنة الاخت الحبيبة والصديقة والأقرب الي القلب ، تكون هكذا نبتة في حقل الموت الذي تتم زراعته وسقايته والإعتناء به في قسم الحوداث في مستشفي ابراهيم مالك ! وما كان لها ان تكون هناك لولا ان اجل الله الذي لايؤخر شاء لها ما شاء . لم تكن متجهة الي مستشفي إبراهيم مالك اصلا ،وما كانت تقصد ايا من مستشفيات مامون حميدة التى زرع فيها الموت بكثافة حتى تحولت بقدرته المحمية من سلطات الحاكم بامره ، الذي ظل يكيل له الثناء بين الحين والآخر كل ما تمددت رقعة زراعة الموت طويل التيلة ، وكلما إمتلات المقابر صباحا ومساء بالأكفان بشكل لم يسبق له مثيلا في تاريخ السودان الحديث ، إلا خلال حروب الأطراف في كل من الجنوب سابقا ودارفور وجنوب النيل الأزرق وجبال النوبة حاليا . هكذا ظل مامون حميدة حاكما بإمره هو الآخر دون حسيب ولا رقيب ، يتخذ القرارات العشوائية ، بصلفه وإستبداه وجبروته ،لانه محمى بالعناية الرئاسية ومشمولا برضى صديقه الرئيس ، طالما ظلت زراعة الموت تتمدد وتذدهر ،والمقابر علي إتسعاها ضاقت ولم يعد فيها موضع لمصل او عابر طريق جاء يقرأ الفاتحة علي عزيز رحل !
( الحلقة الثانية )
حبيبتنا (آسيا احمد فتح الرحمن ) سيدة في العقد الخامس من عمرها . كانت جميلة من داخلها كم هي من الخارج . طبع الله علي وجهها إبتسامة ولدت معها وظلت مضيئة ومشرقة لم تنطفأ الإ يوم السبت الفائت الساعة الثالثة ظهرا عندما داهمها الموت الذي كان مختبئا
في سيارة لانكروزر يقودها رجل مستهتر كان مستغرقا في محادثة تلفونية !
اعدت طعاما وكانت تحمله مع شقيقتها فايزة كعادتها دائما ،انفقت عمرها كله فى تمتين صلة الرحم وتوثيق وشائج القربى . كانت في طريقها الي ابنه خالها سميرة في الصحافة التى تقضى فترة العدة لتخفف عنها وتعودها ثم تعود لتدبر امور بيتها ثم بيت ابيها قبل موعد الغداء .
هكذا هى (آسيا ) منذ ان تركتها امها يتيمة ومضت في موت مفاجىء وفاجع مثل موتها هذا في نفس العمر كانما هي ورثته من امها عليهما الرحمة معا .
ما كانت سيدة ذات مال او شهرة او صيت كانت مثلها مثل سائر نساء السجانة ولكنها أشتهرت بعمل الخير وتحمل المسؤولية ورجاحة العقل والتسامح وعذوبة الجيرة وحلاوة العشرة . تركت لها امها 6 من الابناء وبنتان غيرها ، ظلت آسيتنا الرائعة بصبرها ورجاحة عقلها تشرف علي أشقاءها حتى بلغوا الحلم وتخرج اغلبهم في الجامعات ،ثم تزوجت من رجل فاضل وصاحب قلب طيب تفهم ظروفها ووقف معها هو سعيد صالح سعيد. هكذا ظلت تتحمل مسؤولية بيتها وبيت ابيها الارمل واخوانها في آن . عندما جاء كل واحد يروي شهادته عن ما كانت تقوم به آسيا من اعمال الخير، دهشنا وتساءلنا جميعا من اين لها كل تلك الطاقة والزمن وهي ترعي وتشرف علي بيتين ! عندما جاء " فقير الخلوة " وحكي ما حكي عن ما كانت تقدمه للحيران، ربما كان هذا مقبولا لان الخلوة كانت قريبة من بيتها . لكن ماذا عن حيران خلوة اخري جاءوا متابطين مصاحفهم ليختمون القرآن علي روحها الطاهرة . الامر المدهش والمحير ،كيف كانت تستطيع ان تصل الناس معزية فى تخوم العاصمة وضواحيها ! تصل حدود الثورات في ام درمان واطراف الحاج يوسف وتخوم الكلاكلات وهي لا تملك عربية !عندما يستصعب البعض من الاهل طول المشوار والخوف من الرهق ويتقاعسون ،تذهب هي لوحدها وتتركهم . لقد عرفت الآن لماذا لم يرفع العزاء في يوم واحد كما جرت العادة !وظل سرادق العزاء منصوبا لمدة 4 ايام ومايزال المعزون يتوافدون يقدمون تعازيهم .
عندما خرجت نساء السجانة عن بكرة أبيهن وسددن الطرقات والشوارع الخلفية يبكن ويلطمن خدودهن ، وعادة اهل السودان ان النساء لايخرجن مع الجثمان ! وسط دهشة المارة الذين كانوا يتساءلون يعتقدون ان مثل هذا الجثمان الطالع من حي السجانة العريقة لابد انه لشخصية لها صيت او شهرة او مال او منصب ، بما اشتهرت به السجانة من نجوم ومبدعين . لكن لم تكن آسيا إلا امرأة من سائر نساء السجانة كانت تأكل القديد . لكنها كانت السباقة في فعل الخير و وفي المبادرة اليه .
لم تصل الي حيث كانت تقصد ،فإذا بسائق اللانكروزر المستهر ينقص عليهما وهما في ركشة . الامر المؤسف كان ينبغى علي رجل المرور في مثل هذه الحوادث المميتة ان يسعف الضحايا اولا وهذا يحدث في كل بلاد الدنيا حتى في بلاد الواق واق وجزر الموز !
بدلا من استدعاء الاسعاف وفي البلدان الراقية يستدعون سيارات الدفاع المدنى مع الإسعاف ،تصوروا ماذا حدث ! اخذ رجل المرور سائق اللانكروزر وسائق الركشة وتركت آسيا في عرض الشارع في موقف إنعدمت فيه الرجولة والنخوة والمروءة والشهامة والإنسانية عند رجل المرور وعند سائق العربة معا .الذي كان يجب عليه عمله ، ان يأخذ ضحاياه الي المستشفي اولا ثم يخطط الحادث لا حقا ، لو كان به ذرة مروءة. ولكن لقد عقدنا العزم اننا سنقتص لاسيا مهما كانت كلفة الثمن ولن ينم لن جفن حتى ننتزع القصاص عبر القانون ضد إدارة المرور التى سنظل نرفع في وجهها الملطخ بالريبة اصبع الإتهام ، لأننا نري بعض ملامح شبهة او تسوية ما لذا نطالب بشدة نتحقيق شفاف ونزيه يملكنا حقيقة ما جري ويطلعنا علي تفاصيل تخطيط الحادث .ولماذا ترك رجل المرور الضحية دون إسعاف ومضى ؟ في غياب تخطيط الحادث وإختفاء الاطراف المتسببة في الحادث الذين تابطهم شرطي المرور بعيدا عن مسرح الحادث وترك الضحايا في عرض الشارع ! . ظلت اختها فايزة تصرخ وتستغيث المارة ان يتوقفوا لاخذه اختها الي المستشفي .حتى جاء شاب شهم وحملهن الي قسم الحوداث في مستشفي إبراهيم مالك . هذا هو الجزء التالي من مأساة آسيا الذي سأفرد له الحلقة الثالثة .معذرة ربما اكون أضجرتكم بقضية شخصية واشركتكم معي فى حزن خاص مايزال يمزق احشائي وبقطع نياط قلبى ، ولكن هذه قضية رأي عام نستشعر فيها مسؤولية الناس كل الناس في الدفاع عن حقهم المشروع في الحياة ،ويستميتوا في المحافظة علي نعمة الحياة وهي نعمة إلهية ، ضد موت الإستهتار والفوضى واللامبالاة بسبب سياسات مامون حميدة وهي سياسات ستضطر سكان الخرطوم للإنتقال من بيوتهم الحالية الآمنة التى تنبض بالحياة الي بيوت مقبورة ربما يسمعون من يلق عليهم السلام او لايسمعون !
الحلقة الثالثة
زراعة الموت طويل التيلة في حوادث إبراهيم مالك .
هل ياتري كلف الدكتور مامون حميدة نفسه وذهب ليشاهد مستشفي إبراهيم مالك قبل ان يتخذ قراره العجيب والدراماتيكي بتحويل قسم الحوادث في مستشفي الخرطوم اليه ؟ وهل ياتري سجل زيارة لمستشفي إبراهيم مالك بعد ان حول اليه حوادث مستشفي الخرطوم اليه دون ان يؤهله او يعده او يجهزه لهذا التحول المهول والرهيب ؟اشك انه زار مستشفي إبراهيم مالك اصلا !لنفترض انه زاره !هل شاهد ضحايا الحوادث المميتة ممددون علي االارض يفترشون القرفصاء ،يختلطون مع الباعة الجائلون الذين حولوا المساحات حول المستشفي الي أسواق لزوار المرضى ! لماذا هذه الفوضى الضاربة اطنابها ؟ لانه لاتوجد اسرة كافية ولا حتى نقالات لحمل المرضى ضحايا الحوادث ولاحتى كراسى لحمل المرضى العاجزين عن الحركة . اي والله هذا واقع الحال في المستشفي الذي استقال مديره قبل ايام بسبب هذه الفوضى وسياسات خبط عشواء . إن تبرمت او سخطت يطلب منك ان تاتى بنقالة من عندك إذا كنت لاتحتمل ان يتوسد مريضك الثري !
ا
نعود لآسيا التى رحلت رحيل الفجاءة والفاجعة معا ، التى شاء قدرها في هذا اليوم المشؤوم ان تكون هناك . ما ان دخلت ، لم يكن في المستشفي غير طبيبة إمتياز واحدة ومعها عدد علي ما يبدو من سيمائهم انهم طلاب خدمة الزامية . كانوا في حالة ضوضاء وفوضى يتراكضون ويدورون حول انفسهم دون ان يقدموا علاجا يوقف صراخ آسيا وهي تستغيث وتطلب جرعة من الاوسكجين . كانت تصرخ باعلي صوتها "بس اودنى اوكسجين ! ولكن ما من مغيث حتى وصلت شادن بنت اختها التى كانت معها في الحادث وهي طبيبة .تصوروا طلبوا منهم ان يبحثوا عن حقنة وممرضة في ذات الوقت ! أين هو طاقم التمريض في مستشفي يفترض فيه إستقبال حوادث منطقة الخرطوم جنوب كلها وكل ما بعدها من المناطق جنوبا . نلاحظ انه بموجب القانون الجديد اي اورنيك 8 لايمكن لمن يتعرض لحادث ايا كان نوعه في هذه المنطقة ان يتوجه إلا لهذا المستشفي فقط . و مستوي الخدمات فيه اما معدومة اصلا و او متدنية ،وسط بيئة من الفوضى وعدم النظام والقذارة والقرف .
قيل لهم ان الجهاز مغلق في محزن والمفتاج لدي الطبيب المسؤول ! "غلوتية ام حجوة لا ندري .ثم عادوا يتراكضون مرة اخري بحثا عن الطبيب المتخصص في حفظ المفتاح !! ولم يجدوه . طيب آلا تستطيع طبيبة الامتياز ان تحصل علي المفتاح بدلا عنها ؟قيل لهم انها ليست مخولة بذلك ! طيب يا سكان جزر الموز وبلاد الواق واق ،لماذا أساسا يغلق جهاز مرتبط بإنقاذ حياة الناس ويوضع في محزن ويسلم مفتاحه لطبيب غير موجود اصلا ! هل تم جلب انابيب الاوكسجين اساسا لتودع في المخازن ؟ام لتعطي أصحاب الحوداث المميتة جرعة تنفس تنقذ حياتهم !
كانت آسيا في الأثناء تطلق صوت الإستغاثة الذي لم يتوقف وكان صداه مسموعا في ردهات المستشفي وجنباته المسكونة بالفوضى والقذارة والمعطونة برائحة الدم وكل ما تفرزه الحوادث المميتة من افرازات . ثم اسلمت روحها الي بارئها .رحلت والجميع وقف عاجزا عن إنقاذ حياتها . غربت شمسها قبيل غروب الشمس بقليل وغربت عن السجانة وعن حياتنا وتركت خلفها سحابة من الحسرة والاسي تتمدد بالسؤال الذي سيظل ساكنا فينا ما حيينا :هل قتلها سائق العربة المستهتر ؟ام قتلها مستشفي ابراهيم مالك لانه لم يقدم لها جرعة الاوكسجين اللازم لانقاذ حياتها ؟ام قتلها مامون حميدة بسياساته الخرقاء وقراراته العشوائية ؟ ام قتلوها كلهم معا ؟
ذا كان هذا هو حال مستشفي الحوادث من البؤس والسوء والاهمال والفوضى لماذ يتبرع فخامة رئيس الجمهورية ببناء مستشفي لجيبوتى بكلفة 22 مليون دولار ؟ هل يا تري حياة الجيبوتيين هي الاغلي وحياة ابناء وبنات شعبه في السودان هي الأرخص ؟
لقد اسهبت في تفصيل قضية مقتل آسيا عليها الرحمة بقدر عدد المحسورين والمكلومين في موتها المباغت والصادم ، بغرض ان تتحول الي قضية رأي عام حماية لما تبقي من اوراح الناس ،حتى لاتتمدد زراعة الموت طويلة التيلة الي كل المناطق حتى التى لا تصلح لهذا النوع من الزراعة .
[email protected]
جعفر عبد المطلب