ســرديات فيسبوكية رجب سعد السيّد «هذه نماذج من تسجيلات على جداري الفيسبوكي في الأيام القليلة الماضية، لم أتدخل كثيراً في انتقائها إلا بما يخدم – في تصوري – السياق العام» ____________________________________________________________________________________________________________(1) أنت لا تصرخ في وجهي .. هذا قفاي!أفادتني الدراسة في كلية العلوم كثيراً.من المواد التي درستها، المصطلح وطرق التجريب (Terminology and Methodology) وكانت تدرسها لنا أستاذة لا أنساها أبداً، اسمها الدكتورة تهاني سالم، تحية لها أينما كانت، فقد كانت سيدة غاية في (الشياكة الشخصية) .. لا أقول شياكة الهندام، ولكن شياكة الروح والحضور الشخصي. وكان شعرها فضياً منسقاً. لم أسمعها أبداً معنفة أو منفعلة، ولم يكن أحد ليستطيع أن يجعلها تتصرف بعنف. غاية في الدماثة والرقة.وأنا أستعين بما تعلمته منها في هذين الفرعين البحتين من أفرع الكيمياء، في التعاطي مع أي مسألة فكرية، وليس في مجال العلوم فقط. فمن المهم جداً أن تحدد طريقة اقترابك من أي مسألة تتعرض لها، وبغير ذلك يضل عنك سبيلُك. كما أحاول أن أتبين طريقة الآخرين في معالجة القضايا، لأكتشف ما إذا كانوا يضمرون غير ما يبطنون. ويمكنك أن تخرج بالـ methodology إلى مجال استكشاف أسلوب حزب ديني، مثلاً، في التحايل على مسمى، أو مصطلح (الحزب الديني) - وهذه نقطة متصلة بالفرع الثاني: المصطلح - لينجو من قانون الأحزاب في مصر الذي يحظر تكوين أحزاب ذات صبغة دينية. وهكذا ..أما عن المصطلح، فإن تحديده الصارم في العلوم الطبيعية والتطبيقية يحتفظ لهذه العلوم بأساسها الصلب، فالإلكترون محدد، والأيون له صفاته، والحمض له خواصه، والقاعدة لها خواصها .. مثلاً. وغياب المصطلح أو اختلاف الرأي فيه، في الدراسات المتصلة بالإنسانيات، كالآداب والقانون، يطيح بنا إلى غياهب المتاهات.إنني أحاول ألا أستغني عن تحديد المصطلحات في تعاملي الفكري، وأتوخاه في كتابات وأحاديث الآخرين، غير أنني كثيراً ما أجد كتابات وأسمع من الأحاديث ما تدور على هذا النحو، إن ترجمناها إلى لغة الكيمياء: ( .. إن الإلكترون ما هو إلا مادة قاعدية لها خواص الأحماض العضوية، وهو بذلك يختلف عن الأيون، الذي يقترب كثيراً من صفات الحمض، ويتحول إلى إلكترونات حرة، إن عالجناه بقاعدة!. إنني لا أبلغ كثيراً في هذه الترجمة. فإن أضفنا إلى ذلك (ضياع اللغة)، بناءً وأسلوباً، أُطفئت أضواء طريق التفاهم!إننا، أصدقائي، لا نفعل إلا الصراخ في وجوه وأقفية بعضنا البعض.(2) برلمانُنــا الأزرق!لي مجموعة قصصية صغيرة، صادرة من نحو ربع قرن أو أكثر، في سلسلة أصوات أدبية – هيئة قصور الثقافة، عنوانها (عملية تزوير)، أرصد فيها ملامح تخبطات أنور السادات، التي زورت شكل مجتمع دولة خارجة من حرب كبيرة، منتصرة.في المجموعة قصة عنوانها (طفلنا الأزرق)، تحكي عن أسرة في بداية الطريق، يكتشف الأطباء أن أول أطفالها سيكون (أزرق). والطفل الأزرق هو الذي يعاني تشوهات خلقية في صمامات القلب، تجعل الدم الشرياني يختلط بالدم الوريدي، فيكون ثمة احتمال لأن (يولد ميتاً)، أو أن يأتي إلى الحياة أزرق اللون، يعاني أقسى معاناة، ويصيب أهله بالهمِّ والشقاء، ولا يطول ذلك كثيراً، إذ لا يلبث أن يتوفاه الله، رحمةً به، وبأهله.لذلك جعلت العنوان: برلماننا الأزرق! (3) أنواع الإنسانأعتقد أن على علماء التصنيف أن يأخذوا برأيي في تصنيفي الجديد لما كان يُعتقد قديماً أنه نوع بشري واحد:1 - هومو سابينس .. وهو الأصل.2 - هومو إليكترونيكاس.3 - هومو ديجيتاليس.4 - هومو كيميكاليس.5 - هومو كونصمشيوناليز.6 - هومو أرابيكاليازي.والأخير لم يتعرف عليه كل علماء التصنيف، ومع ذلك فهو أقرب الأنواع الستة للانقراض.
12-18-2015, 06:16 PM
الطيب عباس الطيب عباس
تاريخ التسجيل: 09-22-2015
مجموع المشاركات: 2279
4) كلُّ ذلك البِشر .. كلُّ ذلك الأمل ..!كلمتي في افتتاح أول مؤتمر ثقافي يتم تنظيمه في مصر، في أعقاب ثورة 25 يناير، بحضور وزير ثقافة الثورة الدكتور عماد أبو غازي. كلمة ذات بِشْــرٍ .. مفعمة بالأمل. فماذا حدث لي الآن؟!. وماذا جرى للوطن؟!أتيلييه الإسكندرية - المؤتمر السادسمستقبل الثقافة – ثقافة المستقبل12/13 مايو 2011صبـــاحٌ ســـكندريٌّ بهيج، في زمــنٍ مصريٍّ جديد.صحيحٌ أن الوطن يعاني أعراض ما بعد الجراحة، بعد أن بتـر أسقامَه، لكنه لن يلبث أن يتعافى منها.واجتماعُنا اليومَ وغدا هو محاولة منَّـا لمراجعة أجندة الثقافة المصرية، تأمُّـلاً لما نتصوره من ملامحها في المستقبل المنظور، لنعمل على تحقيقه، لنسهمَ في إصحاح بدن الوطن، ونعظمَ من مناعته ضد أشكال الفساد والطغيان، ولنكون جديرين بالعيش في هذا القرن، ولا نستمر هاجعين في هامش الكون، مثلما كان حالنا في القرن العشرين.لا ندّعي أننا أحطنا بكل جوانب هذه الأجندة؛ ونعتذرُ عن أي تقصير قد يجده ضيوفنا فيما ذهب إليه تصوُّرُنا عن طروحات هذا المؤتمر؛ ولكننا سنكون راضين إن نجحنا معا، متحدثين ومحاورين، في إثارة بعض علامات الاستفهام القديمة والحديثة، وإزالة الأتربة عن جانب من القضايا المسكوت عنها وعليها.فمرحبـــا بكم، أيها المواطنون المصريون، في هذا الصرح الثقافي الفني التاريخي : أتيلييه الإسكندرية .. وأتمنى لكم مؤتمراً يرقى الأداءُ فيه إلى مستوى أداء الشعب المصري العظيم، في 25 يناير.(5) في المركز القومي للترجمةكانت سفرية للقاهرة اليوم طيبة، إنتهت بالرجوع في ديزل (VIP)، مرة .. من نفسي.قابلت في المركز القومي للترجمة مديره الجديد. كنت أنا أول زائر لمكتبه، في أول يوم، بل أول ساعة له. أعادت المقابلة لي الأمل في أن تنصلح أحوال هذا المركز الخطير.وبعد هذه المقابلة المفعمة بالطاقة الإيجابية، ذهبتُ إلى إدارة الجوائز لأسترد النسخ من كتابي (المتحكمون بأقوات البشر)، وهو من إصدار المركز نفسه، وكنت قد تقدمتُ به لمسابقة (رفاعة الطهطاوي) التي ينظمها المركز سنوياً، ولم أوفق، فطُلِبَ إليَّ، منذ شهرين، أن أحضر لاستلام النسخ من الكتاب.فوجئتُ بأن النسخ (أنظف مما كانت)، بل إن واحدة منها بقيت على حالها، مغلَّفةً بالغلاف البلاستيكي الذي تحيط به مكتبة المركز مبيعاتها. أي أن أحداً لم يفحص الكتاب. الأمر الذي يؤكد أن (النية) كانت (مبيتة) لمنح الجائزة لمترجم بعينه.أنا لا أشكو لأنني لم أفز بالجائزة، فأنا مدرك أن كل جوائزنا الثقافية، تقريباً، سيئة السمعة، وعندما أتقدم لجائزة أضع هذا في اعتباري، وأراهن على أن يحدث خطأ، فيصحو ضمير (حكام) الجائزة. لكن ما يزعجني هنا هو أن اللجنة المنظمة للجائزة كانت على درجة من الغباء، أو لعله (الفجور)، بحيث أنها لم (تفض) غلاف النسخة، حتى، ذراً للرماد في عيني، فتركتني أرى النسخة وقد استرددتها على حالها.وشاركني قِطِّيَ (فلافي) تعجبي - وهو يفهمني جداً جداً، أنا واثق - فاقترب من النسخة (دليل الواقعة)، بتفحصها، ثم وضع رأسه على الأرض، وهي علامة يعرفها محبو القطط، فهي دليل على الحزن وخيبة الأمل.(6) 6 أكتوبر .. معذرةً يا جميل ...ظللنا لسنوات طويلة نتساءل: لماذا لم يُكتب عملٌ أدبي ملحمي، يقوم على واحدة من أهم (معاركنا) في حربنا مع العدو الإسرائيلي، على نحو ما أنتج الأدباء الأوربيون والأمريكيون بعد الحربين العظميين الأولى والثانية، والحروب الإقليمية الأخرى التي خاضتها بلادهم؟!أنا كنت أنضم إلى فريق يقول بأن هذا العمل، أو هذه الأعمال، لن يكتبها إلا مقاتلون، خاصةً أن مقاتلي أكتوبر كانوا هم خلاصة شباب الوطن، في كافة التخصصات، وشارك في العمليات الحربية - بالفعل - مقاتلون يشتغلون بالكتابة الأدبية، وأنتجو أعمالاً، كتبت على عجل، كما يسجل الفنان التشكيلي أفكار لوحاته في رسومات أولية، حتى لا تفقدها ذاكرته.وكان رأيي، مع كثيرين، أيضاً، أن العمل الأدبي (الأكتوبري) المُرتجى لن يأتي إلا بعد أن يبتعد الأدباء المقاتلون بما فيه الكفاية عن ظروف المعايشة الفعلية، ليدخلوا في المعايشة الإبداعية.وظللنا نردد ذلك كثيراً، وطال انتظارنا، ولكن شيئاً بالحجم والقيمة المأمولين، لم يتحقق. أنا شخصياً، ظللت زمناً طويلاً أتخذ من اللواء المهندس باقي زكي يوسف نموذجاً لبطل رواية تربط بين (ملحمة) بناء السد العالي، وملحمة أكتوبر، وكلتاهما - في رأيي - يعود الفضل فيهما لجمال عبد الناصر، فلم يكن السادات إلا مشاركا جاء بعد انتهاء الاجتماع التحضيري، وفي يده بطاقة دخول عرض سينمائي، قد تنفعه عن ضرورة البحث عمن يتحمل مسئولية فشل.وكان بطل روايتي مهندسا عسكريا، شارك في الأعمال التحضيرية لتحويل مجرى النهر وإقامة جسم السد باستخدام آلات تهيل جبال الصخور والرمال، هي التي أوحت إليه بالآلات التي أهالت الساتر الترابي لخط بارليف. وأحكي من خلال هذا البطل التحولات التي شهدها المجتمع المصري منذ بناء السد، مرورا بالتحولات الاشتراكية، والتصنيع، وعلامات ازدهار بدأت تتضح ملامحها في المجتمع المصري، في كافة نواحي الحياة، حتى أوقفت نموها معركة 67، وما تلاها من موت ناصر، والدخول الميلودرامي للسادات إلى المشهد، ثم أكتوبر وانهيال الساتر الترابي.غير أن ما أحبطني عن أن أستمر في مشروعي الروائي، وأحبط كثيرين غيري، أنهم فوجئوا بأن المجتمع الذي قاتلوا وفقدوا أصدقاءهم من أجل استرداد كرامته، والذي خرج لتوه من حرب منتصرة، ذهب إلى آخرين، وأهملهم، لحد أنهم غادروه إلى بلاد مجاورة التماسا للقمة العيش.شعر الأدباء الذين كان يمكنهم إنتاج العمل الأدبي المنتظر أنهم كانوا يشاركون في مباراة شطرنج سياسية متفق على خطواتها مسبقاً، كما أن رئيس البلاد وقادته الكبار لم يكونوا ليسمحوا لبطولات عظيمة بأن تسجل في عمل إبداعي عظيم، فهم فقط من يجب أن يكونوا تحت الأضواء، وهم فقط من يجب أن نسبح بأفضالهم علينا وأن نسك من أجلهم ألقاباً مضحكة خالية من أي روح.ومن ثم، راحت جهود إبداعية تسجل (خيبة الأمل) هذه، بدلاً من أن ترحب بآمال عريضة في دولة عصرية تخرج من حرب لتعيد بناء اقتصادها وتنطلق في سبيل التقدم.فمعذرةً أكتوبر، فقد ضيعناك على كل المستويات.نحن أفضل من يضيع الفرص، لنظل ندور في فراغ ونبكي على ألبان سكبناها بغباء ...________________________________________شكرا استاذ الطيب على المعلومة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة