الفكر السلفى كما يعرفه اهله هو المنهج الاسلامى الداعى الى فهم القرآن والسنة بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن اهم منظرى هذا الفكر احمد بن تيمية فى القرن الثامن الهجرى لكن فكر بن تيمية وكنتيجة طبيعية لتطور المفاهيم وتقدم العصر كان قد اندثر واصبح نسيا منسيا قبل ظهور شخصية محمد بن عبد الوهاب فى الجزيرة العربية منطقة نجد تحديدا والذى قام باحياء هذا التراث ولقب عند متتبعيه بالمجدد (اى مجدد فكر شيخ الاسلام بن تيمية ) .. سبقت الحركة الوهابية حركات دينية ثورية مشابهة فى دول عدة ابرزها تقريبا الحركة المهدية فى السودان والسنوسية فى ليبيا وان اختلفت هذه الحركات فى نهجها عن الحركة الوهابية فكانت اقرب الى الحركة الثورية السياسية منها كحركة دينية لذلك كانت هذه الحركات اكثر تاثيرا واكبر شهرة ووجدت التفافا كبيرا من شعوب تلك الدول الباحثة عن التحرر من قيد الاحتلال وكان صداها عالميا اكبر عكس الحركة الوهابية التى كان التاثير فقط على محيط الجزيرة العربية التى لم تشهد وجودا اجنبيا وكان الصراع اقرب الى الصراع الاهلى لذلك لم تجد الحركة الوهابية اجماعا شعبيا كباقى الحركات الاخرى التى تعلق بها الناس بل فرضت وجودها اكراها وجبرا بقوة السلاح وفرضت الامر الواقع على شعوب تلك المنطقة بغزو مناطقها . حتى وقت قريب جدا كان تأثير هذا الفكر لا يتجاوز حدود الجزيرة العربية وتحديدا المملكة العربية السعودية لكن بعد ثورة النفط التى اجتاحت الخليج والسعودية على وجه الخصوص وهجرة الكوادر والعقول العربية تحديدا واستقطابها للعمل واحتكاكها بالمجتمع السعودى ودعم الدولة الغير محدود للمؤسسة الدينية تأثر البعض بهذا الفكر فكانوا النواة الاولى لانتقال هذا الفكر من حدودها الجغرافية الى دول عربية اخرى . اختصارا وبمعنى بسيط لعبت القوة المالية الهائلة دورا كبيرا فى تصدير هذا الفكر الى خارج نطاقه الجغرافى من خلال جمعيات حملت الصفة الخيرية ومن خلال الدعم اللا محدود لكوادر هذا الفكر فى تلك الدول ومن خلال مطبوعات مكثفة فاقت فى كمها حركة الثقافة العربية من ادب وفن .. لكن بالرغم من كل هذا كانت المجتمعات العربية محصنة ضد هذا الفكر الذى يختلف تماما مع طبيعة وحياة انسان وشعوب تلك الدول التى نشات على الانفتاح والثقافة ولم تتعود حياة الانغلاق والتشدد والكراهية لكن الخطورة وانه بالرغم من انه حتى الان لا تجد اثرا من حيث الكم لهذا الفكر فى الدول العربية قاطبة الا ان هناك تفوق واضح من حيث الكيف لهذا الفكر وما تشهده المنطقة العربية اليوم من كوراث هى بالطبيعة نتاج تاثير هذا الفكر اكبر دليل . ما يهمنا فى هذا الخيط قراءة مختصرة لهذا الفكر فى السودان : الشعب السودانى بيطبيعته شعب بسيط جدا الاصل فيه التسامح والانفتاح وقبول الاخر ايا كان اختلافه مع ميول فطرى الى التدين الوسطى السمح وربما كان التاثير الصوفى على طبيعة السودانيين اكثر وضوحا ولا زال رغم كل المتغيرات السياسية والاجتماعية التى مر بها هذا الشعب ورغم كم المعاناة التى يعيشها لكنه لم ينجرف كثيرا نحو التغير وحتى الصراعات والحروب الاهلية التى لبست فى بعض الاحيان ثوب الدين لم يكن تاثيرها كبيرا فى طبيعة الشعب نفسه ربما لان هذا الصراع يقوده فى الحقيقة حزب محدد لم يكن الشعب فيه طرفا اصيلا ... لذلك لم يتقبل الشعب السودانى الفكر السلفى كمنهج لكنه لم يرفضه او يحاربه تسامحا بل وجد السلفيون رغم قلتهم كل الاحترام فى المجتمع السودانى وكانت النظرة تجاههم انهم شيوخ ورجال دين وبنظرة بسيطة لكل حى او شارع فى السودان ستجد ان عدد السلفيين فى اى حى لا يتجاوز الاثنين او ثلاثة وقد تخلو احياء كاملة من اى وجود سلفى دلالة على ان الارضية ليست صالحة لنباتهم . لكن احقاقا للحق كان السلفيون الاوائل فى السودان مختلفون جدا من حيث الطرح ومن حيث التعامل وتشعر ان الطبيعة السودانية السمحة كانت تغلب على التشدد الذى هو اساس هذا الفكر لذلك كان وجودهم فى المجتمع مرحب به وكان لهم القبول بين الناس العكس تماما فى الجيل الحالى من السلفيين الذين تتطبعوا كليا وشربوا الكراهية والتشدد واصبحوا نسخة من اخوانهم فى الدول الخليجية وتغيرت لغتهم وتعاملهم مع المجتمع من خلال الخطاب المسوم الذى بات يبث يوميا فى شريان الشارع السودانى خصوصا تكفير الاخر والاتجاه نحو الكراهية وما نتابعه اليوم من خلال المخاطبات التى تتم فى الاسواق والتجمعات من خلال وجوه شابة ما هى الا دلالة ظاهرة على هذا الاتجاه الذى اصبح غالبا والاخطر من ذلك نشوء فرق مختلفة متمردة حتى على السلفيين ربما تأثرا بفرق اخرى ظهرت مؤخرا على السطح من حركات مسلحة فرضت اسمها فى بعض الدول تشبع رغبات المتشددين وما يجعل الامر مقلقا حقا ان البيئة السياسية فى السودان مهيئة تماما لتكاثر هذه الجرثومة الخبيئة فالحكومة التى جرفت وعى الشعب عن عمد وافرغت التعليم من دوره الحقيقى وافقرت الشعب كليا وحاربت الثقافة والفكر وطرحت نفسها كفكر دينى متطرف تساعد فى بروز مثل هذه الجماعات حفاظا على صفتها كحكومة دينية لذلك ليس مستغربا ان تقوم الحكومة بمهاجمة اى مخاطبة سياسية او حتى ادبية واعتقال كل من يتحدث ومطاردة كل مختلف فى نفس الوقت الذى تجد فيه فروخ هذه التيارات يخاطبون الاسواق والتجمعات بكل حرية وتحت حماية تامة رغم ما فيها من خطاب مسموم وكراهية وسب وتكفير للاخر .. لكل هذا يبدو ان الصدام بات وشيكا جدا بين المجتمع السودانى وهذه الجماعات لان جنوح هذه الجماعات اكثر واكثر فى ممارساتها وخطابها يصاعد حدة التباعد بينها وبين طبيعة الشعب السودانى
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة